دﺳﺴﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻛﺐ، سائلة نفسي ﻋﻤﺎ أﻓﻌل ﻫﻨﺎ. ﺧﻠﻔﻲ، ﻛﺎن صبي ﺻﻐﯿﺮ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﺻﺎﻓﯿﺘﯿﻦ ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻌﻮﻣﺔ، ﺳﺄﻟﺘﻪ: "ﻟﻤﺎذا أﻧﺖ ﻫﻨﺎ؟ ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻲّ ﺑﺘﻌﺠﺐ، وﺣﺎول أن ﯾﺼﯿﻎ إجابة ما ﻓﻘﺎل: "أسكن قريباً من ﻫﻨﺎ." وﻛﺄﻧﻪ ﻟﻢ يكن راﺿﯿﺎً ﻋﻦ إﺟﺎﺑﺘﻪ، وﻛﺄﻧﻪ أراد أن ﯾﺸﺮح ﻟﻲ أن ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻤﺎ ﯾﺤﺪث ﻫﻨﺎ، أﺿﺎف: "ﺳﺄﻋﻮد ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم ﻣﻊ أﻣﻲ.. ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح، ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻷن ﻟﺪﯾﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻤﻨﺰﻟﯿﺔ". أﻣﺎﻣﻲ، أبٌ ﻟﻄﯿﻒ ﺟﺎء ﻣﻊ اﺑﻨﺘﻪ واﺑﻨﻪ. ﻛﺎﻧﺖ الصبية ﺗﺮﺗﺪي ﻗﻤﯿﺼﺎً وردﯾﺎً، ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺐ الخلفي لسروالها اﻟﺠﯿنز ﻫﺎﺗﻒ ﻧﻘﺎل، وﻓﻲ أذنيها ﺳﻤﺎﻋﺎت، أﻗﺪاﻣﻬﺎ ﺗﺘﺒﻊ وﺗﯿﺮة ﻣﺎ ﺧﻠﺴﺔ، أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻗﺺ. أﺧﻮﻫﺎ اﻷﺻﻐﺮ، وضع رأﺳﻪ داﺧﻞ ﻗﺒﻌﺔ ﻛاﺴﻜﯿﺖ، وكان ﯾﺘﺒﻊ اﻟﻤﻮﻛﺐ ﺑﻬﺪوء.
ﻣﻮﻛﺐ ﺑﺴﯿﻂ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺜﯿﻒ، ﻣﺮﺗﺎح وﻣﺮﯾﺢ. ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻘﺪم ﺧﻄﻮة ﺧﻄﻮة وقد غطينا وجوهنا باﻟﻜﻤﺎﻣﺎت، ﻣﺘّﺒﻌﯿﻦ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرﺿﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، تظللنا أﺷﺠﺎر ﻗﺼﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك رﯾﺢ ﺧﻔﯿﻔﺔ وﻣﻨﻌﺸﺔ ﻗﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ.
أﻣﺎ الأب اﻟﺬي يسير قبلنا، ﻓﻗﺪ ﻓﺮض ﺑﻬﺪوء ﻣﺴﺎﻓﺔ أﺧﺮى ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﻮر اﻟﺬي ﺳﺎرع ﻟﯿﺼﻮّر ﻫﺬه اﻷﺳﺮة اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ: "ﻟﺴﺖُ ﻫﻨﺎ ﻷﻇﻬﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻠﻔﺎز، أﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ أﻃﻔﺎﻟﻲ". ﻟﻢ ﯾﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎل ﻓﺮﯾﻖ اﻟﺘﻠﻔﺎز أن ﯾﺼﺮّ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
وإذا ﻛﺎنت مسيرة اﻟﺘﺮﺣّﻢ على هؤلاء ﻋﻠﻨية وسياسية ﻣﻦ دون ﺷﻚ، فذلك لا ينفي الرغبة الحميمة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺪى اﻟﻄﺎﻋﺔ والمستجدات، ﻟﺘﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ: "ﺳﺘﻨﺘﺼﺮ اﻟﺠﺰاﺋﺮ، ﺗﻨﺒﺄ رﺟﻞ ﻣﺎر، ﻷن رﺟﺎﻻً ﻣﺎﺗﻮا ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ." "إن ﺷﺎء ﷲ"، نتمتم.
وﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺮار اﻟﻤﯿﻜﺎﻧﯿﻜﻲ اﻟﻤﻤﺠِّﺪ ﻟﻠﺘﻀﺤﯿﺔ واﻻﺳﺘﺸﻬﺎد و"الموت ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﻃﻦ" ﻋﺎدة ﻣﺎ ﯾﺤﻮﻟﻨﻲ إﻟﻰ ﺟﻠﯿﺪ من الارتياب، إﻻ أﻧﻪ ﻫﻨﺎ يأﺧﺬ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺼﻼة اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ اﻟﺘﻲ، ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎر اﻟﯿﻘﯿﻦ ، تفضح قلقنا. ﻣﺎذا ﻟﻮ ﺗﺨﻠﺖ اﻵﻟﻬﺔ ﻋﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة؟
ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﻫﻨﺎ للتخلص من ﻫﺬا اﻟﺨﻮف الغامض؟
اللحظة ﻟﯿﺴﺖ عادية.
"ﻟﻘﺪ ﻣﺎﺗﻮا ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ" ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﯾُﺪﻓﻨﻮا. ﻫﺬا ﺑﻼ ﺷﻚ ﺳﺒﺐ وﺟﻮدﻧﺎ ﻫﻨﺎ اﻟﯿﻮم: ﻟﻨﺪﻓﻦ، ﻓﺮدﯾﺎً وﺟﻤﺎﻋﯿﺎً ، 24 رأﺳﺎً ﺑﺪون أجسادها. "ﺑﻘﺎﯾﺎ" كما يُكتب ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك. ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻣﻦ ﻣﺎذا؟ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻗﺮن وﻧﺼﻒ، وبقايا ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع تاريخٍ، ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮدﻋﺎت اﻟﻐﺒﺎر.
اقتصاد الجزائر المستعمرة 1830 – 1954
09-11-2017
ﻧﺤﻦ ﻧﺘﻘﺪم ﻣﺜﻞ ﻣﻮﻛﺐ ﻣﺘﺄﺳﻒ ﺑﺼﺪق، ﺑﻞ وحتى ﻗَﻠِﻖ، ﯾﺘﺠﻪ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ إﻟﻰ ﺟﻨﺎزة ﻛﺎن ﯾﺠﺐ أن ﺗﺤﺪث، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ ﻗﺎﻧﻮن ﷲ واﻟﻨﺎس، ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺋﺔ ﻋﺎم. وإذا ﻛﻨﺎ ﺻﺎﻣﺘﯿﻦ، ﻓﺬﻟﻚ ﻷن أﺻﻮات اﻟﻤﻌﺎرك وراﺋﺤﺔ اﻟﻨﺎر ﻏﺰﺗﻨﺎ، فنعيد اﺧﺘﺮاع اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻤﺄﺳﺎوي اﻟﻤﺪﻣﺮ اﻟﻤﻬﺠﻮر، ﻟﻨﺪﻓﻦ أﺧﯿﺮاً اﻟﺠﺜﺚ اﻟﻤﻔﻘﻮدة واﻟﻤﺨﺘﻄﻔﺔ واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺘﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮى اﻟﺠﻤﺎﺟﻢ اﻟﺸﺎﺣﺒﺔ اﻟﻤﺸﻮﻫﺔ، ﻋﻈﺎمٌ ﻋﺎﺟﯿﺔ.
وﺑﯿﻨﻤﺎ أﻧﺎ أﻣﺴﺢ اﻟﻌﺮق ﻋﻦ ﺟﺒﯿﻨﻲ، ﻻﺣﻈﺖ رﺟﻼً يرتدي ﻗﺸﺎﺑﯿﺔ ﺑﻠﻮن ﺻﻮف ﺧﺮﻓﺎن اﻟﺴﻬﻮب اﻟﺒﻌﯿﺪة، ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ. وﺳﯿﻢٌ، ﺷﻌﺮه اﻟﻤﺠﻌﺪ الشائب ﻛﺎن ﻣﺼﻔﻔﺎً إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ، ﻣُﻈﻬﺮاً ﺑﺬﻟﻚ ﺟﺒﻬﺘﻪ اﻟﻐﺎﺋﺮة، وﻋﯿﻨﻲ اﻟﺸﺎوي "اﻟﺤﺎر" اﻟﺠﺎﺣﻈﺘﯿﻦ. ﻛﺎن ﻟﻮﺣﺪه. ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ، وجدته ﯾﺒﻜﻲ ﻣﺜﻞ ﻃﻔﻞ.
أﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن التاسع ﻋﺸﺮ، أﺷﻬﺪ اﻵﺛﺎر اﻟﺪﻣﻮﯾﺔ ﻟﺴﺎﻋﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻷوﻟﻰ.
أﻣﺸﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻵﺧﺮﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﻒ، حتى وصلنا إﻟﻰ اﻟﻤﺪﺧﻞ ﺣﯿﺚ أﻗﺪّم ﺟﺒﻬﺘﻲ ﻟﻠﻜﺎﻫﻦ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻓﯿﺮوس اﻟﻜﻮروﻧﺎ، ﻣﺴﻠﺤﺎً ﺑﻤﻘﯿﺎس ﺣﺮارة، ﻛﺎن ﯾﺄﺧﺬ بمرح ﻗﯿاﺲ ﻫﺬا اﻟﺨﻮف اﻟﺠﺪﯾﺪ اﻟﺬي ﺟﺌﻨﺎ ﻟﻨﻮاﺟﻬﻪ باحتقار. "اﺟﺘﯿﺎز ﻫﺬا اﻻﺧﺘﺒﺎر ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻧتصار"، ﯾﻬﻨﺌﻨﻲ اﻟﻜﺎﻫﻦ: "36"، ﺳﺄﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة. ﺑﺎب اﻟﻤﻌﺒﺪ ﻣﻔﺘﻮح ﻟﻲ ، ﻻ ﯾﺰال أمامي ﺻﻌﻮد اﻟﺪرج إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷول اﻟﺬي ﯾﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻄﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء ، ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺼﯿﻒ اﻷزرق اﻟﻤﺸﻤﺲ ﺑﺎﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ.
اﻟﺼﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺒﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﻤﺖٍ ﺻﺒﻮر ﺑﺄﻓﻮاه ﻣﺨﺒﺄة ﺑﻜﻤﺎﻣﺎﺗﻨﺎ، جرى اﻟﺘﺨﻠﺺ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﻦ أﻏﺮاﺿﻬﺎ اﻟﻀﺨﻤﺔ، بتكديسها أﻣﺎم اﻟﺠﺪار، وهي من ﺑﻘﺎﯾﺎ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟﻬﺰﻟﯿﺔ للفن الشعبي ﻛﻤﺎ ﯾﺘﺼﻮره ﻣﺴﺆوﻟﻮن ﻓﻲ وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، فتقدم ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺰﺟﺎج ﻓﻲ ﺻﻨﺎدﯾﻖ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻹﻏﻼق: ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﻤﺠﻮﻫﺮات اﻟﺒﺮﺑﺮ، واﻟﺴﯿﺮاﻣﯿﻚ اﻟﻤﺮﺳﻮم، وﻻ أﻋﺮف ﻣﺎذا ﺑﻌﺪ. ﻻ ﺷﻲء ﺟﻤﯿﻞ، ﻻ ﺷﻲء ﯿﺜﯿﺮ رﻏﺒﺘﻚ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﯿﻪ.
ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ اﻟﺘﻮاﺑﯿﺖ ﻣﺼﻔﻮﻓﺔ ﺑﻤﺤﺎذاة ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ، ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﺑﻤﻔﺎرش ﻣﻦ اﻷﻋﻼم ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺑﻌﺬوﺑﺔ ﻟﻠﺮﯾﺢ، ﯾﻐﺰوﻫﺎ ﺷﺮﯾﻂ ﺻﻮﺗﻲ رديء ﻣﻦ اﻷﻧﺎﺷﯿﺪ واﻟﺘﻼوات اﻟﻤﺄﺧﻮذة ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن. يستقبلنا ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺪﺧﻞ ﺟﻨﺪي ﻓﻲ ﻟﺒﺎس اﺣﺘﻔﺎﻟﻲ، ﻫﺬا ﻣﺎ أﺗﺨﯿﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ.
"ﻣﺎ ﻫﻲ رﺗﺒﺘﻚ؟" أﺳﺄﻟﻪ، ﻓﯿﺠﯿب برحابة صدر: "ﻋﻘﯿﺪ". "إذاً اﻟﺠﯿﺶ ﻫﻮ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻨﺎس اﻟﯿﻮم؟"، ﻗﺎل وﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺰ ﺣﻮﻟﻪ: أﺷﻌﺮ أﻧﻲ ﺿﺌﯿﻞ ﺟﺪاً أﻣﺎﻣﻬﻢ". ﻣﺮﺣﺒﺎً ﺑﻜﻢ أﻣﺎم اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺒﻮاﺳﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺠﻌﻠﻮن اﻟﻌﻘﯿﺪ ﺿﺌﯿﻼً ﺟﺪاً.
ﻟﺴﻮء اﻟﺤﻆ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻢ إﺧﻔﺎء ﻫﺬا اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻣﯿﺮات واﻟﻤﯿﻜﺮوﻓﻮﻧﺎت وأﺟﻬﺰة اﻟﺘﻠﻔﺎز اﻟﻤﺼﻄﻔﺔ ﻛﺠﻨﻮد ﻋﺪﯾﻤﻲ اﻟﻔﺎﺋﺪة، ﯾﻨﺘﻈﺮون أﻣﺎم اﻟﺘﻮاﺑﯿﺖ ﻣﺎ ﯾﻌﺘﻘﺪون أﻧﻪ اﻟﺤﺪث. ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺪث ﯾﺮﻓﺾ أن ﯾﻌﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮر: "ﺑﻨﻔﻠﯿﺲ (1) ﻣﻮﺟﻮد ، ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ اﻟﺘﺤﺪث"، ﯾﺄﺳﻒ ﺻﺤاﻔﻲ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻤﻠﻞ.
