قرر فريق السفير العربي نشر زاوية "بالف كلمة" لهذا الاسبوع في مكان الافتتاحية لأنه اعتبر أن الموضوع أساسي تماماً ويستحق الصدارة.
يوم السادس عشر من أيلول / سبتمبر 2022، ماتت مهسا (جينا) أميني، كما لم يكن ينبغي لها أن تموت. توفيت عن عمر 22 عاماً فقط، بعد أن كانت ميتة دماغياً لأيام في المستشفى، وقد أمضت آخر لحظات حياتها الواعية قبلها بين مجموعة من الأغراب اللذين أخذوها من وسط أهلها إلى محاضرة "إعادة تربية وتأهيل" لتتعلم أصول الحجاب الصحيح، محجوزة من قبل "شرطة الأخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران. منذ ذلك اليوم، لم تعد مهسا أميني مجرد فتاة كردية - إيرانية تزور أقاربها في طهران. صارت رمزاً لنساء إيران اللواتي تتحكم في أجسادهن الدولة، بالقانون والشرع الديني معاً – وهما المتلازمَين بلا انفصال لديها.
"هذا هو القانون في بلدك، احترمي القانون!"، يصرخ شيخٌ معمّم بفتاة قررت خلع حجابها في الشارع. "العبودية أيضاً كانت قانوناً، فهل أحترمها؟"، تجيبه الفتاة بلا تردد.
____________
من دفاتر السفير العربي
مبادرات النساء: قادرات وعازمات
____________
بهذا الوضوح وبهذه البساطة في المحاججة تسقط كل الأعذار لتلك الفكرة العجيبة التي تبيح لقلّة من الرجال في زمننا هذا وصاية دائمة، متأهبة، شرسة، مستمرة، وتفصيلية حدّ الاختناق على أجسام كلّ النساء! خرجت الإيرانيات إلى الشارع منذ ذكّرتهم مهسا أميني بمعنى أن تكون حياتهن اليومية بأصغر تفاصيلها محكومة بأهواء رجال دينٍ يهابون حريّتهنّ. أن يصمتن يعني أن يكنّ ضحايا، وأن ينهضن من أجل مهسا يعني أن يثرن من أجل أنفسهنّ وكل النساء، وهذا ما فعلنه.
"غير مسبوقة" هي العبارة التي تتكرر على ألسنة الناس ووسائل الإعلام حينما يتطرقون للمظاهرات والاحتجاجات الواسعة التي تمددت رقعتها من طهران إلى سائر المناطق (وهي مظاهرات فيها محجبات كما غير المحجبات ورجال إلى جانب النساء). بحسب فريق BBC فارسي، فإنه بعد تتبع وتدقيق مئات مقاطع الفيديو، انطلقت أكثر من 300 مظاهرة في إيران حتى أول تشرين الأول / أكتوبر فقط، وذلك في أكثر من 130 موقعاً في المدن كما في مناطق ريفية.
وهي "غير مسبوقة" ليس فقط في عددها وسرعة انتشارها، إنما أيضاً بكونها مظاهرات تقودها النساء وتنتج يومياً مشاهد تراها البلاد للمرة الأولى منذ نشأة الجمهورية الإسلامية: إحراق الحجاب الذي تحوّل بالنسبة لكثير من النساء إلى رمز لاضطهادهنّ – ليس كرهاً بالإسلام كما يحاول الشيوخ والدولة أن يقولوا، إنما كرهاً للإكراه والسطوة على خيارات النساء وسحب الوكالة منهن على أجسامهنّ! قصصن شعورهنّ حداداً وغضباً، وأطلقن شعار انتفاضتهنّ الذي يبدأ أولاً بالمرأة، التي من دون تحررها لا يمكن استكمال الشعار: الحياة والحرية! فكرّرن بالفارسية "زن، زندگی، آزادی" وبالكردية " ژِن، ژیان، ئازادی"، ونادَين بغير خوف " مرگ بر ديكتاتور" (الموت للديكتاتور)... أمّا طالبات المدارس، فقد سبقنَ الجميع في إزالة صور المرشد علي الخامنائي من غرف الصفّ وكشف شعورهنّ وإطلاق حناجرهنّ في الغناء من أجل ثورة النساء.
____________
من دفاتر السفير العربي
التفاوت: مكانة النساء بين "الاعتقاد" الشائع والسائد وبين الواقع والوقائع
____________
في جامعة شريف في طهران، حوصر الطلاب يوماً وليلة كاملة من الحرس والباسيج وتعرضوا لصنوف الضرب والترهيب. استخدم رجال الجمهورية الرصاص والدروع والمسدس الصاعق والهراوات في الشوارع، وخارج الشارع حجبوا الاتصال بالانترنت. تجاوز عدد القتلى المئة، أحدهم فتاة تدعي نيكا شاكرمي تبلغ من العمر 17 عاماً فقط، قُتلت وأُخفيت جثتها ل10 أيام قبل أن تكتشف العائلة أنها توفيت مع كسور في الجمجمة والأنف. تصرخ النساء - ومعهم رجال آمنوا بأن حريتهم مرادفة تماماً لحرية النساء، فيما تنتقم جمهورية رجال الدين من جميع من تجرأ أن يصرخ...
*****
نعرف تماماً أنّ مصير النساء في منطقتنا، كما نضالهنّ من أجل الحرية والحياة، متشابك ومتصل، بحيث أن حرية بعضهنّ تمهد لحرية الأخريات. نرى اليوم مقاطع فيديو لنساء أفغانستان يقدن تظاهرات تندد باستهداف الهزارة في تفجير دموي في إحدى المدارس قتل العشرات وجلهم من الفتيات الصغيرات. يتصدّى رجال طالبان للمتظاهرات ويطلبون منهنّ العودة إلى بيوتهنّ، فتستمرنّ بالهتاف "التعليم حقنا! الصمت خيانة!"
احتجاجات اثر هجوم على مركز تعليمي قتل فيه 50 شخصا معظمهم طالبات يوم 30 ايلول/سبتمبر 2022.
____________
من دفاتر السفير العربي
رصدٌ لسيرورات معارك النساء الكبرى
____________
من جهة أخرى، انتظرت النساء في السعودية مثلاً طويلاً حتى يمتلكن الحق في قيادة سيارة والوصاية على أنفسهنّ، فوصل هذا الحق فقط عندما قرر ولي العهد وبعض رجال المملكة ذلك لأسبابهم السياسية الخاصة ضمن سياسة الانفتاح الاقتصادي للمملكة بدءاً من عام 2018. وللمفارقة ألقي القبض حينها وبالتزامن مع تلك الخطوة على ناشطات حقوق المرأة اللواتي ناضلن طويلاً في سبيل تحقيق ذلك الحق، للقول أنه لم يُكتسب بفضل نضالهن بل بمزاج "الامير"! فيما يتزايد الحديث عن احتمال إلغاء إجبارية الحجاب، دون ترجمة حقيقية لذلك.
والأمثلة تطول.. ففي كل الدول العربية، جرائم "شرف" ما زالت مقبولة ضمن منطقٍ اجتماعي مختلّ، زيجات قصّار، وإكراهات متعددة على البنات والنساء، تبدأ من أنواع عنف مخففة جداً، من مخاصمة بنات العائلة "المتمردات" في أهون الأحوال، وصولاً إلى القتل.
لأجل كلّ هذا، تتبنى نساء منطقتنا بأسرها الشعار الذي رفعته نساء إيران، بالعربية كما بالكردية والفارسية. تتقاطع قضاياهن ويقع عليهن على امتداد المنطقة عنف معنوي واقتصادي وسياسي يجعلهن متشابهات على اختلاف السياقات والبلدان. المرأة.. والحياة والحرية لجميعهنّ.
*اخترنا هذه الصور الشائعة على الانترنت لأن وكالات الانباء والتصوير ممنوعة من العمل ومن التصوير في الشارع في إيران.