بعد عام على الزلزال: طريق التعافي السوري طويل وقاسٍ

ما المسار الذي أخذه التعافي السوري من هذه الكارثة، وهل هو ارتجالي أم أنه ارتكز في معالجته للحدث على أسس ومقاربات جديدة تجاوزت المفاجأة الطبيعية إلى محاولة إدراك كيفية التعاطي معها في حال تكرارها؟ وهل استفادت البلاد عبر العام الفائت من هذه التجربة وباتت أكثر استعداداً ﻷي احتمال لزلزال قادم؟ أم أنّ الدول تنسى.. أو تتناسى مثلها مثل الأفراد؟
2024-02-12

كمال شاهين

كاتب وصحافي من سوريا


شارك
الخيام مأوى المتضررين من الزلزال في سوريا

مضى عام على حدث الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من شباط/فبراير 2023 وفي العشرين منه، وأسفر في حده الأدنى عن خسائر بشرية ليست أقل من خمسين ألفاً من بينهم عشرة آلاف من السوريين في البلدين، وأحجام هائلة من الخسائر المادية والمعنوية، كذلك بين البلدين.

وعلى الرغم من أن زلازلاً بهذا الحجم لم تكن غير متوقعة تماماً في هذه المنطقة من تركيا وسوريا، نظراً لموقعها بالقرب من خطيّ صَدع، فقد سلّطت الزلازل الأخيرة التي بلغت قوتها 7.6 و7.8 درجة على مقياس ريختر، الضوءَ على افتقار المنطقة إلى الاستعداد لمثل هذه الكوارث، حيث أدت الزلازل إلى انهيارات كارثية في المباني بأعداد ضخمة في كلا البلدين، على الرغم من وجود قوانين بناء تفرض شروطاً صارمة. إلا أن مؤشرات الفساد والتملص من تطبيقها والاستحصال على اعفاءات (لقاء رشى أو علاقات نفوذ) كانت حاضرة في كلا البلدين أيضاً.

بعد مضي عام على ذاك الحدث المحتمل تكراره في أية لحظة، تقفز أسئلة ملحّة لدى غالبية السوريين الذين عايشوا التجربة. هناك مسألة التعافي من الصدمة المباشرة للسكان الذين فقدوا بيوتهم أو أحباءهم أو أرزاقهم، وهناك الذين لم تعد بيوتهم قابلة للسكن وأولئك الذين باتت بيوتهم بحاجة للترميم... وهذا كله ما يتجمع تحت بند "اﻹيواء" الذي تتحمل الدولة والمجتمع عبأه وفق الدستور السوري. ويزيد الحديث في هذا الجانب بالنظر إلى الظروف السورية المأساوية التي لا تسمح لكثيرين بالاستغناء عن الدولة كحامل اجتماعي عليه اﻵن واجب قاس هو تأمين بيوت بديلة لمن تقطعت بهم السبل، بينما يسود ضغط التضخم الاقتصادي والتفتت السياسي بين جغرافيات سورية متصارعة، وعزلة دولية، علاوة على العقوبات الأميركية والأوروبية والضربات الإسرائيلية المتكررة والتنازع على الهيمنة على سوريا بين مختلف دول العالم.

هناك مسارات أخرى لا تقل أهمية وعاجلية، منها التعافي في البشر والاقتصاد والاجتماع. فهل استفادت البلاد عبر العام الفائت من تجربة شكّلت تحدياً، وشكّلت كذلك فرصاً للخروج من الدوامة المستمرة منذ عقد فأكثر؟

فما المسار الذي أخذه التعافي السوري من هذه الكارثة، وهل هو مسار ارتجالي أم أنه ارتكز في معالجته للحدث على أسس ومقاربات جديدة تجاوزت المفاجأة الطبيعية إلى محاولة إدراك كيفية التعاطي معها في حال تكرارها؟ وهل استفادت البلاد عبر العام الفائت من هذه التجربة وباتت أكثر استعداداً ﻷي احتمال لزلزال قادم؟ أم أنّ الدول تنسى.. أو تتناسى مثلها مثل الأفراد؟

مسار التعافي الطويل

بعد أن يختفي حدث بحجم ذلك الزلزال من شاشات الإعلام بأنواعها، تسعى المناطق المتضررة في محاولات تعافيها من تبعاته. ويعتمد هذا التعافي على جملة شروط من أهمها توافر التمويل الكافي واﻹدارة الحكيمة للموارد والمرونة الكافية للمؤسسات والاستفادة من الدروس التي فرضها الحدث.

لم يوضح مدير "الصندوق الوطني ﻹغاثة منكوبي الزلزال" أعداد المتقدمين للحصول على هذه المبالغ غير المستردة من الناس والبالغة قيمتها لكل بيت مبلغ 180 مليون ليرة سورية حُسبت على مساحة بيت متوسط 75 متراً بأسعار قريبة من أسعار السوق لجهة مواد البناء والتكاليف (حوالي 2.3 مليون ليرة للمتر الجاهز أي قرابة 180 دولاراً). ووفق الصندوق نفسه فإنه راعى فعلياً أن تكون اﻷرقام التي يدفعها واقعية ومنتبهة لمسألة التضخم في البلاد.

في تجربة ذات دلالة على تضافر العوامل السابقة في صياغة مشهد التعافي، يمكن الذهاب إلى بلد متقدم وغني، هو اليابان. فبعد زلزال ضرب ساحل المحيط الهادئ في 11 آذار/ مارس العام 2011، بقوّة M9.0 ميغاطن، والتسونامي الذي أعقبه (لنتخيل لو حدث ذلك شرق المتوسط!)، قامت الحكومة اليابانية بتنفيذ برنامج تعافي ضخم، حيث أزيلت معظم الأنقاض ورُممت المرافق الطبية والمدرسية، وكذلك عادت ثلاثة أرباع الأراضي المتضررة من التسونامي إلى اﻹنتاج مرة جديدة، وتعافت مؤشرات اﻹنتاج الصناعي مثل معالجة الأغذية البحرية. ومع كل هذه الإحصائيات بعد خمس سنوات على الحدث، كان قد بقي جزء كبير من منطقة Tohoku توهوكو لايزال بعيداً عن التعافي، حيث بقي قرابة مئتي ألف شخص من دون مأوى، وكانت "مرحلة إعادة الإعمار والتنشيط" الثانية التي مدتها خمس سنوات على وشك البدء، وبعد سبع سنوات من وقوع الحدث، أعيد بناء معظم الطرق وشبكات السكك الحديدية المتضررة. لكن نسبة استكمال الإسكان العام للمشردين بلغت 94 في المئة، والإسكان على الأراضي المرتفعة للمجتمعات المتضررة من التسونامي بنسبة 80 في المئة. وحتى مع إلغاء وكالة إعادة الإعمار التي أنشئت العام 2012 في العام 2021، بقيت بعض عمليات إعادة الإعمار مستمرة وفق دليل المدينة على الأنترنت.

ماذا فعلت السلطات خلال عام في سوريا؟

أعلنت دمشق غداة الزلزال، وفي تصرف متأخر جداً، عن إحداث صندوق وطني ﻹغاثة منكوبي الزلزال، وهو أوّل صندوق للطوارئ في بلد تتناهبه الحرب منذ عشر سنوات، ويُعنى الصندوق بتقديم الدعم المالي للمتضررين من الزلزال وتعتمد إدارة العمل فيه على الشراكة بين القطاع الخاص والأهلي والرسمي وعلى التبرعات المعفاة من الضرائب والرسوم، على أن يتمتع "الصندوق بنظام مالي مستقل مما يمنحه المرونة الكافية في العمل على تحقيق غايته، وتخضع حساباته إلى عملية التدقيق المالي من قبل مدقق حسابات خارجي مستقل يُعين من قبل مجلس الإدارة". كما يتمتع بالمرونة الإدارية العالية والديناميكية والاستقلالية التي تسمح لإدارته بوضع سياساته ومعاييره وفق نظام داخلي محدد"، علماً أن الصندوق انطلق منتصف شهر آب/أغسطس العام 2023 بشكل رسمي.

