"آنّا فرانك" و"هند رجب"، طفلتان راحتا ضحية لحرب إبادة وحشية، تعمدت استهداف الأطفال، وتجاهلت كافة القوانين والأعراف الإنسانية. وعلى الرغم من أن الطفلتين عاشتا في أزمنة مختلفة ومناطق جغرافية متباينة، لكنهما اشتركتا في مصير مؤلم واحد. إحداهما صارت أيقونة ترمز الى آلاف اليهود إبان الحرب العالمية الثانية. وتعرضت فيما بعد مذكراتها للاستغلال والترويج للمشروع الصهيوني . والأخرى لا تزال تنتظر من يوثِّق حكايتها، لتكون رمزاً لحرب الإبادة الوحشية على "غزة"، التي استمرت أربعة عشر شهراً، وراح ضحيتها عشرات وربما مئات آلاف الفلسطينيين، بينهم 18 ألف طفل، إضافة إلى الإصابات، حتى صارت "غزة"[1] موطناً لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، وفقاً للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من ظروف الحرب القاسية، وتعمُّد جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحافيين في "غزة" وسائر الأراضي المحتلة، إلا أن استشهاد الطفلة "هند رجب" حظي بتوثيق استثنائي، يصلح لأن يكون رمزاً لتعمّد الإبادة.
كم طفلاً؟!
31-10-2024
تعود حادثة استشهاد الطفلة "هند" إلى 29 كانون الثاني/ يناير 2024، حين تعرضت سيارة عائلتها للقصف من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حي "تل الهوى" بمدينة "غزة"، مما أدى إلى مقتل خمسة من أفراد عائلتها على الفور. لكن "هند" ابنة الستة أعوام، و"ليان" ابنة عمها، بقيتا على قيد الحياة، ووثق تسجيل صوتي استغاثتهما بالإسعاف، الذي حاول بدوره الوصول إلى موقعهما لإنقاذهما ، فتم استهداف سيارة الإسعاف أيضاً.
وذكرت تقارير إعلامية أن 335 رصاصة أطلقت على سيارة عائلة الطفلة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، في تعمد واضح للتصفية. والأدلة في واقعة مقتل الطفلة موثقة بالكامل، مثلها مثل المئات من حوادث الاستهداف للمدنيين، من قبل جيش الاحتلال خلال الحرب.
فهل نستطيع اقتناص تلك الفرصة الذهبية في التوثيق لجرائم جيش الاحتلال؟ سؤال يحتاج إلى إجابة واضحة ومشروع عربي جماعي عاجل.
من غزة إلى "الأوسكار"
نشر المخرج الأمريكي البارز "مايكل مور" عبر منصة "إكس" أنه "لا ينبغي لأي مخرج أفلام أو كاتب أو فنان أن يضطر إلى سرد قصة إبادته. ومع ذلك، وجد 22 مخرجاً فلسطينياً شجاعاً طريقة لتصوير قصتهم خلال العام الماضي في غزة، مستخدمين أية أدوات تمكنوا من استخراجها من بين أنقاض منازلهم ومدنهم". "مور" هنا يصف الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر"، الذي تضمن 22 فيلماً قصيراً، مدة كل فيلم تتراوح بين ثلاث وست دقائق، منها ما هو وثائقي أو روائي أو تحريك، تم إنتاجها خلال عام 2024، تحت إشراف المخرج الفلسطيني "رشيد مشهراوي"، بأيدي صناع وصانعات أفلام من "غزة"، بعضهم محترفون، وبعضهم يخطون خطواتهم الأولى في مجال السينما، يوثقون من خلال أفلامهم تجاربهم الشخصية ومشاهداتهم، خلال العدوان الإسرائيلي على "غزة"، عقب أحداث "السابع من أكتوبر".
عيون شهداء غزّة.. نافذةٌ على جمالها
12-11-2023
مدرسة إعلاميّي غزّة: وترٌ وحيدٌ.. يُقاوِم
26-10-2023
تمّ تصوير الأفلام في ظل ظروف صعبة، حيث واجه المخرجون تحديات، مثل: انقطاع الكهرباء، والقصف المستمر، ونقص المعدات، وصعوبة نقل المادة إلى خارج "غزة". بل استشهد أفراد من طواقم العمل. وعلى الرغم من ذلك، نجحوا في تقديم قصص تعكس الحياة اليومية في ظل الإبادة. وكما يقول المخرج في تصريحات إعلامية سابقة، فإن هدف الفيلم لم يكن تصوير الغزاوي بصفته بطلاً أو ضحية، ولكن تصوير الغزّاويين على أنهم مجموعة من الناس، لديهم أحلام ومشاريع وطموحات، واصفاً العمل بأنه "فدائيٌّ"، وتطلّب كثيراً من التحفيز. وأكّد على أهمية الصورة السينمائية في حفظ ما يتعرض له الأهالي، مثله في ذلك مثل الحصول على الخبز اليومي. "المشهراوي" لا يشعر بأن أهل غزة مهددون بالإبعاد والمحو. بل العكس هو الصحيح: الفلسطيني يملك التاريخ والثقافة والهوية، بينما المستعمِر هو الذي يشعر بالتهديد الدائم.
