"الجزيرة الخضراء" وحلم "الحياة الكريمة"

اشتهر اسم "الجزيرة الخضراء" قبل سنوات مع حادث غرق لمركب للهجرة غير النظامية على ساحل "رشيد"، أدى إلى إزهاق ما يزيد عن 400 روح. قالوا عن القرية أنها المفرخة الأساسية لمن يريدون الهرب ويلقون بأنفسهم للهلاك. سارعت الكاميرات فالتقطت صور الشوارع الضيقة التي يكسوها الطين ومياه الصرف الصحي التي تفوح رائحتها عن بعد، ووجوه تحكي عن البؤس دون صوت.
2022-08-18

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
الطرقات في قرية الجزيرة الخضراء

هي قرية مصرية قديمة واسمُها هكذا جميل. لا تحيطها المياه من كل جانب كما يليق بجزيرة لكنها مثلها تعيش في ظلال البحر نهاراً وحين يحلّ ظلامه الثقيل. خضراء كانت يوماً ما حيث تقول الوثائق أنها قد شبّت فوق الأرض في القرن الرابع عشر الميلادي، لكن الحال الذي أصبحت عليه قد جعل من الاسم مدعاة إما للشعور بالتحسر أو الحقد أو الحرج.

اشتهر اسمها قبل سنوات مع حادث غرق. كان مركباً للهجرة غير النظامية على ساحل "رشيد"، وأدى الحادث إلى إزهاق ما يزيد عن 400 روح بشرية. قالوا عن القرية أنها المفرخة الأساسية لمن يريدون الهرب ويلقون بأنفسهم لهذا الهلاك. سارعت الكاميرات فالتقطت صور الشوارع الضيقة التي يكسوها الطين ومياه الصرف الصحي حيث تفوح الرائحة عن بعد، وبيوت يكسوها الفقر ووجوه تحكي عن البؤس دون صوت. لكن فجيعة الموت ـ كما يحدث دائماً ـ كانت مدخلاً لخلق فرصة للحياة أو على الأقل التبشير بها من جانب السلطة وتمنيها من جانب المواطن.

بدأت محاولة جديدة تحت مسمى "مواجهة الهجرة غير الشرعية بالتنمية"، فأعلن في العام 2017 عن عدة مشروعات إنتاجية يمكن طرحها وترتبط بالبيئة المحلية للقرية، كتمليح الأسماك وتوضيب حلوى التمر. وبعد ثلاث سنوات أدرج اسم المركز الإداري الذي تتبعه ليكون ضمن 4500 قرية مختارة على مستوى الجمهورية لتنفيذ المشروع الذي يحمل اسم "حياة كريمة"، تحت المسمى الدارج "مبادرة رئاسية"، فمن أين كان المنطلق؟ وما هي ملامح الحصاد والتوجه بعد عام؟

ما قبل الغضب والغرق

"نحيطكم علماً بخطورة الموقف بالنسبة لمياه الشرب لمركز ومدينة مطوبس محافظة كفر الشيخ، تلوثت المياه، والرائحة لا تطاق، وتغير لونها". هكذا كان نص رسالة موجهة من السياسي المعارض عبد العليم داوود في العام 2010 خلال إعلان اعتصامه تحت قبة البرلمان بسبب ما يعيشه مركز "مطوبس" الذي تتبع له "القرية الخضراء"، وهو يمثل ما يقارب 20 في المئة من المساحة الكلية لمحافظة كفر الشيخ، إحدى أكبر محافظات دلتا مصر.

تلك الصورة لم تكن أمراً مستغرباً بأي حال، على الرغم من كوننا نتكلم عن قرى لها نقاط واضحة فوق الخريطة، وليس عن عشوائيات العاصمة التي بزغت وترعرعت دون هوادة خارج المخطط الرئيسي للامتداد العمراني. لكنها أيضاً كأغلب قرى دلتا النيل ونجوع الصعيد لم تشهد خططاً ناجعة للتنمية، وقد يكون اسم بعضها وارد ضمن التسميات المتتالية، وكان آخرها في عصر مبارك "القرى المئة الأوَلى بالرعاية"، باعتبارها الأكثر فقراً في الحظ من الخدمات العامة ومستويات الدخل الفردي، وهو ما يعني في حقيقة الأمر توفير بعض المخصصات المالية بهدف إدخال بعض التحسينات التي تضفي مظهراً عاماً من عدم الانهيار العام واللاآدمية. إلا أن هذا لا يمنع أنه وفقاً لإحصاءات السكان الصادرة بشكل رسمي عن ذلك العام، فإن ما لا يقل عن 80 في المئة من الريف المصري الذي يمثل 57 في المئة من عدد سكان مصر يعيشون بلا صرف صحي. على مدار عشر سنوات تغيرت تلك النسبة قليلاً لتصل وفق تصريحات رسمية، لـ 62 في المئة، يعيشون حتى الآن دون صرف، وتعد الدولة بإنهاء ذلك مع نهاية العام 2024... أي بعد غد!

