حرب إسرائيل: سعيٌ لجعل فلسطين غير قابلة للعيش.. للفلسطينيين

ملاحظة من الكاتِب: قدّمتُ نسخة مختصرة من هذا المقال خلال الأسبوع إلى إحدى وسائل الإعلام الاقتصادية العالمية المعروفة (التي نشرت لي مقالات في الماضي) للنظر فيها. اعترض المحررون على النص للأسباب التالية وبكلماتهم، والتي شكلت مطلباً بأن أصرح بموقف أخلاقي وقانوني اعتبر أن لا علاقة له بتركيز موضوعات المقال وتوازنه، وكذلك بأن اظهر نواياي المحبة للسلام. بعد إعادة قراءة النص، فضّلتُ أن أترك الأمر للقراء ليستخلصوا استنتاجاتهم الخاصة حول ما أطرحه فيه وما لا اتطرق له .*
2023-11-21

رجا الخالدي

باحث في التنمية الاقتصادية الفلسطينية


شارك
ضياء العزاوي - العراق

على مدى الستة أسابيع الماضية، أطلقت إسرائيل العنان لكامل قوّتها العسكرية في ردٍّ انتقاميّ مطوّل على الهجوم المباغِت الذي نفّذته كتائب فلسطينية مسلّحة بقيادة "حماس"، في السابع من تشرين الثاني/ أكتوبر، مستهدِفة المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، ما أسفر عن قتل نحو 1200 مدني وعسكري إسرائيلي. يرى الفلسطينيون هذا الهجوم كنتيجة طبيعية لسنوات من الحرمان الاقتصادي والاجتماعي في قطاع غزة، ولإنكار حقوق الفلسطينيين في كلّ مكان، وبالتالي كمقاومة مشروعة ضد الاحتلال.

مقالات ذات صلة

رغم أن العديد من الفلسطينيين لا يؤيدون بشكل عام قتل الأشخاص غير العسكريين بشكل متعمد، إلا أن العديد منهم ينظرون إلى "السابع من أكتوبر" لناحية التناسب في ضوء كلّ ما حدث منذ ذلك اليوم. بالنسبة لإسرائيل وحلفائها في جميع أنحاء العالم، فإن هذا الهجوم الجريء والدموي يعني فشلاً استخباراتياً وسياسياً، وقد سُمّي بـ"بيرل هاربور إسرائيل" أو "11 سبتمبر إسرائيلي". في هذه الأثناء، انبرى كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لتصوير حركة "حماس" ككيان نازي-داعشي يجب اجتثاثه تماماً، وذلك لمصلحة حضارة الغرب نفسه.

ما يشي به خطاب إسرائيل الحربي وأفعالها على الأرض ينذر بنتائج قد تحمل مزيداً من المعاناة للفلسطينيين في غزة وفي كلّ فلسطين، بغضّ النظر عن إعلان انتصار إسرائيلي من عدمه.

إسرائيل بلا رادع

يتحكّم بإسرائيل مزيج متفجّر من الحزن والغضب والمهانة مع التطرف العريق للأحزاب اليمينية التي تتقاسم السلطة فيها. يغذّي هذا الخليط حملة متعاظمة لنزع الإنسانية ليس فقط عن "حماس"، التي تمثّل الكيان الفعلي الحاكم في قطاع غزّة لخمسة عشر عاماً، ولكن أيضاً عن 2.2 مليون فلسطيني يعيشون تحت القصف هناك، بالإضافة إلى 5 ملايين فلسطيني آخرين يعيشون في المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. تَرافق هذا الوضع مع صعود أصوات من مكوّنات يُفترض أنها "هامشية" من اليمين القومي الديني الإسرائيلي المتطرف، تدعو لطرد سكان غزة إلى صحراء سيناء المصرية، أو فرض "نكبة 2023" على غزة، أو في حال الضرورة، استخدام الأسلحة النووية ضد القطاع، كما صرّح أحد المدراء السابقين للاستخبارات الوطنية الأمريكية بوضوح شديد: "إذا كانت إسرائيل ستدمر حركة "حماس"، فسيكون عليها أن تدمّر غزة".

