مبادرات النساء: قادرات وعازمات

تم دعم هذا الدفتر من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

إشراف وتقديم: نهلة الشهّال

استاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي - رئيسة تحرير السفير العربي

ترصد هذه النصوص تجارب انخراط مجموعات من النساء – قليلة العدد أو موسعة – في التصدي لمهمات اجتماعية ضرورية للحياة اليومية، ولكنها مهمَلة من السلطات وحتى من المجتمع نفسه.

لم تكن الغاية بالطبع هي احصاء جميع التجارب، إلا أن ما ترويه لنا الكاتبات كعينة عنها من البلدان الثمانية التي يتناولها هذا الدفتر تعلن عن قوة روح المبادرة والعناد والمثابرة، ولكن وأيضاً، الاعتزاز والفرح. امتلاك روح المبادرة أمر بالغ الاهمية، فهي نقيض الاستسلام للوضع السيء، وهي تجسيد للشعور بالمسئولية عن الشأن العام. والخاصيتان تحاربهما السلطات القائمة بكل ما أوتيت من جبروت، كسلاً وبلادة وثقة بأن الاستنقاع هو أفضل ما يسمح لها بإدارة البلاد والعباد بلا "وجع رأس"، توجساً من يقظة الناس ومن المثال الذي يمكن أن يتبلور. وقد سعينا من خلال هذه "القصص" الى تقديم المشاريع التي مثّلت فارقاً لصاحباتها وفي بيئتهن، بينما كانت كل الشروط المحيطة، الشخصية أو العامة، تدفع الى الاحباط. ولعل وضعها في دفتر واحد، من اليمن الى الجزائر والعراق ولبنان ومصر والمغرب والسودان... يساهم في توضيح خصائص المشهد العام، المختنق بالحروب والصراعات العنفية والبؤس والاهمال والتعالي السلطوي، وكذلك يدفع الى خلاصات نأمل أن تكون محفّزة لمبادرات أخرى.

تناولنا هنا المبادرات الناجحة والمستديمة، وإنما أيضاً تلك التي تعرقلت وبقيت في حيز المحاولة الجادة، مع استجلاء أسباب عدم تمكنها من التحقق. ولعل إدراكها جميعها على هذه الصورة الشاملة والمتنوعة يجعل بينها رابطاً، يضعها في "مكان" مشترك، حي وحقيقي، علاوة على أنه يتيح تبادل الأفكار والخبرات والتأثيرات. وقد تكون المبادرات انتاجية أو تعليمية أو صحية أو خدماتية، وقد يكون الدافع اليها قناعات عامة فكرية أو مجتمعية، كما قد تكون مرتبطة بظروف محدَّدة لصاحباتها.. لكنها جميعاً قوية الدلالة.

ولا تقود التجارب التي نرويها هنا نساء ينتمين الى فئات نخبوية، بمعنى انها ليست مبادرات مسْقطة من أعلى، وإنما متولدة من حاجات الواقع نفسه.

لماذا رصد حركة النساء بالتحديد؟ لأنهن أُبقيِن على الهامش وأفتُرِض أنهن غير معنيات إلا بحيزهن الخاص، العائلي في الأساس. وهن بالطبع يتحملن المسئولية الكبيرة في هذا الحيز الذي يقال فيه أنه "مملكتهن". ولكن تقسيم العمل هذا ليس دقيقاً ولا يُطابق الواقع. وهو لم يكن كذلك يوماً، إلا أنه أصبح الآن فضيحة بالمعنى الحرفي للكلمة. فالنساء عمِلن في الحيز العام على مرّ التاريخ، وكن دوماً منتجات، وإنْ تحت وصاية عائلاتهن وأوامرها. أما اليوم، وعلى الرغم من استمرار إنكار ذلك مفاهيمياً وقانونياً واجتماعياً، فقد تمّ تجاوز هذه الخطوط/الحدود! نتكلم عن الواقع المادي المتعلق بتحصيل التعليم وخوض معترك الانتاج والتمكن من لعب أدوار مجتمعية ملحّة قد تكون متروكة باعتبارها "ترفاً"، أو لعدم ادراك إمكانية تدبّرِها وقلب معادلاتها. وهذا ما يحاول هذا الدفتر توثيقه: تصدي نساء شابات من اليمن للوساطة بين الأطراف المتقاتلة بغاية تيسير تبادل الأسرى أو التنقل أو حتى تقاسم الماء، عناد نساء صرن طاعنات في السن على معرفة مصير الابناء والاخوة والازواج المختفين قسرياً في الجزائر، تأهيل أطفال يعانون من مشكلات صحية ونفسية في العراق المنكوب، تأمين مدخول من القليل الممكن بدل العوز في المغرب، وتوفير حدٍ من الحياة الآمنة لمن تضيق بوجههن الدنيا بعد ظروف قاسية مررن بها في مصر أو في السودان وسواهما، ورفض التأقلم مع التراكم المهول للنفايات كما في إحدى بلدات لبنان، سعياً "للتنعم" ببيئة نظيفة. وهناك أيضاً تجربة امرأة في منصب "العمدة" في الصعيد المصري، وصراع المسيحيات من أجل حقهنّ بالطلاق. هكذا وانطلاقاً من هذه الامثلة وسواها مما تناولته نصوص هذا الدفتر، يجري تقديم الواقع "الجديد": فإن كنّ وهن المقموعات والمنبوذات قادرات ومبادرات، فلما لا يفعل الجميع، رجالاً ونساء؟

لقد سعى الفريق البحثي والاستقصائي هو نفسه، المكون من نساء كاتبات وصحافيات وباحثات، الى التقاط الاطار العام لوضع المرأة في بلداننا، فنشرنا دفتراً عنوانه "التفاوت: مكانة النساء بين الاعتقاد السائد وبين الواقع"، حاولنا فيه تبيان عدم مطابقة ذلك الاعتقاد الشائع عن وضعيةٍ للنساء يضعها في مرتبة "ثانوية" وقاصرة، مقارنته بالواقع الذي يُثبت بالوقائع أنهن قادرات ومسئولات وواعيات.. وسيلي هذا الدفتر الحالي عن مبادرات النساء للتصدي لحاجاتهن وحاجات مجتمعاتهن، دفتر ثالث يتناول مسيرة معارك كبيرة يخضْنها منذ زمن، لتغيير ممارسات متجذرة: الختان، تزويج القاصرات، العنف بكل أشكاله الذي يقع عليهن بوصفهن نساء، استباحتهن بالتحرش والاستخفاف به، الحرمان من الحقوق سواء كانت في الميراث أو في الأرض التي يزرعنها أو في الولاية على أنفسهن أو في حضانة أبنائهن... أين أصبحت هذه المعارك اليوم، وما الذي انجزته وتمكنت من ترسيخه وكيف كانت مساراتها، وماذا تبقى مما لا بد من التصدي له.

اليمن

السودان

الجزائر

العراق

ديمة ياسين

مصر

لبنان

المغرب

نسخة للطباعة
___________________
لوحة الغلاف: فرات شهال الركابي
___________________

محتوى هذا الدفتر هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.