لماذا يدعمُ الغرب جرائم إسرائيل في غزّة؟

هذه مجموعة معطيات من نصّ بالغ الأهمية للصحافي البريطاني والخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، جوناثان كوك، بعنوان "خارجون عن القانون في غزة: لماذا تساند بريطانيا والغرب جرائم إسرائيل؟"، يتطرق فيه إلى الأسباب التي وضعتنا اليوم أمام موقف لم نكن لنتخيّله قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بيوم.
2023-10-18

جوناثان كوك

كاتب وصحافي بريطاني


شارك
يزن أبو سلامة - فلسطين

جوناثان كوك   
تقديم وتحرير السفير العربي

نحاول في هذا النص تفكيك مجموعة من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة التاريخية التي يشهد فيها العالم اليوم اصطفافاً غربياً تاماً خلف إسرائيل تكشفه بوضوح مواقف دول الشمال العالمي، التي تُعامل مصلحة دولة الاحتلال كأنها مصالحها الخاصة والمباشِرة. نعتمد في هذا على مجموعة معطيات من نصّ بالغ الأهمية للصحافي البريطاني والخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، جوناثان كوك، بعنوان "خارجون عن القانون في غزة: لماذا تساند بريطانيا والغرب جرائم إسرائيل؟" (1)، المنشور على موقع "غلوبال ريسيرش" (2)، يتطرق فيه إلى الأسباب السياسية والاقتصادية والعسكرية التي وضعتنا اليوم أمام موقف لم نكن لنتخيّله قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بيوم: جريمة إبادة جماعية أمام مرأى العالم تُقابَل لا بالصمت، لا بالتواطؤ فقط، لا بالقبول الخجول، بل بالتبني والدعم الصريح والعلَني والواضح من قبل الغالبية الساحقة من دول الغرب. فكيف صرنا هنا؟

يبدأ جوناثان كوك نصّه بالقول إنّ إسرائيل بدأت تُدرك منذ نحو عقدٍ من الزمن أنها قد تستطيع تجيير حصارها لغزّة لصالحها، فوعت أن بإمكانها تحويل ذلك القطاع الساحلي الصغير إلى ما يشبه "ملفّاً دعائياً" لها على مسرح السياسية الدولية، وإن ثمّة فائدتان أساسيتان لهذا الحصار بالنسبة لإسرائيل وحلفائها الغربيين، لعلّ أولاهما أكثر تداولاً من الثانية.

الغاية الأولى

حوّلت إسرائيل غزّة إلى مزيج من مختبر مفتوح لشتّى أنواع التجارب من جهة ونافذة متجرٍ لبيع التكنولوجيا والسلاح تتبضّع منه دول العالم. تستخدم إسرائيل غزة لتطوير جميع أنواع التقنيات والاستراتيجيات الجديدة المرتبطة بصناعات الأمن الداخلي المزدهرة جداً في الغرب، في وقتٍ يتزايد فيه قلق المسؤولين في هذه الدول من الاضطرابات الداخلية الخاصة بكل منها.

جريمة إبادة جماعية أمام مرأى العالم تُقابَل لا بالصمت، لا بالتواطؤ فقط، لا بالقبول الخجول، بل بالتبني والدعم الصريح والعلَني والواضح من قبل الغالبية الساحقة من دول الغرب. فكيف صرنا هنا؟ 

سمح الحصار على سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في عام 2007، والذي فُرض في أعقاب فوز "حماس" بالانتخابات في القطاع، بإجراء جميع أنواع التجارب على المحاصَرين. فكان لإسرائيل أن تجرب براحتها كيفية "احتواء" السكان بشكل أفضل، وأن تتأمل في نوعية القيود التي يمكن وضعها حتى على حِمْيتهم الغذائية وأسلوب حياتهم، ثم أن تستكشف كيفية تجنيد شبكات المخبرين والعملاء من بعيد، وأن تدرُس تأثير حصار السكان والقصف المتكرر على العلاقات الاجتماعية والسياسية. والسؤال الأهم، كيف يمكن لها إبقاء سكان غزة تحت السيطرة وتجنب انتفاضهم.

