ديفيد آتينبارا وأصحابه: أبطال خارقون للطبيعة

في الثامن من أيار عام 2022 احتفل المذيع الإنجليزي الأسطوري، السير ديفيد آتينبارا، بعيد ميلاده الـ96. وفي الشهر نفسه احتفل محبّوه ببث حلقات سلسلة أفلامه الوثائقية الجديدة «كوكب ما قبل التاريخ»، وهو ما تزامن أيضًا مع إتمام السير ديڤيد العام السبعين من مسيرته المهنية الفريدة! سبعون عامًا كاملة قضاها الرجل في تصوير وثائقيات الطبيعة والحياة البرية والتعليق عليها بصوته المميز.
2022-12-01

شارك

«تعتبر الطبيعة -في رأيي- المصدر الأعظم للإثارة، والمصدر الأعظم للجمال المرئي، والمصدر الأعظم للشغف العقلي. إنها المصدر الأعظم للكثير من الأشياء التي تجعل في الحياة ما يستحق الحياة».

– ديفيد آتينبارا

في الثامن من أيار عام 2022 احتفل المذيع الإنجليزي الأسطوري، السير ديفيد آتينبارا، بعيد ميلاده الـ96. وفي الشهر نفسه احتفل محبّوه ببث حلقات سلسلة أفلامه الوثائقية الجديدة «كوكب ما قبل التاريخ»، وهو ما تزامن أيضًا مع إتمام السير ديفيد العام السبعين من مسيرته المهنية الفريدة! سبعون عامًا كاملة قضاها الرجل في تصوير وثائقيات الطبيعة والحياة البرية والتعليق عليها بصوته المميز.

لا يسعنا هنا بالطبع أن نستعرض هذه المسيرة الخرافية، لكنني أحب في هذه المناسبة أن أتحدث قليلًا عما أوقعني شخصيًّا في غرام وثائقيات ديفيد آتينبارا، عن سلسلة أفلام وثائقية بعنوان «الحياة»، خصَّصَت لها شبكة «بي بي سي» ميزانية إنتاجية غير مسبوقة، فكانت نقلة عملاقة وفتحًا حقيقيًا في تاريخ الوثائقيات. عن تلك اللحظة التي سمعتُ فيها هذه الكلمات:

«كوكبنا هذا وطن لما يقرب من ثلاثين مليون نوع من أنواع الحيوانات والنباتات، كل فرد فيها يخوض -طوال حياته- معركته اليومية للبقاء. فأينما وجّهتَ بصرك -برًّا وبحرًا- وجدتَ أمثلةً مذهلة لتلك الجهود الخارقة التي تبذلها الكائنات، فقط لتبقى حية».

بهذه العبارة القصيرة البليغة بصوت ديفيد آتينبارا تبدأ سلسلة الأفلام الوثائقية «الحياة»، التي عُرض أول أجزائها العشرة على شبكة «بي بي سي» في أكتوبر 2009 ضمن «موسم داروين» الذي أطلقَته القناة احتفالًا بمرور مئتي عام على مولد عالِم الطبيعة الأشهر تشارلز داروين، ومرور مئة وخمسين عامًا على نشر كتابه «أصل الأنواع»، الذي أذاع العبارة الشهيرة «الكفاح من أجل البقاء». وهي العبارة التي تحدد الفلسفة العامة التي بُنيت عليها سلسلة وثائقيات «الحياة»، فقد اقتصر اهتمام صناع السلسلة على أكثر السلوكيات الحيوانية غرابة وتطرفًا، وأعقد وأعجب الممارسات التي تلجأ إليها الكائنات الحية في طلب الغذاء، والتزاوج، والحفاظ على النسل.

أبطال القنص

جاءت الحلقة الأولى بعنوان «تحديات الحياة» لتعرض هذه الفلسفة عبر أمثلة من مختلَف أنحاء ممالك الكائنات الحية. تبدأ الحلقة بلقطات تُسجَّل لأول مرة، لمجموعة من دلافين خليج فلوريدا، نجحت -خلال رحلة كفاحها من أجل البقاء- في تعلُّم طريقة عجيبة للصيد؛ فهي تتعاون معًا في السباحة في دوائر كبيرة حول تجمُّعات الأسماك، فتُهيّج حركاتُ أذنابها الأفقية القوية ذراتَ الطين الراقدة في القاع، لتصنع حلقات طينية تُحدِق بالأسماك وتخيفها، فتقفز خارج الماء هربًا منها، لتكون الدلافين -خارج الدوائر- في انتظار التقاط وجبة سهلة مشبِعة.

ثم ينتقل بنا الفيلم إلى سهول كينيا، حيث نتعرف على «عصابة» من ثلاثة أشقاء من الفهود الصيادة التي تعلمَت -هي أيضًا- حيلة جديدة لصيد فرائس أكبر كثيرًا من فرائسها المعتادة، فعادةً ما يَستهدف الفهدُ الصياد المنفرد غزالةً صغيرة فيتسابقان سباقهما المميت الذي قد ينتهي بهلاكها أو نجاتها لتحيا يوما آخر. لكن الأشقاء الثلاثة تعلَّموا أن التعاون قد يجني لهم ما يفوق طموحهم، ففي لقطة تُسجَّل لأول مرة أيضًا -والسلسلة تمتلئ بلقطات غير مسبوقة- تستهدف العصابةُ نعامةً بالغة! وهي مغامرة مميتة تتطلب جهدًا فائقًا وحذرًا كبيرًا، فقد تنتهي بركلة قاتلة من النعامة لأحد الفهود، وقاتلة كذلك للعصابة الصغيرة التي تحتاج إلى جهود كل فرد فيها. لكن العصابة تربح رهانها -على الأقل هذه المرة- فتجني ثمار كفاحها الذكي من أجل غذاء أكثر وفرة.

أبطال المراوَغة

لكن هذه المعارك الأزلية بين الصياد والفريسة ليست محسومة دائمًا، حتى مع تحالفات عصابات الصيادين ضد فريسة واحدة. فالكاميرا تأخذنا بعد ذلك إلى بحار القارة القطبية الجنوبية، حيث ترقد الفقمات في أمان من الحيتان القاتلة فوق كتل الجليد الضخمة كالقلاع، لكن فقمة وحيدة تعبر المياه المفتوحة غير منتبهة إلى سرب الحيتان القاتلة الذي انطلق خلفها، وبالتفوق الكاسح للحيتان، لا تجد الفقمة سلاحًا سوى الحيلة، فتلجأ إلى كتلة جليدية ضئيلة عائمة لتبدأ لعبة اختباء مع مطارِديها، حيث تحاول إخفاء نفسها خلف هذه الكتلة، والدوران حولها كلما هاجمها حوت. وتستمر اللعبة حتى تزهد الحيتان في صيد هذه الفقمة المراوِغة التي تربح جائزة اللعبة في النهاية: حياتها.

سرب من الحيتان القاتلة يتعاون للإمساك بفقمة واحدة. تصوير: كالان كاربينتر. ويكيميديا.

ولمراوغة الفرائس أمثلة أخرى أكثر إدهاشًا، فعندما يكون الصياد هو سمك المرلين الشراعي -وهو السبّاح الأسرع في العالم- تنعدم الفرص أمام الفريسة في السباحة هربًا، بالذات في المياه المفتوحة حيث لا مكان يصلح للاختباء أو المراوغة، فالهروب مستحيل تقريبًا إلا بالخروج من الماء نفسه والطيران في الهواء! وهو المشهد المذهل الذي تنقله لنا -بالحركة البطيئة- كاميرات فائقة الجودة والسرعة لتلك الأسماك العجيبة التي تستحق بكل جدارة اسم السمك الطيّار.

السمك الطيَّار وسباحة حرة في الهواء! تصوير: مايك برينس. ويكيميديا.

مباريات نباتية

ومنافسات الغذاء هذه ليست قاصرة على مملكة الحيوان، فللنبات وسائل دفاعية عديدة تحميه من الحيوانات في معارك البقاء. ينقل لنا الفيلم مثالًا من البرازيل، حيث تتميز ثمار النخيل بصلابة شديدة في قشرتها التي لا يستطيع أي حيوان تحطيمها بأسنانه. غير أن قرود الكبوشي قد تعلَّمَت طريقة فريدة لفتح هذه الثمار القاسية والوصول إلى لُبِّها الطري الشهي؛ فهي تنتزع بأسنانها القشرة الخارجية الهشة، ثم تترك الثمرة تحت أشعة الشمس لأسبوع أو أكثر حتى تجف قشرتها الصلبة تمامًا، ثم تأخذها إلى «كسارة البندق»! نعم، فقرود الكبوشي تضع الثمار الجافة على «مائدة» حجرية صلبة، ثم تهوي عليها بحجر آخر أشد صلابة تُمسكه بالكفّين معا، فتتحطم القشرة الجافة «بين المطرقة والسندان»! هذه التقنية البديعة تتطلب مهارة فائقة، وخبرة طويلة، فقد يُنفق القرد الصغير ثماني سنوات من عمره في التدريب قبل أن يتقنها!

بقية التقرير على موقع "حبر".


وسوم: بحث علمي

مقالات من العالم العربي

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

أطفال عراقيون وسوريون في شوارع الناصرية.. بين التسول واستغلال الشبكات الإجرامية

2024-11-21

حالات الاتجار بالبشر تشمل أيضا استغلال الأطفال في الأعمال الشاقة مقابل أجور زهيدة، بالإضافة إلى استغلالهم لأغراض أخرى، بما في ذلك الترويج وبيع المخدرات. هذه الظاهرة لا تقتصر على الأطفال...