الاقتصاد الموازي في تونس: هل هو فعلاً "موازي"؟

كلمة "موازي" تفقد معناها في بعض المناطق التونسية بل وتثير السخرية، فالاقتصاد المهيكل يصبح هو "الموازي" أحياناً!
همام السيد - سوريا

تم دعم هذه المطبوعة من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

اقتصاد موازٍ، اقتصاد الظلّ، اقتصاد رمادي، اقتصاد غير مهيكل.. تتعدد التسميات ولكن المسمّى واحد: أنشطة اقتصادية ومداخيل غير مصرّح عنها لا تخضع للرقابة وللأداءات والضرائب. أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الاقتصاد الموازي هو التهريب، لكن هذا النشاط لا يمثّل الاّ جزءاً من ظاهرة متعددة الأوجه. ينسى الكثيرون أو "يتناسون" مسألة التهرّب الضريبي التي تمارسها الشركات والمحلات التجارية والحرفيين وأصحاب العقارات المؤجرة من دون عقود وغيرهم كثر. كما لا يبدو ان الكثيرين يعون أن تشغيل العمال بدون عقود أو تغطية اجتماعية وصحية هو أيضاً يدخل في خانة الاقتصاد الموازي: مئات آلاف التونسيين يعملون في الحقول وحظائر البناء والورشات والمصانع الصغيرة والمطاعم والمقاهي بدون أن يصرح عنهم صاحب العمل. كل هذا دون الحديث عن الأنشطة ذات الطابع الاجرامي أو غير "الأخلاقي" مثل الاتجار بالمخدرات أو بالجنس، وشبكات تهريب البشر والمتاجرة بهم، وتهريب الأثار، وعصابات السرقات الكبرى، الخ..

يستحيل تعريفاً تقديم أرقام دقيقة، لكن كل التقديرات تتفق أن هناك تزايد مستمر لحجم وأشكال الاقتصاد الموازي في تونس. كلمة "موازي" تفقد معناها في بعض المناطق التونسية، بل وتثير السخرية، فالاقتصاد المهيكل يصبح هو "الموازي" أحياناً.

تقديرات ومؤشرات


يساهم الاقتصاد الموازي بنسبة 38 في المئة (أرقام رسمية 2015) من الناتج الداخلي الخام، وحسب "منظمة العمل الدولية" (2015) فهو يشغِّل قرابة 75 في المئة من الشباب بين 15 و29 سنة.

أرقام وزارة المالية لسنة 2016 تقول إن الأجراء يساهمون بـ83 في المئة من مداخيل الجباية، فيما  لا يتجاوز نصيبهم من الثروة  26 في المئة، مما يعني أن الذين يسيطرون على الثروات لا يدفعون الا جزءاً ضئيلاً من الفاتورة الجبائية.

يبلغ عدد مؤسسات "الأوف شور" في تونس 28 ألف مؤسسة، منها آلاف لا تشغل أحداً، وهي إحدى الأسباب التي جعلت الاتحاد الأوروبي يضع اسم تونس ضمن القائمة السوداء للجنّات الضريبية.


هناك تقديرات تصدرها الحكومة وأخرى تصدرها منظمات محلية أو دولية. تختلف هذه التقديرات لكنها تجمع على أن الاقتصاد الموازي يساهم على الأقل بنسبة 38 في المئة (أرقام رسمية 2015) من الناتج الداخلي الخام. حسب دراسة قامت بها "منظمة العمل الدولية" سنة 2015، فإن الاقتصاد الموازي يشغِّل قرابة 75 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وتبلغ النسبة 54 في المئة من مجموع القوى العاملة في القطاع الخاص حسب البنك الدولي (أرقام سنة 2013).

بالطبع، تلك النسب معدل عام "مخادع"، فهي قد تكون أقل بكثير في بعض المناطق المرفهة، لكنها بالتأكيد أعلى بكثير في المناطق الحدودية جنوب البلاد وغربها. حسب أرقام "المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية" الواردة في دراسته حول "ظاهرة التجارة الموازية والتهريب بالفضاء الحدودي التونسي ــ الليبي" (تشرين الثاني/ نوفمبر 2017) فإن 77.6 في المئة من التونسيين يشترون السلع المهربة و76 في المئة من السلع الموردة من ليبيا تمرّ عبر قنوات التهريب.

أما "مركز جسور للسياسات العامة" (وهو خلية تفكير تونسية تضم ثلّة من الباحثين والخبراء في علوم الاقتصاد والعلوم الاجتماعية)، فهو يقدم أرقاماً أكثر تفصيلية في تقريره المعنون "الاقتصاد الموازي في تونس" (حزيران/ يونيو 2016)، سواء تعلّق الأمر بالتهريب أو بالتهرّب الضريبي. وحسب التقرير فإن عائدات التهريب تصل إلى ما يقارب 2 مليار دينار تونسي سنوياً، وهي موزعة كالآتي: 750 مليون دينار للمحروقات، 300 مليون دينار للتبغ، 450 مليون دينار أجهزة كهربائية وقطع غيار وإطارات الشاحنات والسيارات وسلع غذائية، 500 مليون دينار أجهزة الكترونية وملابس واحذية ومواد تجميل وعطور. طبعاً لم يتم احتساب مداخيل تهريب السلاح والذهب والنحاس والكحول الفاخرة والسيارات الفارهة المسروقة، لأنه من الصعب جدا تقدير حجمها.

