غزة: لن ننسى ولن نسامح

ليس من المعقول أن تستمر هذه الحال من الإبادة في غزة. لا من العرب جميعاً، حكاماً وشعوباً، ولا من تركيا ولا من إيران، الغارقتين تاريخيّاً وعملياً ولفظياً، في المسألة الفلسطينية حتى آذانهما، واحدة تتاجر مع إسرائيل وتسهِّل لها ما تريد، والأخرى تبحث بكل صفاقة، عن سلامتها الخاصة وتُطبِّق مصالحها، وتحتفل "بنصرها" وتكتفي... يُخيِّم على العالم شبحٌ من السواد الخانق. وثقوا أنه إن لم يكن اليوم، فغداً: لا نجاة من دون نجاة غزة.
2025-06-26

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
فرات الشهال الركابي - لبنان

الثمن المهول الذي دفعه أهل غزة – ولا يزالون يدفعونه – قد لا يضاهيه شيء. قصف وتصفيات وتجويع وتعطيش وأمراض... ونحن جميعاً مَدينون لهم بالاعتراف ببطولتهم وصبرهم الذي يفوق العقل. وأول المَدينين هم بالطبع سائر سكان أرجاء فلسطين، سواء من أبناء الأرض المحتلة في 1948، أو من سكان الضفة الغربية والقدس، الذين أحجموا، وغلّبوا سلامتهم، وأحياناً بعض الامتيازات البائسة على أية اعتبارات أخرى. كما هم أيضاً أبناء هذه "الأمة"، التي لن تصير أمة، قبل أن "تعي ذاتها"، وهو ما لم تقم به منذ زمن، وخاصةً الآن. وللتوضيح، فهي صارت أمة – ما لم تكنه - حين حملت الرسالة إلى مجمل البشرية.

أما بعض الغيورين الحزانى على مصير الغزاويين، فأسموا سلوكهم بالخذلان! يا لعارنا جميعاً! وهو عارٌ ستترتب عليه حتماً نتائج تخص مستقبلنا ومصير أبنائنا...

أما لاعب "الثلاث ورقات"[1]، دونالد ترامب، الذي أثبت أنه يتحكم بالحرب الإيرانية-الإسرائيلية، ويضبط إيقاعها، ويتدخل فيها (دائماً طبعاً لمصلحة إسرائيل، أو على الأقل لمراعاة خاطرها حين لا يتمكن من أكثر من ذلك)، فهو عاجز عن ضبط الجريمة الممتدة التي تجري في غزة منذ ما يقارب العامين، أو لا يرغب، لأنه موافق عليها ومشجِّع لها، بدليل الفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن بوجه الدعوة إلى اتخاذ قرار بوقف الحرب هناك.

ذلك أن إيران دولة إقليمية عظمى، ويمكن الخشية من بعض ما قد تُقْدم عليه، أما غزة فشريط أرضي بائس. ولا تتدخل الاعتبارات الإنسانية أو القيم التي كان متوافَقاً عليها، وسقطت جميعاً في امتحان غزة، في أحكام وصياغة مواقف ترامب، بل هو علانية ضدها.. وليس هذا هو موقف الرئيس الأمريكي فحسب، الصريح والواضح، بل هو موقف كل السلطات الغربية بلا استثناء، التي تمارس الخبث والرياء وتتشدق بما ليس عندها، والتي، حين تفاقمت مذبحة غزة المريعة، واستطالت، استنكرت بخجل، ولكنها لم ولن تفعل شيئاً. والأعذار كثيرة: الاعتداد بموقف السلطة الفلسطينية المُشين، الاعتداد بموقف السلطة المصرية المُشين، ومعهما مجمل الدول العربية النافذة، وبعضها يساند ويدعم إسرائيل عملياً وعلناً في حربها على أهل غزة، بينما بعضها الآخر لم يتخذ موقفاً ضاغطاً عليها، بينما هو يملك أوراقاً جدية للضغط، بل وحتى اللجوء إلى ما هو أضعف الإيمان، أي وقف المبادلات التجارية معها – تجميدها يا قوم - أو اتفاقيات التطبيع، على سبيل المثال. يا لعارنا! انقلبت الدنيا في المنطقة بعد نكبة 1948. وزالت سلطات، وجاءت سواها بخطابات ونوايا نقيضة لها. أما هنا، فلا شيء.

شركاء في الإبادة! يتمنون لو تتحقق اليوم قبل غدٍ، فتُطمر غزة وناسها، وينتقلون هم إلى الاهتمام بأمور أخرى تخصهم... تافهة مقارنة بما يجري في غزة.

وأما الناس في منطقتنا، فعلى الرغم من مواقفهم المُدينة لإسرائيل وعدوانها، إلا أن غضبهم لم يتجاوز الحد "المقبول". قد تقمعهم السلطات حين يتجاوزون تلك الحدود، فيعتقَلون أو يُضرَبون أحياناً.. كما إننا لم نرَ بذور تمرد في أي من الجيوش العربية، أو تهديد به يمكن أن يدفع الساسة المتحكِمين إلى الخشية من تواطؤهم إلى هذا القدر مع إسرائيل. ولم نر غضباً "عملياً" حيال السلطة الفلسطينية ورموز الخيانة فيها، على أن "مُسالَمتهم" تلك لا تمنع إسرائيل، من التنكيل بفلسطينيي الضفة، وبالاخص منهم أبناء المخيمات، التي تُقصف وتباد هي الأخرى كل يوم.

إسرائيل جست النبض تدريجياً، جرّبت، على عادتها، ورأت المشهد التافه حيال كل ذلك، فصارت منفلتة تماماً من كل عقال، وبزّت النازيين في التفنن بالإجرام، وصارت خطراً، ليس علينا فحسب، نحن أعداءها، بل على البشرية كلها.

مقالات ذات صلة

ليس من المعقول أن تستمر هذه الحال من الإبادة في غزة. لا من العرب جميعاً، حكاماً وشعوباً، ولا من تركيا ولا من إيران، الغارقتين تاريخيّاً وعملياً ولفظياً، في المسألة الفلسطينية حتى آذانهما، واحدة تتاجر مع إسرائيل وتسهِّل لها ما تريد، والأخرى تبحث بكل صفاقة، عن سلامتها الخاصة وتُطبِّق مصالحها، وتحتفل "بنصرها" وتكتفي...

يُخيِّم على العالم شبحٌ من السواد الخانق. وثقوا أنه إن لم يكن اليوم، فغداً: لا نجاة من دون نجاة غزة.

______________________

  1. هل يعرف الجميع هذه اللعبة وما ترمز إليه، والتي يمارسها المحتالون البائسون في شوارع مدننا الفقيرة؟

مقالات من فلسطين

السلطات الإسرائيلية تشدد قبضتها على الضفة الغربية في خضم التصعيد مع إيران

في يناير/كانون الثاني 2025، بدأت القوات الإسرائيلية عملية "الجدار الحديدي" العسكرية في شمال الضفة الغربية، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم. وعلى إثر ذلك، أُفرغت المخيمات المستقرة باستخدام العنف ومُنع...

النار في تلّ أبيب

2025-06-19

ما اعتدنا رؤيته من نار وركام في قلب مدننا وقرانا، نراه في الأرض المحتلة. هذه النار في تل أبيب.. هذه صور للتاريخ..

للكاتب نفسه

لبنان: من هو الوطني اليوم؟

الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...