طرابلس عاصمة الثقافة العربية: كي لا تضيع الفُرصة..

يكمل الزائر جولته في أسواق طرابلس والخانات والجوامع والكنائس والأحياء والقلاع، ليتضاعف لديه الشعور بانها مدينة جميلة جداً ومتروكة جداً. ويتمنى تبديل الحال ويكاد لا يصدق كيف تُهمَل جوهرة ساحلية مشبعة بالتاريخ عند كل زاوية وفي كل شارع، وتُلقى بهذا الشكل الفجّ الذي يصل مرتبة الإجرام، كأنه قتل عمد!
2023-02-02

شارك
ساحة التل في طرابلس (عن الانترنت)

يعاين من يزور طرابلس في شمال لبنان حال المدينة ويفهم شيئاً من أحوالها على الفور. هذه مدينة جميلة جداً ومتروكة جداً. ولعل الزائرَ إذا مرّ على "معرض رشيد كرامي الدولي" يتيقّن: هذه مدينة للعمارة والثقافة والفنون، مدينة يليق بها الغنى، مدينة إمكانات واحتمالات لم تتحقق، وبالتالي مدينة للحسرة والـ"يا ليت". وليكمل الزائر جولته في الأسواق والخانات والجوامع والكنائس والأحياء والقلاع، ليتضاعف لديه ذلك الشعور ويتمنى تبديل الحال ويكاد لا يصدق كيف تُهمل جوهرة ساحلية مشبعة بالتاريخ عند كل زاوية وفي كل شارع، وتُلقى بهذا الشكل الفجّ الذي يصل مرتبة الإجرام، كأنه قتل عمد!

من هنا، يبعث الخبر على السرور. فقد قررت لجنة التراث العالمي إدراج معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس في شمال لبنان على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وقائمة التراث العالمي المعرض للخطر، وجاء القرار يوم 25 كانون الثاني / يناير 2023 عبر إجراء مستعجل، نظراً إلى حالة المعرض "المثيرة للقلق ونقص الموارد المالية اللازمة لصيانته والمخاطر الكامنة في مقترحات تطوير المجمَّع التي قد تضر بسلامته،" حسب ما ذكر موقع الأونيسكو، مضيفاً أن هذا التصنيف "يفسح أمام المعرض المجال للحصول على مساعدة دولية معزَّزة على الصعيدين التقني والمالي معاً".

والمعرض الذي يقع في مكانة بين وسط طرابلس التاريخي ومينائها البحرية هو تحفة معمارية من الطراز الرفيع، صممه المعماري البرازيلي الشهير أوسكار نيمايير في ستينات القرن الماضي على 70 هكتاراً، تضمّ قاعة مسقوفة ضخمة تتيح إقامة معارض دولية، بالإضافة إلى مساحات من الحدائق والبرك المائية وقاعات للمؤتمرات والمعارض وقوس وقبّة دائرية هي مسرح "تجريبي" يسمح للصوت أن يتردد من خلال الشكل الهندسي ويتيح احتمالات لإضاءة وتوزيع من نوع خاص، بالإضافة إلى غيرها من التشكيلات الهندسية التي تعطي المعرض شكله المميز والتي يمكن تحويلها إلى مساحات للعرض أيضاً. وهنا يتأكد مجدداً شعور الـ"يا ليت"! كلّ ما كان ممكناً ولم يكن هنا...

يأتي هذا التصنيف للمعرض بعد اختيار طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024، وسط وضع عام هو أفظع ما مرّت به البلاد منذ عقود على كل الصعد، خاصة الاقتصادية منها، مع العلم أن المدينة أُفقِرت وأهملت حتى في عزّ مراحل الإعمار والهدوء والاستقرار النسبي، وهي تعاني منذ ما قبل الانهيار الاقتصادي العام. وهي الآن تواجه تحدياً صعباً، فهي مستحقة للقب عاصمة الثقافة العربية من حيث تنوعها وغناها بالآثار والصروح المعمارية المذهلة وتوالي الثقافات المختلفة عليها، ولكنها مفتقرة للإمكانيات المادية واللوجستية لإنجاز برنامج ضخم عالي المستوى. في هذا الإطار، قامت اللجنة الثقافية التابعة لبلدية طرابلس بالاستعانة بذوي الخبرة لكتابة مشروع وصفته بالجدّي لفعاليات طرابلس عاصمة ثقافية، وهي تحاول بالتالي التقدم لتمويلات دولية، إذ أنّ الحصول على دعم مالي من الدولة اللبنانية أو الجهات المحلية يبدو أمراً بعيد المنال.

ويُتوقع مشاركة فرق ثقافية وفنية محلية وعالمية في احتفاليات تجري في عدة أماكن في المدينة، على رأسها معرض رشيد كرامي الدولي، الذي من المفترض أن يُفعَّل لهذه الغاية – إن صحّت الخطط. كما تتحضّر الرابطة الثقافية في طرابلس وكورال الفيحاء والجمعيات الناشطة المختلفة في المدينة للمشاركة في الفعاليات. وتنتظر المدينة دعم وزارة الثقافة اللبنانية، وكان رئيس اللجنة الثقافية في بلدية طرابلس عبّر عن ضرورة "تحريك المياه الراكدة" وتنشيط التنسيق مع وزارة الثقافة بهذا الخصوص.

لكن ليس واضحاً بعد كيف ستتخطى المدينة موضوع التمويل وتنسيق الاحتفاليات والمناسبات كعاصمة للثقافة العربية في 2024. وفي الوقت نفسه، فمن المؤسِف أن يمرّ الحدث مع "يا ليت" أخرى! فهو فرصة لنهضة ثقافية وفنية، ولاستعادة طرابلس شيئاً من دورها الذي تستأهله كحاضرة عريقة. ولعلّ عملَ عدد من الجمعيات الأهلية والمؤسسات واللجان الثقافية، وأيضاً الشباب المتحمسين، في تنظيم نشاطات ثقافية سينمائية وموسيقية في المعرض والمدينة في الصيف والخريف الفائتين، يمكن أن يشكّل دليلاً مبشّراً عما هو ممكن التحقيق في طرابلس – بقليل من الإمكانيات المادية والبشرية والرغبة الفعلية بالعمل من أجل المدينة وناسها.    

مقالات من العالم العربي

عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ

أشهرت البعثة البريطانية إفلاس مصر فى السادس من نيسان/ إبريل عام 1879. وفي أعقاب ذلك الإعلان، قام السلطان العثماني بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه "محمد توفيق باشا" على مصر بدلاً...

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...