يشرح جوناثان كوك أن الإجابات على تلك الأسئلة كانت متاحة لحلفاء إسرائيل الغربيين أيضاً، عبر ما سمّاه "نافذة التسوّق" الإسرائيلية، التي تملأ رفوفها أنظمة الصواريخ الاعتراضية وأجهزة الاستشعار الإلكترونية وأنظمة المراقبة والطائرات بدون طيار وتقنيات التعرف على الوجوه وأبراج البنادق الآلية، وغيرها الكثير مما اختُبر فِعلاً في غزة، ومما هُشّمت هيبته مع الصدمة التي تعرضت لها إسرائيل بعد تمكّن الفلسطينيين من تجاوز كل البنية التحتية الأمنية التي وضعتها إسرائيل لاحتجازهم، وإنْ لبضعة أيام، متسلحين بـ"جرافة مهترئة وبعض الطائرات المظلية وإحساسهم بأن ليس لديهم ما يخسرونه". ولهذا تجد إسرائيل نفسها بحاجة إلى دخول برّي إلى غزة لبرهنة أن لديها بالفعل كل الأدوات التي تسمح لها بسحق الفلسطينيين والسيطرة عليهم.

الغاية الثانية

تشهد دول عدة في الغرب ازدياداً في الاضطرابات الشعبية وتتخوّف من مستقبلٍ لا تستطيع فيه ضبط هذه الاضطرابات. هنا تكمن الفائدة الثانية لحصار غزة بالنسبة لإسرائيل، والتي قلّما يأتي ذكرها، في بحث كيفية تجاوز قيود القانون الدولي – أي مجموعة القوانين التي كُرست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين عُومل المدنيون على جانبي الحرب على أنهم مجرد قطع شطرنج – لمنع تكرار مجازر النازية الرهيبة أو حرق بريطانيا لمدن ألمانية مثل دريسدن أو إلقاء الولايات المتحدة قنابل نووية على هيروشيما وناغازاكي. بالطبع، تحريم العقاب الجماعي، أي الانتقام من المدنيين على الجهة المعادية وتدفيعهم الثمن، هو أحد أسس القانون الدولي وفي صلب اتفاقيات جنيف.

ما حدث ويحدث في غزة الآن هو من دون أدنى شكّ انتهاكٌ صارخ لحرمة العقاب الجماعي. فحتى في أوقات "الهدوء" يتم منع سكان غزة (وفيهم نحو مليون طفل) من أبسط الحريات كما يشير الكاتب، مثل حق التنقل والحصول على رعاية صحية لائقة بسبب منع الأدوية والمعدات الطبية عنهم، كما الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والكهرباء لمعظم النهار بسبب قصف إسرائيل المتكرر لمحطة الكهرباء في غزة.

إسرائيل نفسها لم تخفِ يوماً حقيقة أنها تعاقب الناس في غزة بحشرهم في "غيتو" شديد الازدحام ومسلوب الحقوق، بتهمة أنهم محكومون من "حماس". ما تفعله إسرائيل هو عينُ تعريف "العقاب الجماعي". هذا يشكّل تعريفاً "جريمة حرب"، وهي تُرتكب كل يوم على مدار الساعة منذ أكثر من 16 عاماً، وبدون أن يلتفت إليها أحد في ما يُسمّى بالمجتمع الدولي.

هذا الوضع القانوني يزداد تعقيداً (بالنسبة لإسرائيل كما بالنسبة للغرب) الآن، في الأثناء التي تُقصف فيها غزّة، ولاحقاً، وربما قريباً، عندما ترسل جنودها إليها برّاً. فنتنياهو يعرف أنه عندما يقول لسكان غزّة "أخلوها الآن" أنه ما مِن مكانٍ يستطيعون الإخلاء إليه هرباً من الصواريخ. يصف جوناثان كوك هذا الوضع بالمرادف الحديث لتفجير وحرق مدينة دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية.

