فقراؤُكَ يا مغرب: هل سَتَعُمهم الحماية الاجتماعية؟

طرح مشروع الحماية الاجتماعية الجديد - "أمو- تضامن" - إشكالية جوهرية: كيف سيتم تمويل هذا المخطط دون احتساب مساهمات المنخرطين؟
2023-10-02

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
فقراء في المغرب

أعلنت الحكومة المغربية منذ أواخر العام 2022 إلغاء نظام "راميد"الذي يشمل ملايين (1) المستفيدين من الخدمات الصحية شبه المجانية في المراكز والمستشفيات العمومية.اكتشف صنّاع القرار أن هذا النظام اعترته كثير من العيوب والمشاكل والاختلالات، لعل أبرزها: عدم استحقاق فئة مهمة من المنخرطين فيه ممن أدلوا بمعطيات غير حقيقية ومزيفة للسلطات المختصة. وقد تمّ استبدال هذا النظام بنظام "أمو-تضامن" (2)، المندرج ضمن مؤسسة التأمين الحكومية المسماة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". فهل فعلاً ستنجح الحكومة في ضبط قاعدة بيانات المستحقين للحماية الاجتماعية؟

عملياً، تطالب السلطات المختصة كل المغاربة بالتسجيل في منصة السجل الوطني للسكان، باعتباره قاعدة بيانات رقمية ستسهل على المصالح الحكومية تنظيم فئات المغاربة من الموظفين وذوي المهن الحرة والعمال والمياومين. ثم على الأسر التي تريد الاستفادة من الدعم الحكومي أن تسجل نفسها في منصة السجل الاجتماعي الموحد. وهذا لوحده ليس كافياً، إذ يشترط على الأسرة أن تحصل على قيمة عددية تساوي أو تقل عن عتبة المؤشر الاجتماعي الذي ينطبق على الجميع، وقد حددته السلطات بعملية حسابية للمعطيات وفق ثلاثة عناصر رئيسية هي المميزات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، ثم وجهة ووسط إقامة الأسرة (حضري أو قروي). وتضم خصائص الأسرة مؤشرات عديدة مثل المعطيات الديموغرافية عن أفراد الأسرة، ووضعية العمل، ونوع المسكن، والتجهيزات، والمصاريف المعتادة (الغاز والكهرباء وغيرها)، والممتلكات غير المستهلكة، الخ. وهي مؤشرات يمكن التحقق من معظمها لدى الهيئات المعنية. بعد ذلك يتم التحقق من البيانات التي أدلى بها رب الأسرة (المكلف الفعلي بتسجيل كافة أفراد أسرته)، ويتم ذلك بشكل تلقائي بفضل تشبيك نظام معلومات السجل الاجتماعي الموحد مع أنظمة المؤسسات الأخرى مثل شركات توزيع الماء والكهرباء والاتصالات ومصالح الضرائب....

لن تَعُم كل الفقراء..

"أنا أرملة، ولا معيل لي، ومؤشري مرتفع "
"أنا مياوم، أب لأسرة صغيرة، مقطوع من شجرة، ومؤشري مرتفع
"

هذه الشهادات وسواها كثير، تكشف عن مشاكل واختلالات واجهت عدداً من المغاربة محدودي الدخل الذين وعلى الرغم من وضعيتهم المعيشية المزرية، حصلوا على مؤشر اجتماعي مرتفع.

اكتشف صنّاع القرار أن نظام "راميد" السابق اعترته كثير من العيوب والمشاكل والاختلالات، لعل أبرزها عدم استحقاق فئة مهمة من المنخرطين فيه ممن أدلوا بمعطيات غير حقيقية ومزيفة للسلطات المختصة. وقد استُبدل هذا النظام بنظام "أمو- تضامن" المندرج ضمن مؤسسة التأمين الحكومية المسماة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".

في هذا السياق، يروج كلام بأنّ السبب الرئيسي لارتفاع هذا المؤشر هو قلة أفراد الأسرة، فبحسبهم كلما كان تعداد أفرادها كبيراً انخفض المؤشر، لكن يظل هذا الاستنتاج غير مؤكد في ظل غياب أي توضيح رسمي.