هذه الأرقام تتطابق تقريباً مع تلك التي وردت في تقرير "البنك الدولي" المعنون: "تقديرات حول التجارة الموازية عبر الحدود التونسية" (صدر بالإنجليزية في كانون الأول/ ديسمبر 2013) والتي تقدر حجم التجارة الموازية ما بين 1.8 و2.4 مليار دينار تونسي موزعة كالآتي: ما بين 0.6 و1 مليار دينار عبر الحدود الليبية ــ التونسية وما بين 1.2 و1.4 مليار دينار عبر الحدود التونسية ــ الجزائرية. الأرقام تخصّ سنة 2012 وهي تستند الى عمل ميداني أجري من معبر "راس جدير" في أقصى الحدود التونسية لجهة ليبيا وصولاً الى "القصرين" الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية.

أرقام وزارة المالية لسنة 2016 تقول إن الأجراء يساهمون بـ83 في المئة من مداخيل الجباية، على الرغم من أن نصيبهم من الثروة لا يتجاوز 26 في المئة مما يعني بكل بساطة ان الذين يسيطرون على أغلب الثروات لا يدفعون الا جزءاً ضئيلاً من الفاتورة الجبائية. اما الاتحاد العام التونسي للشغل فيقدّر حجم التهرب الضريبي ما بين 5 الى 7 مليار دينار سنوياً. وحسب تقرير مشترك انجزه كل من محمد الهدار رئيس الجمعية التونسية للاقتصاديين ومصطفى بوزيان الأخصائي في الاحصائيات بعنوان "تكريس العدالة الجبائية وتعبئة الموارد النظيفة" (نشر بالفرنسية في تشرين الأول/ اكتوبر 2017) فإن هناك 2.323 مليون شخص طبيعي ومعنوي (شركات) يصرحون بمداخيلهم: منهم 1.945 مليون أجير والبقية أصحاب عمل وشركات. ومن جملة 136 ألف مؤسسة هناك 63 ألف لم تصرح بمداخيلها بتاتاً في حين صرحت 32 ألف مؤسسة انها رابحة وصرحت 16 ألف مؤسسة انها لم تحقق أرباحاً في حين صرحت 26 الف مؤسسة انها تعاني عجزاً. من بين 414 الف متمتع بالنظام الضريبي التقديري (أغلبهم حرفيون وأصحاب محلات مواد استهلاكية) فقط 47 في المئة يصرحون بمداخيلهم التي تبلغ 36 مليون دينار، أي ما يعادل 0.2 من مداخيل الجباية عموماً. وحسب هذه التصاريح الضريبية، فإن أغلبهم يعاني فقراً مدقعاً.. والحال أن بعض التدقيق في ممتلكاتهم سيفند هذه المغالطة.

عائدات التهريب تصل إلى ما يقارب 2 مليار دينار سنوياً، وهي تتوزع على المحروقات والتبغ والأجهزة الكهربائية وقطع الغيار وإطارات الشاحنات والسيارات وسلع غذائية وأجهزة الكترونية وملابس واحذية ومواد تجميل وعطور. ولم يتم طبعاً احتساب مداخيل تهريب السلاح والذهب والنحاس والكحول الفاخرة والسيارات الفارهة المسروقة، لأنه من الصعب جداً تقدير حجمها.

تحليل بيانات قام به موقع "انكيفادا" حول التهرب الضريبي في تونس لدى أصحاب المهن الحرة (بصفة خاصة الأطباء والمحامين والمهندسين المعماريين) يبين كيف حتى أن المهن "المحترمة" ليست مقصرة ابداً في مجال "الاقتصاد الموازي". 60 في المئة من المحامين لم يصرحوا بمداخيلهم سنة 2015، وكذلك لم يفعل 48 في المئة من المهندسين المعماريين و25 في المئة من أطباء الممارسة الحرة. لا يتوقف الخلل عند هذا الحد، بل يتجاوزه أصلاً الى قيمة المداخيل المصرح بها، والتي يبين التحليل كيف ارتفعت نسبة الممارسين للمهن الحرة بنسبة 7 في المئة ما بين 2014 و2015 في حين تناقصت العائدات الجبائية من هذه القطاعات بنسبة 7 في المئة. أي ان هناك اختلال كبير وعدم تصريح بالمداخيل الحقيقية.

هذا من دون الحديث عن المؤسسات "الأوف شور" والتي يبلغ عددها 28 ألف مؤسسة منها آلاف لا تشغل أحدا (وهي إحدى الأسباب التي جعلت الاتحاد الأوروبي يضع اسم تونس ضمن القائمة السوداء للجنات الضريبية)، ولا عن التونسيين أفراداً وشركات الذين وردت أسماؤهم في وثائق "سويسليكس" و"بنما بيبرز".