حوّلت إسرائيل غزّة إلى مزيج من مختبر مفتوح لشتّى أنواع التجارب من جهة ونافذة متجرٍ لبيع التكنولوجيا والسلاح تتبضّع منه دول العالم. تستخدم إسرائيل غزة لتطوير جميع أنواع التقنيات والاستراتيجيات الجديدة المرتبطة بصناعات الأمن الداخلي المزدهرة جداً في الغرب، في وقتٍ يتزايد فيه قلق المسؤولين في هذه الدول من الاضطرابات الداخلية الخاصة بكل منها.

الفائدة الثانية لحصار غزة تكمن في بحث كيفية تجاوز قيود القانون الدولي – أي مجموعة القوانين التي كُرِّست في أعقاب الحرب العالمية الثانية – لمنع تكرار مجازر النازية الرهيبة أو حرق بريطانيا لمدن ألمانية مثل دريسدن أو إلقاء الولايات المتحدة قنابل نووية على هيروشيما وناغازاكي. تحريم العقاب الجماعي، أي الانتقام من المدنيين وتدفيعهم الثمن، هو أحد أسس القانون الدولي وفي صلب اتفاقيات جنيف. 

منذ قصفها الموسع لغزة نهايات العام 2008، تعمل إسرائيل بشكل حثيث على تجاوز هذا الوضع القانوني. تمّ تكليف وحدة في مكتب المدعي العام الإسرائيلي بإيجاد طرق لإعادة كتابة قواعد الحرب لصالح إسرائيل. حين تأسست تلك الوحدة، كانت إسرائيل قلقة من تعرضها لانتقادات بسبب تفجير حفل تخرج للشرطة في غزة، مما أسفر عن مقتل العديد من الطلاب الشباب، فالشرطة مدنيون بموجب القانون الدولي وليسوا جنوداً، وهم بالتالي لا يشكّلون أهدافاً مشروعة. كما أعرب محامون إسرائيليون عن قلقهم من قيام إسرائيل بتدمير المكاتب الحكومية والبنية التحتية للإدارة المدنية في غزة. هذه المخاوف تبدو ضئيلة جداً الآن إزاء ما تفعل إسرائيل بلا رادع في غزة. بالنسبة لكوك، فهذه إشارة إلى مدى التحول الذي طرأ بالفعل على القانون الدولي.

قلب القانون رأساً على عقب

يأتي مقال كوك بأدلة على هذه الانزياحات القانونية العميقة التي حصلت على مراحل. "لقد تم خلق وضع يمكن فيه التعامل مع غالبية الرجال البالغين في غزة وأغلبية المباني كأهداف مشروعة. لقد تمّ بالفعل قلب القانون رأسا على عقب"، صرّحت أورنا بن نفتالي، عميدة كلية الحقوق، لصحيفة هآرتس في عام 2009. أمّا رئيس الوحدة القانونية في ذلك الحين، ديفيد رايزنر، فقد شرح للصحيفة فلسفة إسرائيل: "ما نراه الآن هو مراجعة للقانون الدولي. إذا قمت بشيء لفترة كافية، فإن العالم سوف يتقبله. إن القانون الدولي برمته يعتمد الآن على فكرة أن الفعل المحظور اليوم يصير مباحاً إذا فعله عدد كاف من البلدان".

"ما نراه الآن هو مراجعة للقانون الدولي. إذا قمت بشيء لفترة كافية، فإن العالم سوف يتقبله. إن القانون الدولي برمته يعتمد الآن على فكرة أن الفعل المحظور اليوم يصير مباحاً إذا فعله عدد كاف من البلدان". إعادة تعريف قواعد الحرب تلك أثبتت قيمتها لاحقاً عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية أفغانستان والعراق.

أعلن يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي الذي كان القائد العسكري المسؤول عن غزة عام 2009، "الحصار الكامل" على غزة بعبارات واضحة، "لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود – كل شيء مغلق"، وقد وصف الفلسطينيين بالـ"حيوانات بشرية". 