بالنسبة إلى عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الهدف من مؤشر السجل الاجتماعي الموحد "ليس توسيع عدد المستفيدين، إنما التقليص منهم، وكلما ظهر لهم مؤشر يساهم في التقليص أُدرج فيه". ويرى أن نظام "أمو- تضامن" الذي حل محل "راميد" يسجل هو الآخر مشاكل كثيرة. كما كشفت جمعيته عن أنها تلقت خلال هذا العام شكوى من مواطنة رُفض تسجيلها في هذا النظام الجديد لأنها "استخدمت تعبئةَ هاتفٍ جوالٍ، تبلغ قيمتها 30 درهما يومياً".

بالموازاة، تحوم شكوك حول مدى احترام هذا المشروع الحكومي لطابعه الاجتماعي، وإن كانت الحكومة تهدف إلى تعميم هذا المخطط على كل المغاربة بغية ملء صناديق التأمين الحكومية المعرّضة بشكل دوري إلى خطر الإفلاس، وإن كان الحل فعلاً يكمن في انخراط ملايين المغاربة الذين سيقتطع من جيوبهم واجبُ اشتراكٍ شهريٍّ، أقله 160 درهماً (حوالي 16 دولاراً). أما الجانب الاجتماعي فلن يكون حاضراً (بحسب هؤلاء) بشكل كامل، إذ لن يشمل الدعم كل المستحقين من محدودي الدخل والمعدمين. وعلى هذا الخط، يرى غالي أن الهدف من هذا المخطط هو "توجيه المواطنين نحو أداء مبلغ 160 درهما شهرياً.

حددت السلطات عتبة للمؤشر الاجتماعي تنطبق على الجميع، واعتمدت عملية حسابية للمعطيات وفق ثلاثة عناصر رئيسية، هي المميزات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، ثم وجهة ووسط إقامتها (حضري أو قروي)...

أما القائمون على المشروع فيرون أن غايته – فعلاً - "اجتماعية"، إذ تعتمد على تعاضد وتضامن كل المغاربة بمختلف خلفياتهم المهنية والطبقية لمنح اشتراكات مالية للصناديق التأمينية الحكومية بغية مساعدة محدودي الدخل على الاستفادة من الدعم الحكومي، كما يوضحون بأن "المؤشر الاجتماعي" يظل متغيراً حسب وضعية الأسرة المعيشية والسوسيو-اقتصادية، إذ يمكن للأسرة تعديل بياناتها في حال تغيّر أحوالها الاجتماعية سواءً نحو الأفضل أو نحو الأسوأ . لذلك يرون أن هذا النظام مرن ويعمل على توصيف أدقّ لوضعية المغاربة، خلافاً لما كانت عليه الحال في العقود الماضية، حين كان يصعب تصنيف وتحديد مستحقي الدعم.

لا حماية اجتماعية بدون تمويل

طرح مشروع الحماية الاجتماعية إشكالية جوهرية: كيف سيتم تمويل هذا المخطط دون احتساب مساهمات المنخرطين؟

الحكومة تؤكد على لسان مسؤولها المكلف بالميزانية بأنه سيتم اعتماد مبلغ مالي يعادل 12 مليار درهم (حوالي 1.2 مليار دولار) لتعميم التغطية الصحية، وتتطلب الحماية الاجتماعية في شِقَي التغطية الصحية وتعميم التعويضات العائلية حوالي 30 مليار درهم (حوالي 3 مليارات دولار) سنوياً.

يقول خبير اقتصادي بأنّ اعتماد ضريبة تصاعدية على الثروة وغيرها من الضرائب، يمكن لها أن "تحسّن المردودية للموارد الجبائية بحوالي 80 مليار درهم (حوالي 8 مليار دولار)، وهو ما يعني تغطية تكلفة مشروع الحماية الاجتماعية وأكثر"، إلا أنّ "الاختيارات الضريبية التي اتبعتها الحكومة، تحرمها من جلب الموارد الجبائية الكافية".