التهريب: صداع مزمن أم خبز يومي؟

التهريب هو الشكل الأبرز للاقتصاد الموازي، بل هو المرادف له في أذهان أغلب الناس على الرغم من أن "عائداته" لا تمثل الا ثلث حجم الاقتصاد الموازي. ويُفترض انه ظاهرة "خفية" لكن وجوده ملموس بشكل كبير في الحياة اليومية للتونسيين، وفي كامل أرجاء البلاد.

طيلة سنوات كان التونسيون ــ حتى المواطنون العاديون ــ يسمعون ويقرأون عن كبار المهربين ويعرفون أسماءهم (أو بالأحرى كنياتهم). فمثلاً هناك "وشواشة" واخوته "ملوك الصحراء"، الذين يديرون امبراطورية تهريب عائلية بمنطقة "بن قردان" ويتاجرون بكل شيء تقريباً، من المواد الغذائية، مروراً بالأجهزة الإلكترونية، وصولاً إلى الأسلحة.. مع شبه احتكار لسوق الألعاب النارية. الكثير من الأسماء الأخرى كانت تتردد في وسائل الإعلام مثل "معيز" (حسين) تاجر السلاح ومهرب البشر (إرهابيون أساساً) الذي ينشط على الحدود التونسية ــ الليبية الساحلية، أو "الشيخ" (علي القريوي) أو "المبحبح".. وهم مهربو محروقات وسلاح في منطقة الغرب المحاذية للجزائر.

طيلة سنوات أيضاً، كان التونسيون يسمعون عن فساد وفضائح موظفين في الجمارك وشرطة الحدود في المطارات والموانئ والمعابر البرية، وعن الرشى النقدية والعينية التي يتلقونها لتمرير السلع المهربة في الحقائب الصغيرة أو الحاويات الضخمة، أو لتغيير صفتها في الأوراق الرسمية لكي تدفع ضرائب وأداءات أقل. وحدها الحكومة وأجهزة الدولة لم تكن "تعرف"، أو يبدو أنها كانت تعتقد أن أباطرة التهريب هم أولئك الفتيان والشبان الذين يقضون اليوم في الشارع لبيع بعض علب السجائر أو الأشياء الرخيصة الأخرى، أو أولئك الذين يبيعون "ايسونس ليبيا" (البنزين) في اكواخ قريبة من الطرقات الرابطة بين المدن.

كان يجب علينا ان ننتظر أيار/ مايو 2017 حتى تكتشف الدولة عناوين كبار المهربين وتعتقل أبرزهم في غضون ساعات. كان تلك الجولة الأولى (والأخيرة) من "الحرب على الفساد" التي أعلنها رئيس الحكومة التونسية. انقشع غبار الحرب التي لم تدم الا بضعة أيام لنكتشف ان الحصيلة هي عشرة من كبار المهربين، فيهم من يحتكر الموز أو الفواكه الجافة وبعضهم مختص في تهريب المحروقات والسجائر والنحاس. تمّ أيضا اعتقال موظف سابق في الجمارك وقيادي أمني.. وانتهت الأمور عند هذا الحد.

حرب على الفساد أعلنت فجأة ثم تحولت الى مجرد حملة على بعض المهربين الكبار، مما جعل الكثيرين يشككون في نوايا الحكومة والدولة. فهناك من اعتبر أنها حرب بين "البرجوازية" التقليدية المسيطرة على الدولة (تتركز أساساً في العاصمة ومنطقة الساحل) و"البرجوازية" الجديدة الطفيلية التي كونت ثروات كبيرة في "الأطراف" من التهريب وغيره وأصبحت تريد نفوذاً سياسيا يتناسب مع حجمها الاقتصادي. آخرون اعتبروها انتصاراً لشق في السلطة على شق آخر، خصوصاً أن أبرز اسم في قائمة المعتقلين، وهو "شفيق الجراية"، كان من أكثر السياسيين تنفذاً في تونس، وكان له منافسون وخصوم كثيرون في دوائر السلطة. وما عزز شكوك الكثيرين في جوهر هذه الحرب ان رئيس الحكومة وحزبه كانوا قد استماتوا في الدفاع عن "قانون المصالحة الاقتصادية والإدارية"، وهو بمثابة صك غفران لرجال الأعمال والموظفين الفاسدين الذين ارتكبوا جرائم ومخالفات منذ الاستقلال الى 2011.

مسالك وأساليب التهريب الأكثر انتشارا

عادة، وعندما نتحدث عن التهريب، فإن أول صورة تتبادر للذهن هي المهرّب أو "العصابة" التي تتسلل من منافذ برية وبحرية غير رسمية، مستعملة دواباً وشاحنات أو قوارب خفيفة. هذه الصورة نمطية ولا تعكس "ثراء" هذه الظاهرة وتنوع أساليبها.

التهريب في تونس يتم عبر المنافذ الرسمية والسرية معاً، أرضاً وبحراً وجواً. كما انه ليس في اتجاه واحد - من خارج تونس الى داخلها - بل هو أساساً "تجارة بينية" مغاربية. يفضل المهربون المنافذ البرية غير المراقَبة (الصحراء جنوباً والجبال غرباً)، فهي تمكّنهم من إدخال كميات كبيرة من السلع دون الاضطرار الى التحايل على حرس الحدود والجمارك أو دفع رشى. لكن هناك مهربون كبار يستطيعون تمرير بضاعتهم (القادمة من شرق آسيا أساساً) عبر المنافذ البرية والبحرية الرسمية، اعتماداً على شبكة علاقات كبيرة وتواطؤ من موظفين فاسدين. البعض الآخر يفضل "تجارة الشنطة"، فيقومون بالتبضع في تركيا وبدرجة أقل في الخليج وأوروبا خلال مواسم التخفيضات ثم يعودون محملين بحقائب ممتلئة بالملابس والاكسسوارات والعطور الغالية. يصرّحون ببعض بضائعهم و"يخفون أخرى"، وعندما يتمسك أعوان الجمارك بالتفتيش الدقيق واستخلاص أداءات، فإن هناك حلولاً "ودية" معروفة لإنهاء المشكل والمرور بسلام.

هناك أيضاً نوع آخر من التهريب الذي يغض الجميع الطرف عنه. تهريب موسمي مرتبط بعودة المهاجرين التونسيين من أوروبا لقضاء عطلة الصيف خصوصاً. يأتي المهاجرون من موانئ مرسيليا وجنوة نحو ميناء "حلق الوادي" (قرب تونس العاصمة) مصطحبين سيارات وشاحنات تكاد تنفجر من كثرة الأشياء التي تحتويها. بعض المحتويات تكون متعلقات شخصية وبعضها هدايا للأهل وللأصدقاء، ومنها جزء كبير يتم بيعه خارج المسالك القانونية. الجميع، وأولهم السلطات يعلمون بهذه الأنشطة، لكن لا أحد يريد مضايقة المهاجرين، فهم مصدر مهم للعملة الصعبة، كما انهم يجلبون بضائع غير موجودة في السوق المحلية أو أنها بجودة أعلى وسعر أفضل من المتوفر. تباع هذه البضائع في المنازل وعلى قارعة الطريق وحتى في أسواق مخصصة لها كسوق "الخارج" في محافظة المنستير..

المهرب أو "العصابة" التي يفترض تسللها من منافذ برية وبحرية غير رسمية، مستعمِلة دواباً وشاحنات أو قوارب خفيفة، لا تعكس "ثراء" هذه الظاهرة وتنوع أساليبها. التهريب في تونس يتم عبر المنافذ الرسمية والسرية معاً، أرضاً وبحراً وجواً. كما انه ليس في اتجاه واحد - من خارج تونس الى داخلها - بل هو أساساً "تجارة بينية" مغاربية.

التهريب، كأي نشاط، يتأثر بالسياسة والظرف الاقتصادي وأسعار صرف العملة وغيرها من العوامل. مثلاً الثورة التونسية وما رافقها من ارتباك في أجهزة الدولة خلقت طفرة نوعية في حجم ظاهرة التهريب وجعلتها تأخذ أبعاداً أخرى. الأوضاع الحالية في ليبيا جعلت حركة البضائع المهربة تتغير، وأصبح التهريب في اتجاه ليبيا أكثر من ذاك القادم منها. الحدود الجزائرية ــ التونسية تشهد هي الأخرى تغيرات كبيرة على مستوى اتجاهات وأنواع المبادلات. فالجزائر التي كانت الى حدود تسعينيات القرن الفائت تعيش انغلاقاً اقتصادياً كبيراً ونقصاً في السلع الاستهلاكية، مما جعل العديد من الجزائريين يُقْبلون على البضائع المهربة من تونس، أصبحت اليوم أكثر "انفتاحاً" وصارت "عامرة" بالسلع من كل حدب وصوب. الكثير من التونسيين يقصدون الجزائر ليهرِّبوا منها بضائع استهلاكية، غير المحروقات والسجائر (التي تبقى احتكاراً للشبكات الكبيرة والمنظمة). تجارة "الشنطة" تشهد اليوم صعوبات بسبب التراجع الحاد لقيمة الدينار مقابل الدولار واليورو، مما يُنقص أرباح تجارها. مصائب قوم عند قوم فوائد: أزمة الدينار نفسها ستعود بالنفع على المهاجرين التونسيين بأوروبا الذين سيستفيدون من فرق سعر الصرف، ويكثفوا زياراتهم لتونس، وبالتالي تكثر البضائع التي يجلبونها. هذا دون الحديث عن تأثير "درجة حرارة" العلاقات السياسية بين الأنظمة المغاربية على مسألة التهريب، تشدداً أو تساهلاً.

