ليست شتيمة، مع أن حكام مصر يستحقون الغضب والشتم بسبب ما يفعلونه بـ"البهية". بل هو توصيف يتوخى الدقة العلميّة لهذا الذي يخيم الآن فوق "أم الدنيا". يُعرَّف إرهاب الدولة بأنه "ترهيب تمارسه سلطة ما على مواطنيها كوسيلة للحكم"، وهو يهدف الى "كسر شوكة المعارضين بفضل إجراءات قصوى والاخافة الجماعية"، ويعتبره كبار منظري الدولة أنه يفقدها شرعيتها. وعلامات ممارسة إرهاب الدولة هي "المحاكم المتسرعة، والتعذيب، والخطف، والتصفية خارج القانون".. فهل ينقص أي شيء من هذه في طريقة حكم المشير السيسي؟
منذ يومين أوقف مسلحون ملثمون المغرد المشهور وائل عباس، وهو اختفى مذاك. كانوا بصحبة رجال من الشرطة. هل تتأسس "كتائب موت" في مصر كما كان موجودا في بلدان من أميركا الوسطى والجنوبية في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الفائت.. وهي مستوحاة من ممارسات اتبعها جيش الاحتلال الفرنسي أثناء محاولاته قمع انتفاضة الجزائر بل واشتغل عليها منظروه، ولكنها كانت ممارسة كولونيالية تطال شعباً آخر، فيما الكولونيلات في تلك البلدان طبقوها على مواطنيهم مثلما يفعل اليوم المشير السيسي.
هل نذكر جوليو ريغيني الذي اشتهر لأنه "أجنبي"، أم عشرات الشباب الذي اختفوا وعادوا، مثله، للظهور جثثاً عليها آثار تعذيب، أم مئات المخفيين قسرياً ولم يظهروا بعد، أم العشرة آلاف مصري الذين مروا بتجربة ما صار إسمه "الحبس الاحتياطي" (بلا محاكمة، ويتجدد كل 45 يوماً) في ثلاث سنوات بين 2013 و2016...؟ هل نذكر المصور الصحافي المبدع شوكان، الذي يُهدَّد بين الفينة والاخرى بالاعدام لأنه صوّر مجزرة رابعة، أي مارس مهنته كمصور صحافي؟ هل نذكر هيثم محمدين، الشاب الذي اعتقل منذ أيام بتهمة التحريض على الاحتجاج على رفع ثمن بطاقات مترو الانفاق (مرتين ونصف دفعة واحدة!).. بحيث أن مصر تصنف من قبل منظمات حقوق الانسان وهيئات حماية الصحافة العالمية كثالث بلد في العالم في اضطهاد الصحافيين، بعد الصين وتركيا.
لن نذكر قصة اسماعيل الاسكندراني زميلنا الذي حكم، كذلك منذ يومين بعشر سنوات حبس لأنه "أفشى أسراراً عسكرية". نحن نعرف أنه تناول بالنقد خطة الجيش المصري وممارساته في سيناء، وقال إنها لن تؤدي الى القضاء على الارهاب بل هي فعلياً تؤججه. فهل السر العسكري يكمن في هذه النقطة تحديداً، وكشفه إسماعيل من دون أن يدري؟ كما جرى اتهامه بانه ينتمي لتنظيم الاخوان المسلمين "المحظور"، ونحن نعرف اسماعيل جيداً وشخصياً، ونعرف أنها تهمة كاذبة، حتى وإن كنا لا نعتقد أن الانتماء لتيار سياسي أو حزب هو جريمة.
"هنا نفعل أشياء لا تصدّق"
07-09-2017
لم يصمد في أي مكان حكم يستند الى إرهاب الدولة. وما زالت القصص البشعة التي مورست في بلدان أميركا اللاتينية تلك تتكشف حتى اليوم ويلاحق مرتكبيها إما بالمحاكمات او باللعنات لو كانوا توفوا. ولا يخترع المشير السيسي شيئا جديداً ولا هو بقادر على الوصول في جنوحه ذاك الى مستويات الكولونيل الارجنتيني فيديلا، ولا الى اشباهه في البرازيل أو البيرو والشيلي والاورغواي وبوليفيا والاكواتور.. وهي كلها مصنفة كثورات مضادة أعقبت فترات تحرك تحرّري وثوري، وهي كلها تأسست على خلفية أزمات اجتماعية طاحنة، وهي كلها اعتدّت بالحفاظ على "الأمن الوطني" لتبرير ممارساتها، وهي كلها زالت ملعونة، بعدما تسببت بمآسي تقشعر لها الأبدان. وكذلك سيزول إرهاب الدولة في مصر.. بلا شك!