غزة ومبادراتها الطوعية في عصر كورونا

مجيء هذا الفيروس كان مناسبة للفت الأنظار، والالتفات لطاقات شبابية قامت بمبادرات تلقائية بأشكالها التوعوية الصناعية والإبداعية، فاستطاعت تطوير الخدمات التي تقدمها الطواقم الحكومية، بالإضافة لإيجاد حلول تدعم خطوات احتواء تفشي كورونا في منطقة تعتبر الأكثر كثافة للسكان في العالم.
2020-04-22

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
| fr
محمد عبلة - مصر

الوعي المجتمعي أصبح فطرة لدى سكان غزة، والحاجة إليه حاضرة في الأذهان. وهكذا بخصوص فيروس يحمل سمة التفشي - وسيُهْلك من يهلك - إذا لم يُسيطر عليه في مدينة تفتقر لأبسط أساسيات المعيشة، قبل أن تمتلك مقومات الوقاية الصحية لساكنيها.

يبدو أن مجيء هذا الفيروس كان مناسبة للفت الأنظار، والالتفات لطاقات شبابية قامت بمبادرات تلقائية بأشكالها التوعوية الصناعية والإبداعية، فاستطاعت تلك المبادرات تطوير الخدمات التي تقدمها الطواقم الحكومية، بالإضافة لإيجاد حلول تدعم خطوات احتواء تفشي كورونا في منطقة تعتبر الأكثر كثافة للسكان في العالم.

الحاجة أمُّ الاختراع

فور الإعلان عن وجود إصابات بفيروس كورونا في فلسطين، وحتى من قبل أن يصل إلى القطاع المحاصر، تعددت الأفكار:

- تطبيق التتبع QR

تصميم QR هو عبارة عن خوارزمية تكنولوجية عكف عليها ثلاثة شبان من خريجي الجامعات المحلية. المهمة الأساسية له تحديد أماكن الأشخاص في المساحات العامة وحركة تجولهم، بواسطة التقاط صورة لأدمن QR يمكن بواسطتها معرفة الحالة المصابة، وتتبع سير حركتها في الأماكن التي يتنقل فيها الهدف. وستُستخدم هذه البرمجية للكشف عن حالات الإصابة بالفيروس والمخالطين لهم، للحد من انتشار الفيروس، وتسهيل عملية التعرف على الحالات المصابة. ويمتاز هذا التطبيق بفعاليته دون استخدام الإنترنت، وقد عمِل المصممون على تطوير الاختراع من خلال تمكين وزارة الصحة من نشر الأخبار الموثوقة والإرشادات التوعوية عليه، بالإضافة إلى خاصية الأرشيف الطبي، والتي يمكن استخدامها في حالة الطوارئ المرضية الأخرى، وذلك بالمتابعة مع بعض الأطباء عبر التطبيق، وبوجود سجل خاص لكل مريض. التطبيق أخذ موافقة الاعتماد من قبل وزارة الصحة في فلسطين فور الإعلان عنه، وتواصلت جهات خارجية مثل سويسرا مع أصحابه، وعُرض عليهم شراء الفكرة واستخدامها لكنهم رفضوا البيع: "أساس الفكرة إنساني، لا نريد بيعها، نريد أن تُستخدم للكل". وأبدت الأردن استعدادها لاحتضان الفكرة، كما عملت جهات دولية في القطاع على ذلك.

- صناعة أجهزة التنفس في غزة

النقص الحاد عالمياً في أجهزة التنفس بسبب جائحة كورونا، دفع مهندسين ومتطوعين في غزة للعمل على إيجاد بدائل مشابهة، وإن كانت بسيطة الصنع .إلا أنَّه يمكن من خلالها اجتياز مرحلة الخطر في حال تفشى المرض، حيث عمل مهندسان غزاويان على مشروع اختراع جهاز تنفس صناعي، يمكن أن تلجأ إلى استخدامه الجهات الرسمية في حال الحاجة لذلك، وازدياد أعداد المصابين. الجهاز صُنع من أدوات بسيطة أغلبها متوفر في الأسواق: موتور مساحات، ووحدة صغيرة مختصة بضخ الهواء، بالإضافة إلى معدات خاصة للتحكم بالسرعة وبعض الإضافات الأخرى. وهو، بمبلغ لم يتجاوز 200 دولار، أُثبت فعاليته. وقد أشيد بعمل الجهاز من قبل الجهات الصحية بعد تجربته، ويمتاز الجهاز بعمله لعدة ساعات في حالة انقطاع الكهرباء كونه يشتغل على بطارية خارجية. ويمكن للقائمين على المشروع توفير 60 في المئة من الاحتياجات التي قد تفرضها الأزمة خلال وقت قصير.

- خوارزمية الكشف عن فيروس كورونا

سيساعد هذا الابتكار على الكشف المبكر لحالات الإصابة بكورونا خلال دقيقة واحدة فقط، خاصة في ظل عدم المقدرة على أخذ عينات PCR الخاصة بالفحوصات الطبية في بعض الأحيان، وارتفاع تكلفتها. البرمجية استخدمها مستشفى في إيطاليا، وهي حينئذ شخّصت 713 إصابة بالفيروس من أصل 3000 شخص بدقة 83 في المئة. ابتُدع هذا الابتكار في غزة من قبل الشاب محمد أبو غوش، الذي ارتكز على خوارزميّة التصوير الإشعاعي للكشف عن الحالات المصابة. وتعمل الخوارزمية على استقبال ثلاثة أنواع من الأشعة: السينية، المقطعية، وأولترا ساوند – Ultrasound، يتم إدخالها على تقنيات تكون مهامها الكشف عمَّا إذا كانت الحالة مصابة أم سليمة، من خلال المقارنة بين صور لرئتي المصاب والسليم، أو الذي يعاني من التهاب عادي. فالبرنامج يحتوي على 55 ألف صورة متنوعة (CT-Ultrasound-x-ray) لأشخاص مصابين بالفيروس، تمّ جمعها من 13 دولة أوروبية ودولتين عربيتين، كما أنَّ البرنامج يحتوي على 30 ألف صورة للاتهاب الرئوي وللمدخنين، يتم المقارنة بينها خلال الفحص، ويمكن للبرنامج العمل بآلية التنقل، واستخدامه في الحجر الصحي للكشف عن حالات الإصابة. ويُعمل على تطوير البرنامج من خلال الكشف عن الإصابة بواسطة الحنجرة، لتكون أكثر سرعة في الحصول على النتيجة. وحول إمكانية تفعيل البرنامج في قطاع غزة، واجهت محمد إشكالية عدم توفر سوى جهاز وحيد ديجيتال متنقل لتصوير الأشعة CT X-RAY وهو موجود في المستشفى المركزي "الشفاء"، الذي لا يمكنه الاستغناء عنه. لكن وزارة الصحة أبدت استعدادها لتوفير جهاز آخر ليتمكن من استخدامه للمساعدة في الكشف عن الحالات المصابة.

عند الشدائد تظهر المعادن

ما عاد بمقدور أغلب الناس توفير أساسيات حاجاتهم اليومية، طالما كانوا يعتمدون على الرزق اليومي، في منطقة محاصرة تعاني من عدة تحديات اقتصادية. لكن غزة صاحبة الدروب الطويلة في المعاناة، وهي في كل مرة تثبت مدى قدرة أبنائها على الوقوف معاً عند الحاجة. ففور الإعلان عن حالة الطوارئ، ظهرت الطاقات الشبابية من خلال قيادة هؤلاء للحملات التطوعية الإنسانية والمجتمعية، لسدّ ثغرات كبيرة قائمة في الحالة الراهنة.
أخذ النشطاء على عاتقهم بجدية العمل للمساعدة، فأطلقوا عدة مبادرات، من بينها:

- "الكل للكل"،والتي جاءت من منطلق المسؤولية المجتمعية في غزة، لتأمين مخزن للإمداد اليومي من أجل إسناد مراكز الحجر الصحي، وبعض الاحتياجات الضرورية لوزارة الصحة، والأسر الفقيرة. تعتمد هذه المبادرة على القطاعات الخاصة من شركات ورجال أعمال، وتقوم على جمع التبرعات بشكل يومي، وتوزيعها بشكل منتظم من خلال التنسيق مع الجهات الحكومية. وتحاول المبادرة الاستمرار بتقديم المساعدات لأطول فترة ممكنة.

- "أبناء البلد"، هدفت هذه الحملة إلى تقديم الدعم للأسر التي يتم حجرها صحياً، كما وتعمل على تقديم الإرشادات التوعوية للمواطنين، وبادرت إلى تحسين أماكن الحجر الصحي في جنوب القطاع بعد أول ظهور لها بإمكانيات متواضعة، وعمل الشباب القائمون عليها على تقديم وجبات الطعام لبعض العوائل المحتاجة، وتوزيع المعقمات الوقائية من الفيروس.

- "عيلة واحدة"، أطلقت المبادرة من قبل موظفين يتبعون للحكومة التي تديرها حماس، وهي تتمثل بتبرعهم بجزء من مستحقاتهم المتراكمة لدى الحكومة لصالح الأسر الفقيرة، والعمال اليوميين المتوقفين عن العمل، بحيث يوزع لكلّ عائلة قرابة 60 دولار(200 شيكل). تجاوز إجمالي تبرعات الموظفين 400 ألف دولار. وبحسب القائمين على الحملة فإنَّ المساهمة جاءت طوعية، وهم يسعون لإيصال إجمالي التبرعات لمليون شيكل توزع على 5 آلاف أسرة فقيرة.

- "تكية الخير"، يعمل القائمون عليها على جمع الملابس المستعملة وإعادة توزيعها على الأسر الفقيرة والمحتاجة، بعد غسلها وكيها. الحملة بدأت قبل إعلان حالة الطوارئ، لكنها نشطت مع بداية الجائحة، فباتت تستقبل الأجهزة المستعملة وكل ما يمكن الاستغناء عنه من قبل العائلات المتبرعة، وتتم إعادة توزيعها للمحتاجين وخاصة العمال المتوقفين عن العمل.

مقالات ذات صلة

-الأعراس حُوّلت لمساعدات إنسانية. كان أول من بادر إلى ذلك هو الشاب عبد الرحمن حمدان حينما قرر أن يختصر طقوس فرحه، وعمل على استبدال التكاليف المرصودة بشراء طرود غذائية، وزعها في أول ليلة لزواجه على العوائل المحتاجة، لتتمكن من الصمود في ظل حالة الركود التي يعيشها سكان غزة، واستكمل مع زوجته في اليوم الثاني إمداد الأسر الفقيرة بالسلال الغذائية...

للكاتب نفسه