مجدداً: أسئلة قلقة!

الثقة بالبشرية وبقفزات التاريخ اللولبية، تشبه يقينية المتدينين الذين يترصدون علامات القيامة! ولكن ذلك لا يكفي، لأن الصبر وحده ليس حلاً...
2022-01-13

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
ثامر داوود - العراق

من يفترض - أو يدعي – أنه يمتلك أجوبة على الضباب الكثيف المحيط بواقعنا في كل المنطقة، يكون إما ساذجاً أو كاذباً (والكذب هنا يمكن أن يرد لأسباب متنوعة!). ربما يمكن للمتفائلين الأبديين - كموقف وليس كطباع - أن يعتبروا أن هذه الحال تُنبئ بقرب الارتطام بقعر ما للوضع بالغ السوء على كل الأصعدة الذي يحيط بالناس، وبالتالي وصوله إلى نهايته، بفَرض أن ذلك يعني بدء تبلور ما يعاكسه. وهي ثقة بالبشرية وبقفزات التاريخ اللولبية، تشبه يقينية المتدينين الذين يترصدون علامات القيامة!

ولعل لدى الفئة الأولى علامات مصنوعة من موجات من مقاومة السوء لا تنفك تحضر من قلب الخراب، نذكر أقربها زمنياً: انتفاضة فلسطين كلها في أيار/ مايو 2021، بينما كان الوضع يشي باستكانة مرعبة وباستقرار للسطوة الإسرائيلية، حمل كثيرون على إبداء اليأس ("خلْصت قصة فلسطين" و"يا أسف على كل النضالات" التي تُستحضر كذكريات تؤلم الوعي الحاضر ) [1] ... بهذه، وقبلها انتفاضة العراق التي قدّم فيها أكثر من 700 شاب (وشابة) حياتهم كمؤشر على إصرار على الموقف المناهض للفساد لا يفت من عزمه شيء، وقبلها انتفاضة السودان التي لم تنته بعد.. ربما كان ذلك صحيحاً، كبصيص ضوء، مع التذكير دوماً بأن التاريخ والبشرية يمكن أن يمرا بفترات طويلة من السوء، تبدو أبديةً بقياس عمر الإنسان نفسه ممتداً إلى ما يمكنه أن يراه في معيشه، أي إلى آبائه المباشرين وأبنائه المباشرين، وهي ثلاثة أو أربعة أجيال على الأكثر، وللمحظوظين طويلي العمر.

مقالات ذات صلة

ولكن ذلك الضوء لا يكفي، على الرغم من أهميته الكبيرة في صون الأمل، وهو نسغ مختلطٌ بعصب الحياة، وكنوع من الكابح أو الحاجز دون مزيد من الانهيار نحو حالة من التوحش الخالص – والكلام عن مجمل المنطقة بل والعالم [2]  المتعثر بشكل مخيف، وليس عن النموذج اللبناني الذي يمكن أن يصبح مرجعياً كمثال بسبب صغر حجم البلد وقوة التناقضات العاصفة به! لا يكفي، لأن الصبر وحده ليس حلاً. والروادع الدينية هي الأخرى محدودة الأثر، كما نرى دائماً في ثنائية "تشييئ" الدين، والتأرجح الممارَس على كل المستويات الجماعية والفردية بين الذنب المتكرر وطلب المغفرة. فلو رضي الناس بمغادرة تلك الفرضية الحداثية التي تتشارك فيها كل التيارات المنبثقة من "الأنوار"، والتي تقول بأن مسار البشر يتجه حتماً نحو الأفضل، يبقى أنه عليهم تدبر طعام أبنائهم والدواء والمسكن والتعليم، وهي، هذه الضرورات الأساسية نفسها، تصبح أصعب منالاً كل يوم. ماذا نقول لأهل اليمن (مثلاً!)، حيث تضاف الحرب إلى معطيات البؤس الأخرى، في بلد هائل الإمكانات وعميق الرسوخ في الزمن؟ 

______________

1- نشر التلفزيون الإسرائيلي منذ أيام قليلة وثائقياً تناقلته وسائل إعلام عالمية، عن معركة قلعة الشقيف في جنوب لبنان 1982، وتقشعر له الأبدان. وهو يصف بطولة المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين فيها ودفاعهم المستميت عنها، ما ردّ محاولات متكررة للجيش الإسرائيلي لاقتحامها، ودفعه إلى استخدام القصف الكثيف بالطيران، وإلى تكبد خسائر مهولة أثناء الاقتحام البري الأخير، حيث لم يستسلم المقاومون وقاتلوا في ملحمة تؤرخ. يستنتج الوثائقي الإسرائيلي طبعاً أنهم – هؤلاء المقاومين – "يطلبون الموت" وهو مصدر استبسالهم، بينما الجنود الإسرائيليون "ينشدون الحياة"، وهو مصدر رعبهم خلال المعركة، في ثنائية سخيفة راجت في السنوات الماضية، تُعْمي الموضوع، وتحوّله إلى مطلقات قيمية ونفسانية!
2- دعكم من الجائحات ومن الحروب ومن النزوحات، ومن الكوارث البيئية المتكاثرة بسبب العبث بالطبيعة، ومن الإفقار المتعاظم... هناك في أماكنَ تضم أعلى مراتب الذكاء البشري، يجري تطوير ما يسمونه"الذكاء الاصطناعي"، بغاية التحكم بكل شيء بما فيها الحروب والإبادات "النظيفة". يجري تصميم ألغوريتمات تؤتمت الحياة اليومية عبر قوى مسيطِرة خفية، وتجعل المسافة بين المتحكمين القلائل - وهم بالطبع ليسوا التقنيين أنفسهم – وبين الناس، مهولةً وفي الوقت نفسه غامضةً مستورة. سيؤدي ذلك إلى تغير المفاهيم كلها، فما معنى "الديمقراطية" مثلاً في مثل هذه الحالة، ومن هي "الدولة"؟ هذا يجري في الواقع وليس في فيلم خيال علمي، ولو أن الأفلام من هذا النوع صارت كثيرة. هل هذا هو مستقبل البشرية؟ الله أعلم!

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...