الفيلم يحبس الأنفاس، ليس فقط بسبب تلخيص أشهر من معاناة المواطن الغزاوي في مئة دقيقة، لكن أيضاً لفضحه الضعف والعجز العربي والعالمي عن إنقاذ ما يقرب من مليوني إنسان، واجهوا الموت بكافة مترادفاته خلال أربعة عشر شهراً. وعلى الرغم من عدم الاشتباك المباشِر للفيلم مع تفاصيل الصراع السياسي في "غزة"، إلا أن رصد معاناة المواطن الغزاوي كانت كافية للكشف عن الإبادة المتعمَّدة للقطاع. ففي فيلم "24 ساعة" للمخرج "علاء دامو" الموجود في الوثائقي الطويل، توثيق لقصة مواطن غزّاوي، نجا من الموت ثلاث مرات متتالية خلال يوم واحد، حيث تمكن أقاربه ورجال الإنقاذ من انتشاله من بين الأنقاض، في تجسيد لصمود أهالي غزة. يقول "دامو" في حوار إعلامي معه، إن التقنية المستخدمة في صناعة الأفلام لم تكن الأفضل على الإطلاق، فأغلب الأفلام صُوِّرت بهواتف محمولة ذات كاميرات جيدة، وكان صناع الفيلم يستخدمون بطاريات العربات المدمَّرة من القصف لشحن هواتفهم، لكن أصوات الشخصيات في الأفلام كانت أعلى من التقنية.
تحدث عدد من صناع الفيلم أيضاً عن الخطورة الشديدة، التي تعرضوا لها بسبب الاستهداف المستمر لهم، بصفتهم إعلاميين وسينمائيين، ولكل من يحمل كاميرا عموماً، والتي صارت تتساوى لدى الاحتلال مع "الكلاشنكوف". فلا مكان آمن، ولا توقيت مناسِب في غزة. وكان صنّاع الأفلام يتعرضون لما يتعرض له سائر أهالي غزة، من تشريد، وجوع، وفقد للأهل والأصدقاء.
التعليم من أجل غزّة.. هذا أيضاً ضرورة!
06-02-2025
يروي الفيلم "يوم مدرسي"، للمصور والمخرج "أحمد الدنف"، قصة طالب يفقد معلِّمه خلال الحرب، ويعجز عن الذهاب إلى مدرسته، فيتجول تائهاً بين خيام المخيمات. ينتهي الفيلم بمشهد يجلس فيه الطالب على قبر معلِّمه، ما يعكس الواقع، حيث تعمد جيش الاحتلال تدمير المدارس والجامعات والبنية التحتية للمنشآت التعليمية في غزة، التي كانت نسبة التعليم فيها قبل الحرب مرتفعة للغاية. وذكر[2] "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" في بيان له عقب شهر واحد فقط من بدء العدوان على غزة، أن 608 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة حُرموا من حقهم في التعليم المدرسي، بينما دُمِّرت 45 مدرسة في القطاع. وفي الوقت نفسه، واجهت 27 مدرسة في الضفة الغربية اعتداءات.
"قام 22 مخرجاً فلسطينياً بتصوير قصتهم خلال العام الماضي في غزة، مستخدمين أدوات تمكّنوا من استخراجها من بين أنقاض منازلهم ومدنهم". "مايكل مور"، يصف هنا الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر"، الذي تضمّن 22 فيلماً قصيراً، تم إنتاجها خلال عام 2024، تحت إشراف المخرج الفلسطيني "رشيد مشهراوي"، بأيدي صناع وصانعات أفلام من "غزة"، بعضهم محترفون، وبعضهم يخطون خطواتهم الأولى في مجال السينما.
