مصر و«الصندوق».. الوصول إلى «حارة سد»

منذ توقيع اتفاقية القرض نهاية العام الماضي، فشلت الحكومة في الالتزام بتعهداتها، وأجّل الصندوق مراجعته الأولى التي كان من المفترض إجراؤها في مارس الماضي، وبالتبعية، لم تحصل مصر على دفعة القرض التي كان مُفترض الحصول عليها.
2023-07-20

شارك

قبيل نهاية العام الماضي، احتفت الحكومة بإتمام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، تحصل من خلاله على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار تقريبًا، موزعة على 46 شهرًا، بعد مفاوضات شاقة استمرت نحو عام، اضطرت مصر خلالها للقبول بقرض ضئيل القيمة، مقارنة بآمالها في الحصول على أضعاف هذا المبلغ، وجاء القرض محملًا باشتراطات متعددة يراجعها الصندوق وفقًا لجدول زمني وافقت عليه الحكومة.

لكن، منذ توقيع اتفاقية القرض نهاية العام الماضي، فشلت الحكومة في الالتزام بتعهداتها، وأجّل الصندوق مراجعته الأولى التي كان من المفترض إجراؤها في مارس الماضي، وبالتبعية، لم تحصل مصر على دفعة القرض التي كان مُفترض الحصول عليها. ورغم تأكيدات متعددة بأن المراجعة الثانية ستأتي في موعدها في سبتمبر القادم، قال خبراء ومحللين إن المراجعة سترصد ما نفذته الحكومة من تعهداتها حتى نهاية يونيو الماضي، مقارنة بخطة الإصلاح المُتفق عليها مع الصندوق، والتي لم تنفذ منها الحكومة على أرض الواقع سوى النُذر اليسير، ما يضع علاقة مصر بالصندوق وبرنامج «الإصلاح» الاقتصادي الذي ألزمت نفسها به، موضع تساؤل، ويغلق مزيدًا من الأبواب أمام الحكومة للخروج القريب من أزمتها الاقتصادية وتراكم ديونها، وبات أحد الحلول المتاحة، والتي تُناقش بجدية في أروقة الحكم، هو التخلف طواعية عن سداد بعض هذه الديون، والتفاوض على إعادة جدولتها.

الشرط الأهم في شروط صندوق النقد، كان تحرير سعر الصرف، وبيع أصول مملوكة للدولة (بما فيها ما تملكه القوات المسلحة)، بخلاف بعض الأهداف الإرشادية التي سيتابع الصندوق تحقيقها خلال سنوات القرض في صورة مراجعات نصف سنوية لأداء الاقتصاد المصري.

منذ مارس الماضي، حافظ الجنيه المصري على سعره ثابتًا تقريبًا أمام العملات الأجنبية، بعد انخفاضات متواضعة خلال يناير وفبراير الماضيين، رغم تعهد الحكومة والبنك المركزي بترك سعره للعرض والطلب وظروف السوق. وبرغم الضغوط الشديدة التي يتعرض لها الجنيه، سواء ضغوط اقتصادية حقيقية أو مضاربات تراهن على تراجع قيمته، اتسعت الفجوة بين سعر الجنيه الرسمي، وسعر السوق الموازية للعملات.

وفي ظل اتساع الفجوة، ووعود لم تتحقق من دول الخليج بضخ استثمارات دولارية لشراء أصول الدولة المصرية، وصل الأمر إلى ما يشبه الطريق المسدود. من جانبها، تنتظر صناديق الخليج السيادية تحريك قيمة الجنيه لشراء الأصول، وفي المقابل، تنتظر الحكومة استثمارات تلك الصناديق كشرط لتحريك السعر، ليمر الموعد النهائي (يونيو) الذي وضعته الحكومة لنفسها لبيع ما قيمته ملياري دولار من أصولها، لكنها لم تحقق من هذا المستهدف سوى 7% بالكاد.

ورغم أهمية شرط تعويم الجنيه، رفضت الحكومة القيام بذلك للمرة الرابعة، بعد ثلاثة تخفيضات متتالية العام الماضي، فقد خلالها الجنيه نحو نصف قيمته.

وقبل أسبوعين، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن مصر «تتمتع بمرونة في سعر الصرف»، لكنه، في الوقت ذاته، استبعد إمكانية خفض جديد في قيمة العملة، وهو الأمر الذي توقعته مراكز بحثية وبنوك متعددة خلال الأشهر الماضية.

ورفض السيسي في تصريحاته، توجه الحكومة إلى خفض جديد للجنيه، قائلا: «عندما يتعرض الأمر لأمن مصر القومي والشعب المصري يضيع فيها لأ، عندما يكون تأثير سعر الصرف على حياة المصريين وممكن يضيعهم إحنا ما نقعدش في مكاننا، حتى لو هيتعارض مع شروط …. انتو فاهمين قصدي».

بعد ذلك بأيام، ردت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، في تصريحات أفادت بأن دعم قيمة الجنيه لا يُمكن أن يستمر للأبد، مُشبهة ذلك بـ«صب الماء في إناء مثقوب»، مؤكدة أن الصندوق أجّل المراجعة الأولى للاقتصاد المصري، والتي كانت مقررة في مارس الماضي، كشرط للإفراج عن الشريحة الثانية من قرض الصندوق الأخير لمصر، حتى تُحقق الحكومة تقدمًا في بعض الشروط مثل التخارج من الاقتصاد، والتأكيد على مرونة سعر الصرف.

تصريحات السيسي لم تكن الأولى، ولكنها كانت الأكثر صرامة هذه المرة. خلال الأشهر القليلة الماضية، تغيرت توقعات البنوك الدولية من الإشارة إلى أهمية التخفيض، إلى استبعاد ذلك، خاصة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد.

عقب زيارة لخبراء بنك جولدمان ساكس الأمريكي لمصر، التقوا فيها مسؤولين حكوميين، الشهر الماضي، قال البنك في مذكرة بحثية، إن انتقال مصر إلى سعر صرف أكثر مرونة للجنيه خلال الأشهر المقبلة أمر مستبعد، في ظل نقص الموارد الدولارية في البلاد، وخشية الحكومة من انفلات كبير في سعر العملة المحلية، مضيفًا أن مصر تعيش حالة «عدم يقين عالية»، فيما تواجه «سيناريو مشوش» بشأن التعامل مع أزمتها الاقتصادية.

مقالات من العالم العربي

لا شيء سوى الصمود!

2024-10-03

قبل الصواريخ الإيرانية وبعدها، استمر الاحتلال بارتكاب الفظاعات، ثمّ توعّد بالمزيد. إنها أيام المتغيرات السريعة والخطيرة والصعبة، لكن يبدو أنه في كل هذا، ليس سوى ثابتٍ وحيد: صمود شعوبنا المقهورة.