رحيل الأسيرة الفلسطينية الأولى: فاطمة البرناوي

2022-11-10

شارك
فاطمة البرناوي مع الرئيس الراحل ياسر عرفات

مَن هي تلكَ السيدة الفلسطينية السوداء التي تمدّ لسانها وتنظر باستخفاف وتحدٍّ مشتعل إلى الكاميرا ومَن هم خلفها، إلى هؤلاء الذين يحاولون التقاطها بصورة المعتقَلة الضعيفة والمهزومة، فتقلب عليهم الطاولة - بمدّ اللسان ونظرة الاستهزاء؟!

خلف تلك الصورة المحفِّزة للفضول قصة فاطمة البرناوي، المرأة ذات السيرة الاستثنائية والمناضلة التي كانت لتفعل أي شيء من أجل فلسطين، وقد رحلت عن هذا العالم يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 عن عمر 83 عاماً، في مستشفى فلسطين التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في العاصمة المصرية القاهرة، ودُفنت في 6 تشرين الثاني / نوفمبر في غزّة.

فاطمة برناوي مستهزِئة بمحكمة الاحتلال بعد أن حُكم عليها بالسجن عام 1968

***

وُلدت فاطمة البرناوي في القدس عام 1939، لأب نيجيري وأمّ فلسطينية. وكان والدها محمد علي برناوي مقاتلاً في ثورة فلسطين 1936 رفقة الحاج أمين الحسيني. شهدت فاطمة النكبة طفلةً، إذ تهجّرت وعائلتها إلى مخيم للاجئين بالقرب من عمّان في الأردن، وافترقت عن والدها الذي بقي في القدس، ولم تكن قد تجاوزت التاسعة من العمر. بعد عامين في المخيم، قررت الطفلة العودة إلى القدس، واختبأت تحت مقعد إحدى الحافلات المغادرة إلى فلسطين، لتجتمع بوالدها، ثم التحق بها إخوتها ووالدتها بعد مدة.

"أنتِ نيجيرية. مالِك ومال فلسطين؟!" هكذا قيل لها لتثبيطها عن متابعة عملها المقاوِم، إلّا أنّ سيرة البرناوي تكشف لنا مبادئها التي أدت إلى خياراتها، وانتماءها التام لفلسطين. فقد عملت ممرضةً في شركة أرامكو في المملكة العربية السعودية، إلّا أنها عانت من ممارسات عنصرية متعددة، منها أنه لم يكن مسموحاً لها إعطاء الحقن للمرضى بسبب لون بشرتها! قررت العودة إلى فلسطين، حيث مارست التمريض في بلدة قلقيلية، فشهدت في حرب 1967 تدميرها وتهجير أهلها وتوحّش الاستيطان فيها. بعدها أسّست البرناوي خلية "طلائع الثأر" في بلدة نابلس، وساهمت مجموعتها بتهريب عدد من الجنود المصريين المشاركين في حرب تحرير فلسطين في ذلك الحين.

كما أنّ اختها إحسان البرناوي كانت فدائية في حركة فتح، التي انضمّت إليها فاطمة لاحقاً كممرضة وثم كفدائية. اختارهما الرئيس ياسر عرفات حينها لتنفيذ عملية فدائية. وبقلب قوي، حملت وأختها حقيبة متفجرات واتجهتا لتنفيذ عملية "سينما صهيون"، وتلك كانت دار سينما أنشأها جيش الاحتلال لعرض الأفلام التي تروّج له. وفي يوم العملية كان من المقرر أن تعرض السينما فيلماً عن "بطولات" جيش الاحتلال في حرب الأيام الستة لجنود الجيش بهدف رفع المعنويات.

"خرجتُ يومها متزيّنة وأرتدي كامل ملابسي، حتى الكعب العالي ارتديته في هذا اليوم، وقال لي والدي "ده منظر واحدة رايحة تعمل عملية فدائية؟!".. ضحكنا، وأخبرته بأن هذا اللباس خدعة كي لا يكتشفنا أحد". هكذا تقول البرناوي عن ذلك اليوم.

لم يُكتب للعملية النجاح، وألقي القبض على فاطمة التي قالت في إحدى المقابلات: "حاولوا تحريضي على شعبي.. أتذكر جيداً ما كانوا يقولونه لي، حيث قالوا: أنت نيجيرية، مالك ومال فلسطين..."

حُكم على فاطمة بالمؤبد، وعُرفت بالأسيرة الفلسطينية الأولى. وهي ورفيقاتها كنّ أول من حاول حفر نفق للحرية بالملاعق والمغارف، وحين اكتشفهنّ السجان، قالت فاطمة ساخرة "بحفر الأرض بدي أزرع ملوخية".

لم يُطلَق سراحها إلا بعد 11 عاماً، أُبعدت بعدها إلى لبنان، حيث استكملت دورها النضالي في الشتات، إلى حين عودتها لفلسطين عام 1994. أسست البرناوي بعد عودتها أول وحدة للشرطة النسائية في فلسطين، متحدّية الرفض الذكوري لوجود نساء في مواقع أمنية ومسؤولة.

كانت فاطمة البرناوي في كلّ تلك المواقع والتنقلات، داخل فلسطين وخارجها، في الأسر خلف القضبان كما خارج المعتقل، في العمل المهني والنضالي أو أينما وُجدت، مثالاً لنشاط لا يهدأ ونضال لا ينضب، يجد مساراً له وضرورةً لوجوده. مقاوِمة بكل معاني الكلمة العميقة.

في إحدى اللقاءات الصحافية معها، تحكي البرناوي عن هاجسها بتحرير فلسطين منذ نعومة أظفارها في مخيم اللجوء: "كنا نجلس نسمع الحكايات كل يوم، وفي إحدى الليالي، حكت لنا إحدى الجدات عن معجزات خاتم سليمان. وقتها قررت أن أبحث عنه لأعيد به شعبي إلى أرضه فلسطين، خرجت في اليوم التالي، وبكلّ جدية بدأت أبحث عن ذاك الخاتم (...) لكنني إلى اليوم لم أجد خاتم سليمان"... 

مقالات من العالم العربي

عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ

أشهرت البعثة البريطانية إفلاس مصر فى السادس من نيسان/ إبريل عام 1879. وفي أعقاب ذلك الإعلان، قام السلطان العثماني بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه "محمد توفيق باشا" على مصر بدلاً...

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...