في تصريح رسمي قبل نهاية العام الحالي قال مدير الصندوق "فارس كلاّس" أن 374 متضرراً من ثلاث محافظات (حلب، حماة، اللاذقية) حصلوا على دعم مالي بقيمة إجمالية تجاوزت الـ 18 مليار ليرة سورية للشريحتين (A وB)، وهما شريحتا من فقدوا بيوتهم المرخصة رسمياً يوم الزلزال سواء في مناطق منظمة أو مخالِفة، مشيراً إلى العمل لجمع بيانات شريحة جديدة من المتضررين (شريحة C) تستهدف مالك سكن هّدم أو سيتم هدم مسكنه في منطقة منظمة أو غير منظمة من قبل الدولة. ووفق كلّاس فإنّ نسبة 61 في المئة من الأشخاص الذين قدّموا أوراقهم إلى الصندوق كانت بيوتهم مرخّصة.

لم يوضح كلاّس أعداد المتقدمين للحصول على هذه المبالغ غير المستردة من الناس والبالغة قيمتها لكل بيت مبلغ 180 مليون ليرة سورية حُسبت على مساحة بيت متوسط 75 متراً بأسعار قريبة من أسعار السوق لجهة مواد البناء والتكاليف (حوالي 2.3 مليون ليرة للمتر الجاهز أي قرابة 180 دولاراً). ووفق الصندوق نفسه فإنه راعى فعلياً أن تكون اﻷرقام التي يدفعها واقعية ومنتبهة لمسألة التضخم في البلاد.

تغيب الشفافية والوضوح في هذه العمليات، ونكاد لا نجد طريقة لمعرفة أي معلومة عن هؤلاء المستفيدين، ولا عن كيفية معرفة المتضررين، وذلك ﻷن السلطات الحكومية السورية حتى اليوم لا توفر أية منصة يمكن اللجوء إليها للاطلاع على المعلومات. فهل هناك مراقبة لعمل الصندوق، بغاية نفي اتهامات الفساد التي شابت عمليات تلقي الأموال الخارجية فيه؟ تكاد الأرقام المتاحة تفيد بوجود حوالي 150 مليون دولار تبرعات عربية موجهة لدمشق وحدها، في حين أن الأموال الأوروبية والمساعدات الأخرى أشرفت عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتوجه ثلثيها نحو مناطق إدلب التي غابت عن حسابات دمشق.

في جانب البناء والدعم المالي للمتضررين تحديداً ووفق الكلام الرسمي، يمكن القول أنّ "الدولة" تحمّلت جانباً من مسؤوليتها الاجتماعية في مثل هكذا حدث، وذلك على الرغم من كلام المعارضة السورية المدعومة من تركيا عن فساد محتمل في هذه العمليات، من دون وجود وثائق تبرهن عليه. ويبدو أن الحmومة السورية نجحت في امتصاص سكّان غالبية مراكز اﻹيواء في مناطق سيطرة دمشق في أماكن جديدة ليست الخيام أحدها، كمحافظات اللاذقية وحماة وحلب، مع استمرار وجود عشرات علامات الاستفهام التي تبحث في المساعدات التي وصلت ولم توزع على الناس وبقيت في المستودعات حتى تعفّنت ورمي بعض منها.

هل يعني هذا أيضاً أنّ اللجان العليا التي شكّلها مجلس الوزراء (الفاشل في كثير من جوانب إدارة الأزمة في سوريا) بنت أعمالها اللاحقة على خطط وتوقعات مستقبلية؟ يشير العديد من التقارير الرسمية إلى أنّ ذلك كان في مراحله الأولى ارتجالياً، ولكنه كان ناجحاً نسبياً في إدارة الملف عبر بناء وحدات سكنية للمتضررين بسرعة مقبولة ولو أنها لم تشمل جميع المتضررين حتى اﻵن، وعبر تأمين تعويض مالي لبعضهم... ولكن عدم وضوح آليات تسجيل المتضررين في الأشهر الأولى حرم أناساً من حقوقهم في هذا الشأن.

شمال غرب البلاد ومزيد من الأوجاع

في مناطق شمال غرب البلاد (إدلب وريف حلب الشمالي) التي كانت حصتها من خسائر وضحايا الزلزال تزيد على حصة مناطق دمشق بما يقرب الثلثين إلى ثلث، لم يتغير شيء خلال العام الفائت سوى زيادة الأوجاع والآلام والخسائر في كل مناحي الحياة.