وفقاً لإحصاءات السكان الرسمية لعام 2010، فإن ما لا يقل عن 80 في المئة من الريف المصري الذي يمثل 57 في المئة من عدد سكان مصر يعيشون بلا صرف صحي. على مدار عشر سنوات تغيرت تلك النسبة قليلاً لتصل وفق تصريحات رسمية إلى 62 في المئة، وتعد الدولة بإنهاء ذلك مع نهاية العام 2024... أي بعد غد! 

لم يكن نقص الخدمات، الذي هو بدوره قائم بسبب تدني المخصصات وكارثية سلم الأولوليات في الدولة، إضافةً إلى الفساد، هو المعضلة الوحيدة التي تواجهها قرية "الجزيرة الخضراء" على سبيل المثال. كانت "لقمة العيش" ولا زالت هي المحرك الرئيسي للخروج ولو عبر الخطر بمراكب الهجرة غير النظامية. القرية لم تعرف التطور إلا في التعداد السكاني (30 ألفاً وفق المسح السكاني العام 2018) ليتحول إلى تفاقم وتردي في ظل غياب تطوير موازي لا للبنية التحتية وحدها فحسب، ولكن للخدمات التعليمية والصحية وسوق العمل.

وبشكل أفقي وعلى مستوى الدولة المصرية، تراجع دور الزراعة في تنمية تلك القرى. فقد تآكلت من ناحية الأراضي الزراعية لجور البناء غير المرخص عليها، كما ومن ناحية أخرى تفكك دور "الجمعية الزراعية" في ضوء النكوص عن خطط الإرشاد الزراعي التي انطلقت في الستينات الفائتة تأثراً بالأفكار الاشتراكية، واستهدفت تحقيق الإكتفاء الذاتي للبلاد ودعم الفلاح في تحصيل مكسب شبه عادل. في المقابل لم تتوجه الدولة لتنفيذ أي من خططها في استكمال "الخطة العشرية للتصنيع" والتي كانت تستهدف بناء مصانع ترتبط بالبيئة المحلية، من بعد انتهاء المرحلة الناصرية وتبني سياسات السوق الحر، ولم تتوافر بشكلٍ كافٍ البيئة اللازمة سياسياً واقتصادياً لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في محيط الدلتا والصعيد. تهالكت القرى المصرية ولم يسعفها أي من مخططات التطوير التي لم تكن معدومة ولكنها أيضاً لم تكن داعمة.

ما بعد الغرق

في 2017، وبعد غرق المركب بأسابيع قليلة، أشار مسؤولو المحافظة في تصريحات إعلامية إلى احتياجات قرية "الجزيرة الخضراء" والقرى المجاورة للعمل على توفيرها. بعد أشهر، أعلن عن بعض أعمال التطوير وبشكل خاص بما يتعلق بشكل عاجل بالكهرباء والمياه، مع التأكيد على جدول زمني لإنهاء جميع مشاكل قرية "الجزيرة الخضراء" والقرى التابعة. وعليه كان مبدأ "جاري العمل" هو الساري من جديد من منطلق أن تحديد المشكلات ووضع الخطط، بل والحصول على موافقات وإدراج مشروعات على خطط التنفيذ في الموازانة الرسمية للدولة لا تعني بالضرورة شيئاً حقيقياً في واقع الأمر ما لم تتوافر المخصصات المالية، خاصةً في ظل التغيرات المتواترة في سعر الصرف وتأثيره على أسعار المقاولات ومواد البناء، مما نتج عنه عدد مطرد من المشروعات المفتوحة والمتوقفة على مستوى الجمهورية.

تراجع دور الزراعة في تنمية القرى. فمن ناحية تآكلت الأراضي الزراعية لجور البناء غير المرخص عليها، كما ومن ناحية أخرى تفكك دور "الجمعية الزراعية" في ضوء النكوص عن خطط الإرشاد الزراعي التي انطلقت في الستينات الفائتة واستهدفت تحقيق الإكتفاء الذاتي للبلاد ودعم الفلاح. في المقابل لم تنفذ الدولة أي من "الخطط العشرية للتصنيع"، أي بناء مصانع ترتبط بالبيئة المحلية. 

