على حين غفلة، ودون سابق إنذار، وقع المحظور المتخوف منه منذ عدَّة أشهر، إذ أُعلنت حالة الطوارئ، ومنع التجول في قطاع غزَّة، وصدحت سيارات الشرطة بالإنذار بضرورة إخلاء الأماكن العامة على الفور، ليُعمم بعد دقائق من هذه الإجراءات في مؤتمر صحافي لوزارة الصحة والأمن الداخلي عن إصابة أربعة مواطنين من غير العائدين بفيروس كورونا المستجد. حالة من التوتر والقلق أصابت عموم الناس لعدَّة اعتبارات، سياسية واقتصادية. فالوضع في قطاع غزَّة لا يحتمل المجابهة مع الفيروس في ظل اكتظاظ السكان المحصورين في كيلومترات مغلقة تفتقر لأبسط الاحتياجات الأساسية.
عملت وزارة الصحة على الفور على تفعيل السيناريو الثالث، خطة الطوارئ "ج"، فأعلنت إغلاق كافة المرافق العامة، والامتناع عن الخروج للشوارع، مع الإلزام بالحجر المنزلي للمواطنين، وأغلقت المساجد، والتعليم، والأسواق الشعبية، والقطاعات الترفيهية. وانتشرت قوات الأمن على كافة المفارق وجرى تمشيط الطرقات. لجنة الطوارئ مجبرة على الوقوف أمام عدَّة سيناريوهات تخص آلية تعاملها مع الوضع الاقتصادي الراهن للسكان، والمقدرة على توفير الحاجيات الأساسية للمعتمدين على البدل المالي اليومي، في حال عدم السيطرة على تفشي الفيروس.
ماذا يعني تفعيل الخطة "ج"
الخطة "ج" هي الدرجة الأخطر، والتي كانت ضمن الاحتمالات التي صاغتها وزارة الصحة ولجنة الطوارئ منذ عملها على محاصرة الفيروس، من خلال ضبط الموقف أمام العائدين من مختلف الدول، وحجرهم الإلزامي داخل أمكان بعيدة على أطراف القطاع. ويضاف للخطة "ج" تقسيم القطاع إلى عدَّة محافظات مستقلة، ثمّ تجزئة المحافظات إلى مربعات شبه مغلقة يمنع الدخول أو الخروج منها، والتعامل بكل حزم مع المخالفين للتعليمات العامة، وتقييد الحركة سوى للحالات الضرورية القصوى بعد التنسيق.
غزة ومبادراتها الطوعية في عصر كورونا
22-04-2020
ربع الأسر في غزة تعيلها نساء
21-06-2020
لكن اللجوء إلى تطبيق الخطة "ج" يعني الدخول في حالة الخطر الحقيقي، ما يعني أن الخطأ هنا غير مغفور، خاصة بعدما سُجلت حالتان جديدتان داخل قسم الباطنة في المستشفى المركزي "مجمع الشفاء الطبي"، حينما أخذت عشرون عينة عشوائية من مختلف المرضى والعاملين في أقسام المستشفى، وبالتالي تحمل الإصابتان مؤشرات لوجود بؤر تفشي للوباء في القطاع مجهولة المكان. إذًا إجماليُّ الحالات المصابة داخل القطاع خلال 24 ساعة هي 14 حالة (ووقعت حالة وفاة واحدة)، يضاف لها 42 إصابة بين العائدين.
كيف تسلل الفيروس إلى داخل القطاع
الجهات الرسمية في الحكومة المقالة لم توضح آلية تسلل الفيروس إلى سكان القطاع، من خلال السيدة المرافقة لابنها المريض، بعدما أرادت الخروج به للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية المحتلة. أبلغت السيدة بالتوجه لمعبر بيت حانون ("إيرتز") بعد الموافقة على معالجة طفلها، إلَّا أنّها تفاجأت بعد الفحص أنَّ الاسم غير وارد في سجل الخروج، وأُمرت بالرجوع والانتظار لليوم التالي، عادت وأبلَغت نقطة الأمن التابعة للحكومة المقالة في غزَّة بأنَّها لم تدخل فسمح لها بالعودة. عادت السيدة في اليوم التالي مصطحبة طفلها، ومرت عبر الحاجز وصولاً إلى مستشفى المقاصد، وبعد عدَّة أيام شعرت بأعراض الإصابة، ليتم التأكد من حملها للفيروس بعد الفحص.
الخطة "ج" هي الدرجة الأعلى ضمن الاحتمالات التي صاغتها وزارة الصحة ولجنة الطوارئ. ويجري تقسيم القطاع إلى عدَّة محافظات مستقلة، ثمّ تجزئة المحافظات إلى مربعات شبه مغلقة يمنع الدخول أو الخروج منها، والتعامل بكل حزم مع المخالفين للتعليمات العامة، وتقييد الحركة سوى للحالات الضرورية القصوى بعد التنسيق
بدورها الجهات الحكومية في السلطة الفلسطينية في رام الله أبلغت وزارة الصحة في غزَّة عن ضرورة تتبع حالة المخالطة للسيدة، وبالفعل باشرت الجهات المعنية بالأمر لتسجل إصابة أربع حالات من أفراد العائلة. وحتى هذه اللحظة تحاول لجنة الطوارئ تتبع خارطة سير السيدة وأفراد أسرتها. لكن الأمر يزداد تعقيدًا لأنَّ أحد الأفراد المصابين يعمل بائعاً في بقالة مقابل أحد المستشفيات في مدينة دير البلح وسط القطاع، بالإضافة لقربه من مدرستين تابعتين لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين. يضاف إلى ذلك أن أحد الأفراد المصابين يعمل سائقاً لنقل الركاب. هذه الحالة فرضت إعلان حالة عدم التجول قطعاً على مدينة المغازي حيث تسكن العائلة.
مواجهة في ظل الأزمات
منذ الوهلة الأولى من الإعلان عن حالة الطوارئ، باشرت الطواقم الفنية بوزارتي الصحة والداخلية مهام التقصي الوبائي لتحديد خارطة انتقال الفيروس، وتتبع مصدر العدوى لحصر كافة المُخالطين واتخاذ الإجراءات الطبية، من خلال سحب عينات لمئات المتواجدين بالمنطقة الجغرافية المحيطة بسكن الحالات المسجلة. وتناقش حالياً آلية توسيع حلقة الفحص بصورة أكبر. وفي سياق عملها، تحاول الجهات الرسمية تخفيف حدة التوتر والقلق لدى المواطنين، ومراقبة الجهات الإعلامية وإلزامها بأخذ المعلومة من المصادر الرسمية في الوقت المحدد منعاً لنشر الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تؤدي إلى إثارة الخوف بين المواطنين.
صدمة كوفيد -19 في فلسطين
26-08-2020
غزّة: حرب على النفوس
09-01-2020
قد يتعذر على المرافق الصحية والجهات المعنية وسكان القطاع تحمل إمكانية مجابهة انتشار الوباء في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على سكان غزَّة منذ ثلاثة عشر عاماً فيما لو خرجت الأمور عن السيطرة، في الوقت الذي تشدّد فيه إسرائيل حصارها من خلال منع دخول الوقود إلى المحطات والمرافق الحكومية والصحية، وقطع التيار الكهربائي لما يزيد عن عشرين ساعة متواصلة بشكل يومي، وانعدام السلع البديلة، يضاف لها الحصار البحري.
أعلنت وزارة الصحة أنَّها تعاني من نقص في المواد المخبرية بنسبة تفوق 65 في المئة، ونفاد الأدوية المقدر بحوالي 44 في المئة منها، وما يزيد عن 35 في المئة من المستهلكات الطبية. كما أنَّ عدد أسرَّة العناية المركزة في المستشفيات الحكومية والخاصة والأهلية يبلغ 100 سرير فقط متصلٍ بحوالي 93 جهاز تنفس اصطناعي.
وهذا في ظل التحذيرات الصحية من حالة التدهور التي تصيب القطاعات الخدماتية الخاصة ونقص المستلزمات الطبية الأساسية، وعدم توفر أجهزة التنفس الاصطناعي إلا بعدد محدود، وتوقف متكرر لمركز الفحص الخاص بعينات الفيروس، يضاف لها أنَّ المستشفيات بصورة عامة ليست بالمستوى المجهز لحمل أزمة كبيرة كهذه.
وقد أعلنت وزارة الصحة أنَّها تعاني من نقص في المواد المخبرية بنسبة تفوق 65 في المئة، ونفاد الأدوية المقدر بحوالي 44 في المئة منها، وما يزيد عن 35 في المئة من المستهلكات الطبية. كما أنَّ عدد أسرَّة العناية المركزة في المستشفيات الحكومية والخاصة والأهلية يبلغ 100 سرير فقط متصلٍ بحوالي 93 جهاز تنفس اصطناعي. وبالتالي، فكيف لها أن توفر الخدمة للمصابين فيما لو تفشى الفيروس، وازداد عدد المصابين في مساحة محصورة ومحاصرة أصلاً.
تحديات اقتصادية أمام الناس والحكومة
نفذ عامة الناس أوامر الالتزام في المنازل لمدة يومين متتاليين تطبيقاً لقرارات الجهات الحكومية، لكنَّها قد لا تخضع لسيناريو البقاء بالحجر المنزلي إذا لم تتوفّر الحاجيات الأساسية للمواطنين العاملين وغير العاملين، خاصة أن مستوى الوضع الاقتصادي في غزَّة وصل لحالة شبه متوقفة، في الوقت الذي تقترب فيه نسبة الفقر من 70 في المئة، وهناك أعداد كبيرة معتمدة على الراتب اليومي في سد متطلباتها المعيشية. لذلك تعمل وزارة الاقتصاد والزراعة على مراقبة المحال التجارية لتتبع الأسعار، كما أنها أعدت خطة لآلية توزيع المستلزمات النباتية والمساعدات تفادياً لنقل العدوى.
تحرك دولي وعربي خجول تجاه غزَّة
مع الإعلان عن حالة الطوارئ داخل قطاع غزَّة، والتحذيرات من انهيار القطاع فيما لو تفشى فيروس كورونا بصورة أكبر، جاء السفير القطري إلى القطاع لبحث سبل احتواء الموقف المتدحرج نحو التصعيد مع الاحتلال، بالتوازي مع الجهود القطرية لتخفيف الأزمات الإنسانية والاقتصادية لسكان القطاع. وأدخلت مصر 10 شاحنات من المساعدات الطبية. وأعلنت جمهورية الصين دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين بمبلغ مليون دولار لصالح المعونة الغذائية لقطاع غزَّة. وطلبت الأمم المتحدة من إسرائيل إعادة ضخ الوقود الممول من قطر لمحطة كهرباء غزَّة على خلفية تسجيل إصابات جديدة بفيروس كورونا، وفق ما قاله منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملاينوف، في الوقت الذي عبّر فيه مدير عمليات الأونروا في غزَّة عن قلقه لتدهور الوضع العام في غزَّة، بسبب حالة المنع التي تمارسها إسرائيل حيال الحالة الإنسانية للقطاع، مطالباً كافة الجهات المعنية بوقف الممارسات العقابية، وفق قوله. وقد أجبرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين على وقف كافة خدماتها، بما فيها المساعدات الغذائية للعوائل المسجلة، عدا الخدمات الصحية الأولية.
كلّ السيناريوهات مفتوحة أمام توقع لما ستؤول إليه الحالة في قطاع غزّة، إذا أفلتت السيطرة على الوباء، وارتفعت أعداد الإصابات.