علاوة على تمويل اشتراكات المنخرطين في صناديق التأمين العمومية وتمويلات الجهات الحكومية، سيستفيد هذا المشروع من قرض البنك الدولي، إذ وافق خلال تموز/يوليو من العام 2022 على تقديم تمويل بقيمة 350 مليون دولار لـ "تعزيز وتوسيع نطاق أنشطة مشروع الاستجابة الطارئة للحماية الاجتماعية"، كما أنه قدم تمويلاً خلال عام 2020 بقيمة 400 مليون دولار لمساندة منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب.

وتوضح هذه المؤسسة المالية الدولية،بأن هذا التمويل يرمي إلى"توسيع المساندة للبرامج الحالية للحكومة المغربية للتحويلات النقدية، وتنفيذ البرنامج الجديد للتأمين الصحي غير القائم على الاشتراكات للأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً"، كما أنه سيدعم البرنامج الحكومي الشامل للتعويضات العائلية، ونظام شبكات الأمان الاجتماعي التكيفية في الأمد المتوسط، وتنفيذ برنامج التأمين الصحي الإجباري "أمو-تضامن".

ليس البنك الدولي وحده من سيمول هذا المشروع، بل أيضاً الاتحاد الأوروبي الذي مد يده للحكومة المغربية في إطار برنامج للتعاون المشترك بقيمة 500 مليون دولار لدعم برامج "الإصلاح" في البلاد، بما فيها مشروع الحماية الاجتماعية.

قد تعم كل الفقراء، بشرط...

تعتبر أصوات اقتصادية خبيرة بأن تعميم الحماية الاجتماعية على كل الفقراء سيتم بشكل عادل بشرط تطبيق إصلاح ضريبي ناجع، يستهدف الأغنياء قبل الفقراء. نجيب أقصبي، هو من بين الخبراء الاقتصاديين الذين قدموا هذا الطرح، إذ يرى أن اعتماد ضريبة تصاعدية على الثروة وغيرها من الضرائب، يمكن لها أن "تحسن المردودية للموارد الجبائية بحوالي 80 مليار درهم (حوالي 8 مليار دولار)، وهو ما يعني تغطية تكلفة مشروع الحماية الاجتماعية وأكثر"، إلا أنّ "الاختيارات الضريبية التي اتبعتها الحكومة، تحرمها من جلب الموارد الجبائية الكافية، في الوقت الذي تُفرض عليها الزيادة في النفقات، ما يجعل المداخيل الجبائية لا تغطي سوى 60 في المئة من النفقات، وهو ما يدفع الدولة للقروض".

هل تهدف الحكومة إلى تعميم هذا المخطط على كل المغاربة بغية ملء صناديق التأمين الحكومية المعرّضة بشكل دوري إلى خطر الإفلاس؟وهل الحل فعلاً يكمن في انخراط ملايين المغاربة الذين سيقتطع من جيوبهم واجبُ اشتراكٍ شهريٍّ، أقله 160 درهماً (حوالي 16 دولاراً).

يحاول هذا التصور ما أمكن أن يعطي اقتراحات وتوصيات حمائية للدولة، وبعيدة عن الطرح النيوليبرالي الذي يعتمد على رفع الدولة يدها عن تمويل ورعاية الخدمات الاجتماعية، واتكالها بشكل جزئي أو كامل على تمويل المؤسسات الدولية المقرضة.

لكن، وعلى ما يبدو، إنّ دخول مؤسسات مالية دولية بعينها لهذا المشروع "الاجتماعي" في المغرب، قد يحرف هذا المخطط عن أهدافه إلى غايات أخرى لن تبتعد عن الجانب الربحي بأي حال. فهل سينجح بلد 3.2 مليون فقير (3) في حماية هذه الفئة من شظف العيش خلال السنين القادمة؟

سيتضح ذلك في العام 2025 وهي السنة الأخيرة لإكمال مخطط تعميم الحماية الاجتماعية في المغرب... 

______________________

1) تم تعميمه في المغرب بدءاً من عام 2011،ويصل منخرطوه إلى 16.5 مليون انسان.
2) كلمة "أمو" هي اختصار لكلمة AMO فرنسية، والتي تعني التغطية الصحية الإجبارية / Assurance de Maladie Obligatoire   
3)  وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية) عام 2022

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه