عرف العربُ مقولة "إسرائيل الكبرى"، وربما بالغوا في أسطرتها إلى حد اعتبار هزيمتهم في 1967 ملحمة صمود بما أن "إسرائيل" لم تحقق خلالها كامل مشروع "إسرائيل" الكبرى" من النيل إلى الفرات. وبقدر ما كان ذلك الوعي أسطورياً، فإنّه يحوّل تلك المقولة الأيديولوجية الصهيونيّة -التي ربما كانت في طريقها إلى الضمور ذاتياً- إلى مشروع سياسي واقعي يتخيله العربي ويحاربه كطواحين الهواء، بقدر ما كان الارتداد عنها إلى وعي زائف يتبنى نقيضها ممكناً؛ وهكذا أمسى العرب يرون إمكان الوصول إلى تسوية مع "إسرائيل" لا يدفع ثمنها سوى الفلسطينيين، باعتبار "إسرائيل" كياناً عاقلاً لن يسعى إلى إيذاء الجيران طالما بقي الجيران أليفين بما فيه الكفاية.
لم يحوّل العرب المقولة/الأسطورة إلى مفهوم يمكن أن ينبني عليه تصور عقلاني للصراع مع "إسرائيل"، فـ"إسرائيل" الكبرى" ليست بالضرورة إقليماً ممتداً من النيل إلى الفرات، بل هي مفهوم للشرط التاريخي للوجود الإسرائيلي: إلغاء العربي من خلال بسط النفوذ الإسرائيلي على كامل النطاق الحيوي العربيّ، بقصد تحديد آفاق التنمية في ذلك النطاق لإبقاء العرب تحت خط الانصياع اللازم لأمن "إسرائيل" ومصالحها.
ليست صفقة ولا هي تسوية
01-02-2020
بهذا المعنى، فإنّ "إسرائيل الكبرى" هي الوجه الآخر لفلسطين الكبرى، فلسطين لا تمتد من البحر إلى النهر، وإنما من المحيط إلى الخليج، وسكانها ليسوا الفلسطينيين فحسب، وإنما مجمل العرب. فلسطين الكبرى هي التعبير عن مشروع فلسطنة العرب جميعاً، بما أن تلك الفلسطنة شرط وجود الإسرائيلي الذي لا يمكنه أن يتغاضى عنه.
(...)لا يمكن أن تعني تسوية ما على حساب الفلسطيني شيئاً جادّاً عربيّاً، ولا فلسطينيّاً بطبيعة الحال، فالتنافي بين الإسرائيلي والعربي سيظل قائماً، بل ربما تفضي التسوية إلى تنامي وعي استحالة التسوية عند العرب، بعد أن يتضاعف الاحتكاك المباشر مع الإسرائيلي ويمسي أعنف بحكم المباشرة بعد أن يختفي الوسيط الفلسطيني، فالقمع والنهب وتقويض السيادة الوطنية، وكلها ممارسات يومية إسرائيلية في فلسطين، ستتحول بفعل تلك التسوية، إلى ممارسة يختبرها كل عربي بعد أن كان يكتفي بمتابعتها تلفزيونياً في الأراضي المحتلة بما سمح بتنامي وهم فلسطين الصغرى و"إسرائيل" الصغرى كذلك، وحينها ستفشل آليّات التسكين الفصامية التي اخترعتها الجماهير العربية لمداواة ضمائرها .
بقية المقال على موقع متراس