من ناحية أخرى، أعلنت الدولة المصرية عن تخطيط " منطقة صناعية" بدعمٍ مالي و لوجستي من "البنك الأوروبي للتنمية والتعمير" وغيرها من المؤسسات الغربية التي تحاول بهذا الدعم سد مداخل الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. مخطط المنطقة الصناعية اتخذ اسماً دلالياً هو " بركة غليون"، وهي منطقة تشبه غيرها على مستوى الجمهورية، إذ تحولت على مدار السنوات الماضية إلى بؤرة جرداء تنتشر بها المياه الراكدة والحشائش الكثيفة فتحولت لمكان مهجور بائس ومستقر للجريمة على أطراف المدن، بدلاً من استغلال تلك المساحات في إقامة مشروعات جدية.

أعلن عن مخطط يشمل تمهيد وترفيق 120 فداناً، تبدأ بمرحلة أولى هي 40 فداناً، بهدف إقامة 58 مصنعاً، حصل حتى الآن 14 منها على ترخيص تشغيل، وهي مخصصة لصناعة الأعلاف والتمليح وإنتاج الزيوت. أحد تلك المصانع قدم عنه إعلان متلفز يقول أنه وظّف 26 عاملاً وهو مجمل ما تحتاجه طاقته الإنتاجية في هذه المرحلة. وعلى الرغم من تدني العدد مع ما يطرحه من تساؤلات عن نوعية التصنيع ودور الدولة في طرح مشروعات مباشرة، فقد أصبح هذا الإعلان مدخلاً لتشجيع الشباب على الاستمرار وعدم الهجرة.

من ناحية أخرى ظهرت شكاوى أهلية، على استحياء وخوف في ظل الوضع الأمني العام في مصر، تتحدث إحداها عن نقص الخدمات الصحية على الرغم من وجود مستشفى ضخم مغلق بالجنازير، وهو النموذج المتكرر في مصر منذ عام 2010 أيضاً، من اتخاذ أحد وزراء الصحة (حكومة رجال الأعمال قبيل ثورة يناير 2011) قراراً بإنشاء سلسلة ضخمة من "مستشفيات طب الأسرة" التي انتهى بها الحال إلى المشهد ذاك: مبنى ضخم مغلق وغير مفعّل بينما تتدهور حالة الوحدات الصحية الصغيرة التي أصبح دورها يقتصر على تلقيح الأطفال. وظل حال المستوى الصحي الثاني والثالث، أي المراكز الطبية والمستشفيات المركزية، محدود الفعالية في ظل نقص الأطباء والجهاز التمريضي وإمكانات إجراء العمليات الجراحية وتقديم الدواء.

وعود النجاة

إنه ملعب القاهرة الرياضي، بداية عام 2021، وإعلان رئيس الجمهورية وحكومته عن إنطلاق مبادرة "حياة كريمة" التي تستهدف 4500 قرية بكلفة إجمالية تبلغ 700 مليار جنيه. أدرج "مركز مطوبس" - الذي يضم 5 وحدات محلية و18 قرية أم ونحو 187 تابعة وكثافة سكانية تتخطى نصف مليون مواطن - على قوائم المشروعات الموعود بتنفيذها بتكلفة قدرها 6.5 مليار جنيه لتنفيذ 57 محطة صرف صحي ومشروعات تتعلق بتوسيع الترع وتغذية الكهرباء وإنشاء مدارس، بل والوعد بعدم الاكتفاء بإنشاء مستشفى مركزي فقط، بل تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل داخل تلك القرى، على الرغم من كون محافظتها لم تدرج بعد في الخطة المعلنة، ولم يتم الانتهاء نهائياً من تطبيق المرحلة الأولى المعلن عنها لمدن القناة التي كان من المفترض أن تبدأ منتصف 2018 ويسري العمل بها على امتداد 4 محافظات في غضون ثلاث سنوات وهو ما لم يتم بشكل كامل حتى الآن بسبب ضعف التمويل.

كان مبدأ "جاري العمل" هو الساري من منطلق أن تحديد المشكلات ووضع الخطط، بل والحصول على موافقات وإدراج مشروعات على خطط التنفيذ في الموازانة الرسمية للدولة لا تعني بالضرورة شيئاً حقيقياً في واقع الأمر ما لم تتوافر المخصصات المالية. 

بعد ما يزيد عن عام، وفي متابعة لصفحات القرى والبيانات الرسمية، التقطت الصور للشروع بالفعل في عدد كبير من المشروعات، وعلى رأسها تلك الخاصة بالصرف الصحي. لم يتم الانتهاء من أغلبها، كما لم تتضح خطة تطوير الصحة والتعليم بشكل حقيقي بعد، ولم ينجز سوى الشروع ببناء عدد من الأبنية الجديدة. أما المحور الثالث المعلن عنه وهو فتح مساحات تمويل للمشروعات المتوسطة والصغيرة، والتوسع في إنشاء المصانع المحلية فهو أمر لم يتخطَ حتى الآن مساحة النوايا والإعلان.

