البنية التحتية في قفصة ببلاد تونس

ابتسم السائق وخاطبني "انها تربصات الجيولوجيا أو لنقل الاركيولوجيا في مكان يعود الى حضارة ما قبل التاريخ كما تعلم، فقفصة مأهولة بلا انقطاع منذ العصر الحجري الأول. إنها الحفريات"! بينما هي لم تكن سوى حفر عشوائية في كبرى مدن الجنوب الغربي التونسي تلك، ومقر الولاية، ونقطة تقاطع طرق أساسية، ليس فحسب لتونس، وانما للتنقل البري إلى ليبيا والى نقاط أخرى من أفريقيا. وفي قفصة، التي تبعد
2013-11-18

حسان حاجبي

باحث من تونس


شارك
أسواق مدينة قفصة

ابتسم السائق وخاطبني "انها تربصات الجيولوجيا أو لنقل الاركيولوجيا في مكان يعود الى حضارة ما قبل التاريخ كما تعلم، فقفصة مأهولة بلا انقطاع منذ العصر الحجري الأول. إنها الحفريات"! بينما هي لم تكن سوى حفر عشوائية في كبرى مدن الجنوب الغربي التونسي تلك، ومقر الولاية، ونقطة تقاطع طرق أساسية، ليس فحسب لتونس، وانما للتنقل البري إلى ليبيا والى نقاط أخرى من أفريقيا. وفي قفصة، التي تبعد 350 كيلومترا عن العاصمة، مطار دولي. ويبلغ عدد سكان المدينة حوالي مئة ألف نسمة بينما هم أربعة أضعاف هذا الرقم في مجموع الولاية.
وهي منطقة الفوسفات الذي يعتبر إنتاجا أساسيا في الاقتصاد التونسي، وفيها أكبر مناجمه (ينتج حوالي 7.5 ملايين طن في العام)، ما يجعل تونس رابع منتج عالمي لهذه المادة. وهي رغم ذلك منطقة منكوبة بالبطالة ومهملة كثيرا، وقد اشتهرت بالتحركات الاحتجاجية والمطلبية التي عرفت باسم "انتفاضة الحوض المنجمي" في 2008، واستمرت لستة أشهر وسط قمع بوليسي شديد. وتعتبر تلك الانتفاضة وما صاحبها من تنظيم ذاتي وتجذر، علامة كبرى على ما سيجري بعد ذلك بأقل من ثلاث سنوات، ويطيح بن علي وجماعته.
لن تجلس في الحديقة الصغيرة التي تتوسطها أربعة كراسيّ، فمنذ الصباح الباكر احتلها المتسولون، وإن جانبتهم فسيخبرونك أنهم "عمال حظائر طردوا من العمل ويبحثون عن مال للعودة لديارهم"، وقد يخبرك أحدهم أنه يبحث عن صدقة جارية لبناء مسجد! بجانب سور الحديقة تستقل تاكسي لتزور حيّ "الدوالي" حيث هضبة من أحجار متفحمة وقواقع متحجرة تعود إلى تاريخ سحيق في القدم. يفاجئك عدد المطبات في الطريق الرئيسي. ودون سؤال، يخبرك سائق التاكسي أن البلدية تفطنت لتسرب للمياه و"عملت جاهدة للتصدي له"، فحفرت خندقا وأصلحت العطب، لكنها انصرفت وتركت أكوام الأتربة والحفر تعيق حركة المرور.
يقهقه النادل في المقهى قائلا: "نحن بلاد المناجم والخنادق اليس كذلك؟ حفرة لكل مواطن". البنية التحتية أصبحت شعار الحراك الاجتماعي في قفصة، والشعار هو المطالبة بعشرين في المئة من عائدات الفوسفات للمدينة التي تعاني من التلوّث والازدحام والسكن العشوائي. ومن أنشطة المجتمع المدني التي تناولت المسألة، المائدة المستديرة التي عقدتها منظمة "أنا يقظ" تحت عنوان "البنية التحتية بين الفساد والتنمية".
وفي نطاق أشمل، فقد استضافت تونس لأول مرة أشغال "المؤتمر الدولي للبنية التحتية لشمال أفريقيا" بمشاركة عدد من المؤسسات الأوروبية وخبراء من تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا. وتطرق المؤتمر لمشكلات المياه والنقل الحديدي والطاقات المتجددة والتطهير والبيئة...
ورغم أن عنوان "البنية التحتية" أصبح يتصدر بعض المنابر، إلا أن واقع مدينة قفصه بقي على حاله: فسيفساء نُسجت من تجمع الفضلات تحاذي الطرق، ومن مستنقعات مياه راكدة ساهمت في انتشار الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات والبعوض، ومن انتشار باعة متجولين في غياب ساحات مهيأة لإيوائهم، إضافة إلى حالة المدينة العتيقة التي تساقطت جدران بيوتها نتيجة للإهمال وغياب الصيانة الدورية.         

مقالات من تونس

للكاتب نفسه

السكن في تونس وأزمة الرهن العقاري

حسان حاجبي 2015-07-23

خلال الأربع سنوات الأخيرة، طرحت في تونس اسئلة "جديدة" تتعلق بالسكن: فهل أزمته مشابهة لازمة المليون عقار المعد للبيع دون مشترٍ في اسبانيا؟ الأرقام في تونس اشارت الى نصف مليون....