لِمَن يحاول أن يفهم سبب قصف إسرائيل لغزّة لدرجة تفتيتها، لن يكون الغضب الإسرائيلي الأعمى ولا المبالغة في التجاوزات ولا البحث في العقائد الحربية القانونية كافين للوصول إلى أسبابٍ عقلانية. إن هجوماً بهذا الحجم وبهذه الشدة، تقول إسرائيل أنه من الممكن أن يستمر لعدة أشهر، قد يكون له أهدافٌ عسكرية وسياسية فورية، وتلك قد تتحقق أو لا تتحقق. لكنّ السعي الإسرائيلي الحثيث لتصعيد الحرب والبطش الهائل المستخدَم فيها، بالإضافة إلى تجاهل إسرائيل للقلق المتعاظم الذي يبديه حلفاؤها الغربيون، يعكس أيضاً مصالحَ استراتيجية أخرى لإسرائيل. ولعلّ هذه المصالح غير موضَّحة تماماً بعد في أهداف إسرائيل المُعلنة، إلا أن نتيجتها الفعلية هي، ببساطة، جعل غزة غير صالحة للعيش.

صار بالفعل شمال القطاع غير صالح للسكن، وليست الظروف أفضل في جنوبه المكتظ أصلاً، الذي زاد عدد سكانه بنسبة 150في المئة تقريباً بين عشية وضحاها، من 4531 شخصاً لكل كيلومتر مربع إلى 6145 شخصاً لكل كيلومتر مربع (مع الأخذ في الاعتبار أكثر من 700 ألف نسمة نزحوا إلى مرافق الأونروا وغيرها من المرافق في المحافظات الوسطى والجنوبية من قطاع غزة). فعلياً، تحوّلت هذه المنطقة بأكملها إلى مخيمٍ مترامي الأطراف للاجئين، سيقضي فيه العديد من السكان الشتاء المقبل في خيم النزوح في أفضل الأحوال. يعود إلى الذاكرة هنا مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن.

هناك حملة متعاظمة لنزع الإنسانية ليس فقط عن "حماس"، التي تمثّل الكيان الفعلي الحاكم في قطاع غزّة لخمسة عشر عاماً، ولكن أيضاً عن 2.2 مليون فلسطيني يعيشون تحت القصف هناك، بالإضافة إلى 5 ملايين فلسطيني آخرين يعيشون في المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

السعي الإسرائيلي الحثيث لتصعيد الحرب والبطش الهائل المستخدَم فيها، بالإضافة إلى تجاهل إسرائيل للقلق المتعاظم الذي يبديه حلفاؤها الغربيون، يعكس أيضاً مصالحَ استراتيجية أخرى لإسرائيل. ولعلّ هذه المصالح غير موضَّحة تماماً بعد في أهداف إسرائيل المُعلنة، إلا أن نتيجتها الفعلية هي، ببساطة، جعل غزة غير صالحة للعيش.  

حتى اللحظة، تمّ تدمير 23 في المئة من مباني القطاع بشكل كلّي و27 في المئة منها بشكل جزئي، مع تركّز الدمار حتى الآن في شمال القطاع. في الحصيلة المعلنة للقتلى، بالإضافة إلى 12000 ضحيّة تمّ التعرف عليهم، لا تزال جثث ما يقدر بنحو 2700 شخص تحت الأنقاض. هذا إلى جانب تفشّي الأمراض المُعدية وخروج كامل أنظمة الرعاية الصحية الأساسية من الخدمة. كما طال خرابٌ هائل قطاعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات والنقل، ودُمّرت مرافق الخدمات العامة ونحو 580 منشأة صناعية، كما جُرِفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية واستنفدت المخزونات الغذائية في القطاع بالكامل. لطالما كان مستوى انعدام الأمن الغذائي في غزّة هو الأعلى في فلسطين، مع تقلص اقتصاد غزّة إلى ما لا تتجاوز نسبته 17في المئة فقط من مجمل الاقتصاد الفلسطيني في عام 2022، لكنّ الأمر وصل اليوم إلى اقتصاد كفافٍ مع معدّلات سوء التغذية الحالية ومجاعةٍ تلوحُ في الأفق. هذا اقتصادٌ بأكمله تمّ تعطيله في المستقبل المنظور. وتزداد الخسائر فداحةُ، في حين أنّ ارتدادات صدمة هذه الحرب لم تصل بعد بكامل قوّتها إلى اقتصاد الضفة الغربية.

