إعداد وتحرير: صباح جلّول
"وضعوني في كيس أسود، ورقصوا على جثثنا... ضربونا في سجن الرملة وحتى في المستشفى كانوا يعتدون علينا بالضرب. ضرب مبرح. لا يتحمله أحد. إلى لحظة الافراج عنا وهم يضربونا. الوضع.. إخواننا بيناشدوكم. سجن النقب هو سجن غوانتنامو. أكثر من ألفين أسير، وضعهم الصحي مأساوي".. يخرج صوت معزز عبيات موجوعاً منهكاً. ترصد نظرته نقطة في الهواء كأنها ذاهبة الى عالمٍ آخر تَرك فيه عينيه. لقد رأى وخَبِر أكثر مما ينبغي لأي كان أن يحتمل، وكان قبل أن يرى الأهوال رجلاً صحيحاً قوياً رياضياً يهتم بكمال الأجسام، وعاد كأنّما بدون جسده. عاد مسلوباً من ذاته. يتكلّم معزز وتنهال على وجهه أيدي المحبين، تمسح شعره وجبينه محاوِلة بلسمة الجراح. لكنّ هذا الجرح غائر، منه ألف جرح على الجسد وواحد أعمق منها في الروح.
وليد دقة الذي عاش ومات حرّاً
11-04-2024
باسم خندقجي.. رواية فلسطين العابرة للسجون في خطر
15-03-2024
صُعق أهل الأسير لرؤية ابنهم على هذه الحال عند الإفراج عنه يوم الثلاثاء في 9 تموز/ يوليو 2024، على حاجز الظاهرية قرب مدينة الخليل جنوبي الضفة، وذلك بعد أن أمضى تسعة أشهر في معتقلات الموت الإسرائيلية. لقد قُتل بالفعل معزز الذي كان، وعاد إليهم منكسر الجسد هزيله، لا يقوى حتى على الوقوف بدون مساعدة. قال أنه تعرض "لعملية قتل" في سجن عوفر، حيث طُعن عدة مرات بالسكين، ويقول أن الوزير ايتمار بن غفير كان مشارِكاً في التعذيب، فداس على جسده حتى أعلنوه ميتاً، إلى أن استفاق في مستشفى الرملة، وبقي بلا علاج ولا طبيب. "إحنا بنموت كلّ يوم"، يقول معزز، ويتذكر من بقي في جحيم سجن النقب، حيث يتسلى أصغر السجانين وأعلى رؤوس دولة الاحتلال أيضاً (!) بأجساد الفلسطينيين بلا حسيب ولا رقيب. بكلمات معزز، فيه "كل إشي لا يتصوّره العقل: قتل، ضرب، جوع، فقر، مرض... ألفا أسير بأمراض مزمنة جداً، أمراض قوية جداً، وضعهم سيء جداً. لهم الله"... قال معزز أنه خرج لكنه تمنى "لو متنا مع بعض"... في النقب، يقبع 3380 أسيراً وأسيرة، حسب ما أحصى "نادي الأسير الفلسطيني"، بينهم أطفال، كلهم يعيشون في ظروف لا-آدمية... "لهم الله"!
في اليوم نفسه، أفرج أيضاً عن الصحافي معاذ عمارنة. لم يعانقه ولم يقبله أحد، فقد خرج يصرخ لأهله وأصدقائه اللذين انتظروه خارج البوابات محذّراً: "بقدرش أسلّم على حدا، معنا مرض ما منعرف شو هو"، مبتعداً حتى عن أمّه لخوفه من نقل أي أمراض لأهله...
وهو بدوره خسر وزناً كثيراً خلال تسعة شهور من الجحيم، ووصف وضع الأسرى الذين لم يسلم منهم شخص واحد من المرض والحساسيات والتقيحات والآلام والأمراض الغريبة التي سببها التعذيب وظروف الاعتقال. معاذ نفسه كان الاحتلال أطلق عليه النار عام 2019، ففقأ عينه اليسرى أثناء تغطيته لمسيرةٍ لأهالي بلدة "صوريف" في جنوب الضفة الغربية، كانوا يطالبون فيها باستعادة أراضيهم المحتلة.
حَرائر فلسطين
30-11-2023
أطباؤنا و"أطباؤهم"
04-07-2024
كل هذا، للتذكير، يحدث لأسرى من الضفة وبيت لحم بالإضافة إلى أسرى غزة اللذين ينتقم منهم الاحتلال بواسطة انتهاكات مرعبة وممارسات سادية لا يتصورها عقل. هكذا هو الاحتلال، يسرق ويعطب ويقتل من الجسد الفلسطيني بالتجزئة والجُملة. تخرج أجساد الأسرى شاهدة على أجساد أخرى كثيرة مكوّمة في أقبية يعجز من خرج على وصفها ووصف ما يحدث فيها. يحاولون الوصف، فيذكرون عذابهم مرة وعذابات رفاقهم القاطنين هناك مع الموت مرّات كثيرة...