يقول المخرج الفلسطيني للفيلم، "رشيد مشهراوي"، إنه "لم يكن هدف الفيلم تصوير الغزاوي بصفته بطلاً أو ضحية، ولكن تصوير الغزّاويين على أنهم مجموعة من الناس، لديهم أحلام ومشاريع وطموحات، واصفاً العمل بأنه "فدائيّ" وتطلّب كثيراً من التحفيز، وأكّد أهمية الصورة السينمائية في حفظ ما يتعرض له الأهالي، مثله في ذلك مثل الحصول على الخبز اليومي".
حاولنا التواصل مع المخرج "أحمد الدنف"، لكن الإنترنت حيث يقيم في غزة لم يكن على أفضل حال، فأرسلنا إليه تمنيات "السفير العربي" بالسلامة والعافية. فالمدينة الباسلة لا تزال تواجه كثيراً من التحديات والصعاب.
اللوبي الصهيوني
على الرغم من إمكانيات الإنتاج المحدودة، والصعاب التي واجهها صنَّاع الفيلم، شارك "من المسافة صفر" في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية، في: عمان، مصر، تونس، الجزائر، السويد، رومانيا، إيطاليا، وبريطانيا، وذلك خلال عام 2024، وحصد عدة جوائز. وصل الفيلم أيضاً إلى القائمة الطويلة لأفضل فيلم دولي، في الدورة السابعة والتسعين لجائزة "الأوسكار" المهمة، ولكن وفقاً لـ"ليالي بدر،" المنتِجة المشارِكة في العمل، في تصريحات بنقابة الصحافيين المصرية، ربما يكون اللوبي الصهيوني في أمريكا له اليد الطولى في عرقلة تصعيد الفيلم للقائمة القصيرة، بسبب إرسال مئات الرسائل إلى لجنة التحكيم، فحواها: "كيف يتم السماح للإرهابيين بالوصول إلى الأوسكار!"
الانتصار للضحايا
يتناول المفكر الراحل "عبد الوهاب المسيري"، في مقالة له بعنوان "تجارة الهولوكوست الرابحة"[3]، موقف العالم الغربي ويهود الغرب من استخدام "الهولوكوست" للتعبير عن إبادة أعداد كبيرة من اليهود على أيدي النظام النازي. يقول "المسيري" إن "هولوكوست" كلمة يونانية لا تعني مجرد "التدمير حرقاً"، ولكنها كانت في الأصل مصطلحاً دينياً يهودياً يشير إلى القربان الذي يُضحّى به للرب، ويحرق حرقاً كاملاً غير منقوص على المذبح، ما "يخلع على الواقعة صفة القداسة، وينزعها من سياقها التاريخي والحضاري".
ومن سبق له زيارة النصب التذكارية والمتاحف الخاصة بتخليد ذكرى أعمال الإبادة ضد اليهود من قبل النازيين، يلاحظ المجهود والوقت والتقنية التي بُذلت في تلك المزارات، لتترك أثراً لا يُمحى في نفوس كل زائريها، على اختلاف اتجاهاتهم وآرائهم. وقد سبق وزرتُ متحفين وعدة مزارات في كلٍ من "واشنطن" و"برلين"، وتمنيتُ أن نقوم – نحن كذلك - بتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال سنوات الصراع، إن لم يكن في فلسطين ففي مصر. فحادثة مثل قصف مدرسة "بحر البقر" من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية عام 1970، التي أسفرت عن مقتل 30 طفلاً، معظمهم بين سن السابعة والعاشرة، توثَّق فقط بواسطة الأهالي، بإمكانيات بسيطة في غرفة بإحدى مدارس القرية، سُمِّيت مجازاً بالمتحف، وتضم العديد من الوثائق المهمة، كمجموعة من المقتنيات الشخصية للأطفال، الذين قُتلوا في الهجوم، مثل الكتب، والأدوات المدرسية، والملابس الملطخة بدمائهم الطاهرة، التي يمكن توظيفها لتعريف العالم بتلك الجريمة، وتخليد ذكرى الضحايا.
تحدث عددٌ من صنّاع الفيلم عن الخطورة الشديدة، التي تعرضوا لها بسبب الاستهداف المستمر لهم، بصفتهم إعلاميين وسينمائيين، ولكل من يحمل كاميرا عموماً، والتي صارت تتساوى لدى الاحتلال مع "الكلاشنكوف". فلا مكان آمن، ولا توقيت مناسب في غزة، وكان صنّاع الأفلام يتعرضون لما يتعرض له سائر أهالي غزة، من تشريد، وجوع، وفقد للأهل والأصدقاء.
شارك فيلم "من المسافة صفر" في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية، في: "عمان"، "مصر"، "تونس"، "الجزائر"، "السويد"، "رومانيا"، "إيطاليا"، و"بريطانيا"، وذلك خلال عام 2024، وحصد عدة جوائز. وصل الفيلم أيضاً إلى القائمة الطويلة لأفضل فيلم دولي، في الدورة السابعة والتسعين لجائزة "الأوسكار"...
في المقابل، يخضع توثيق وإحياء "الهولوكوست" لإمكانيات مادية ونفوذ هائل، وأكبر مثال على ذلك "المتحف الوطني لذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة الأمريكية" بواشنطن، الذي يرجع تاريخ بنائه إلى الثمانينيات من القرن الماضي، بواسطة "لجنة الهولوكوست الوطنية"، برئاسة "مايلز ليرمان"، أحد اليهود البولنديين الأثرياء الناجين من الحكم النازي. والمتحف يسعى إلى إثارة عاطفة زائريه، منذ لحظة الدخول وحتى انتهاء الزيارة، مع استغلال كافة التفاصيل التاريخية، حتى وإن لم تكن متعلقة بشكل مباشر بالحكم النازي، مثل مجسم ضخم لسفينة "سانت لويس" الألمانية، التي رفضت حكومة الولايات المتحدة استقبالها عام 1939، بحمولتها من اللاجئين اليهود الفارين من الاضطهاد، والبالغ عددهم 937 لاجئاً، ما دفع السفينة للعودة مرة أخرى إلى أوروبا. ويستوقف وجود مجسَّم السفينة عدداً من الأسر الأمريكية أثناء زيارة المتحف، الذين يشعرون بالصدمة من موقف حكومة بلادهم، والتأثر بمصير اللاجئين.
في ألمانيا، ومن ضمن عشرات النصب التذكارية والمتاحف، من ضمنها معسكرات النازيين، التي تحولت إلى مزارات، يُعدُّ "النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست" أحدثها، إذ افتُتِح أمام زيارة الجمهور عام 2005، وتبلغ مساحته 19 ألف متر مربع، صممه المهندس الأمريكي "بيتر ايزنمان". ويتألف النصب من 2711 عموداً إسمنتيّاً باللون الرمادي القاتم، ما يعطي انطباعاً بمقبرة مفتوحة. وهو أشبه بالمتاهة، فبمجرد الدخول إليه يشعر المرء بالضياع والقلق. تحجب الجدران العالية الزائر عن صخب المدينة، ويسرِّب لونها القاتم إحساساً شديداً بالكآبة، والهدف هو جعل الزائر يشعر بألم اليهود المطارَدين والمضطهَدين خلال الحكم النازي.
هل هناك نية عربية لعمل يخلِّد ضحايا غزة، كبناء نموذج مصغر من المدينة التي تعرضت للهدم والإبادة، حتى قالت عنها الأمم المتحدة إن عودة نمو الناتج المحلي لمستويات عام 2022 يحتاج إلى 350 عاماً[4]!
محاولات توثيق أولية
في كانون الثاني/ يناير من العام 2024 [5] ، نشرت مجلة "الأهرام العربي"، التي تتبع مؤسسة الأهرام المصرية الرسمية المحافِظة، مقالاً طالبت فيه بإنشاء "متحف الجرائم الإسرائيلية"، لتوثيق المجازر والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، على أن يتضمن المتحف توثيق عدد من المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على غزة، مثل مجازر: "مستشفى المعمداني"، مخيم "جباليا"، "رفح"، "مجمع الشفاء الطبي"، والمجازر التي استهدفت عائلات فلسطينية بأكملها، ومحتْهم من السجلات. فهل من الممكن أن يكون المقال السابق يمثل توجُّهاً ما للدولة المصرية، على الرغم من السياسة الرسمية المعلنة، أو على الأقل توجُّهاً لأحد أجهزتها السيادية؟
ما تقدّمه فلسطين إلى العالم
17-08-2023
أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي: روايتنا نحن!