استخدام الأزمة الإنسانية كسلاح

في مواجهة ما تسمّيه "خطراً وجودياً"، يبدو أن إسرائيل مصممّة على جعل فلسطين غير قابلة للعيش لجميع الفلسطينيين، وليس فقط للفسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. وفي المقابل، يواجه 3.2 مليون فلسطيني تهديدات لا تقلّ "وجوديّة" في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، حيث يعيشون وسط 750,000 مستوطن إسرائيلي. هؤلاء الفلسطينيون لم يقبلوا يوماً الرضوخ لنير نحو نصف قرن من الحكم الإسرائيلي، وهم الآن يواجهون قمعاً شديداً في ظلّ الحرب الدائرة. بالإضافة، يعيش في أراضي 1948، حوالي 1.8 مليون فلسطيني في حالة من "الاحتماء" في مدن معزولة ومنفصلة (أو "غيتوهات") للعرب فقط، وإلى جانب كونهم مواطنين من الدرجة الثانية، تنظر إليهم الدولة باعتبارهم طابوراً خامساً محتَمَلاً.

تتقدّم هذه الإبادة الجماعية الصامتة (ولكن العلنية) على مستويين: أولاً، من خلال استخدام الأزمة الإنسانية كسلاح لتحقيق أهداف إسرائيلية عسكرية وسياسية، وثانياً، عبر التقاء القوى التي أُطلِق لها العنان لها في هذه اللحظة من تاريخ إسرائيل مع أهداف اليمين الديني القومي الإسرائيلي.

بما يخصّ أولى أسلحة الحرب غير التقليدية هذه، أي الأزمة الإنسانية، أشار أحد كبار المحللين الإسرائيليين بوضوح إلى أن العمل العسكري ضد المدنيين - الذي يقوم به الجيش الذي تروّج له إسرائيل على أنّه "الأكثر أخلاقيّة في العالم" – هو جزءٌ عقلاني وشرعي من الحرب، يسمح لها بتحقيق هدفها الأوسع:

يتمثّل دورها في حفر فكرة في الوعي الفلسطيني قائمة على العقاب الكارثي ("الأبوكاليبتي") الذي سيواجه أيّ شخصٍ يجرؤ من الآن فصاعِداً على تحدّي إسرائيل. هذا امتدادٌ للمفهوم الاستراتيجي المتجذّر الذي يؤمن بأن المعاناة الإنسانية يمكن أن تفضي إلى مكاسب أمنية لإسرائيل، وهو المفهوم الذي يعتبر حصار غزة ضرورةً لا غنى عنها.

ومهما بلغَ التشوّه الذي تعكسه هذه النظرة للإنسانية، فإن مثل هذا الإطار يوفّر فهماً منطقياً تماماً للسبب الذي من أجله خَلقت إسرائيل هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، ويبيّن الغرض الذي يتجاوز الانتقام، والذي تخدمه تلك الكارثة. في نهاية المطاف، لقد أمضينا الخمسة عشر عاماً الماضية عند حدود سياسة العصا والجزرة الإسرائيلية البديلة، من خلال مشروع "السلام الاقتصادي" الذي أُتقن تنفيذه في الضفة الغربية، والذي كان يتمّ إرساؤه مؤخراً في غزّة كذلك – وإن بشكلٍ أقل نجاحاً على ما يبدو- كجزء من "المفهوم" الاستراتيجي الإسرائيلي لإدارة الصراع عوضاً عن إنهائه. وعلى الرغمَ من أن سلوك إسرائيل خلال هذه الحرب مروّع ومتطرّف إلى أقصى حدّ، وبالتأكيد لا تقارن وحشيته بما واجهته في "السابع من أكتوبر"، إلا أنّ قلّة مِن الفلسطينيين فوجئوا، وبسرور، بسهولة تبنّي خيار الأزمة الإنسانية كسلاح، مِن قبل الجيش والحكومة الإسرائيليين، كما مِن قبل قطاع واسع من الرأي العام، في حين أطلق العالم دعوات هزيلة لإسرائيل لضبط النفس.

صار بالفعل شمال القطاع غير صالح للسكن، وليست الظروف أفضل في جنوبه المكتظ أصلاً، الذي زاد عدد سكانه بنسبة 150في المئة تقريباً بين عشية وضحاها، من 4531 شخصاً لكل كيلومتر مربع إلى 6145 شخصاً لكل كيلومتر مربع (مع الأخذ في الاعتبار أكثر من 700 ألف نسمة نزحوا إلى مرافق الأونروا وغيرها من المرافق في المحافظات الوسطى والجنوبية من قطاع غزة).

