حَرائر فلسطين

تتوالى مراحل صفقة تبادل الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس، خلال أيام الهدنة التي تمّ التوصل إليها بعد 48 يوماً من إبادة رهيبة "لا مثيل لها في القرن الحالي" وفق ما قالت صحف أمريكية هي نفسها. وخرجت بموجب الاتفاق ستّ دفعات (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) من الأطفال الأسرى والنساء الأسيرات. منذ العام 1967، اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 16 ألف امرأة فلسطينية. يكره الاحتلال نساء هذه البلاد بشكلٍ خاص. لا يفهمهنّ ولا يريدهنّ إلا خاضعات. وهنّ كلّ ما هو عكس ذلك.. هذه بعض حكاياتهنّ، مواقفهنّ، وصورهنّ التي ستبقى في ذاكرتنا ما حيينا، وننقلها للأجيال القادمة.
2023-11-30

شارك
الأسيرة المحررة إسراء الجعابيص تحتض ابنها معتصم بعد ثماني سنوات من الحرمان منه، وقد تركته طفلاً في الثامنة.

من عانى مثل معاناة إسراء الجعابيص؟ عانت من حروق عميقة بنسبة أكثر من 60 في المئة من جسدها بسبب انفجار قارورة غاز في سيارتها، فقط ليتركها الاحتلال تحترق، ثمّ يضعها في السجن بتهم باطلة ويمنع عنها العلاج الضروري. تحررت إسراء في الدفعة الثانية يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.

"الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات. الحمدلله الذي أحسن بنا إذ أخرجنا من السجن. جداً نخجل أن نفرح وفلسطين كلّها جريحة"، قالت بنبل عظيم ونكران للذات.  

فرحة إسراء وابنها بلمّ شملهم

"أوجاعي مرئية. ما في داعي أحكي عنها. وهي غير الأوجاع العاطفية والنفسية والشوق الكبير للأهل والعائلة"، وتابعت تشرح مجدداً بحساسية عالية، تفكّر بالأسيرات قبل نفسها: "هناك بنات صغار، تركتهم خلفي يبكون في السجن. لأنهن تعرضن لأشياء كثيرة. أشياء ما بتنشاف"... قالت الجعابيص أنها خجلت من النظر في عيون أمهات أسيرات غيرها، يشتقن لأطفالهن.  

الأسيرة المحررة فدوى حمادة مع أطفالها

الأسيرة المقدسية فدوى حمادة، أمضت ست سنوات في الأسر، وخرجت في الدفعة الثالثة من صفقة التبادل. "لم يسمحوا لي برؤية أطفالي إلا مرة أو مرتين في المحكمة ولبرهة قصيرة... كنت في وضع سيء جداً. عندما رأيتهم، خلصْ ارتحت... كل يوم كنت أفكّر بهم في السجن"، قالت فدوى. كانت كثيراً ما تتعرّض للعزل في السجن لفترات طويلة، وصل أطولها إلى 105 أيام متواصلة. 

الأسيرة المحررة أماني الحشيم تحتضن ابنها آدم بعد سبع سنوات في الأسر.

قالت الأسيرة المحررة أماني الحشيم أنه في زيارات السجن، كان السجانون يسمحون للأم الأسيرة أن تحضن طفلاً واحداً من أطفالها، فيسأل الطفل الثاني "هل لا تحبني أمي؟"... كل هذا إمعاناً في كسر الأسيرات وعائلاتهن في أدق تفاصيل مشاعرهم! كم يبدو ذلك شبيهاً بما روي عن معتقلات النازيين حين كانوا يطلبون من الأم أن تختار أي الطفلين سيُنقذ من المحرقة!

الأسيرة المحررة ملك سليمان ووجبة الطعام الأولى في منزلها بعد الحرية.

الأسيرة ملك سليمان في لحظة دخولها على والدتها التي استقبلتها بحرارة، غير مصدِّقة. في الدفعة الأولى في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.

الأسيرة المحررة حنان البرغوثي (أم عناد)

روَت الأسيرة المحررة حنان البرغوثي في مقابلة تلفزيونية ما حدث مع الأسيرات عقب "السابع من أكتوبر". "أيقظتني زميلتي في الزنزانة تقول قومي شوفي شو بيصير، حريتنا باتت قريبة، شوفي ما فعلوه بالاحتلال... لم نستطع تمالك أنفسنا وخرجنا إلى الباحات نكبّر ونهتف". تقول البرغوثي أن السجانين رموهنّ بالغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل وانهالوا عليهن بالضرب المبرح، حتى أتى مدير السجن بذاته وركل الأسيرات تشفياً. لكنّها تؤكّد: "على الرغم من ذلك، كانت الهزيمة في عيونهم، والله، والله من أول يوم وأول ساعة، كانت الهزيمة ظاهرة عليهم، والنصر في عيون الأسيرات".

لحنان البرغوثي 4 أبناء في الأسر، وهي أخت أقدم أسير فلسطيني، نائل البرغوثي.  