على الميزان

إنها تجربة قرية مصرية مع مشروع وطني عام (تسمى هذه المشاريع في مصر "قومية") يستهدف الغالبية العظمى من المصريين وقد استقبل استقباله برضا وأمل مقارنة بوابل من مشروعات أخرى تحمل أيضاً اسم "قومية" ولكن تتركز على إنشاء عواصم جديدة بأطراف القاهرة وأخرى ساحلية بمظاهر بذخ ورفاهة ومديونيات لشركات أجنبية، وغيرها من ملامح كانت كفيلة على مدار السنوات الماضية بتأجيج حالة عدم الرضا العام، وكذلك مقارنةً بالتداعي السريع غير المسبوق في مستويات التضخم والركود وأثرها على الغلاء اللامحدود بينما لا تشهد الدخول الشهرية تغيراً حقيقياً لدي أغلب الشرائح الاقتصادية والمجتمعية.

بالطبع تطالب الدولة بعدم إطلاق تقييمات قبل انقضاء المدى الزمني المحدد للمرحلة الأولى وهو نهايات 2024. ولكن مرحلة التساؤلات قد بدأت بالفعل قبل عام، وهي تتطور مع مرور الوقت سواء على مستوى التغيرات العامة في سياسات الدولة وموقفها الاقتصادي أو على مستوى الإنجاز على الأرض ومردوده على مؤشرات التنمية في تلك القرية وغيرها.

ظهرت شكاوى أهلية، على استحياء وخوف في ظل الوضع الأمني العام في مصر، تتحدث عن نقص الخدمات الصحية على الرغم من وجود مستشفى ضخم مغلق بالجنازير، وهو نموذج متكرر منذ عام 2010، حيث يتخذ أحد وزراء الصحة (حكومة رجال الأعمال قبيل ثورة يناير 2011) قراراً بإنشاء سلسلة ضخمة من "مستشفيات طب الأسرة" التي ينتهي بها الحال إلى مبنى ضخم مغلق.  

في يوم الانطلاق، كان من بين التصريحات اللافتة ما ورد على لسان وزيرة التخطيط، في سلوك مكرر من التباهي الحكومي المصري باتجاه العالمية. قالت: "إنها المبادرة الوحيدة في العالم التي تنفذ كل أهداف التنمية المستدامة الـ17"، و هو ما طرح أولى التساؤلات حول إمكانية ذلك ـ نظرياً، وجدواه والأهم كلفته عملياً ـ ومن يتحملها؟

اقترن ذلك بسلسلة من تساؤلات أخرى تغذيها مؤشرات على الأرض، منها على سبيل المثال لا الحصر، وفي ضوء القرية التي اخترناها نموذجاً: مآلات القرار الذي اتخذ بنقل تلاميذ المدارس الإبتدائية بتلك القرية إلى أخرى مجاورة، وذلك حتى الانتهاء من ترميم المدرسة الرئيسية والوحيدة فيها، وكذلك القرار الخاص بإعادة تكليف الخدمة العامة (وهو نظام متبع كمساهمة مجتمعية إجبارية لشباب الخريجين برواتب محدودة) وذلك لسد عجز المدرسين.

وعليه يقترب العام الدراسي الجديد دون أن تحل تلك المشكلة إلى الآن ودون الانتهاء من أعمال الترميم والبناء التي تتداخل مع عدد من العوامل الشائكة الأخرى، وعلى رأسها الفارق في أسعار البناء في ضوء الانخفاض المتكرر للجنيه المصري هذا العام بالنسبة للدولار، علاوةً على شبهات فساد تتورط بها عدد من الهيئات التي تحظى بموازنة خاصة بعيداً عن الموازنة العامة للدولة.

مثالٌ آخر، يتعلق بأراضٍ تابعة للمؤسسات الرسمية المشرفة على نشاط الزراعة في مصر، في محيط محافظة كفر الشيخ التي تتبع لها "الجزيرة الخضراء" وغيرها من مئات القرى. فقد اغلقت اغلب مقرات الجمعيات الزراعية وبعض الأصول التي تتبع الدولة من أراضي ومبانٍ حكومية جاري طرحها للمزادات العلنية. من ناحية أخرى أعلن في العام الماضي عن تحويل 6 أفدنة في محيط مركز "قلين" التابع هو أيضأً إدارياً للمحافظة ذاتها إلى "مقلب قمامة" بعد أن كانت تلك الأرض تتبع مركز البحوث الزراعية لإنتاج "مزارع نموذجية يمكن اهتداء الفلاحين بها على مستوى المحافظة.