يبلغ عدد سكان مناطق شمال غرب سوريا أكثر من ستة ملايين نسمة، ويشكل النازحون في المخيمات وخارجها نسبة 49 في المئة من العدد الكلي للسكان، ويصل عدد المخيمات إلى 1873 مخيماً ومركز إيواء ومخيماً عشوائيا، ويسكنها ما يزيد عن مليوني نازح.

وبغياب إدارة حقيقية للمنطقة، فإنّ كثيراً من الفرق التطوعية والجمعيات المحلية نشطت لإغاثة متضرري الزلزال في جانب المساعدات الطارئة، والمساهمة في ترميم بعض المنازل ضمن إمكانات متواضعة ومبالغ محدودة تبرع بها مغتربون أو بعض الميسورين. وعلى الرغم من أن عشرات الجمعيات والفرق المحلية نشطت عقب الزلزالين في الترميم معتمدةً على نفسها وعلى جهود المجتمع المحلي، إلا أنّ نسبة تُقدر بأكثر من 70 في المئة من المنازل بقيت بلا ترميم ومعظمها يقطن أصحابها فيها مع كل المخاطر المحتملة.

تكاد الأرقام المتاحة تفيد بوجود حوالي 150 مليون دولار تبرعات عربية موجهة لدمشق وحدها، في حين أن الأموال الأوروبية والمساعدات الأخرى أشرفت عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتوجه ثلثيها نحو مناطق إدلب التي غابت عن حسابات دمشق.

على الرغم من أن عشرات الجمعيات والفرق المحلية نشطت عقب الزلزالين في الترميم معتمدةً على نفسها وعلى جهود المجتمع المحلي، إلا أنّ نسبة تُقدر بأكثر من 70 في المئة من المنازل بقيت بلا ترميم ومعظمها يقطن أصحابها فيها مع كل المخاطر المحتملة.

ومع الشح الكبير والضغط الأكبر على السكان الباقين، شهدت أسعار مواد البناء في إدلب ارتفاعاً عقب كارثة الزلزالين، وقفز سعر طن أسمنت البناء من 85 دولاراً إلى 120 دولار، وطن الإسمنت الأبيض الذي يُستخدم في ترميم الشقوق وتغطية الجدران من 140 إلى 170 دولاراً، كما وصل سعر طن الحديد إلى 700 دولار أميركي. وغالبية هذه البضائع تصل تهريباً من تركيا عبر معبر باب الهوى أو معابر أخرى وقد تأثرت بزيادة الطلب ومنع السلطات التركية نقلها.

في سياق العام نفسه، عملت فرق الدفاع المدني على ترميم المنشآت العامة من حدائق ومساجد وغيرها، وسارعت في فتح الطرقات وإزالة الهدم وملاحقة الأبنية والمنازل المهددة بالسقوط كما عززت مساعي الأهالي في ترميم بعض المنازل. وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلن "الدفاع المدني في إدلب" عبر معرّفاته الرسمية أن فرقه رحّلت أكثر من 400 ألف متر مكعب من الأنقاض في أكثر من 120 تجمعاً سكنياً في شمال غربي سوريا.

إلى الشمال في جنديرس التي نالت نصيبها الأكبر من دمار المنازل، تم رصد أكثر من ألفي بناء من الأبنية المتصدعة والمدمرة قسم منها انتهى سكانها من إزالة أنقاضها في حين انطلق سكان آخرون في بناء منازل صغيرة ﻹيواء عائلاتهم التي انضمت إلى سكان المخيمات، ولكن حتى اليوم فإن غالبية الأعمال منحصرة في ترميم المباني المتصدعة وتدعيمها بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، إذ لم تجرِ "سوى عمليات إعادة إعمار جزئية لمنازل بعض ميسوري الحال بسبب عدم حصول المتضررين على أي دعم حتى الآن"، ووفق شهادات من تلك المنطقة فإنّ "أكثر من 95 في المئة من سكان البلدة لم يتمكنوا حتى الآن من بناء غرفة صغيرة ومطبخ بسبب أوضاعهم السيئة".

