"البرصاية" جدل السودان السياسي الجديد

أختارت السيدة عزة عبد الرحمن المرشحة لرئاسة الجمهورية في السودان، التي تبدو الأكثر حظاً للفوز، منطقة البرصاية في ولاية جنوب كردفان لإطلاق حملتها الانتخابية. في خلفية مكان الاحتفال صورة كبيرة تعود الى قرابة نصف قرن من الزمان، تضم النائب الأول لرئيس الجمهورية وقتها، علي عثمان محمد طه، يفتتح أول حقل لإنتاج النفط في السودان في العام 2012، وذلك بعد انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة قبل ذلك
2014-03-26

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك

أختارت السيدة عزة عبد الرحمن المرشحة لرئاسة الجمهورية في السودان، التي تبدو الأكثر حظاً للفوز، منطقة البرصاية في ولاية جنوب كردفان لإطلاق حملتها الانتخابية. في خلفية مكان الاحتفال صورة كبيرة تعود الى قرابة نصف قرن من الزمان، تضم النائب الأول لرئيس الجمهورية وقتها، علي عثمان محمد طه، يفتتح أول حقل لإنتاج النفط في السودان في العام 2012، وذلك بعد انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة قبل ذلك بعام. ويلاحظ في تلك الصورة ان كلمة «البرصاية» تبدو مختلفة عن بقية شكل الكلمات وكأنها أضيفت على عجل وبخط اليد. وهو ما حدث فعلا. فحتى قبل بدء الاحتفال، كان الاسم الرسمي للحقل هو «النجمة»، لكن أهالي المنطقة أصروا على ابراز اسم منطقتهم والا عطلوا الاحتفال.
تلك الحادثة شكلت ركناً أساسياً في برنامج ابنة المنطقة عزة، الذي لا يقوم على بذل الوعود كما هو الحال مع ساسة المدينة، وإنما على دعوة القوى الحية من النساء والشباب والمنتجين في المناطق الريفية الى لعب دور أساسي في تشكيل الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، والاصرار على حقوقهم وعدم انتظار الفتات من المركز. وتذهب المرشحة عزة في تحليلها الى القول إن ما حدث في البرصاية تكرر بعد ذلك بصور مختلفة في ليبيا عندما أصر اقليم برقة على نصيبه في ثروة البلاد النفطية، وكذلك في العراق الذي أصر أكراده ان تكون لديهم سيطرتهم المستقلة على مواردهم النفطية، وكل ذلك فرض واقعاً جديداً على الصناعة النفطية العربية يتقاطع ويختلف عما كان سائدا خلال المئة عام السابقة عندما كانت تلك الصناعة تدار بصورة مركزية.
السيدة عزة ليست المرشحة الأولى للرئاسة في تاريخ السودان، فقد سبقتها أخريات خضن التجربة، لكن حملتها الانتخابية تقوم على خطاب يرى انه آن الأوان لتسلم قيادة البلاد التي ظلت مأزومة، الى النساء. وقالت ساخرة في إحدى مقابلاتها التلفزيونية إن القيادة النسائية لن يكون أداؤها أسوأ مما فعله الرجال بالسودان. ففي عهدهم انفصل جنوب السودان وراجت دعوات لحق تقرير المصير في كل من دارفور وشرق السودان.
النقطة الرئيسية التي تركز عليها المرشحة عزة انه بسبب أحداث العنف المتواصلة في السودان وعمليات النزوح والهجرة الداخلية، بسبب الجفاف والتصحر وضعف أو غياب المؤسسات الحديثة والتقليدية، فإن العبء وقع على المرأة للحفاظ على الاسرة بمختلف الصور، وهو ما دفعها الى تأكيد استقلالها الاقتصادي عبر مختلف المهن الهامشية في البداية. ومع دخول أجيال جديدة الى سوق العمل أصبح الوجود النسوي رئيسياً في تشكيل الحياة العامة في البلاد، كونهن يمثلن نسبة أكبر من النصف في الوظائف العامة في الدولة والى حد كبير في القطاع الخاص، وهو ما وجد تعبيره السياسي في النص على أن تصبح ربع مقاعد المؤسسات التشريعية مخصصة للنساء، ولو ان النسبة الفعلية تجاوزت ذلك في واقع الأمر، وهو ما يدعو الى أن تصل الامور الى خواتيمها المنطقية وتتولى النساء قيادة البلاد.
ومع ان برنامج المرشحة عزة يشير الى فشل النخبة في المركز ومسؤوليتها في تأزيم أوضاع البلاد بغض النظر عن لونها الحزبي وخلفيتها الفكرية أو عن كونها عسكرية أو مدنية، الا أنها في الوقت ذاته تسجل موقفاً مخالفاً للمعسكر الذي يصطف تحت لافتة الهامش داعياً الى أعمال العنف لاستخلاص حقوق مناطق الهامش وأهلها من المركز. ولهذا يرفع هؤلاء شعار «قسمة السلطة والثروة». وفي نقدها لنظرية تسييد الهامش، تقول المرشحة عزة إن نخبة الهامش تريد في واقع الأمر اقتسام الكعكة مع نخبة المركز، وهذا ما يشير اليه سجل طويل من اتفاقيات أبرمت مع الكثير من قيادات الهامش لكنها لم تنعكس واقعا أفضل على أهل ذلك الهامش.
وهي ترى في ما جرى في منطقة البرصاية من إصرار أهلها على إطلاق اسم منطقتهم على الحقل النفطي مؤشرا على أخذهم حقوقهم بأيديهم، لا لمصلحة قيادات تسعى الى الالتحاق بالمركز. ولهذا، وبدلا من عبارة «قسمة السلطة والثروة»، تطرح عزة في برنامجها فكرة سيطرة قوى الهامش على مقدراتها في المستوى القاعدي وتوليد الثروة قبل تقسيمها لمصلحة المنتجين في الأساس.
أحد الأعمدة الرئيسية في برنامج المرشحة، وينقله إلى أرض الواقع، يتمثل في الاهتمام بقطاع الصمغ العربي. فهو منتج للسودان فيه ميزة نسبية، ويدخل في صناعات الأدوية والحلويات وغيرها. وتسهم أشجار الهشاب والطلخ التي يُنتج منها الصمغ في توفير حماية طبيعية للبيئة، فإن أكثر من 65 في المئة من القوى البشرية العاملة في إنتاج وجمع الصمغ هي من النساء، وهي نسبة قابلة للزيادة فيما لو تحسنت وسائل وأدوات الإنتاج والجمع والفرز. وأي تحسن في هذا الجانب،إضافة لتقليص عدد الوسطاء، يمكن أن ينعكسا تحسناً في العائد الذي يحصل عليه المنتجون مما يساعد في ترقية أحوالهم المادية والاجتماعية.
وفي واقع الأمر، فإن لها برنامجاً طموحاً من أهم عناصره العمل على إعادة تصنيف الصمغ العربي عنصراً غذائياً، لا مادة مضافة فقط، وهو ما يتطلب جهداً ديبلوماسياً وأكاديمياً ضخماً حتى يمكن انجاز إعادة التصنيف هذه عبر المؤسسات الدولية، مثل منظمة الأغذية والزراعة العالمية، أو الصحة، ومؤسسات التصنيف الأميركية والأوروبية. واذا اكتملت هذه العملية، فإنها تفتح الباب أمام استخدامات لا حصر لها وفتح سوق ضخم بمليارات الدولارات يمكن أن ينعكس على الحياة اليومية لأهل الهامش ومعه بقية أهل السودان. فتحسن صحة وأوضاع أهل الريف والهامش يشكل الأساس لتحسن أوضاع السودان عموماً. وهذه هي ملامح البرنامج المخالف الذي تطرحه المرشحة عزة عبد الرحمن ويشكل نقلة في النقاش السياسي للبلاد.

مقالات من السودان

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...