الحوار الوطني.. وﻻدة متعسرة ومستقبل غامض

أثار تكليف السيسي بعقد حوار وطني أسئلة حول سبب إطلاق الفكرة الآن؟ ومَن سيكون طرفًا في هذا الحوار؟ وما الهدف المرجو منها؟
2022-07-07

شارك
السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية - أبريل 2022

قبل أيام من شهر رمضان الماضي، تلقى حمدين صباحي، السياسي الناصري، مكالمة تليفونية تدعوه لزيارة في مكتب أحد كبار المسؤولين بجهاز المخابرات العامة لدردشة. الدردشة، بحسب مصدر سياسي قريب من صباحي تحدث مع «مدى مصر» مشترطًا عدم ذكر هويته، شملت مطالبة بتحرك سياسي من صباحي وغيره من السياسيين لدعم موقف الدولة في مسعى لطمأنة الرأي العام بخصوص الأوضاع الاقتصادية.

صباحي، بحسب ذات المصدر، أخبر محدثيه أنه لم يعد لديه مصداقية كافية في الشارع ليوجه أي حديث، بالنظر إلى أن حسام مؤنس، المسجون على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بـ«خلية الأمل» قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، هو من أقرب شباب السياسيين له. لم يتمكن صباحي من اشتراط خروج حسام أو غيره مقابل ظهوره في المجال العام.

حضر صباحي وغيره من القوى السياسية، مِن مَن تم استحضارهم من مشهد 30 يونيو، إفطار الأسرة المصرية في 26 أبريل الماضي، وبعدها بيوم تم الإفراج عن مؤنس. تباعًا، تم أيضًا الإفراج عن عدد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية.

في آخر الشهر نفسه، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تكليف إدارة مؤتمر الشباب بالدعوة إلى حوار سياسي يضم كل من وضعتهم السلطة في خانة الخصوم بعد عام 2014. لم يقف الأمر عند صباحي وحده، ومن ورائه ممثلو الحركة المدنية، وإنما امتد إلى الإسلاميين وحتى جماعة الإخوان المسلمين نفسها.

أثار تكليف السيسي بعقد حوار وطني أسئلة حول سبب إطلاق الفكرة الآن؟ ومَن سيكون طرفًا في هذا الحوار؟ وما الهدف المرجو منها؟

من يجلس على مائدة الحوار؟

«دمج المعارضة والإسلاميين في المشهد السياسي كما كان وقت [الرئيس السابق حسني] مبارك هو الهدف الذي تسعى إليه السلطة منذ بداية العام الجاري»، يقول مصدر سياسي ثانٍ، مطلع على سير المفاوضات مع السلطة لـ«مدى مصر»، موضحًا أن المفاوضات مع المعارضة المدنية أو ما يطلق عليه «تحالف 30 يونيو» هي الأسهل، إذا ما التزمت بحدود كونها معارضة مستأنسة لن تسبب أي قلق للسلطة. ولكن الوضع مختلف مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، الذين يحكم التفاوض معهم أطراف إقليمية خليجية تتسابق من أجل إنهاء هذا الملف مع مصر.

النقطة الأخيرة أكدها مصدر مقرب من قيادات الجماعة في تركيا، موضحًا لـ«مدى مصر» أن الإخوان لن تشارك في جلسات الحوار الوطني، لوجود مفاوضات مستقلة تجري معهم بواسطة أطراف إقليمية. ويفسر المصدر بأن مسارات التفاوض مع الجماعة التي ترعاها دول خليجية، على رأسها السعودية والإمارات بشكل منفرد منذ بداية العام الجاري، تسير بشكل بطيء جدًا في الوقت الحالي بسبب إصرار ممثلي كلٍ من السلطة المصرية والجماعة على شروط محددة للمصالحة.

ويحدد المصدر تلك الشروط بالنسبة للسلطة في إعادة دمج الجماعة في المشهد العام بصيغة جديدة تتمثل في إلغاء الشكل القديم للتنظيم الذي يديره مكتب الإرشاد، والتعهد بعدم المنافسة في المجال السياسي من خلال المشاركة في أي انتخابات تحت أي ظرف، وقصر نشاطهم على العمل الدعوي والاجتماعي، وفي المقابل تشترط الجماعة بالإفراج عن سجنائها، وتعويض قتلى اعتصام رابعة العدوية وعودتهم للمشهد السياسي بما يحفظ ماء وجههم.

ويشير المصدر إلى أنه على الرغم من وصول المفاوضات بين السلطة المصرية والإخوان إلى طريق مسدود في أوقات سابقة إلا أن تسابق الإمارات والسعودية في الوقت الحالي على ترتيب ملفات المنطقة وتصفير المشاكل، في سياق تسويات مع الحليف الأمريكي، ربما يساهم في تفكيك حالة العداء التي تتبناها مصر تجاه الجماعة في وقت ليس بعيد. ويوضح المصدر أن السعودية والإمارات تريدان عودة الإسلاميين كظهير شعبي إسلامي في المنطقة العربية لتبديد المخاوف من تمدد النفوذ الإيراني، وأن الإخوان أفضل من يلعب هذا الدور. كما تحاول كل منهما إحراز تقدم في هذا الأمر، مضيفًا أنه في حال نجحت أي منهما في التوصل لحل بين الطرفين، سينقل الطرف السعودي أو الإماراتي صيغة التفاهم والاتفاق التي توصلت إليها مع الجماعة إلى النظام المصري، ثم يحملها الأخير إلى قيادات السجون، على أن يتم بلورة صورة واضحة يتفق عليها قيادات الجماعة في الخارج والداخل، وعلى رأسهم النائب الأول لمرشد الجماعة، خيرت الشاطر.

في مواجهة المسارات البطيئة للمفاوضات مع الإخوان، لم تكن المفاوضات مع القوى المدنية، وخصوصًا الحركة المدنية، أكثر حظًا.

رغم اختيار السلطة لصباحي، الذي نافس السيسي في أول انتخابات رئاسية له، على رأس المدعوين للحوار والمتفاوضين بشأن من سيحضر جلساته ومن سيديرها ويضع جدول أعمالها، إلا أن تلك المفاوضات ما زالت متعثرة حتى كتابة تلك السطور.

كانت أحزاب الحركة المدنية السبعة؛ الكرامة، و التحالف الشعبي الاشتراكي، والمحافظين، والدستور، والوفاق القومي، والاشتراكي المصري، والعيش والحرية (تحت التأسيس) وإلى جانبهم عدد من الشخصيات العامة، قد أعلنت في 8 مايو الماضي قبولهم مبدأ الحوار السياسي مع السلطة، على أن يتضمن عددًا من الضوابط الإجرائية والموضوعية، التي اعتبروها ضمانة لأن يكون حوارًا جادًا وحقيقيًا، لا مجرد تجميل للواجهة.

لم يستجب القائمون على الحوار لأيٍ من هذه الضوابط، وهو ما ظهر في إصدار الأكاديمية الوطنية للتدريب (الجهة المنظمة لمؤتمر الشباب) بيان، في 10 مايو، أعلنت خلاله توليها مسؤولية إدارة الحوار الوطني، وهو ما رفضته الحركة المدنية. واعتبرت الحركة أن البيان يخالف ما توافق عليه صباحي مع ممثلي السلطة بشأن تشكيل أمانة فنية للإعداد للحوار وإدارته وصياغة مخرجاته من عشرة من كبار الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتجرد، يتم اختيارهم مناصفة من السلطة والمعارضة. ردت الأكاديمية ببيان ثانٍ تعلن فيه اختيار رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين، ضياء رشوان، منسقًا عامًا للحوار الوطني، وكذلك قرارها باختيار الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام، محمود فوزي، رئيسًا للجنة الفنية للحوار، وهو ما اعتبرته الحركة المدنية استمرارًا للنهج الأحادي التي تتبناه السلطة.

بحسب عضو الحركة وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، اتفق صباحي مع الداعين للحوار على اختيار عضو المجلس الرئاسي الاستشاري لكبار العلماء ورائد زراعة الكلى، محمد غنيم، ليكون أمينًا عامًا وقائدًا للحوار، يساعده مجلس أمناء يتم اختياره من عدد متساوٍ من ممثلي المعارضة والسلطة، «وتركنا للسلطة تسمية المنسق العام، فاختارت السلطة ضياء رشوان وتجاهلت باقي الاتفاقات»، يقول السيد.

وهو الأداء الذي استمر عندما أعلنت الجهة التي أطلقت على نفسها اسم «إدارة الحوار الوطني» في 26 يونيو الجاري، تشكيل مجلس أمناء الحوار من 19 عضوًا، قالت إنها اختارتهم بعد مشاورات أجراها رشوان مع القوى السياسية، وهو ما اعتبره عضو بالحركة المدنية، طلب عدم ذكر اسمه، تعبيرًا عن الحد الأقصى لما تستطيع السلطة استيعابه من ممثلي المعارضة، موضحًا أن الحركة المدنية رشحت خمسة أسماء لعضوية مجلس الأمناء، لكن السلطة لم تختر منهم سوى عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدة الأهرام الأسبق، وكمال زايد، رجل الأعمال، مضيفًا: «لا يمكننا الاعتراض في النهاية، لكن تمنينا تمثيل أكثر لأصحاب المواقف الصريحة».

بقية التقرير على موقع "مدى مصر"

مقالات من العالم العربي

انهيار التعليم العام في منطقتنا

تتصل مسألة التعليم بشكل مباشر بالوعي الجماعي والتعاون الاجتماعي في أي مجتمع، أي وباختصار بعملية َتشكّله. وهذه مقاربة أولى تسجِّل المعطيات الموضوعية لتراجع التعليم العام في منطقتنا بل وانهياره. فما...