تعود هذه التدخلات الإسرائيلية لتغيير القانون إلى عقود خلت. عندما هاجمت إسرائيل المفاعل النووي العراقي الذي كان قيدَ الإنشاء عام 1981، أدان مجلس الأمن الهجوم على أنه عمل حربي. "كان الجو هو أن إسرائيل ارتكبت جريمة، أمّا اليوم فيقول الجميع أنها كانت عملاً دفاعياً وقائياً. إنّ القانون الدولي يتطوّر من خلال الانتهاكات"، يقول رايزنر، مضيفاً أن فريقه قام بأربع رحلات إلى الولايات المتحدة عام 2001 لإقناع المسؤولين الأمريكيين بتفسيرات إسرائيل متزايدة المرونة للقانون الدولي، وأنه لولا تلك الرحلات الأربع لما استطاعت إسرائيل ربما تطوير طرحها حول ما يسميه "الحرب على الإرهاب" بالشكل الحالي. يستنتج الكاتب، جوناثان كوك، أنّ إعادة تعريف قواعد الحرب تلك أثبتت قيمتها لاحقاً عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية أفغانستان والعراق.

حيوانات بشرية

في سياق "تطويرها" للقانون الدولي، لم تتورع إسرائيل عن إدخال مفهوم "الإنذار المسبق"، أي إشعار المدنيين بالقصف أحياناً، وقبل بضع دقائق فقط من تدمير مبنى أو حيّ ما. هذا الإنذار يتيح إعادة تصنيف من بقي من المدنيين لأي سبب من الأسباب، وخاصة المدنيين الذين هم في وضع هش ككبار السن والمرضى والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، كأهداف مشروعة كونهم لم يخلوا المكان في الوقت المحدد. في عدوانها الحالي على غزة، تسعى إسرائيل لتغيير القواعد بشكل أوسع.

مقالات ذات صلة

أعلن يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي الذي كان القائد العسكري المسؤول عن غزة عام 2009، "الحصار الكامل" على غزة بعبارات واضحة، "لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود – كل شيء مغلق"، وقد وصف الفلسطينيين بالـ"حيوانات بشرية". مقال هآرتس سالف الذكر نفسه يحكي عن وصف بعض الشخصيات القانونية الرسمية لغالانت بـ"راعي البقر" الذي لا يؤمن بالـ"مجاملات القانونية" و"لا يملك وقتاً لها".

ندخل هنا إلى مستوى جديد تماماً من العقاب الجماعي، يتجاوز هذا الوصف ليصل الى حيّز "الإبادة" (جينوسيد)، بلاغياً وواقعياً. ورغم ذلك، لا شيء في الغرب سوى الهتاف لإسرائيل، حتى من ساسة كانوا يُعتبرون "وسطيين"، وأقصى ما قيل كان كلمات من قبيل "ضبط النفس" و"التناسب في الرد"، وهي "المصطلحات المراوغة التي يستخدمونها عادة لإخفاء دعمهم لخرق القانون"، حسب كوك.

مساندة بريطانيّة كاملة

في بريطانيا، أيّد كير ستارمر، زعيم المعارضة العمالية والرجل الأوفر حظاً بالوصول إلى رئاسة وزراء بريطانيا القادمة، "الحصار الكامل" على غزة، وصارت الجريمة ضد الإنسانية تُسمّى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". هذا رجل تدرب كمحامٍ في حقوق الإنسان... حتى أن أقل الصحافيين تعاطفاً مع الفلسطينيين فوجئوا بخطابه، مثل كاي برلي من سكاي نيوز التي سألته إذا كان متعاطفاً مع مدنيي غزة، فلم يقل كلمة واحدة عنهم، بل حرف الموضوع لمكان آخر ليتّهم "حماس" بتخريب "عملية السلام"، وفاته كلياً أن إسرائيل دفنت عملية السلام علنياً وعملياً منذ سنوات.

ومن الأدلة الإضافية على تبني حزب العمال البريطاني لجرائم الحرب هذه، يذكر كوك مقابلة مع المدعية العامة إميلي ثورنبيري التي التزمت الخطاب نفسه في مقابلة مع بي بي سي، فتجنبت تماماً الإجابة عن أسئلة حول ما إذا كان قطع الكهرباء والإمدادات عن غزة يتماشى مع القانون الدولي.