ﯾﺼﻞ وزﯾﺮ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ واﻟﺸﺒﺎب، ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻮاﺿﻊ، ﯾﺮاﻓﻘﻪ ﺟﻨﺮال ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ ﯾﺮﺗﺪي زياً أبيض. ﻣﺜﻠﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً، ﻟﻢ ﯾﺒﻘوا طويلاً، ﻏﺎدروا ﺑﺴﺮﻋﺔ تلفهم إلتماعات ﺑﺬﻻت أيام اﻟﻌﯿﺪ اﻟﻤﺘﻜﻠﻔﺔ. إﺟﺮاء ﺷﻜﻠﻲ ﻣﻦ دون ﻛﻠﻤﺎت. وﻧﺎدراً ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻲ ﺷﺨﺺ ﻟﯿﻄﯿﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ رؤوس ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻮاﺑﯿﺖ الأكبر مما تحوي. ﻓﻬﻢ ﺑﺪون أﻗﺪام، ﺑﺪون ﻟﺤﻢ، ﺑﺪون أﯾﺎدٍ ﻟﯿﺮﺗﺎﺣﻮا ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻬﻢ. نحن هنا ﻻ ﻧﺪﻓﻦ ﺟﺜﺜﺎً، وإﻧﻤﺎ أرواح اﻷﺳﻼف اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﻧﻌﺮف أﺳﻤﺎءﻫﻢ، اﻟﺬﯾﻦ ﻏﺎدروا ﻣﻦ دون وداع، واﻟﺬﯾﻦ ﯾﻄﺎردون ذاﻛﺮاﺗﻨﺎ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ.
"ﻣﺎ ﻫﻲ رﺗﺒﺘﻚ؟" أﺳﺄﻟﻪ، ﻓﯿﺠﯿب برحابة صدر: "ﻋﻘﯿﺪ". "إذاً اﻟﺠﯿﺶ ﻫﻮ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻨﺎس اﻟﯿﻮم؟"، ﻗﺎل وﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺰ ﺣﻮﻟﻪ: أﺷﻌﺮ أﻧﻲ ﺿﺌﯿﻞ ﺟﺪاً أﻣﺎﻣﻬﻢ". ﻣﺮﺣﺒﺎً ﺑﻜﻢ أﻣﺎم اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺒﻮاﺳﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺠﻌﻠﻮن اﻟﻌﻘﯿﺪ ﺿﺌﯿﻼً ﺟﺪاً.
ﻏﺎدرتُ ﻣﺮاﺳﻢ اﻟﺠﻨﺎزة، وﺷﻌﺮت ﻓﺠﺄة ﺑﺨﻔﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر، أﻧﺰل اﻟﺪرج ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ، أﺳﺘﺪﯾﺮ ﻣﺮة أﺧﯿﺮة ﻗﺒﻞ أن أذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل. ﻋﻨﺪها فوجئت ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ذي اﻟﻘﺸﺎﺑﯿﺔ أﻋﻠﻰ اﻟﺪرج، ﯾﺒﻜﻲ. إﻧﻪ ﯾﺒﻜﻲ ﺣقاً. ذهبت إﻟﯿﻪ وﻛﺄﻧﻪ اﺑﻦ عمي ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺎزة، أﻋﻄيته ﻣﻨﺪﯾﻼً وقلت ﻟﻪ: "ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا تبكي ﻫﻜﺬا؟"
"ﻛﺎﻧﻮا رﺟﺎﻻً" ردَّ ﻋﻠﻲ، ﻗﺎﺋﻼً ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻟﺒﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﯾﺔ، "ﻛﺎﻧﻮا ﻛﺮﻣﺎءً وﻋﺎدﻟﯿﻦ، وﯾﺤﺒﻮن ﺑﻼدﻫﻢ، اﻟﺤﻤﺪ لله، أدوا واﺟﺒﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وﺟﻪ".
بعدها ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ. ﻛﺎن ﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﻪ أن ﯾﺘﻜﻠﻢ ﻟﯿﺤﺮر ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ تخنقه وﺗﺠﻌﻞ يديه ﺗﺮﺗﻌشان. ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﯾﺔ قال اﺳﻤﻪ: ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ دراﺟﻲ، وﻟﺪ ﻓﻲ أيلول/ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1942، وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ، لقبَهُ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ ﻛﺎن ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن كاﺳﻢ اﻟﺸﯿﺦ ﺑﻮزﯾﺎن. ﻫﻮ حفيد اﺑﻦ اﺑﻦ اﺑﻦ اﺑﻦ الشيخ، واﻟﺬي ﺟﺎء ﻟﯿﺪﻓﻦ ﺟﻤﺠﻤﺘﻪ اﻟﻤﻔﺼﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ اﺳﺘﻌﺎدﺗﻬﺎ اﻟﯿﻮم.
