السؤال: ماذا تفعل بهزيمتك؟

 فلسطين الآن، وأكثر من أي وقت مضى، جزء من المعركة الشاملة الدائرة على مستوى العالم بخصوص نوعية الحياة التي يريدها البشر، وهي معركة تخص السياسة والبيئة والحقوق ونمط الإنتاج..
2017-01-19

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
نضال الخيري - فلسطين

حملت أخبار فلسطين اليوم أن قرية أم الحيران البدوية في شمال النقب هُدمت، وأن شاباً من أبنائها استشهد أثناء مقاومة العملية.
قاومت أم الحيران لسنوات قراراً إسرائيلياً بهدمها وتهجير أهلها، وهو ما سيتم للمرة الرابعة! فهم تنقلوا مرتين من قرية كانوا يفلحون أرضها قبل نشوء إسرائيل في 1948، إلى أن استقروا في هذه البقعة بأمر ــ وإجازة ــ من الحاكم العسكري الإسرائيلي (منذ 60 عاماً، في منتصف خمسينات القرن الماضي). لكن القرية بقيت "غير معترف بها"، كما هو حال 38 قرية أخرى في النقب يسكنها حوالي 100 ألف فلسطيني.*
وقد نص مخطط "برافر" (  Prawer plan)* على هدم تلك القرى، على الرغم أن معظمها قائم قبل وجود إسرائيل تلك نفسها. وأقر "الكنيست" هذا القانون في حزيران/ يونيو 2013، وهو يسمح لإسرائيل بأن تستولي بموجبه على أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب وتهجِّر 40 ألفا من سكانه. والقانون مبني على توصية من وزير التخطيط الإسرائيلي أيهود برافر عام 2011 لتهجير سكان تلك القرى وتجميعهم في ما يسمى بـ"بلديات التركيز"، حيث يقيمون في مبانٍ أشبه بالمغازل، وبلا إمكانية لممارسة أي من نشاطاتهم الاقتصادية (الزراعة والرعي)، وبانقطاع تام عن تقاليدهم وروابطهم الاجتماعية.

يعتبر الفلسطينيون أن هذا المخطط الذي بدأ اليوم بتنفيذه مع هدم قرية أم الحيران ــ بعدما كان قد جُمِّد بفضل حملة كبيرة ضده، محلية ودولية ــ هو أحد أوجه النكبة المستمرة اللاحقة بهم. ومن السخف اعتداد السلطات الإسرائيلية بتأييد "المحكمة العليا" لقرار الهدم، فهذا أشبه بإلزام المغتصَبات بعقد زواج يمحو الفعل الجرمي ويعفي المغتصِب من المساءلة (قانون متوفر في معظم البلدان العربية!). ومن السخف كذلك الانزلاق إلى محاجة قانونية ــ إجرائية مع تلك السلطات، قد تطغى على طبيعة القرار نفسه بوصفه عنصرياً وعنفياً، ولكنه قبل كل شيء مطابق تماماً لطبيعة إسرائيل التي لا يمكن إلا أن تكون تلك هي صفاتها، وهي تنتهي غداً لو كانت غير ذلك.

سبق هذه المحاولة "الناجحة" لهدم وتهجير أم الحيران، محاولات عديدة كان آخرها في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. يومها هرع إلى القرية عشرات المتضامنين، فلسطينيين وإسرائيليين، ومعهم بعض النواب العرب في الكنيست، وصحافة من العالم.. فـ"تأجل" التنفيذ.

قد ينظر الى الحدث على أنه "محدود"، ولكن مأساة البشر حين تقع على أية جماعة، وعلى إنسان فرد، هي دوماً عظيمة. وصحيح أنه في السنوات الأخيرة هُدمت في سوريا مثلاً مدن بأكملها بفعل القصف المريع، ووصل عدد المهجرين من أبنائها إلى الملايين، وعدد الضحايا إلى مئات الألوف (وحدث في العراق وليبيا واليمن وسواها..)، ولكن لا يوجد جريمة تبرر أخرى أو تخفف من وطأتها. وهذه المبادئ تحديداً ليست نظرية ولا شعرية، بل تبنيها هو بالتأكيد أحد مداخل الخروج من الخراب الذي نقبع فيه، والذي يبدو كحلقة مفرغة لا فكاك منها، وذلك تحديداً لأن الاستنكار والمجادلة السائدين والمهيمنين اليوم لا يقومان على مبادئ قيمية مشتركة يمكنها أن تكون إحدى نوافذ الحل العام.

وعلى مستوى آخر، ففلسطين ليست "ضائعة" ويجدر غسل الأيدي منها والالتفات إلى هموم أخرى. هذا هو الوهم بعينه. فعلى الرغم من جبروتها، فإن إسرائيل تجري إلى طريق مسدود وتكاد اليوم تصطدم بنهايته. وهذه واقعية مبنية على تحليل ومعطيات وليست هي الأخرى تنظيراً ولا شعراً ولا عواطف. والأمر عائد إلى طبيعة تكوينها من جهة، وإلى المقاومات ضدها: المسلحة والسلمية، صغيرها وكبيرها.. التي لم تتوقف يوماً. وفلسطين الآن، وأكثر من أي وقت مضى، جزء من المعركة الشاملة الدائرة على مستوى العالم بخصوص نوعية الحياة التي يريدها البشر، لهم اليوم ولأبنائهم من بعدهم. وهي معركة تخص السياسة بمقدار ما تخصّ البيئة والحقوق ونمط الإنتاج الخ.. وكلّ قناعة وكل موقف وكل إرادة وكل مبادرة تهمّ. فأين تقفون؟

مراجع:
* "عرض لنكبة القرى غير المعترف بها"ـ إعداد المحامية سهاد بشارة، مركز عدالة
* "مخطط برافر" - متابعة من إعداد مركز عدالة

مقالات من فلسطين

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...

ما الذي تسعى له السلطة في مخيم جنين؟

2024-12-19

بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا، وفي أعقاب اجتياح اسرائيلي لمخيم جنين أسفر عن تدمير واسع للبنى التحتية...

البحث عن فلسطين في "مونستر": عن تطوّر حركات التضامن مع فلسطين وقمعها في مدينةٍ ألمانية

صباح جلّول 2024-12-11

يتفق الناشطون على فكرة ضرورة إجراء تقييم مستمر لهذه الحركات، خاصة في ظل محدودية قدرتها عالمياً على تحقيق الضغط الكافي لإيقاف الإبادة، هدفها الأول من بين عدة أهداف أخرى طويلة...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...