28-09-2023
علماً بأن متاحف توثيق الجرائم الإسرائيلية في العالم العربي محدودة، وأغلبها تقوم بجهود فردية، مثل "متحف العقّاد"، الذى أسسه الباحث الفلسطيني "وليد العقّاد" عام 1975، ويقع في مدينة "خان يونس" جنوب "قطاع غزة"، ويضم حوالي 2800 قطعة أثرية، تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث. وقد تعرّض المتحف للسرقة خلال حرب غزة. هناك أيضاً متحف "مليتا"، الذي أنشأه "حزب الله" في "جنوب لبنان" عام 2010، وتُعرض فيه مجموعة متنوعة من الأسلحة والمعدات العسكرية التي استخدمها مقاتلو المقاومة اللبنانية، بالإضافة إلى نماذج من الأنفاق والخنادق التي كانت تستخدمها المقاومة، وبعض ما تمّ الاستيلاء عليه من أسلحة العدو الإسرائيلي. وفي "مصر"، إضافة إلى "المتحف الأهلي" لتخليد ذكرى شهداء مدرسة "بحر البقر" الذي سبقت الإشارة إليه، توجد بضعة متاحف تتناول الحروب الحربي، مثل "متحف بورسعيد"، و"بانوراما السادس من أكتوبر" التي افتتحت عام 1983، وتوثِّق أحداث وتفاصيل حرب 1973 بين "مصر" و"إسرائيل".
"هولوكوست" كلمة يونانية لا تعني مجرد "التدمير حرقاً"، ولكنها كانت في الأصل مصطلحاً دينياً يهودياً يشير إلى القربان الذي يُضحّى به للرب، ويحرق حرقاً كاملاً غير منقوص على المذبح، ما "يخلع على الواقعة صفة القداسة، وينزعها من سياقها التاريخي والحضاري".
يتألف "النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست" من 2711 عموداً إسمنتيّاً باللون الرمادي القاتم، ما يوحي بمقبرة مفتوحة. وهو أشبه بالمتاهة، فبمجرد الدخول إليه يشعر المرء بالضياع والقلق. تحجب الجدران العالية الزائر عن صخب المدينة، ويسرِّب لونها القاتم إحساساً شديداً بالكآبة، والهدف هو جعل الزائر يشعر بألم اليهود المطارَدين والمضطهَدين خلال الحكم النازي.
هناك أيضاً ما يمكن تنفيذه في الحال، وهو عمْل متحف إلكتروني لتخليد الإبادة ضد غزة، حيث يسهل جمع كافة الصور والفيديوهات والشهادات حول الجرائم الإسرائيلية، والحصول على حقوق عرضها، سواء تلك المملوكة لأفراد عاديين، أو صحافيين. فلن يرفض أحد المشاركة في عمل بهذا النبل والشجاعة، بجانب الاستفادة من تقنيات العرض الافتراضية التفاعلية الجذابة، وفي الوقت نفسه الهرب من المنع الجغرافي والسياسي والتكلفة.
وهناك بالفعل عدد من التجارب في هذا الشأن، من ضمنها مشروع "ذاكرة فلسطين"[6] الذي يعتمد على جمع شهادات وصور وأرشيفات رقمية للحفاظ على التاريخ الفلسطيني، و"المتحف الفلسطيني الرقمي"[7]، ويهدف إلى حفظ الرواية الفلسطينية عبر مواد رقمية يمكن تصفّحها من أي مكان في العالم. وعلى الرغم من قواعد البيانات الجيدة في تلك المواقع، إلا أنها تفتقد لطرق العرض الجذابة، ولسهولة مخاطبة طبيعة رواد وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة من الأجيال الشابة.
فهل يمكن أن نرى عملاً توثيقياً قريباً حول الإبادة التي تعرضت لها غزة وسكانها؟ عمل صادم وكاشف، لا يهدر الدماء الزكية التي سالت في سبيل إعادة تعريف العالم بعدالة القضية الفلسطينية؟ هذا أقل ما يمكن فعله للتكفير عن الخذلان والصمت، المصري أولاً، والعربي ثانياً، ومن ورائه العالمي!
- موقع الأمم المتحدة، 9 تشرين الأول /أكتوبر 2024 https://2u.pw/zYm3GiL4 ↑
- بيان على موقع "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" بتاريخ تشرين الثاني / نوفمبر 2023 https://2u.pw/7jp2W5hJ ↑
- نشرت المقال بموقع الجزيرة عام 2004 https://2u.pw/ThOZmmMH ↑
- تقرير للأمم المتحدة بتاريخ أيلول/ سبتمبر 2024 https://2u.pw/2pHfrRWc ↑
- مقال نشر في "مجلة الأهرام العربي" https://2u.pw/zEwUm9cW ↑
- "مشروع ذاكرة فلسطين" : https://2u.pw/2hjmCJE7 ↑
- "موقع الأرشيف الفلسطيني الرقمي" : https://2u.pw/MTQgEg4v ↑