كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في ما يجري في غزة وفي فلسطين عموماً. هؤلاء هم اليوم "أهل الحسين"!
2024-08-29

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
المسجد الأقصى

والله ستفعل! ستبني كنيساً يهودياً في باحات "المسجد الأقصى"، ثم ستقوم بتوسعته رويداً رويداً، ليقضم المسجد نفسه. بل ربما فعلتْ ذلك بسرعة، على اعتبار انعدام أية ردة فعل من أصحاب الشأن، كما تفعل اليوم في "الضفة الغربية"، بعدما اكتشفتْ أن مجازرها في غزة، وهي تفوق الخيال، قد مرّت بسهولة. وسنكون نحن مستحقين لما يُصيبنا.

فليفرح هؤلاء، الذين تصْدر أصواتهم من قلب المنطقة العربية، صادحين بأنهم صهاينة، وبأنهم والإسرائيليون أبناء عم... ولما لا؟ هي حرية رأي ومعتقد! قال بعض رجال الدين من "الشيعة" العراقيين، الذين يترددون على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "القدس" ملكٌ لليهود، بحسب إرادة الله، وقالوا كلاماً آخر سفيهاً. ولكنهم قلة قليلة، أفراداً، على الرغم من علو جعجعتهم، وهناك من يضاهيهم لدى الطوائف الأخرى، من دون أن يكون لكلام هؤلاء الأخيرين ومواقفهم، بما فيها زياراتهم لإسرائيل، أبعاداً طائفية وتحريضية، لذا يصحّ تجاهلهم. عدد من السلطات في المنطقة عقدت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وطبّعت العلاقات معها. وهم أرسلوا إليها قوافل من الغذاء، بينما كانت غزة تتضور جوعاً، بل أرسلوا إليها جنوداً للمشاركة الرمزية، في القتال... ضد الفلسطينيين. وقبلها، ومنذ سنوات، راحت تظهر"الدشاديش" البيضاء في شوارع "تل أبيب"، وامتلأت فنادق الإمارات والبحرين وشواطئهما بالإسرائيليين، ومُنِح عشرات الألوف منهم جنسية البلدين، عربون المحبة الفائقة، بينما كانت مهرجانات الترفيه الصاخبة تتوالى في السعودية، بتنظيم وتمويل وإشراف رسمي... ولولا أن الشعب المصري لهم بالمرصاد، لتوسعت سياحة الإسرائيليين العلنية خارج حدود "سيناء" والبحر الأحمر، وهو ما حاولوا القيام به، ودفعوا ثمنه. ولكن "السيسي" يُعوّض جفاء الناس، باتفاقات مع "تل أبيب"، تبيح لها الغاز والنفط وسواهما... وهذا كله ليس سرداً حصرياً، بل أمثلة متفرقة. 

وأما في إيران، فقد قال مرشدها منذ أيام، إن "المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية مستمرة حتى يوم القيامة"، مضيفاً – في تأكيد مرعب - بأنها "لا نهاية لها". استئصال إذاً؟ وهل تضم الجبهة اليزيدية – أي الأمويين، وهم اليوم "أهل السنَّة"، بغض النظر عن موقفهم من "يزيد" وكرههم له – الشعب الفلسطيني؟ أليس "الحسين" حفيد النبي العربي؟ 

فما معنى هذا في إطار اللحظة؟ واللحظة ليست "ذكرى كربلاء" (التي وقعت في العام 680 ميلادية)، ولا هي "أربعين الحسين" - على الرغم من الفاجعة المؤلمة التي تحيط بمقتله - بل هي فلسطين! ليس من قبيل المبالغة القول إن معاني "خروج الحسين" لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - تتجسد في ما يجري في غزة وفي فلسطين عموماً. هؤلاء هم اليوم "أهل الحسين"!

ولأن إسرائيل قد اطمأنت إلى نتائج فعلتها في غزة، فإنها راحت تكرر الأمر في "الضفة الغربية"، بدءاً من مخيماتها المحاصَرة من جيش العدو، ومن شرطة ما يقال له "السلطة الفلسطينية"، وصولاً إلى "المسجد الأقصى"، وكل أحياء "القدس". لقد لمستْ لمس اليد أن الأنظمة العربية هي حليفتها فعلاً، وأن الشعوب العربية واقعة في عجز قاتل، ويخنقها الفساد المريع للمتنفذين، والافقار والقمع.اكتشفت إسرائيل إن العالم كله يشبهها، وأن حساباته تخص، فحسب، مصالحه الآنية والمباشرة، بلا ذرة مبادئ أو قيم، على الرغم من الجعجعة بها، وأنه يكره العرب بشكل لا شفاء منه، وهو لم يعد يكلف نفسه حتى الإشاحة ببصره عن الأهوال...

عالم عبثي يركض نحو زواله. وأما مقاومة فلسطين فعلامته المضيئة اليوم، وشفاعته، لو ثمة شفاعة!

مقالات من فلسطين

"عبئكم ثقيل، سأحمله معكم"..

2025-01-16

الآن، وفيما نترقّب جميعاً خبر وقف إطلاق النار في غزة على أحرّ من جمر، ينبغي أن نفكّر جماعياً بمعاني "التضامن"، أوجهه وجدواه بأشكاله المتعددة، وما حققه (ولم يحققه) خلال نحو...

لا تكفي الإدانة!

2025-01-10

لم يلحظ أهل غزّة أي فرقٍ بين أوّل سنتهم ومنتصفها وآخرها، وبدايةِ سواها. كل يومٌ هو فرصة إسرائيلية جديدة للتفنن في قهر الناس وذبحهم، على مرأى العالم (المحتفِل!). الإدانات قاصرة....

للكاتب نفسه

لبنان: من هو الوطني اليوم؟

الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...