أضافت اﻷحوال الجوية السيئة هذا العام مزيداً من الأوجاع على سكان تلك المناطق وزادها تخفيض برنامج الأغذية العالمي WFP قيمة السلة الغذائية القياسية لتصبح أربعين دولاراً بدلاً من ستين اعتباراً من كانون الثاني / يناير 2023، كما شمل التعديل قيمة القسائم النقدية أسوة بالسلل المقدمة، وهو التخفيض الخامس للبرنامج حتى الآن في شمال غرب سوريا. ووفق المنظمة، فإن قيمة السلال الغذائية والقسائم النقدية ستُخفض بنسبة 50 في المئة مطلع 2024، ولكن حتى اﻵن لم يحدث ذلك.

وحتى في حال عدم التخفيض هذا العام، فإن هذا سيفتح المجال نحو مستويات عالية من الفقر والجوع وزيادة البطالة وانعدام فرص العمل، وهو وضع لا يزيد سوءاً على وضع السكان في مناطق سيطرة دمشق.

على ما يظهر فإن الإهمال سيكون عنواناً مميزاً لهذا العام في مناطق شمال غرب سوريا، سواء من السلطات المركزية في دمشق التي تطمح الى إعادة سيطرتها هناك دون ظهور بوادر ﻷي حراك سياسي مع أنقرة، أو من قبل إدارات سلطات الأمر الواقع هناك.

عن خسائر سوريا في الزلزال

لا يمكن بالطبع مقارنة حدث زلزال اليابان مع نظيره في سوريا ﻷلف سبب وسبب، فما حدث خلال الزلزال السوري بسيط مقارنة بالزلزال الياباني، سواء لجهة أعداد الضحايا أو الخسائر الطبيعية أو الاقتصادية، ولأن مركز الزلزال كان خارج سوريا بمسافة لا تقل عن مئة كيلومتر، وفيما لو كان المركز داخل أو جوار الصدع العربي ـ الأفريقي الذي يمر بين سلسلتي جبال الساحل وصولاً إلى إدلب وأنطاكيا، لكان المشهد مختلفاً. علماً أنّ مدينة أنطاكيا قد نالت نصيباً مبرحاً من حدث الزلزال فسويّت ثلاثة أرباع منازلها بالأرض وهي لم تكن مركز الزلزال.

زادت الأوجاع والخسائر في مناطق شمال غرب البلاد (إدلب وريف حلب الشمالي) التي كانت حصتها من خسائر وضحايا الزلزال كبيرة. يبلغ عدد سكان تلك المناطق أكثر من ستة ملايين نسمة، ويشكل النازحون في المخيمات وخارجها نسبة 49 في المئة من العدد الكلي للسكان، ويصل عدد المخيمات إلى 1873 مخيماً ومركز إيواء ومخيماً عشوائيا، ويسكنها ما يزيد عن مليوني نازح.

في جنديرس التي نالت النصيب الأكبر من دمار المنازل، تم رصد أكثر من ألفي بناء متصدع ومدمر، قسم منها انتهى سكانها من إزالة أنقاضها في حين انطلق سكان آخرون في بناء منازل صغيرة ﻹيواء عائلاتهم التي انضمت إلى سكان المخيمات. أكثر من 95 في المئة من سكان البلدة لم يتمكنوا حتى الآن من بناء غرفة صغيرة ومطبخ بسبب أوضاعهم السيئة.

اختلفت تقديرات الخسائر السورية من الزلزال بين الاقتصاديين والسياسيين في سوريا، ففي حين أعطى بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية رقماً يبلغ 55 مليار دولار، قدّر خبراء من جامعة دمشق في ندوة حوارية عقدتها الجامعة عقب شهر من الزلزال الخسائر بنحو 44.5 مليار دولار، أي سبعة أضعاف الناتج السوري المحلي. وهناك "كلفة" الخسائر البشرية، ومنها نحو 3.285 مليار دولار للإنفاق لمدة عام على نحو ثلاثة ملايين فقدوا منازلهم، و7.5 مليار دولار للجرحى ومن أصيبوا بعاهات دائمة، ويشمل التقرير الذي أصدرته جامعة دمشق مناطق سوريا كلها.

أما تقديرات البنك الدولي فقد أنزلت الرقم إلى 5.2 مليار دولار، مقدّرة الخسائر بحوالي عشرة في المئة من الناتج المحلي اﻹجمالي، دون أن تتضمن تقديرات البنك الأضرار غير المباشرة مثل تعطل اﻹنتاج وفقدان الدخول وتكاليف الهدم والترميم واﻹغاثة اللازمة للناس في الفترة التالية لحدوث الزلزال. وتصدّر قطاع الإسكان قائمة القطاعات المتضررة بنسبة 24 في المئة من إجمالي الأضرار. ووفق تقديرات البنك، فإن احتياجات التعافي وإعادة الإعمار عبر المحافظات الأربع التي تم تقييمها قُدرت بمبلغ 7.9 مليار دولار، إذ تبلغ احتياجات السنة الأولى بعد الزلزال نحو 3.7 ملياراً، و4.2 مليار في العامين التاليين. وبحسب التقرير، كانت محافظة حلب الأكثر تضرراً بنسبة 45 في المئة من الأضرار التي قُدّرت بنحو 2.3 مليار دولار، تليها محافظة إدلب بنسبة 37 في المئة، بقيمة أضرار بلغت نحو 1.9 مليار دولار.

تصبح أرقام خبراء جامعة دمشق السابقة أكثر وضوحاً إذا ما وضعت بالمقارنة مع موازنة الدولة للعام الحالي لجهة اﻹنفاق الجاري، حيث أقر مجلس الشعب السوري الموازنة العامة للعام 2024 بنفقات قدرها 35.5 تريليون ليرة سورية أي أعلى بنحو 115 في المئة من موازنة العام 2023 غير أن موازنة 2024 ستكون أقل بنسبة 43 في المئة عن العام السابق في حال احتسابها بسعر صرف الدولار الصادر من المركزي السوري.

الإنفاق الجاري يشكل 75 في المئة من موازنة سوريا للعام 2024، وهو أقل مما كان عليه في موازنة 2023 (بنحو 81 في المئة)، ما يعني تراجع التزامات حكومة دمشق تجاه الدعم الاجتماعي وتحسين مستوى معيشة السوريين، ويمكن قياس بقية الالتزامات على هذا الجانب إلى حد كبير، علماً أنه لا يوجد كتلة لزيادة الرواتب في الميزانية.

تقديرات البنك الدولي تعتمد رقم 5.2 مليار دولار، دون أن تتضمن الأضرار غير المباشرة مثل تعطل اﻹنتاج وفقدان الدخول وتكاليف الهدم والترميم واﻹغاثة اللازمة للناس في الفترة التالية لحدوث الزلزال. وتصدّر قطاع الإسكان قائمة القطاعات المتضررة بنسبة 24 في المئة من إجمالي الأضرار. ووفق تقديرات البنك، فإن احتياجات التعافي وإعادة الإعمار عبر المحافظات الأربع التي تمّ تقييمها قُدرت بمبلغ 7.9 مليار دولار.

على صعيد إعادة البناء وعبر جولة سريعة في محافظة اللاذقية ومدينة جبلة، لم يتم تعمير الأبنية المتهدمة كلياً، وحتى الأبنية المتصدعة جزئياً فإن قسماً مهماً منها ما زال على حاله ولا يعرف أصحابه متى يسمح لهم بالعودة لمنازلهم مع ختم قسم منها بالشمع الأحمر، وأما المتصدعة بشكل جزئي طفيف فإنّ قسماً من السكان عاد إليها على أمل أن يقوم بترميمها، ولكن الحصول على مواد البناء يخضع إلى تعقيدات بيروقراطية ضخمة مرتبطة بنهج تحصيل الأموال من الناس الذي تقوم به جهات أمنية وعسكرية في سوريا.

ماذا لو تكرر الزلزال ثانيةً؟

ليس هذا السؤال من باب الرجم بالغيب، فهناك معطيات علمية تشير إلى أن المنطقة تقع على حافة فالق زلزالي، مما يعني أنّ احتمال التكرار أمر وارد، وهذا يستدعي التفكير بفكرة الطوارئ نفسها والتفكير بمنطق الحرص على القادم من تكرار المشهد مرة ثانية. ولكن هل يمكن ذلك وسط الظروف الحالية للجغرافيات السورية؟ لعل ذلك ممكن ولو في حدوده الدنيا عبر "الصندوق الوطني للطوارئ" وعبر تشديد المعايير الهندسية للبناء...

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه