الوحش الكاسر... الوحوش!

لا يفعل "نتنياهو" الحرب الوحشية الممتدة لينقذ رأسه من المحاكمة والسجن. هذه فكرة ليست ساذجة فحسب، بل غبية.
2024-09-26

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
يزن أبو سلامة - فلسطين

ليست شتائم، بل توصيف يَستعمل المفردات المتاحة لوصف حالة لم تَجد بعد الإدراك الكافي لمعناها وخصائصها.

ما الذي تمثله إسرائيل اليوم؟ حسناً: كيان مصطنع ليكون رأس حربة للامبريالية العالمية. استعمار يلبس أقنعة متعددة، منها ما هو ديني أو أسطوري /خرافي، ومنها ما هو سياسي / أيديولوجي مباشر يخص الـ"حضارة" والحداثة الغربيتين. كتلة بشرية غريبة عن محيطها – كما هو دائماً الاستعمار الاستيطاني - مُقامة وسط مدٍّ هائل من "الهمج" المسيطِرين على معظم ضفاف البحر المتوسط، حيث أوروبا أيضاً، والمتحكمين بموارد هائلة "لا يستحقونها"، على رأسها النفط الذي كان ما زال مستكشفاً حديثاً. هذا منذ بداياته، ولم يتغير كأساس.

ولكن اليوم؟ ما الذي حدث لهذا الكيان/ الفكرة منذ مئة عام أو حتى أكثر؟ منذ، على الأقل، تجسيده في قرار من "الأمم المتحدة" في العام 1947، وقرار التقسيم في العام 1948؟ ذلك أن الكيانات والتشكيلات الاجتماعية والسياسية تتغير عبر الزمن، بالممارسة، وبما يحيط بها من معطيات قد لا تخصها مباشرة.
سؤال لا تكفي للإجابة عنه كل الخطب الحماسية والثورية والمبدئية، حتى وإن تخطت الثرثرة (المضجرة!)، حتى وإن كانت صادقة وصحيحة!

سؤال يَفترض القدرة على معرفة هذا "الآخر" بدقة، على رصد التبدلات التي أصابت تلك الشريحة من المؤسِّسين، علماً أنهم هم أيضاً لم "يقصِّروا" أبداً، لا في عنصريتهم ولا في وحشيتهم، من "دافيد بن غوريون"، وعصابات "الهاجانا"، إلى "غولدا مائير"، إلى "مناحيم بيغن"، و"موشي ديان"، مروراً بسواهم... إلى أن وصلت إلى "نتنياهو"، و"غالانت"، و"سموتريش"..

كما يَفترض الجواب المعرفة الدقيقة بما أصاب العالم طوال هذا القرن.

وليس انهيار الاتحاد السوفييتي هو مفتاح السر، إن كان ثمة سر. فموسكو عمِلت لقيام إسرائيل وأيّدتها علناً في المحافل الدولية كما في العلاقات المُمارَسة معها على كل الأصعدة. حسناً ، كانت تسعى إلى توازن ما، بينها وأعدائها، وهذا يبدو ثميناً إزاء الاختلال الفاضح اليوم. وليس السر في ذلك الانفصام العميق في وضع العملاق الصيني، وعنوانه أن "بكين" وحزبها الشيوعي يديران رأسمالية عالمية لديها كل مواصفات الغزو وحسابات الربح والخسارة (انظر ما يجري في أفريقيا)، ولديها علاقات وطيدة، تجارية وعلمية، مع إسرائيل...

وهناك انهيار مشروع "باندونغ" الذي شكّل كتلة "دول عدم الانحياز" مستحضِراً قوة دول العالم الثالث المتحرر من الاستعمار، وهناك تحوّر مشروع "البريكس" الذي صار يضم السعودية مثلاً (!) ولم يعد أحدٌ يسمع به، وما عاد له معنى.

____________
من دفاتر السفير العربي
عشـرون عامـاً على الحرب على العـراق
____________

وليست انتفاضات ما سمي بـ"الربيع العربي"، والذي يستسهل البعض بخفة مقلقة وصمها بالمؤامرة الغربية، لأنه تداخلت فيها بعض براعم الثورة غير المكتملة، وغير المؤهلة للاكتمال، مع الثورة المضادة الشرسة التي أحاطت بها، ولأنها انتهت إلى كوارث يجسدها حكم "السيسي" لمصر، والتقسيم الفعلي لسوريا الى ما يشبه الدويلات بعدما غرقت بدماء أبنائها. ولأنه قبلها كانت قد جرت تصفية العراق المزعج – وليس فحسب "صدام حسين" – على يد الغرب بقيادة واشنطن ولندن، وبمباركة المشيخات الخليجية، وعلى رأسها السعودية، وبتواطؤ عميق من قبل طهران، منذ اللحظة الأولى للحرب على العراق، وحتى استلامها مهمة استكمال تصفيته التي أنجزتها بكل نجاح، ولا تزال تجز السكين على رقبة البلد المنكوب.

تفككت بشكل خطير مجمل المنطقة العربية، وفقدت وجود مجرد تصوّر ذاتي – مهما كان قاصراً - لمشروع تحرري ونهضوي شامل. فقدت الطموح إليه. وعلاوة على ذلك، وبالتوازي معه، طال الاختلال العميق، متعدد العناصر، أهم بلدانها ومجتمعاتها: العراق وسوريا ولبنان والسودان وليبيا واليمن، وغرقت مصر في بؤس مخيف يُدار بالقمع، بلا أي أفق.

 ثم أنْ تُحكم أوروبا بمهرِّجين وتافهين، لم يعودوا يحترمون – ولو شكلاً – المفردات الكلامية والعملية التي بُنيت عليها "أمجاد" إمبراطورياتها وعصر أنوارها، بل امتهنوا الابتذال، علاوة على الفساد المكشوف، وأن يَصل "دونالد ترامب" إلى رئاسة أمريكا، مرة أولى، وربما ثانية قريباً، وأن يَحكم هذه الاخيرة رجلٌ أضاف الزمن إلى عنصريته المخيفة، الخَرَف، ويبقى مرشحاً طويلاً وبكل أناقة... لهي علامات على زمننا.

"نتنياهو" وعصابته هو ابن هذا الزمن. من تخيل أن قائداً في الوقت الحالي يفعل، بكل صراحة ووضوح، هو وجيشه وتقنيوه الجبارون، ومجتمعه، كل ذلك برقعة صغيرة كقطاع غزة (364 كيلو متراً مربعاً) محاصَرة من كل الجهات، فيبيد البشر والحجر والمؤسسات كافة... كل الإبادات الممكنة، فيما العالم كله يتفرج ويشيح ببصره لو كان المشهد فظيعاً: genocide, urbiside, ecoside, eduside…

لا يفعل "نتنياهو" ذلك لينقذ رأسه من المحاكمة والسجن. هذه فكرة ليست ساذجة فحسب، بل غبية. وهو وعصابته يريد ، على ما يقول، "تغيير الشرق الاوسط"، وليس أقل! كقاعدة استعمارية استيطانية راسخة، انتقلتْ إسرائيل، كما هي عليه اليوم، وبفعل كل تلك العوامل المحيطة بها، اقليمياً ودولياً، الى مشروع الهيمنة الفجّة. صارت إبادة غزة تماماً (وسواها إنْ لم يستسلموا) هي البديل عن المنطق "الناعم" للهيمنة، الذي مثلته اتفاقيات "أوسلو".
ينقض نتنياهو وعصابته على  لبنان بوحشية منفلتة تماماً من كل عقال، وقد مارسها وخبرها في غزة ولا يزال... طالما العالم وجد له الذرائع: هناك هو يصفِّي "حماس" وفي لبنان يريد تصفية "حزب الله"، تحثه على ذلك أحقاد تبدأ في الغرب وتنتهي في بلداننا. وأما الآلاف المؤلفة من المدنيين، وبالأخص من الأطفال، فذنبهم أنهم وُلدوا في المكان الخطأ! وأنه يمكن إنكار وجودهم، أو اعتباره ثمناً يهون أمام "الهدف السامي".

وها هو يرفض مقترحاً ليس للسلم، وإنما لوقف مؤقت لإطلاق النار، تقدمت به أمريكا نفسها ومعها حلفاؤها. أليس هو من وقف "الكونغرس" الأمريكي يصفق له عند زيارته له وإلقاء كلمة فيه، وسط بحر دماء غزة؟.

كيف سيكون وجه العالم بعد هذا الفصل الجديد من التوحش؟ وهل يظن "نتنياهو" وأبناء جلدته أن إسرائيل ستنجو بفعلتها؟ وهل يظن معظم الحكام العرب أنهم سينعمون بالنفوذ الذي يطمحون إلى جنيه من تحالفهم الضمني أو العلني معها، بل وحتى بالطمأنية؟ وهل يظن العالم أننا "سننسى"؟

مقالات من فلسطين

لا شيء سوى الصمود!

2024-10-03

قبل الصواريخ الإيرانية وبعدها، استمر الاحتلال بارتكاب الفظاعات، ثمّ توعّد بالمزيد. إنها أيام المتغيرات السريعة والخطيرة والصعبة، لكن يبدو أنه في كل هذا، ليس سوى ثابتٍ وحيد: صمود شعوبنا المقهورة.

إعادة تكوين العقل الغزّي

أجيالٌ بأكملها تفقدُ حياتها وسنواتها. وأطفالٌ صغار يستيقظون على واقعٍ غير بشري. هذا هو كيّ الوعي الجديد الذي تقوم به إسرائيل، ويوافق عليه العرب. العرب الذين يُريد "نتنياهو" مُساعدتهم في...

للكاتب نفسه

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوئدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...