زلزال المغرب: المساعدات الدولية قبولاً أو رفضاً

كانت استجابة السلطات المختصة في هذه المناطق القصية بطيئةً خلال الأيام الأولى، إذ اشتكى كثيرٌ من السكان من غياب أو شبه غياب فرق الإنقاذ والمساعدة الطبية، علاوة على احتياجهم للمواد الغذائية الضرورية. تحسنت الأمور تدريجياً بعد مبادرات المغاربة الفردية استجابةً لنداءات مواطنيهم المنكوبين.
2023-10-09

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
تضامن شعبي في المغرب مع المناطق المنكوبة

هز الزلزال القوي مناطق الأطلس الكبير القروية. سبع درجات على مقياس ريختر كانت كفيلة بِدَكِّ أغلب المساكن، وقتل آلاف الضحايا وإصابة عشرات الآلاف من الأشخاص، أغلبهم يعيش على الكفاف، بل وأقل من ذلك بكثير.

كانت استجابة السلطات المختصة في هذه المناطق القصية بطيئةً خلال الأيام الأولى، إذ اشتكى كثيرٌ من السكان من غياب أو شبه غياب فرق الإنقاذ والمساعدة الطبية، علاوة على احتياجهم للمواد الغذائية الضرورية. تحسنت الأمور تدريجياً بعد مبادرات المغاربة الفردية استجابةً لنداءات مواطنيهم المنكوبين.

بدأ السكان يتنفسون الصعداء بعد وصول المساعدات الفردية للمغاربة، وتلتها الإمدادات والمساعدات الحكومية والمدنية والأجنبية. هذه الأخيرة لم تشمل كل الدول التي عَرضت تعاونها في مواجهة محنة الزلزال المغربي، إذ تعاملت معها السلطة السياسية بمنطق الرفض والقبول.

رفضٌ وقبولٌ: لماذا؟

منذ الأيام الأولى للزلزال، بادرت مجموعةٌ من الدول الشقيقة والصديقة للمغرب إلى تقديم المساعدات للمناطق المنكوبة، من بينها فرنسا والجزائر وألمانيا وتركيا، لكن المغرب اكتفى بمساعدات خمس دول هي بريطانيا والإمارات وقطر وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تدلّ هذه الخطوة "الانتقائية" على أن البلد يتعامل مع هذه المسألة على نحوٍ سياسي، خصوصاً بعد الأزمة الحادة المسجّلة مع فرنسا ومع الجزائر، جارة المغرب. في المقابل، لم تعتبر ألمانيا قرار الرفض قراراً سياسياً، لأنها على "دراية من واقع خبرتها مع السيول القوية التي تعرّضت لها خلال عام 2021، أن تنسيق المساعدات مهم لتجنب عرقلة فرق الإنقاذ لجهود بعضها البعض" (1).

لكن قد ينتج عن قبول حكومة المغرب لعروض دول "غير مرغوب فيها" كدولتي فرنسا والجزائر استغلال سياسي لهذه الأزمة الطبيعية وتوظيفها في مآرب أخرى، تصب في تسويق فرنسا كـ "منقذ قوي"، علاوة على إمكانية استغلال الوجه الآخر والمنسي للبلد الغارق في الهشاشة الاجتماعية والعوز لأناس عائشين خارج وعاء الزمن في جبال مهيبة وعصية على التأقلم.

كما قد يكون هذا الحذر المخفي والرفض المعلن للرباط لمساعدات من بلد مستعمِر كفرنسا بمثابة رفضٍ لخطاب هذه الأخيرة المتعالي والمثقل بـ "متلازمة الحماية" (2)، وإنكار لحق المغرب في أن يسيِّر أزمته كما يرى. حشدت فرنسا نخبها وإعلامييها وسياسييها للتأكيد على أنّ المغرب لا يمكنه الاستغناء عن "الإمكانيات والخبرات المتقدمة" لفرق الإنقاذ الفرنسية، كما قللوا من قدراته التقنية واللوجستية التي، وإن كانت غير كافية، إلا أنها ليست بذاك السوء الذي تروّج له بعض المنصات الإعلامية الفرنسية.

قد ينتج عن قبول حكومة المغرب لعروض دول "غير مرغوب فيها" كدولتي فرنسا والجزائر استغلال سياسي لهذه الأزمة الطبيعية وتوظيفها في مآرب أخرى. كما قد يكون هذا الحذر المخفي والرفض المعلن للرباط لمساعدات من بلد مستعمِر كفرنسا بمثابة رفضٍ لخطاب هذه الأخيرة المتعالي والمثقل بـ "متلازمة الحماية".

تغطي المساعدات الدولية المقدمة للمغرب جزءاً من تكاليف إعادة الإعمار. ستزيد الكارثة التي أودت بحياة نحو 3 آلاف شخص وألحقت الضرر بأكثر من 59 ألف منزل، من الإنفاق الحكومي وارتفاع عجز الميزانية على المدى القريب، إذ أعلنت الحكومة عن خطة لإعادة الإعمار بقيمة ما يعادل 12 مليار دولارعلى مدى خمس سنوات، أي نحو 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في السياق ذاته، ترى أستاذة الجغرافيا في جامعة السوربون والمتخصصة في الشؤون الإفريقية سيلفي برونل، أن مسألة قبول أو رفض أو تجاهل المغرب لهذه المساعدات الدولية تحمل بعداً سياسياً، إذ أن بعض الدول "تستغل مثل هذه الأحداث في بلدان أخرى لمآرب سياسية". واستشهدت بحادثة تسونامي لعام 2004، التي ضربت دولاً آسيوية عديدة، من بينها أندونيسيا، إذ استغلت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الحدث واستثمرته لتحسين صورتها أمام مسلمي العالم، باعتبارها دولة مساعِدة وغير معادية لبلد مسلم، في وقت كانت تشهد تنامياً للانتقادات بسبب تداعيات أحداث "11 سبتمبر" وغزو العراق وأفغانستان.

من جانب آخر، تَحضر تفسيرات موازية لقبول الرباط بمساعدات الدول الخمس. فإلى جانب عامل القرب الجغرافي، تبدو العلاقات الإسبانية المغربية حيوية بعودتها إلى مجاري الود والتعاون، خاصة بعد دعم البلد الأوروبي لخطة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية خلال العام 2022، وأيضاً التنسيق الناجح في مجالات عديدة كتصدير الغاز، ونية التعاون في تنظيم نهائيات كأس العالم لعام 2030. أما بالنسبة إلى دولة قطر، فالمغرب كان أول من دعمها خلال الأزمة الخليجية لعام 2017، لذا "هناك نوع من الدين الرمزي لقطر على المملكة، إذ سيكون من الإهانة عدم منحها فرصة للرد بالمثل من خلال دعم المغرب في هذه المحنة" (3)، في حين يبدو قبول البلد بمساعدات بريطانية رسالةً تستهدف فرنسا، ومفادها أن الرباط لديها علاقات قوية مع العالم الأنجلوسكسوني المتمثل في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

وبعيداً عن التفسيرات السياسية لرفض أو تجاهل المغرب لمساعدات بعض الدول، يبدو أن المسوغات الموازية التي جعلت المغرب يتخذ هذا القرار ناتجة عن توفره على الاحتياجات الغذائية والأدوية اللازمة، ثم إن عملية الإنقاذ الصعبة والحساسة تكون أكثر نجاعة إذا تمت بين عددٍ محدود من المتدخلين، كما أنّ أولوية الاحتياج المستعجل تمثلت في تقديم مساعدات تقنية، وهي عروض تقدمت بها الدول التي قبِل بها المغرب، وكانت ملائمة وكافية لمواجهة تبعات الزلزال، علاوة على أنه قد يلجأ إلى قبول عروض المساعدات المقدمة من دول ومنظمات أخرى في حال تم تقييم الاحتياجات المحتملة.

المساعدات الدولية ستعوِّض بعض التكاليف

من المرجح أن تغطي المساعدات الدولية المقدمة للمغرب جزءاً من تكاليف إعادة إعمار المناطق المنكوبة بالزلزال. هذه الكارثة التي أودت بحياة نحو 3 آلاف شخص وألحقت الضرر بأكثر من 59 ألف منزل، ستزيد من الإنفاق الحكومي وارتفاع عجز الميزانية على المدى القريب، إذ أعلنت الحكومة عن خطة لإعادة الإعمار بقيمة 120 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، أي ما يعادل نحو 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

لن تغطي المساعدات الدولية لوحدها تكاليف إعادة الإعمار، بل سيتم الاعتماد بالأساس على تبرعات الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، الذي وصلت اعتماداته إلى 10 مليار درهم (حوالي مليار دولار) حتى يوم 26 أيلول / سبتمبر الماضي، كما أن تحويلات المغتربين ستوفر المزيد من الدعم (وفق تقرير وكالة فيتش)، إذ يتوقع أن تزداد تحويلات المغتربين على المدى القصير، والأمر نفسه متوقع مع التبرعات المالية الموجهة إلى صندوق الزلزال.