وهو ﻓﻘﺪ ﻟﻘﺐ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻋﺎم 1934 ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﺎدت اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺗﺴﻤﯿﺔ ﺟﺪّه ﺣﯿﻦ ﻗﺪّم ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺤﺖ ﻟﻘﺐ اﻟﻌﺎﺋلة: ﺑﻮزﯾﺎن. ﻛﺎن اﺳﻢ ﺟﺪه درّاجي. قال له اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﻮن: "ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﺗُﺪﻋﻰ ﺑﻮزﯾﺎن ﺑﻌﺪ اﻵن. ﻣﻦ الآن فصاعداً، ﺳﯿﺼﯿﺮ ﻟﻘﺒﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ دراﺟﻲ، واﺳﻤﻚ ﺑﻮزﯾﺎن." ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﺒﺪﯾﻞ اﻟﻤﻨﺤﺮف اﻟﺬي ﯾﻀﻊ اﺳﻢ اﻻﺑﻦ ﻣﺤﻞ اﻟﻠﻘﺐ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ للأب، ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻤﻜﯿﺪة اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ ﺟﻠﯿﺔ: إﺧﻔﺎء اﻟﺠﺜﺚ، ﻗﻄﻊ اﻟﺮؤوس، ﻃﻤﺲ اﻷﻧﺴﺎب، اﻟﻤﺤﻮ، اﻟﺘﺠﺮﯾﺪ واﻹﺑﺎدة.
وﻧﺤﻦ ﺟﺎﻟﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻈﻞ ﻟﯿﺴﻤﻊ أﺣﺪﻧﺎ اﻵﺧﺮ، أراﻧﻲ ﺻﻮرة ﺟﺪه اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻔﻪ بين يديه المرتعشتين. ﯾﺸﺒﻪ اﻷﻣﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻓﻲ ﻗﺸﺎﺑﯿﺘﻪ وعمامته، ﺗﺒﺪو اﻟﺼﻮرة ﻛﻄﯿﻒ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯿﺔ ﺑﯿﻀﺎء وﺳﻮداء. ﺗﻢّ ﺗﺠﻨﯿﺪه ﻗﺴﺮﯾﺎً ﻓﻲ ﺟﯿﺶ "اﻟﺼﺒﺎﯾﺤﯿﺔ"، ﺷﺎرك ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ "ﻓﺮدان" وﻓﻲ ﺣﺮوب أﺧﺮى: "أﻣﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻜﻲ ﻃﯿﻠﺔ اﻟﻮﻗﺖ، ابقَ ﻣﻌﻲ.. ﻛﺎن ﻫﺬا ﻓﻲ ﻃﻮﻟﻘﺔ"، وﯾﻌﻮد اﻟﻔﻀﻞ إﻟﯿﻪ بما يحتفظ به ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ ﻣﻦ ﺷﻈﺎﯾﺎ اﻟﺬاﻛﺮة: "ﻛﺎن ﯾﺘﺤﺪث، ﻛﺎن ﯾﺮدد أﻏﺎﻧﻲ اﻟﺒﺪو، أﻏﺎﻧﻲ ﺣﺰﯾﻨﺔ، وﯾﺒﻜﻲ. ﻣﺜﻠﻪ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﺣﯿﻦ رﻛﺐ ﺳﯿﺎرة أﺟﺮة: "ﻛﻨﺖ ﺣﺰﯾﻨﺎً ﺟﺪاً، وﺳﻌﯿﺪاً ﺟﺪاً ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﻠﻔﻲ ﻫﺬا، ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻤﺖ، ﻫﻮ ﻣﻌﻨﺎ، ﻫﻮ ﯾﺮاﻧﺎ".
وﻫﻮ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺎ ﯾﻘﻮﻟﻪ ﻟﻪ واﻟﺪه اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺠﺎﻫﺪاً ﺳﺎﺑﻘﺎً، أﺣﻤﺪ دراﺟﻲ، واﻟﺬي ﯾﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ، وقد أرﺳﻞ له رﺳﺎﻟﺔ ﻗﺼﯿﺮة ﻟﯿﺸﻜﺮه ﻷﻧﻪ أﺧﺒﺮه ﺑﺄن ﻣﺮاﺳﻢ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﻮدﺗﻬﻢ ﺗﺒﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻠﻔﺎز: "اﷲ ﯾﺮﺣﻤﻬﻢ." اﻟﯿﻮم ﻓﻘﻂ ﻣﺎت أخيراً ﺟﺪه اﻷﻛﺒﺮ: " ﻓﻲ دﯾﻨﻨﺎ، ﯾﺠﺐ أن ﯾُﺪﻓﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر، ﻓﻲ ﯾﻮم وﻓﺎﺗﻪ. إذا ﻟﻢ ﯾﺪﻓﻦ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﯿﺘﻌﺬب".
اﻟﯿﻮم، ﺟﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ دراﺟﻲ ﻟﯿﺘﺤﺮر من هذا العذاب بدفنه: "ﻟﻤﺴﺖ ﺗﺎﺑﻮﺗﻪ، وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﷲ أن ﯾﺠﻌﻠﻪ ﯾﺮﻗﺪ ﺑﺴﻼم، ﻣﺎذا ﺑﺈﻣﻜﺎني أن أﻃﻠﺐ ﻏﯿﺮ ﻫﺬا؟" ﻻ ﺷﻲء آﺧﺮ ﺳﻮى اﻟﺮاﺣﺔ ﻟﺮوح ﺗﺎﺋﻬﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﺬ ﻗﺮن وﻧﺼﻒ أن ﺗﺪﻓﻦ: اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﻘﺸﺎﺑﯿﺔ ﺣﯿﺚ ﺗﻢّ ﺗﺮﻛﻬﺎ. "كان ﻻ ﺑﺪ أن أرﺗﺪﯾﻬﺎ، اﻷﻣﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﺟﺪادي، أرﺗﺪﯾﺘﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﻷﻧﻲ ﺟﺌﺖ لأرى أﺣﺪ أﺳﻼﻓﻲ، واﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﺗﺪي ﻗﺸﺎﺑﯿﺔ ﺣﯿﻦ ﻣﺎت".
قال له اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﻮن: "ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﺗُﺪﻋﻰ ﺑﻮزﯾﺎن ﺑﻌﺪ اﻵن. ﻣﻦ الآن فصاعداً ﺳﯿﺼﯿﺮ ﻟﻘﺒﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ درّاﺟﻲ، واﺳﻤﻚ ﺑﻮزﯾﺎن". ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﺒﺪﯾﻞ اﻟﻤﻨﺤﺮف اﻟﺬي ﯾﻀﻊ اﺳﻢ اﻻﺑﻦ ﻣﺤﻞ اﻟﻠﻘﺐ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ للأب، ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻤﻜﯿﺪة اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ ﺟﻠﯿﺔ: إﺧﻔﺎء اﻟﺠﺜﺚ، ﻗﻄﻊ اﻟﺮؤوس، ﻃﻤﺲ اﻷﻧﺴﺎب، اﻟﻤﺤﻮ، اﻟﺘﺠﺮﯾﺪ واﻹﺑﺎدة.
ﻫﺎ ﻫﻮ ذا، ﻛﺒﻄﻞ - ﻣﺠﻬﻮل، ﻟﻜﻨﻪ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮد ﺑﻤﻔﺮده، ﻣﻦ اﻻﻧﻘﻼب - ﯿﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ، ﻫﺬا اﻟﺤﺪث اﻟﺬي أراد اﻟﻤﻠﻮك اﻟﺠﺪد ﻟﻠﻤﻌﺒﺪ أن ﯾﺤﺼﺮوه ﻓﻲ ﻣﺮاﺳﻢ رﺳﻤﯿﺔ ﻟﺘﻤﺠﺪﻫﻢ ﻫﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻻ ﯾﺘﺤﺪث ﺳﻮى ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮ.
ﺛﻢ ﺳﺮد ﻟﻲ ﻣﻠﺤﻤﺔ "ﺳﻠﻔﻪ"، اﻟﺸﯿﺦ ﺑﻮزﯾﺎن، وﻛﺄﻧﻪ ﻛﺎن ﺷﺎﻫﺪاً ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻠﯿﻬﺎ: "ﻗﺒﻞ أن ﯾﻌﺪﻣﻮه ﻫﻮ، ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻗﺘﻠﻮا أﺧﺎه ﺑﻄﻠﻘﺔ رﺻﺎﺻﯿﺔ، وﺿﺮﺑﻮا رأس اﺑﻨﻪ ﺑﻤﻘﺒﺾ اﻟﺒﻨﺪﻗﯿﺔ، ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﻌﺪى اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه.