جزء من الحياة اليومية للتونسي

يكاد لا يخلو بيت تونسي من بضاعة مهربة. وحدها فئة قليلة من الميسورين قادرة على الاستغناء تماماً عن هذه السلع والتبضع من المحلات القانونية بأسعار مرتفعة والحصول على فواتير وشهادات ضمان. بيوت الطبقة الوسطى تعمر بالبضائع المهربة: التلفاز المسطح، جهاز التكييف، آلات كهربائية، أواني وأدوات المطبخ، مفروشات، عطور ومواد تجميل، ملابس وأحذية وأكسسوارات، الهواتف المحمولة وأحياناً الـ"لابتوب"، الخ... السيارة - لمن يملكها - ستكون بالطبع فرنسية أو إيطالية أو المانية الصنع، لكن لو ترفع غطاء المحرك أو تتثبت من اكسسوارات السيارة والعجلات، ستجد ان الكثير من القطع ليست أصلية وعادة ما تكون مشتراة من السوق السوداء وباعة الخردة، بل وحتى من محلات قانونية لا تريد ان تخسر زبائنها المفلسين. هناك احتمال كبير أيضاً ان يكون الوقود المستعمل مهرّباً من ليبيا أو الجزائر. وحتى في أفقر البيوت ستجد علبة سجائر مهربة من الجزائر، ولعبة بلاستيكية وأدوات مدرسية وأحذية رخيصة مهربة من دول شرق آسيا..

لا يجد أغلب التونسيين حرجاً في شراء البضائع المهربة ولا يكنون ضغينة تجاه المهربين، بل أن البعض لا يفهم أصلاً لماذا تعتبر الدولة التهريب خطراً وجريمة. الى حدود سنوات قليلة، كانت صورة المهرِّب في عيون التونسيين إيجابية عموماً، فهو شخص يشتغل في ظروف خطيرة ويعيل نفسه وعائلته، عوضاً عن الجلوس في المقهى والتشكي من البطالة. كما انه يوفِّر بضائع بأسعار مناسبة للفقراء ومتوسطي الحال الذين ما انفكت قدرتهم الشرائية تتدهور. وأما مسألة الجودة وتضرّر "الاقتصاد الوطني" وعدم مطابقة السلع لمعايير السلامة الصحية والبيئية، فليست أكثر الأسئلة الحاحاً بالنسبة لمن يعيش ضائقة مالية مزمنة.

التهريب هو مرادف الاقتصاد الموازي في أذهان أغلب الناس، على الرغم من أن "عائداته" لا تمثل الا ثلث حجم هذا الاقتصاد. ويُفترض انه ظاهرة "خفية" لكن وجوده ملموس بشكل كبير في الحياة اليومية للتونسيين، وفي كامل أرجاء البلاد.

بعد الثورة في 2011، وبداية ظهور الإرهاب، تضررت قليلاً صورة المهرب، فلقد كشفت عدة عمليات عن تورّط مهربين في تمرير السلاح والمقاتلين. كما ان تسليط الإعلام الضوء على ظاهرة التهريب ــ لأسباب مختلفة ــ وثروات كبار المهربين، جعل الكثيرين يعتقدون ان المهرب هو مليونير بالضرورة، ويقبل تمرير أي بضاعة مهما كان خطرها على البلاد والناس. وعلى الرغم من تفهم البعض لوجهة نظر الدولة التي تشتكي من تناقص مداخيلها المتأتية من الجمارك والضرائب، ولوجهة نظر أصحاب المحلات التجارية القانونية والمصانع المحلية، المشتكين من المنافسة "غير الشرعية"، فإن الكثيرين ليسوا مقتنعين تماماً: لماذا يتم التركيز على التهريب في حين يتم التغافل عن أشكال أخرى من الاقتصاد الموازي المزدهرة والمضرة، كالتهرب الجبائي وتشغيل عمال بدون عقود أو حماية اجتماعية. ماذا يفعل ملايين التونسيين غير القادرين على شراء بضائع غالية من المحلات المرخصة؟ من سيشغّل العاملين في مجال التهريب ويدمجهم في الاقتصاد المهيكل؟

خارطة الاقتصاد الموازي في تونس

أينما وليت وجهك في تونس فثمة اقتصاد موازٍ. تختلف الأنشطة ومداخيلها من منطقة الى أخرى ومن طبقة اجتماعية وحتى من شريحة عمرية لأخرى. من الصعب تقديم تقسيم دقيق لتوزع أنشطة الاقتصاد الموازي جغرافياً وديمغرافياً، لكن يمكن رسم صورة شاملة عن الوضع. فيما يلي ما يبدو أنه اختصاصات كل منطقة:

• المناطق الداخلية

وهي المناطق البعيدة عن الشريط الساحلي والتي عادة ما تكون مهمشة تنموياً وتعاني من نقص الخدمات والمرافق العمومية. ليست بالضرورة مناطق معدمة، ولكنها منسية من طرف الدولة و"طاردة" لسكانها الذين ينزحون نحو المدن الكبرى المحاذية للشريط الساحلي. بالعلاقة بمسألة الاقتصاد الموازي، يجب التفريق ما بين المناطق الداخلية الحدودية القريبة من الجزائر وليبيا، وتلك الأخرى التي تقع في وسط البلاد بعيدا عن البحر والحدود البرية. التهريب في الاتجاهين هو أكبر نشاط اقتصادي في المناطق الحدودية. فمثلاً في إقليم الجنوب الشرقي (محافظتا مدنين وتطاوين) القريب من الصحراء والمحاذي لليبيا، فالتجارة البينية المقوننة وتلك غير المهيكلة على حد سواء هما النشاط الاقتصادي الأول.

تحتل المحروقات المرتبة الأولى، ولكن هناك أيضاً مئات البضائع الأخرى من ملابس وأحذية ومفروشات وآلات كهرومنزلية. معتمدية بن قردان (محافظة مدنين) مثلا أصبحت الوجهة الأولى لكل عروس تحضّر جهازها أو تاجر ينوي تعمير محله. تكدس السلع المهربة يخلق مواطن شغل للآلاف من أبناء المنطقة: تجارة، نقل، تخزين، وساطة، سوق سوداء لصرف العملة، الخ... ثاني أقطاب التهريب في تونس هي منطقة الغرب المحاذية للجزائر، أساساً محافظات الكاف وجندوبة (شمال)، القصرين (وسط) وقفصة وتوزر (جنوب). قرى ومناطق مثل "فوسانة" و"قلعة سنان" و"الشبيكة" تعتبر بوابات لتهريب السجائر والمخدرات (الخفيفة خصوصاً) والمحروقات وقطع غيار السيارات والسيارات المسروقة والأجهزة الكهربائية والالكترونية.

تطور أنشطة التهريب في هذه المحافظات (وهي الأفقر في البلاد) بدأ يؤثر في بنيتها الاقتصادية التقليدية، فالعديد من سكانها، خصوصاً من الشباب، يهجرون الفلاحة والحرف التقليدية لينضموا الى صفوف المشتغلين مع المهربين المحليين من أبناء المنطقة أو الجزائريين والليبيين.

المحافظات الداخلية البعيدة عن الحدود البرية والبحرية (باجة، سليانة، زغوان، سيدي بوزيد، القيروان) هي الأقل انخراطاً في منظومة التهريب ليس لأنها ثرية أو تزخر بفرص العمل، بل نظراً لموقعها الجغرافي ولضعف السوق الاستهلاكية فيها. ولكن هذه المناطق تلعب دوراً "وسيطاً" في عمليات التهريب، فهي معبر ما بين المناطق الحدودية والمدن الساحلية الكبرى.

مقالات ذات صلة

وهناك أشكال أخرى للاقتصاد الموازي أكثر حضوراً في هذه المناطق وتتعلق أساساً بالنشاط الفلاحي. تنتشر كافة أشكال التشغيل غير القانونية من أجور أدنى من تلك التي يضمنها قانون الشغل، وغياب أي شكل من التعاقد والتغطية الاجتماعية، وتشغيل القاصرين. النساء والأطفال هم أول الضحايا. كما انه من الصعب تقدير المداخيل وتحصيل الضرائب في مناطق شاسعة تتميز بضعف وجود الدولة. تنتج المناطق الفلاحية كميات كبيرة من الفواكه والخضار والماشية، بعضها يُسوّق عبر المسالك القانونية وجزء آخر يذهب في المسالك الموازية: بيع مباشر على الطرقات، وسطاء ومحتكرون يشترون السلع بأثمان بخسة من الفلاحين ثم يبيعونها أضعافاً في المدن الكبرى، أسواق صغيرة شعبية غير مرخصة في الأحياء والضواحي الفقيرة، باعة متجولون، الخ..

• المدن الساحلية

على عكس ما يعتقد البعض، فإن ثقل الاقتصاد الموازي أكبر بكثير في المدن الكبرى الساحلية مما هو عليه في المناطق الداخلية. فالأنشطة متنوعة أكثر وحجم التعاملات أكبر.

- العمل الموسمي والهامشي في مجال السياحة: نتحدث هنا عن عشرات الآلاف من الأشخاص، خصوصاً في محافظات منطقة الساحل (سوسة، المنستير، المهدية) ومحافظة نابل والعاصمة تونس (وبدرجة أقل في الشمال الغربي والجنوب الشرقي). يعملون لبضعة أسابيع أو أشهر خلال الموسم السياحي (نيسان/ أبريل - تشرين الأول/ أكتوبر) دون عقود عمل أو وثائق خلاص وبالطبع دون ضرائب أو أداءات. يمكن ان تجدهم في الفنادق وأغلب الأماكن السياحية (شواطئ، مطاعم، حانات، علب ليلية). منهم من يشتغل في تلك الأماكن ومنهم من "يسترزق" في محيطها: باعة التذكارات والتحف التقليدية، المرشدون السياحيون "المزيفون"، عربات المأكولات والمثلجات والحلوى، باعة الألعاب والورود والياسمين الخ... أغلب الناشطين الهامشين في قطاع السياحة هم من الشباب والأطفال (تلاميذ وطلبة يعملون لتوفير مصاريف العودة المدرسية)، والنساء الفقراء الذين تكون أجورهم أقل من الرجال. ولا يمكن ان نتوقع ممن يقبض ملاليم أن يصرح بدخله لمصلحة الضرائب، ولا نتوقع أن يصرح صاحب العمل بالمداخيل والضرائب المترتبة عن تشغيل أطفال أو بالغين من دون عقد تشغيل أو حماية اجتماعية.

- العمل غير المهيكل في مجال البناء والتجهيز: تشهد المدن الكبرى دينامية اقتصادية وازدحاماً سكاناًي متنامياً، مما يجعل قطاع البناء والمهن المرتبطة به يستقطب عدداً كبيراً من الأيدي العاملة. الجزء الأكبر منهم يشتغلون من دون أي شكل تعاقدي موثق أو تغطية صحية واجتماعية. فضلاً عن عمال البناء، فإن العديد من المهنيين يشتغلون في هذا القطاع بشكل غير مقونن أو قابل للمراقبة: سباكين وكهربائيين ودهانين ونجارين وحدادين، الخ..

- بيع المواد المهربة: المدن الساحلية هي السوق الأكبر للمواد المهربة بحكم الثقل السكاني وارتفاع المقدرة الشرائية مقارنة بدواخل البلاد. الصورة النمطية للبائع المتجول الذي يبيع سلعاً مهربة فوق كرتونة ويهرب كلما رأى قوات الأمن أو موظفي البلدية لا تمثّل الا قمة جبل الجليد. تباع السلع المهربة في كل مكان وحتى في المحلات المرخصة والبوتيكات الفخمة. تتجاور أحياناً في المحل نفسه بضائع تونسية مع أخرى صينية وتركية وأوروبية وأمريكية من دون عنصرية أو صراع حضارات. كل زبون يجد ما يناسب ذوقه أو جيبه و"كل قدير وقدره" كما يقول التونسيون. أغلب البضائع بلا فواتير، واذا ما داهمت أجهزة الرقابة المحلات فستصادر السلع المهربة أو تفتح الباب أمام حلول "ودية" من أنواع أخرى. ليس الفقراء وحدهم من يشترون البضائع المهربة، كل الطبقات تتبضع بها، فالمهرَّب لا يعني بالضرورة رخيص الثمن. الناس "درجات" والبضائع المهربة أيضاً..

- التهرب الضريبي: لا نتحدث هنا عن "المتهربين" الصغار الذين يخفون عن الدولة بضعة مئات أو آلاف الدينارات بل عن "القطط السمان" التي تخفي الملايين. بالطبع حتى في أفقر المحافظات التونسية، هناك أثرياء متهربون من الضرائب، لكن الظاهرة أكبر حجماً وانتشارا في المدن الكبرى (العاصمة، صفاقس، منطقة الساحل) بحكم تركز الأنشطة والمؤسسات الاقتصادية هناك. يندر ان تتحدث الحكومة أو وسائل الإعلام واتحادات أرباب العمل عن هذا الشكل من الاقتصاد الموازي، على الرغم من أن خسائر الدولة والمجتمع منها لا تقل أبداً عن تلك التي يتسبب بها التهريب. وكما في بقية أنحاء العالم، تختلف أشكال التهرب الضريبي: التلاعب بالحسابات لتنقيص قيمة الأرباح والضرائب، تشغيل عمال بدون عقود وبأجور اقل من تلك التي يضمنها القانون، تجاوز رخصة العمل الممنوحة وممارسة أنشطة أخرى غير معلنة، الحصول على إعفاءات غير مستحقة الخ..

- المؤسسات الصغيرة غير المسجلة: يفتح آلاف التونسيين في المدن الكبرى محلات عمل دون إعلام السلطات أو الحصول على رخصة وفقا لكراس الشروط. عادة ما تكون هذه الورشات وسط أحياء سكنية بعيداً عن أعين البلدية وأجهزة المراقبة الاقتصادية. يعول أصحاب المحلات على التضامن العائلي وتفهّم الجيران، ونادراً ما تكون هناك "وشايات". تتعدد الأنشطة التي تمارس بدون رخصة، ولكن أهمها النجارة والحدادة وصنع الأحذية بالنسبة للرجال، والخياطة والحلاقة وصنع الحلويات والاكسسوارات والمشغولات اليدوية بالنسبة للنساء. ليس من النادر أن تسمع خبراً عن تفطن السلطات لوجود مصنع غير مرخص لصناعة مواد التنظيف أو مواد غذائية حساسة. ظاهرة المحلات غير المرخصة تمس أساساً كهول الطبقة الوسطى وبصفة أقل الطبقة الفقيرة، وقد تمثل مورد الدخل الأساسي أو مصدراً إضافياً لتنمية دخل العائلة. بالطبع الأجور تصرف تحت الطاولة، وليس هناك ضرائب تدفع أو حماية للذين يشتغلون في مثل هذه المحلات.

- تأجير المساكن غير المصرح بها: الظاهرة موجودة في أغلب المناطق التونسية، ولكنها تتركز أساساً في المدن الكبرى: العاصمة تونس، صفاقس، سوسة، نابل، المنستير، بنزرت. هذه المدن، فضلا عن كثافة عدد سكانها "الأصليين"، تستقطب اعداداً كبيرة من التونسيين الباحثين عن العمل أو القادمين للدراسة بحكم تركز أغلب المناطق الصناعية والجامعات بها. يضاف الى ذلك توافد السياح بأعداد كبيرة على بعض هذه المدن. هذا الضغط البشري سيخلق طلباً كبيراً على المساكن المخصصة للتأجير. عدد كبير من سكان المدن الكبرى - من الطبقة الوسطى خصوصاً - يستغلون هذه الأزمة لضمان مصدر دخل إضافي، فيبنون مساكن صغيرة (ذات جودة متدنية في أغلب الأحيان) ويؤجرونها للوافدين من عمال وعائلات فقيرة وطلبة بأسعار مرتفعة وغير متناسبة مع المساحة والتجهيزات. أغلب هذه المساكن - وهي تعد بالآلاف - يُبنى من دون رخصة بلدية، وعادة ما تكون ملاصقة للمنزل الذي يعيش فيه المالك. وبما ان المسكن غير مرخص فلا داعي لتسجيل عقد الكراء أو تسديد الضريبة على العقارات أو التصريح بالدخل المتأتي من الايجار.

ختاما..

الاقتصاد الموازي في تونس ليس إذاً حكراً على طبقة أو منطقة أو جنس أو شريحة عمرية بل هو ظاهرة "وطنية" عامة وواقع ما انفك يتكرّس ويتغوّل. عندما تقترب نسبة مساهمة هذا الاقتصاد في الناتج المحلي الخام من النصف، فالحديث عن "الموازاة" يصبح لا معنى له. تركيز الدولة وحتى الإعلام والخبراء الاقتصاديين على موضوع التهريب، عند الحديث عن الاقتصاد الموازي، فيه نوع من المغالطة. فهذا النشاط لا يمثل الا قمة جبل الجليد. الخطاب الرسمي حول ظاهرة الاقتصاد الموازي لا يلقى رواجاً كبيراً، فالكثيرون يعتبرونه الحل الوحيد لضمان كرامتهم والحفاظ على الحد الأدنى من المقدرة الشرائية. يتعزز هذا الشعور عندما لا يقترن تشكي الدولة وحملاتها بطرح بدائل واستراتيجيات لتشغيل الشباب ودعم الصناعات الوطنية وتطوير المنظومة الجبائية. كثيرون أيضاً يساهمون في الاقتصاد الموازي دون وعي بذلك نظراً لأن المصطلح غير واضح ومقترن خاصة بالتهريب. فمن العادي أن تجد انساناً متهرباً ضريبياً يشتكي من المهربين أو من الباعة المتجولين الذين "يضرون باقتصاد البلاد".

تختلف أشكال الاقتصاد الموازي نسبياً أو كلياً حسب المناطق، ولكنها معممة على البلاد، وهي في كل الحالات تحرم خزينة الدولة من مليارات الدينارات كان من الممكن - نظرياً - أن تساهم في تحسين المصاريف العمومية في المجالات الحيوية كالتعليم والصحة والنقل. لكن لا شيء يدل فعلاً على أن الدولة راغبة في استرداد كل هذه المليارات الضائعة!

وككل ظاهرة اجتماعية، فللاقتصاد الموازي جذور وأسباب ظهور وتطوّر. الدولة التونسية هي الراعي الأول لهذا النمط من الاقتصاد، أولاً عبر سياساتها الاقتصادية التنموية الفاشلة التي خلقت فروقاً كبيرة بين الجهات وجعلت بعضها ميتة اقتصادياً، وثانيا عبر استشراء الفساد في مفاصلها الإدارية والرقابية وأجهزتها الأمنية، وثالثاً عبر سياساتها الضريبية غير الناجعة وغير العادلة.

وبالطبع هناك عوامل ثانوية خارجة عن نطاق الدولة وهي بالأخص جوار دولتين ثريتين (ليبيا والجزائر) لهما اقتصاد ريعي يقوم أساساً على انتاج المحروقات واستيراد كل شيء عدا ذلك.

محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

مقالات من تونس

كيف تعيش تونس الحرب على غزة؟

آخر الشهداء التونسيين مع النضال الفلسطيني محمد الزواري، المهندس التونسي الذي اغتاله "الموساد" أمام بيته في مدينة "صفاقس" (وسط شرق تونس) في كانون الأول/ديسمبر 2016. يومها اكتشف التونسيون ان الشهيد...

للكاتب نفسه