يضيف كوك "ليس من قبيل الصدفة أن يتناقض موقف ستارمر بشكل كبير مع موقف سلفه جيريمي كوربين. وقد تم طرد الأخير من منصبه بسبب حملة متواصلة من التشهير بتهمة معاداة السامية".

هذا مستوى جديد تماماً من العقاب الجماعي، يتجاوز العقاب ليصل الى حيّز "الإبادة" (جينوسيد)، بلاغياً وواقعياً. وعلى الرغم من ذلك، لا شيء في الغرب سوى الهتاف لإسرائيل، حتى من ساسة كانوا يُعتَبرون "وسطيين". وأقصى ما قيل كان كلمات من قبيل "ضبط النفس" و"التناسب في الرد"، وهي "المصطلحات المراوِغة التي يستخدمونها عادة لإخفاء دعمهم لخرق القانون".

قبل عامٍ أدانت رئيسة المفوضية الأوروبية الضربات الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، قائلة "قطع المياه والكهرباء والتدفئة عن الرجال والنساء والأطفال مع قدوم الشتاء – هذه أعمال إرهاب خالصة... وعلينا أن نسمِّيها كذلك". وقد أشارت فرانشيسكا ألبانيز، المقرِّرة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة، إلى أن فون دير لاين لم تشر الى التدمير الأفظع للبنية التحتية الفلسطينية في غزة.

كذلك دعم وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس سياسة إسرائيل المتمثلة في تجويع مليوني فلسطيني في غزة، ورفع ريشي سوناك، رئيس وزراء المملكة المتحدة، العلم الإسرائيلي على واجهة مقر إقامته الرسمي. فيما تحمس ستارمر، الذي لا يرغب في أن يتفوق عليه أحد في دعمه لإسرائيل، لفكرة إضاءة قوس ملعب ويمبلي بألوان العلم الإسرائيلي. 

مقالات ذات صلة

من جهتها أوعزت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان للشرطة بالتعامل مع رفع الأعلام الفلسطينية والهتافات المطالِبة بتحرير فلسطين في الاحتجاجات الداعمة لغزة على أنها "أعمال إجرامية"، فيما لاحق طاقم القناة الرابعة التلفزيونية جيريمي كوربين في شوارع لندن الأسبوع الفائت، مطالبين إياه بـ"إدانة حماس"، ملمِّحين إلى أنّ أي عبارة أخرى لا تتضمن اعترافاً "بحق إسرائيل الذي لا جدال فيه"، ولو كانت إبداءَ قلقٍ حيال سلامة المدنيين في غزة، هي تصريحات تستبطن، بل تعادل معاداة السامية.

وفي سائر أوروبا، نفاق وازدواجية

أضيئت بوابة براندنبورغ في برلين وبرج إيفل في باريس والبرلمان البلغاري وغيرها من المباني الرسمية بالعلم الإسرائيلي، ووضعت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، العلم الإسرائيلي في البرلمان الأوروبي، مذكّرة أن "أوروبا تقف إلى جانب إسرائيل"، في حين كانت إسرائيل تتفاخر بقصفها غزة بـ6000 صاروخ (حتى الخميس في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023)، واستخدام الفسفور الأبيض المحرّم فوق الأماكن السكنية وقتل مئات الأطفال الفلسطينيين (وقد جاوزوا 1030 طفلاً حتى تاريخ كتابة هذه السطور).

قبل عامٍ فقط أدانت رئيسة المفوضية الأوروبية الضربات الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا باعتبارها جرائم حرب قائلة "قطع المياه والكهرباء والتدفئة عن الرجال والنساء والأطفال مع قدوم الشتاء – هذه أعمال إرهاب خالصة... وعلينا أن نسميها ذلك"، وقد أشارت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي المحتلة، إلى أن فون دير لاين لم تقل شيئا مماثلاً عن التدمير الأفظع للبنية التحتية الفلسطينية في غزة.