تؤكد خطة إعادة الإعمار أنها تستهدف 4.2 مليون شخص يقطنون في ستة أقاليم هي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات، وتستهدف إيواء المتضررين وإعادة بناء 50 ألف مسكن وتقوية البنى التحتية، وفك العزلة، والتخفيف من العجز الاجتماعي، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل 

بيد أن هذه التمويلات المذكورة غير كافية لتنفيذ خطة إعادة الإعمار، إذ من المرجح أن تلجأ الحكومة إلى التمويلات الدولية المتوافرة، أبرزها: الاتفاق المبرم مؤخراً مع صندوق النقد الدولي بمبلغ 1.3 مليار دولار لتقوية القدرة على الصمود لمجابهة تغيّر المناخ. وهذا اتفاق لم يكن معنياً بالزلزال، بل تم التفاوض بخصوصه قبل أشهر (4). ثم إنّ البلد لديه إمكانية توظيف خط ائتماني مرن لمدة عامين من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليار دولار تمت الموافقة عليه في نيسان/ أبريل الفائت، كما تأمل الرباط أن تكون الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المزمع عقدها خلال تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في مراكش، فرصةً للحكومات والمنظمات الدولية لإسداء المزيد من الدعم المالي.

ماذا عن إعادة الإعمار؟

خطوة إعادة الإعمار ليست بالهينة، خاصة في مناطق جبلية أطلسية وعرة، ومن غير المجدي أن تتم إعادة بناء مساكن معزولة وأخرى شبه معزولة على سفوح أو مرتفعات الجبال القصية. هذا التحدي يظل من الأمور التي لم يتم الكشف عنها بشكل تفصيلي. وعلى الرغم من تأكيد الحكومة أن إعادة الإعمار ستراعي الإرث العمراني للمناطق المنكوبة، بما يتماشى مع معايير الهندسة المضادة للزلازل، إلا أنه لم يعلن عن التصاميم الهندسية المعتمَدة والمقاربات العمرانية والسكانية في إعمار هذه المناطق القروية التي دُكَّتْ منازلها بسبب بنيتها القديمة والتقليدية المعتمدة على الطوب الطيني والأسقف الخشبية.

عملياً، تؤكد خطة إعادة الإعمار أنها تستهدف 4.2 مليون شخص يقطنون في ستة أقاليم هي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات، وتستهدف إيواء المتضررين وإعادة بناء 50 ألف مسكن وتقوية البنى التحتية، وفك العزلة، والتخفيف من العجز الاجتماعي، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، كما ستصرف أول دفعة من المساعدات المالية بقيمة 2500 درهم شهرياً، (حوالي 250 دولاراً)، لمدة سنة كاملة، للأسر المتضررة.

يبقى الإشكال الملموس متعلقا بالظروف التي سيمر بها سكان هذه المناطق على المدى القريب، خصوصاً وأن حلول أشهر البرد ستضع هذه الجغرافيا الجبلية أمام محك صعب. وعلى الرغم من الجهود المبذولة بمبادرات شخصية للمغاربة والمنظمات المحلية، والمساعدات الحكومية التي شملت إنشاء الخيام، لن تكون قادرةً على صدّ أهوال الطقس القارس. لذا يظل الحل الناجع هو في تسريع عملية بناء المساكن دون تسويف بمبررات بيروقراطية. فهل سينجح المغرب في تجاوز محنة الزلزال، بما في ذلك تنفيذ خطة إعادة الإعمار على نحو كامل؟  

______________________

1- وفق ما أفاد به المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية، ماكسميليان كال
2- على حد وصف الباحث في علم الاجتماع والعلوم السياسية محمد الطوزي   
3- وفق ما أفاد به الباحث في علم الاجتماع والعلوم السياسية محمد الطوزي لمجلة جون أفريك الفرنسية
4- بحسب ما أفاد به والي بنك المغرب المركزي، عبد اللطيف الجواهري. 

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه