جنوب السودان: بداية السلام أم استراحة محاربين؟

بعد ثمانية أشهر من توقيع اتفاق السلام بين المتقاتلين في جنوب السودان الذي أعقب 30 شهرا من الاقتتال الأهلي، عاد أواخر الشهر الماضي زعيم المعارضة الدكتور رياك مشار ليتسلم منصبه نائبا أول لرئيس الجمهورية سلفا كير، وهو المنصب ذاته الذي أدى إبعاده منه في صيف العام 2013 إلى تفجّر الحرب الأهلية أواخر ذلك العام، مما تسبب بمقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو مليوني نسمة من منازلهم.
2016-05-08

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك
عادل السيوي - مصر

بعد ثمانية أشهر من توقيع اتفاق السلام بين المتقاتلين في جنوب السودان الذي أعقب 30 شهرا من الاقتتال الأهلي، عاد أواخر الشهر الماضي زعيم المعارضة الدكتور رياك مشار ليتسلم منصبه نائبا أول لرئيس الجمهورية سلفا كير، وهو المنصب ذاته الذي أدى إبعاده منه في صيف العام 2013 إلى تفجّر الحرب الأهلية أواخر ذلك العام، مما تسبب بمقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو مليوني نسمة من منازلهم.
عودة مشار تمت بعد تعثر شديد لها وضغوط من العواصم الغربية، خاصة واشنطن التي رعت انفصال جنوب السودان، وبعد تهديدات بإصدار قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات على كل من كير ومشار، وكذلك بحظر السلاح على الدولة الوليدة.
والتعثر يعود إلى الغياب الكامل للثقة بين الطرفين، خاصة أن الحرب اتخذت لها أبعادا قبلية وإثنية، إذ ينتمي الرئيس كير إلى قبيلة الدينكا، أكبر قبائل جنوب السودان، بينما يمثل نائبه مشار قبيلة النوير ثاني أكبر القبائل. والصراع بين القبيلتين ضارب في التاريخ. هذا إلى جانب أنّ كير حُمل حملا للتوقيع على الاتفاق الذي لم يرغب فيه ابتداء، لأنه، كما صرّح مرة، يكافئ المخطئ ويضع سابقة خطيرة في كيفية التعامل مع الدولة. فمشار في نظر كير متمرد حاول القيام بانقلاب للاستيلاء على السلطة، لكنّه فشل.
لكن كير في ما يبدو، قرّر الانحناء أمام عاصفة الضغوط الدولية، والعمل على إبقاء المفاتيح الأساسية للحكم بيده. ومن الوسائل التي استخدمها، تعطيل تنفيذ بعض بنود اتفاق السلام مثل تجريد العاصمة جوبا من السّلاح، وإثارة العقبات أمام عودة مشار مثل تحديد عدد الجنود الّذين سيرافقونه ونوعيّة الأسلحة التي ستكون بحوزتهم، والأهمّ من هذا خلق حقائق على الأرض مثل إعادة تقسيم جنوب السودان إلى 28 ولاية بدلاً من عشر، وهذا واحدٌ من القرارات الّتي كان يفترض أن تُترك للحكومة الجديدة. لكن كير وضع الجميع بمن فيهم الوسطاء الدوليّون أمام الأمر الواقع وحشد الولايات الجديدة بمناصريه.

مجموعات أربع

ومع أنّ عودة مشار تبعها بعد يومين تشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيرا، أكثر من نصفهم يتبعون للرئيس كير، والباقون يتوزعون على ثلاث مجموعات: 10 لصالح معسكر مشار، واثنان لكل من المعارضة البرلمانية، والآخران لمجموعة من مناوئي كير، لكنهم ممن لم ينضموا إلى معسكر مشار، وأبرزهم دينق ألور الذي أصبح وزيرا للخارجية في الحكومة الجديدة. هذا إلى جانب ثمانية من نواب الوزراء.
تشكيلة الحكومة التي غلبت عليها المحاصصة السياسية والقبلية، حاولت تقسيم كعكة السلطة على أكبر عدد ممكن من القيادات الضالعة في الصراع، وهو ما يثير تساؤلات عما إذا كان يمكن للذين أساءوا استخدام السلطة وبددوا موارد البلاد من قبل، أن يكونوا قادرين على النهوض بالتحدي ومعالجة الوضع، بدايةً بإعادة النازحين إلى مناطقهم، وتاليا بالإجابة على كيفية إنعاش الوضع الاقتصادي خاصة أنّ جنوب السودان يعتمد على العائدات من مبيعات النفط لتغطية 98 في المئة من احتياجات الدولة المالية. ومع الوضع المتدهور لأسعار النفط، والتزام حكومة الجنوب بتسديد رسوم عبور نفطها إلى السودان حتى يصل إلى الأسواق العالمية، الى جانب التزامات أخرى تجاه السودان، فإنّ العائد يبدو قليلا جدا، الأمر الذي دفع جوبا إلى الطّلب من الخرطوم مراجعة رسوم العبور، وهو ما وافق عليه الرئيس عمر البشير من حيث المبدأ.

دار النعيم مبارك - السودان

ويعتقد أن السودان سيستفيد من هذه الوضعية ليطلب من جوبا تنفيذ كل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين منذ العام 2012 وتتضمن قضايا أكثر حساسية مثل ترسيم الحدود وعدم دعم المعارضين، وهي قضايا خلافيّة يمكن أن تضيف إلى حالة الشّقاق في الحكومة الجديدة. هذا إلى جانب قضايا متفجرة في داخل الجنوب، ومنها المتعلق بالجانب الأمني. فهل سيتخلى كير عن الدعم اليوغندي العسكري الذي مكّنه من الصمود أمام المتمرّدين، وكذلك فإلى أي مدى يسيطر مشار على مختلف القيادات المتمرّدة، إذ يعتبر إلى حد كبير مظلة لمتمردين عديدين على كير لأسباب مختلفة.

استمرار التمرد؟

فبعد ساعات فقط على أداء مشار القسم نائبا أول لرئيس الجمهورية، تحرّكت قوّات متمرّدة تطلق على نفسها اسم "أنقذوا الوطن"، وتستهدف كلّاً من كير ومشار، وهي انطلقت من إحدى مناطق الدينكا وسيطرت على بعض المواقع العسكرية وضمّت لها بضعة آلاف من المقاتلين.
التعثر الذي صاحب تطبيق عملية السلام المدعومة من قبل المجتمع الدولي يشير إلى محدوديّة الدور الذي يقوم به الوسطاء. بل يذهب بعض الباحثين إلى اعتبار أنّ الخطأ يكمن أساسا في المنهج، وهو ذاته الذي طُبق من قبل لوقف الحرب في السودان، لكنّ أيّاً من أهداف اتفاقية السلام تلك لم يتحقق. فخيار الوحدة الجاذبة لم يسجل رواجا وانتهت الاتفاقية بانفصال جنوب السودان في العام 2011، كما لم يحدث التحول الديمقراطي الموعود، بل ولم يستطع البلَدان الحفاظ على السلام بينهما. وكل ذلك يعود إلى تركيز المنهج على القيادات السياسية وإرضائها عبر تقسيم السلطة والثروة بينها، وغياب البعد الشعبي ومبدأي المساءلة والشفافية. وهو النهج الذي يجري تطبيقه لمواجهة مشكلة جنوب السودان.
اتفاق سلام السودان كان يضع حق تقرير المصير للجنوب كأحد الخيارات، وهو ما ركزت عليه النخب الجنوبية بدعم واضح من المجتمع الدولي. أما اتفاقية جنوب السودان الحالية فتقيم حكومة يُفترض أن تعد للبلاد انتخابات عامة بعد 30 شهرا، تضع أساسا لشرعية جديدة للحكومة ولحزب الحركة الشعبية الذي قاد الحرب ضدّ الشّمال. لكن مع التشقق القبلي ومرارات الحرب الأهلية خلال فترة الثلاثين شهراً المنصرمة، فإنّ التساؤل المطروح هو عمّا إذا كان يمكن للانتخابات أن تؤسس لشرعيّة جديدة وتقفل الباب أمام الاقتتال الأهلي.

مقالات من السودان

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...