بما يخصّ أولى أسلحة الحرب غير التقليدية هذه، أي الأزمة الإنسانية، أشار أحد كبار المحللين الإسرائيليين بوضوح إلى أن العمل العسكري ضد المدنيين - الذي يقوم به الجيش الذي تروّج له إسرائيل على أنّه "الأكثر أخلاقيّة في العالم" – هو جزءٌ عقلاني وشرعي من الحرب، يسمح لها بتحقيق هدفها الأوسع. 

يقف الفلسطينيون في موقعٍ كاشِفٍ يؤهّلهم لرؤية كيف أن حمّى الحرب الإسرائيلية لا تأتي من فراغ، ولا هي ردّة فِعل تلقائية على الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. إن سياق التطبيق المرعب للعقاب الجماعي الذي نشهده اليوم، مع العجز العالمي لمواجهته أو اللامبالاة تجاهه، ذو أهمية قصوى هنا.

مخاطر ما بعد الحرب – إبادةٌ صامتة؟

علينا أن نتذكّر أن حكومة نتنياهو واجهت معارضةً شديدة من جماهير الليبراليين الإسرائيليين على امتداد العام الماضي بسبب جهودها لتفكيك الديمقراطية لصالح أجندة تهيمن عليها مصالح ورُهابات مستوطني الضفة الغربية وغوغاء المتطرفين المسيانيين. وهؤلاء يواصلون الترويج بلا أي خجل لـ "الخطة الحاسمة" لوزير المالية سموتريتش، المكونة من ثلاث مراحل: الإخضاع، النقل، أو السحق من قبل الجيش الإسرائيلي.

أكثر ما يثير القلق في هذا السياق المشحون، وبما أنّ المجازر بحقّ الأبرياء تحوّلت إلى أمر روتيني أزيح إلى أخبار الصفحات الثانية، هو أنّنا نواجه خطراً حقيقياً يتمثل بإمكانية تحقق بعض المخططات أو الرغبات الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في قطاع غزة، خاصة لجهة التهجير الجماعي للفلسطينيين. حتى بدون إجراءات إسرائيلية مباشرة، وعلى الرغم من الرفض المصري القاطع لأي عملية "ترانسفير" للسكان، فإن جنوب غزّة يتحول بالفعل إلى طنجرة ضغط قد تنفجر من تلقاء نفسها عند الخاصرة الرخوة على الحدود مع مصر. في جنوب غزة أو في سيناء، وسواء تمّ القضاء على "حماس" في الشمال أم لا، فإن ظروفاً شبيهة بظروف الصومال (تشرد وسوء التغذية ومرض وانهيار تام للقانون والنظام، إلخ) بدأت تتشكّل بالفعل، يتطلّب تجنّبها جهوداً إغاثية هائلة لم يتمّ تنظيمها وبلورتها بعد.

إنْ توقفت مدافع الحرب غداً، فإن مجرّد فكرة "اليوم التالي" في غزة لا يمكن تصورها، ومن المؤكد أن الوكالات الإنسانية ستواجه صعوبة في معرفة من أين يمكن أن تبدأ في مساعدة النازحين والمتضررين. أيّاً كان ما قد تعلنه إسرائيل وحلفاؤها عن عدم إعادة احتلال غزة وعدم السماح لـ "حماس" بالبقاء في السلطة، يبقى من الصعب إيجاد جواب حول مَن يستطيع ضمان الأمن والحكم المدني في القطاع سِوى الشعب الفلسطيني وممثليه الشرعيين. لا يمكن لهذا أن يعني سوى استمرار دور "حماس" في القطاع، بغضّ النظر عن مدى تحجيم قوتها العسكرية أثناء هذه الحرب أو كنتيجة لتداعياتها.

إن توفير المأوى والغذاء والمياه والطبابة والكهرباء والمرافق الصحية، ناهيك عن معالجة اضطرابات الصدمات النفسية الجماعية، سيستلزم مستويات لا يمكن تحديد حجمها الآن، من الموارد والقدرات التنظيمية وأنظمة الإدارة العامة التي تتطلّب تعبئةً مِن الصفر، وتصل كلفتها إلى مليارات الدولارات. حسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن متطلبات الاستجابة الطارئة لأوّل شهرين تبلغ 600 مليون دولار شهرياً، أي ما يزيد عن 7 مليارات دولار حتى نهاية عام 2024، على افتراض أنه بحلول ذلك الوقت سيمكّن استعادة بعض الأنشطة الاقتصادية والبدء بإعادة الإعمار. يستدعي تحدي إعادة تشغيل الاقتصاد المنهار واستئناف دورة الحياة المعيشية لملايين الفلسطينيين المصابين بصدمات نفسية التفكير الجدّي في دخلٍ أساسي شامِل لغزّة استجابةً للوضع، هذا إذا كان ثمّة عدالة ستتحقق للفلسطينيين.

يقف الفلسطينيون في موقعٍ كاشِفٍ يؤهّلهم لرؤية كيف أن حمّى الحرب الإسرائيلية لا تأتي من فراغ، ولا هي ردّة فِعل تلقائية على الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. إن سياق التطبيق المرعب للعقاب الجماعي الذي نشهده اليوم، مع العجز العالمي لمواجهته أو اللامبالاة تجاهه، ذو أهمية قصوى هنا.

إنْ توقفت مدافع الحرب غداً، فإن مجرّد فكرة "اليوم التالي" في غزة لا يمكن تصورها، ومن المؤكد أن الوكالات الإنسانية ستواجه صعوبة في معرفة من أين يمكن أن تبدأ في مساعدة النازحين والمتضررين... من الصعب إيجاد جواب حول مَن يستطيع ضمان الأمن والحكم المدني في القطاع سِوى الشعب الفلسطيني وممثليه الشرعيين. ولا يمكن لهذا أن يعني سوى استمرار دور "حماس" في القطاع. 

كيف لمثل هذه النتيجة أن تكون في صالح أي طرف، حتى إسرائيل؟ أين هو الحدّ الذي تنقلب فيه المخاطر المضْمَرة في المقبلِ مِن مراحل الانتقام الإسرائيلي ليس إلى نكبة فلسطينية جديدة فحسب، بل حتى إلى حريقٍ إقليمي أوسع؟ هل هو من ضروب الخيال أننا ما زلنا نتساءل عما إذا كان قلق حلفاء إسرائيل بشأن تورّطهم في جرائمها سيتحوّل من تقديم النصح الملطّف لها بقبول هدنة إنسانية إلى إنذارٍ نهائي يضعها أمام احتمالين، إمّا التوقّف والكفّ، أو المخاطرة بأن تصبحَ منبوذة؟

______________________

  • كتب النص في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
  • تُرْجِم عن الانجليزية

______________________

*أرسلوا لي يقولون: "قلّما نجد كلمة انتقاد لـ "حماس" في النص، مع استخدام كلمة "هجوم" المحايدة نوعاً ما، لوصف مذبحة السابع من أكتوبر بحقّ الأطفال والنساء المسنات ومرتادي حفل المهرجان الموسيقي. بالإضافة لذلك، هناك لغة توحي بـ "من النهر إلى البحر"، وهو ما قد يكون مقبولاً للفلسطينيين، ولكنه يؤدي إلى معنى إنكار حق إسرائيل في الوجود.
نحن نرغب في نشر مقالات تبذل بعض الجهد على الأقلّ لدفع قضية السلام الذي لا يمكن تحقيقه إلا عبرَ حلّ الدولتين. يحمل النص نبرةً تحمّل ببساطة كل الذنب لإسرائيل، والنص يزخر بهذا الخطاب، ولا يلقي بأيّ مسؤولية على "حماس" أو الجماعات الأخرى التي تتبنى عقائد إباديّة متطرفة (أنت تسارع – وعن حقّ - إلى الإشارة إلى مثل هذه المواقف في أوساط اليمين المتطرف الإسرائيلي، ولكن مجدداً، لا تقول حرفاً واحداً عن الفلسطينيين الذين يتبنون خطاباً هو صورةُ معكوسة في المرآة لخطاب اليمين). إن قيام "حماس" ببناء مقراتها العسكرية تحت المستشفيات والمدارس أمرٌ لا يمكن إنكاره، ومرة أخرى، لم يتم ذكر هذا النوع من جرائم الحرب على الإطلاق".

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

للكاتب نفسه