من جهتها، بدأت فرنسا بفض المظاهرات ضد قصف غزة وحظرها. وقد ردد وزير العدل الفرنسي أن التضامن مع الفلسطينيين يعني المجازفة بالانزلاق إلى إهانة المجتمعات اليهودية ويجب التعامل معه على أنه "خطاب كراهية"...

لا داعي للتذكير أن الولايات المتحدة الأميركية، وبطبيعة الحال، ثابتة في دعمها لأي شيء تقرر إسرائيل القيام به في غزة، كما أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وعد الرئيس جو بايدن إسرائيل بالأسلحة والمال، وأرسل "أثقل ما لديه" حسب وصف كوك، فبعث بحاملات الطائرات إلى المنطقة "لضمان الهدوء من جيران إسرائيل بالتوازي مع الغزو البري" المفترض.

لاحق طاقم القناة الرابعة التلفزيونية جيريمي كوربين في شوارع لندن الأسبوع الفائت، مطالبين إياه بـ"إدانة حماس"، ملمِّحين أنّ أي عبارة أخرى لا تتضمن اعترافاً "بحق إسرائيل الذي لا جدال فيه"، ولو كانت إبداءَ قلقٍ حيال سلامة المدنيين في غزة، هي تصريحات تستبطن، بل تعادل معاداة السامية

المسؤولون الغربيون يبدون سعداء جداً بهذا الاتجاه، "ليس فقط من أجل إسرائيل، بل من أجلهم أيضاً، لأنه في يوم من الأيام في المستقبل، قد يشكل سكانهم مشكلة بالنسبة لهم بقدر ما يمثل الفلسطينيون في غزة مشكلة لإسرائيل الآن"، منتهياً إلى أن ما يسميه المسؤولون "دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" يشكّل بالنسبة لهم "دفعة أولى على الحِساب".   

حتى أولئك الذين يتمثل دورهم الرئيسي في تعزيز القانون الدولي، مثل الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس، بدأوا يتأقلمون مع الأرضية المتغيّرة، مؤكدين فقط احترام "الاحتياجات الإنسانية" لغزة كجزء من وجوب احترام إسرائيل لقواعد الحرب.

خلاصات

بعد تشريح المشهد، يستخلص الصحافي المتخصص في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية جوناثان كوك، أنّ إسرائيل "نجحت" في جهودها لتغيير قواعد الحرب والقانون الدولي. "إن لغة القانون الدولي التي ينبغي أن تنطبق على غزة – أي القواعد والمعايير التي يجب على إسرائيل أن تلتزم بها - قد أفسحت المجال، في أحسن الأحوال، لمبادئ إنسانوية"، وتلك ليست إلا بعض "أعمالٍ خيرية" دولية يدعون إليها لترقيع معاناة أشخاص تُداس حقوقهم بشكل ممنهج ويتمّ قتلهم كل يوم.

مقالات ذات صلة

يخلص الكاتب إلى نتيجة مرعبة مفادها أن المسؤولين الغربيين يبدون سعداء جداً بهذا الاتجاه، "ليس فقط من أجل إسرائيل، بل من أجلهم أيضاً، لأنه في يوم من الأيام في المستقبل، قد يشكل سكانهم مشكلة بالنسبة لهم بقدر ما يمثل الفلسطينيون في غزة مشكلة لإسرائيل الآن". منتهياً إلى أن ما يسميه المسؤولون "دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" يشكّل بالنسبة لهم "دفعة أولى على الحِساب".

______________________

*يستند هذا التقرير إلى نص نُشر بالانجليزية في موقع "غلوبال ريسيرش" البحثي، بتاريخ 13 تشرين الأول / أكتوبر 2023. 

______________________

1-  Jonathan Cook, Lawless in Gaza: Why Britain and the West Back Israel’s Crimes. Published on 13 October 2023. https://www.globalresearch.ca/lawless-gaza-why-britain-west-back-israel-crimes/5836286
2-  GlobalResearch. مركز أبحاث حول العولمة  

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

للكاتب نفسه