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ: ﻻ ﯾُﻘﺘﻞ اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﺑﻀﺮﺑﺔ ﻣﻘﺒﺾ، ﺑﻞ إﻣﺎ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص أو ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ. ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﻮن، اﺧﺘﺮ إذاً، ﻓﻘﺎل: اﻟﺮﺻﺎص. ﻗﺎل ﺟﺪي ﷲ ﯾﺮﺣﻢ اﻟﺸﻬﺪاء. ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻮه ﻫﻮ: وأﻧﺖ ﻛﯿﻒ ﻧﻘﺘﻠﻚ؟ ﺳﻨﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﻒ ﻣﻌﻚ. ﻧﺰع ﺑﺮﻧﺴﻪ، وﺟﻠﺒﻮا ﻟﻪ ﻋﻤﻼﻗﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر، ضربه وقطع رأﺳﻪ".
ﻫﺬا اﻟﺮأس اﻟﻤﻔﻘﻮد ﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﺎﺣﺜﺎً ﻋﻨﻪ. ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﯿﻪ أن ﯾﺤﺘﻮي ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮض ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﯿﻪ، واﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻪ. "ﻫﺬا ﯾﺠﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺘﺤﺴﻦ"، ﻗﺎل وﻫﻮ ﯾﺘﺤﺪث ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻦ ﻗﺼﺔ ﻗﺒﯿﻠﺘﻪ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻷﺣﻤﺪ ﺑﻮزﯾﺎن، واﻟﺘﻲ ﺗﺎﻫﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﺑﯿﻦ "زﻋﺎﻃﺸﺔ"، "ﺑِﺴْﻜﺮة" و"ﻃﻮﻟﻘﺔ" ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ: "ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﺎ، ﻗﺮاﺑﺔ 200 إﻟﻰ 300 ﻓﺮد" ﺳﺤﻘﻬﻢ اﻟﺠﯿﺶ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري، ﺛﻢ أﺿﺎف ﺑﻜﺮاﻫﯿﺔ: "ﺑﻦ ﻗﻨﺔ اﻟﺨﻮﻧﺔ اﻟﻌﻤﻼء".
أﺷﻌﺮ وﻛﺄﻧﻲ ﻓﻲ ﻓﯿﻠﻢ ﺧﯿﺎل ﻋﻠﻤﻲ، ﺣﯿﺚ ﯾﻨﻜﻤﺶ اﻟﺰﻣ/ﻜﺎن وﻫﻮ ﯾﻨﻔﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﻀﻮﺿﺎء وصخب اﻟﻤﺪاﻓﻊ واﻷﺣﺼﻨﺔ، ويجن اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺬي ﯾﺮﺗﻌﺶ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ، وﻫﻮ ﯾﺴﺘﻌﯿﺪ ﻫﺬا اﻟﺮأس اﻟﻤﻔﻘﻮد اﻟﺬي ﺟﺎء ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﯾﺪﻓﻨﻪ ﻓﻲ اﻷرض ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﻮل، ﻫﻨﺎ واﻵن، ﻣﺘﻜﺌﺎً ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺗﺤﺖ ﺷﻤﺲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻓﻲ ﺻﯿﻒ 2020 : "ﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ، ﻫﻮ ﻣﻦ دﻣﻲ". ﻫﺬا اﻟﺪم اﻟﺬي ﯾﺼﻌﺪ إﻟﻰ رأسه، ﺣﯿﺎً، وﻛﺄن ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻜﺒﻮتٌ ﺻﻌﺪ ﻓﻲ اﻧﺘﻌﺎﺷﺔ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ووﺣﺸﯿﺔ، ﺗﻌﻄﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻟﻬﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻘﻮل أﺧﯿﺮاً، أﻧﻲ أﻧﺘﻤﻲ ﻟﻬﺬه اﻟﺴﻼﻟﺔ، وأﻧﻲ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻣﻠﻜﯿﺔ ﻟﻘﺐ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺬي ﺗﻢّ ﺗﺠﺮﯾﺪي ﻣﻨﻪ، ﻣﻦ دون أن ﯾﻠﻮﻣﻪ ﻃﯿﻒ ﺟﺪه اﻷﻛﺒﺮ اﻟﻤﻌﺬّب: ﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺪﻓﻨّﻲ.
زينة حرايق: مناضلة جزائرية قوية.. ومظلومة
26-09-2016
وسط توهج الصراعات، فرانز فانون المتقد راهنية..