***

لحظة لقاء الأسيرة المقدسية مرفت حشيمة بابنتها وفاء فور الإفراج عنها من سجون الاحتلال في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023:

***

أمّا أقدم أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال فهي الأسيرة المحررة ميسون الجبالي. كان عمرها 20 عاماً عندما سُجِنت، وأمضت 8 سنوات ونصف في السجن، لتخرج امرأة على مشارف الثلاثين!

حكت ميسون عن ظروف السجن في المدة الأخيرة بكثير من الأسى: "تفتيش عاري، شحط بشكل عنيف، كلبشات ضيقة. الوضع مزري في السجون. الطعام الذي يكفي لـ10 يوزعونه على 80 فتاة. ممنوع الخروج إلى الباحات. الكثير من الأسيرات أغمي عليهن عدة مرات بسبب انخفاض الضغط والسكر. كل هذا وطبيبة السجن لا تكلف نفسها عناء التكلّم معهن، بل ترسل ممرضاً ليقول للمرضى "اشربوا مي".

تضيف: "الحرس يقولون لا نريد أن نسمع صوتكن، وإحذرن، فنحن معنا الضوء الأخضر لنقوم بأي شيء".

حصلت ميسون على شهادة جامعية في السجن وقالت "الفضل في ذلك يعود لخالدة جرّار. هي من أصرّت على أن تكمل الأسيرات تعليمهنّ في السجن". لو لم تخرج ميسون في صفقة التبادل، كان سيتوجب عليها أن تنتظر 7 سنوات إضافية لتنهي حكم 15 سنة! 

الأهل في استقبال الأسيرة المحررة شروق دويات في منزلها

أكّدت الأسيرة المحررة شروق دويات كلام ميسون الجبالي: "إدارة السجن صارت تقول لنا نحن معنا الضوء الأخضر لنقوم بكل ما نريد بكنّ". قاموا بهجمة ممنهجة على الأسيرات باعتماد سياسة التجويع والتعطيش والعزل داخل الغرف بالإضافة إلى حشر الأسيرات في زنازين مكتظة، فيجبرون 8 على التواجد في زنزانات هي لأربع أشخاص، مع تعمّد عدم احترام خصوصية الأسيرات وكشفهنّ على الدوام.

تقول شروق في مقابلة مع تلفزيون "TRT عربي" أن الاحتلال اعتمد سياسة انتقام من الأسرى والأسيرات. وحتى بعد إطلاقها، حين كان مسموحاً لوالدها فقط ملاقاتها عند السجن، منعتها الجندية من معانقته والاقتراب منه. وعندما سألت شروق والدها "عنجد أنا مروّحة إلى البيت؟" صرخت بها الجندية أنه من غير المسموح لكِ الكلام معه حتى تصلي إلى البيت". هذا مثال آخر على محاولة الاحتلال أسر العواطف والحميميات وتعمّد افتعال القهر في كل فرصة سانحة! 

الأسيرة المحررة مرح بكير ووالدتها

الأسيرة المحررة مرح بكير كانت ممثلة الأسيرات في السجن. حكت مرح كيف أن السجانين عزلوها وصاروا يأتون إليها بأخبارهم عمّا فعلوه بالأسيرات من تنكيل، بغرض تعذيبها وكسرها. "لكنني كنت أقول لهم أن الأسيرات لهنّ الله يحميهنّ، وأدعو لهنّ دائماً". اعتُقلت مرح عندما كانت في السادسة عشر من العمر، وتحررت بعمر الرابعة والعشرين. 

الأسيرة المحررة زينة عبدو مع والدتها

خرجت الأسيرة المحررة زينة عبدو بعمر 18 سنة واعتقلت عندما كانت في السادسة عشر. "رشّوا علينا الغاز في وجوهنا مباشرة لأربع مرات في السجن في الأيام الأخيرة، وأنا لدي مشكلة في أنفي، فأصابني ضيق نفس شديد". تعرضت زينة للترهيب والتعذيب قبل إطلاق سراحها: "ضربوني، شتموني، اعتدوا عليّ، ولستة أيام لم آكل أو أشرب، وضعوني في غرفة مع 4 محققين عذبوني، هددوني بالصعق بالكهرباء وهددوني بالقتل واستهدفوا بشكل خاص منطقة مؤخر الرأس". تهمة زينة التي رُميت من أجلها في السجن إبنة 16 عاماً، كانت التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لوضعها صورة لعلم فلسطين. فقط هذا... "تضع صورة لعلم بلدك فيقولون عنك مخرِّب".

وغيرهنّ كثيرات، جميلات، مضيئات، قويّات بشكلٍ مذهل، ومظلوماتٍ بسنوات سُرقت من أعمارهنّ وبخيرٍ سُلب من صحّتهن وحيواتهنّ. منذ العام 1967، اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 16 ألف امرأة فلسطينية، حسب وكالة "وفا" للأنباء. يكره الاحتلال نساء هذه البلاد بشكلٍ خاص. لا يفهمهنّ ولا يريدهنّ إلا خاضعات. وهنّ كلّ ما هو عكس ذلك..  

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....