وما بين هذا وذاك، وهو ما لا ينطبق على قرية "الجزيرة الخضراء" بطبيعة الحال، تبقى مشكلة تدني الحد الأدني للأجور وشح فرص العمل، على الرغم من الإعلان عن تمويل المشروعات الصغيرة وغيرها، هي المشكلة العظمى التي تشغل بال الأهالي ممن يستحقون بلا شك بنية تحتية تساعدهم على حياة آدمية، لكنهم يفكرون أولاً بـ"لقمة العيش".

بعد ما يزيد عن عام، وفي متابعة لصفحات القرى والبيانات الرسمية، التقطت الصور للشروع بالفعل في عدد كبير من المشروعات، وعلى رأسها تلك الخاصة بالصرف الصحي. لم يتم الانتهاء من أغلبها، كما لم تتضح خطة تطوير الصحة والتعليم بشكل حقيقي بعد. 

أما سياسياً - وهو ما لا يمكن فصل تأثيره أبداً عن تلك الصورة التي تبقى ضبابية على الرغم من عدالة وجزالة وعودها - فإن تأخر إقرار قانون "انتخابات المحليات"، على الرغم من كونه استحقاق دستوري أقر قبل ثماني سنوات، قد تسبب بشكل مباشر في وضع خطط زمنية طويلة المدى لتطوير تلك القرى بعيداً عن آراء ورقابة ممثليها ممن كان يمكنهم ـ في حال توافر أجواء ديمقراطية سليمة ـ طرح أولويات العمل فيها وفق ظروفها المحلية، بل والخوض في الملف الأهم وهو "التمويل". فمن أين ستمول تلك المشروعات؟ وما حجم ما سيتحمله المواطن من تداعيات "الديون" في الموازنة المصرية مقابل ما سيحصل عليه عند إنجاز تلك المشروعات؟ ومن يحدد ماذا؟ ومتى؟ هذا بينما يصرح وزير النقل المصري وهو الرئيس السابق للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة بالقول: "المواطن هو المستفيد من كافة المشروعات التي تنفذها الدولة في كل مكان، فمن الطبيعي أن يكون شريكاً في سداد مديونياتها".

***

عبر سلسلة مقالاتٍ كتبها الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الوزراء الأسبق، زياد بهاء الدين، أثنى خلالها من حيث المبدأ والمنطلق على هذا المشروع الضخم ثم كتب من ضمن ما كتب هذا التعليق الذي قد يكون الأنسب لإنهاء هذا النص عن تلك القرية وغيرها، كنهاية مفتوحة تخضع للمستجدات القادمة، قال: "ما تم طرحه مهم جداً ولا أتصور أن يكون هناك خلاف حوله، فهو إصلاح لإهمال دام لأعوام طويلة، ولكنه يعبّر في تقديري عن التوجه العام للمبادرة، والفلسفة التى تستند إليها دون توضيح الأهداف التنموية المطلوب تحقيقها، فإن الوصف التفصيلي تناول ما يمكن وصفه بمستهدفات تنفيذية، ولكن تظل الأهداف التنموية غير واضحة، بمعنى النتائج الفعلية والنهائية التي ترى الحكومة أن المبادرة سوف تساهم فى تحقيقها قياساً بالوضع الراهن.

ولنأخذ التعليم مثالًا: بالتأكيد أن بناء المدارس وتجديدها فى الريف مطلوب وبشكل عاجل. ولكن بناء المدارس وتدريب المدرسين وتوفير أجهزة الكمبيوتر ليست أهدافاً في حد ذاتها بل وسائل لتحقيق هدف تنموي أسمى قد يكون الارتفاع بـجودة التعليم أو زيادة عدد التلاميذ المواظبين على الحضور أو سد الفجوة بين التعليم ومتطلبات سوق العمل أو زيادة الحد من تسرب الفتيات من المدارس.. أو غير ذلك من المؤشرات التنموية القابلة للقياس. والأمر ذاته ينطبق على المكونات الأخرى للمبادرة من صحة وسكن ومرافق وإتاحة للتمويل. فالهدف التنفيذي لإتاحة التمويل قد يكون زيادة مستخدمي الخدمات المصرفية بنسبة معينة، بينما الهدف التنموي هو تحسين مؤشرات الفقر والبطالة والإنتاج بمعدلات قابلة للقياس. وهذا ما أراه غير واضح بما يكفي فى مبادرة "حياة كريمة". 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...