13-10-2018
ﻫﺎ ﻫﻮ ذا، ﻛﺒﻄﻞ - ﻣﺠﻬﻮل، ﻟﻜﻨﻪ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮد ﺑﻤﻔﺮده، ﻣﻦ اﻻﻧﻘﻼب - ﯿﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ، ﻫﺬا اﻟﺤﺪث اﻟﺬي أراد اﻟﻤﻠﻮك اﻟﺠﺪد ﻟﻠﻤﻌﺒﺪ أن ﯾﺤﺼﺮوه ﻓﻲ ﻣﺮاﺳﻢ رﺳﻤﯿﺔ ﻟﺘﻤﺠﺪﻫﻢ ﻫﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻻ ﯾﺘﺤﺪث ﺳﻮى ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮ: "ﻗﺼﺔ اﻟﺸﺨﺺ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أﺛﺮت ﻓﻲَّ ﻓﻌﻠﯿﺎً، وﻟﯿﺲ العمر. ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻠﻌﻤﺮ واﻟﺰﻣﻦ المنقضي ﺑﺎﻟﻠﻌﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﻜﻨﻨﺎ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﯾﺼﻔﻪ ﻛﺎﺗﺐ ﯾﺎﺳﯿﻦ ﻗﺎﺋﻼً" وﺑﻬﺬا، ﯾﻜﻮن اﻟﻤﺠﺪ واﻻﻧﺤﻄﺎط ﻗﺪ ﺑﻨﯿﺎ ﺧﻠﻮد اﻷﻧﻘﺎض ﻋﻠﻰ ﺣﻮاف اﻟﻤﺪن اﻟﺠﺪﯾﺪة، اﻟﺘﻲ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ ﺣﯿﻮﯾﺔ، إﻻ أﻧﻬﺎ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﻋﻦ ﺗﺎرﯾﺨﻬﺎ، ﻣﺤﺮوﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﻼوة اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ، ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻄﯿﻒ اﻟﺬي ﯾﺘﻢ ﺗﻤﺠﯿﺪه، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﻌﺮوس اﻟﻤﺘﻮﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ نعلق صورتها ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺑﺠﻤﺎل ﺑﺪﯾﻠﺘﻬﺎ اﻟﺤﯿﺔ فتجعلها ﺷﺎﺣﺒﺔ ﺑﺎﻫﺘﺔ. ﻓﻤﺎ اﺧﺘﻔﻰ ﯾُﺰْﻫﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﻣﺎ ﺳﯿﻮﻟﺪ" (2).
ﺣﯿﻨﻬﺎ ﻓﻬﻤﺖ ﻟﻤﺎذا وﺿﻌﺖُ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﺷﺎﺷﻲَّ اﻷﺳﻮد ﻋﻠﻰ رأسي، وﺟﺌﺖ ﻣﺘﺄﺑﻄﺔ ذراع زوﺟﻲ، اﻟﺬي ﯾﺨﺒﺮﻧﻲ: "ﻣﻦ اﻟﻐﺮﯾﺐ أﻧﻲ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻞ ﻓﺤﺎﺻﻲ"، ﺻﺪﯾﻘﻨﺎ اﻟﺼﺤﺎﻓﻲ اﻟﺬي اﺧﺘﻔﻰ ﻓﻲ ﺣﺮب أﺧﺮى. ﻧﻤﺸﻲ، ﺧﻄﻮة ﺨﻄﻮة ﺑﺠﺎﻧﺐ آﻻف اﻟﻘﺼﺺ ﻟﻨﺤﺮر ذواﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻃﯿﺎف اﻷرﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ دون ﻗﺒﻮر، ﺣﺘﻰ ﻧﻮارﯾﻬﻢ اﻟﺜﺮى، ﻓﺮدﯾﺎً وﺟﻤﺎﻋﯿﺎً، ﻟﯿﺮﻗﺪوا ﺑﺴﻼم، وﺣﺘﻰ ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ التبرعم ﻓﻲ أﻧﻘﺎﺿﻨﺎ "ﻣﺎ اﺧﺘﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﻣﺎ ﺳﯿﻮﻟﺪ".
وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن وﻟﯿﺪ اﻟﺼﺪﻓﺔ، ﺗﻌﻠﻤﺖ أﺧﯿﺮاً ﻣﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ ﺑﻮزﯾﺎن، ليحلّ اﻟﺴﻼم ﻋﻠﯿﻪ، أﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻧﺨﯿﻂ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﻗﺸﺎﺑﯿﺔ ﻗﺪﯾﻤﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺜﻘﻮب، ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ ﯾﻌﺘﻘﺪه اﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﺘﻌﺠﻠﻮن اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺧﯿﻮط اﻟﻤﺎﺿﻲ.
***
ترجمته من الفرنسية رحيل بالي.
*استعادت الجزائر مطلع شهر تموز/يوليو رفات 24 من المناضلين ضد الاستعمار الفرنسي قضوا في الفترة بين 1838 و1865، وقد قطعت رؤوسهم، وكانت تُعرض في متحف في باريس.
1-علي بنفليس سياسي جزائري ترشح للرئاسة في 2004 ورئس الحكومة عدة مرات.
2- ﻛﺮﯾﻤﺔ ﻻزاﻟﻲ، "اﻟﺼﺪﻣﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ"، بالفرنسية عن دار "لاديكوفرت" باريس 2018