الحركةُ النسويةُ في مصر حيةٌ لم تَمُت

الفرضية التي ننطلق منها تقوم على أن المجال العام (الآمن) يُتيح للنساء الدفاع عن حقوقهن، وتحسين شروط مشاركتهن في البنية المجتمعية والاقتصادية القائمة. إلا أن إغلاق هذا المجال يعني بالضرورة ليس فقط أنه غير مُتاح، بل أيضاً أنه غير آمن.
2019-09-08

مُزن حسن

المديرة التنفيذية لـ"نظرة للدراسات النسوية" وهي حائزة على جائزة "شارلوت بانش للمدافعات عن حقوق الانسان" وجائزة نوبل البديلة.


شارك
سعاد نصر مخول - فلسطين

ما زال طرح قضايا النساء يصطدم بعوائق وحواجز وعقبات وصعوبات في المجتمع المصري. وأقَلُ ما يُقالُ على هذا الصعيد أن تمثيل المرأة في الوظائف العامة والمجالس المنتخبة ليست مسائل سَهلة على الإطلاق. إلا أن أكثر االأمور دقةَ وحساسية في هذا السياق، هي في واقع الأمر تلك التي تتعلقُ بالاعتداءات على النساء والعنف ضدهن والتحرش الجنسي. وتحتاج معالجة تلك القضايا إلى أكثر من مجرد الإرادة السياسية، إنْ وُجدت، وتتطلب تعميقاً لسيادة القانون وإنفاذه، والتخلص مما يشوب المنظومة القانونية من عيوبٍ تجعل من تلك الممارسات ممكنة، والأسوأُ طبعأً أن تستمر من دون عقاب أو مُساءلة.

ولربما كان الوقت الآن مناسباً، أكثر من أي وقتٍ مضى لمراجعة أين نقف كحركة نسوية تنشطُ من أجل إدماج القضايا النسوية والنوع الاجتماعي في المجالين الخاص والعام، وتحديد معالم الأجندة العامة لهذه الحركة في السياق الاجتماعي القائم في مصر حالياً. وعلى الرغم من أن هذه الدعوة للمراجعة لا يُمكنها، في واقع الأمر، ان تُوفر استعراضاً شاملاً لشجون هذه الحركة ومآلات مسارها، إلا أنها تسعى جاهدةً إلى طرح تصورٍ حول المكونات الرئيسة لهذه الاجندة.

وفي المقام الأول، فإن المجال العام (والسياسي) في مصر يكاد يكون مقفلاً بالكامل. وهذا ليس فيه أي تجني أو افتراض، بل هي حقيقة دقيقة يترتب عليها موائمة الطروحات حول دعم وجود النساء ومشاركتهن الفعالة في المجال العام وقياس فاعلية هذه الطروحات. والفرضية التي ننطلق منها تقوم على أن المجال العام (الآمن) يُتيح للنساء الدفاع عن حقوقهن، وتحسين شروط مشاركتهن في البنية المجتمعية والاقتصادية القائمة. إلا أن إغلاق هذا المجال يعني بالضرورة ليس فقط أنه غير مُتاح، بل أيضاً أنه غير آمن. كما أن معيار انفتاح المجال السياسي من عدمه يؤثر في إمكانية ممارسة الضغط لانتزاع حقوق أكثر.

ينبغي الإقرار بتحقيق نجاحات مهمة في مواجهة العنف الجنسي ضد المرأة. وقبل عامين أو أكثر، كنا نناقش تعاظم الدور الذي تلعبه مجموعات نسوية شابة ومجموعات داخل الأحزاب السياسية تقوم بالعمل على فتح النقاش وادراج سياسات مهتمة بهذه القضايا، مما جعل هذه التجمعات والأحزاب السياسية أكثر حساسية تجاه هذه القضايا مما سبق.

ويترافق مع ما سبق خُلاصةٌ لا غنى عنها تُفيد بأن النخبة في مصر غير داعمة لقضايا النساء. وفي الحقيقة، فإن المجهود المبذول مع النخبة السياسية والمجتمع بمختلف فئاته لدمج قضايا النساء في أجندتهم كانت تاريخياً - وعلى مدار السنوات المنصرمة - أكبر بكثير من ذاك المبذول للقيام بالمهمة نفسها مع جهات أخرى من دوائر أوسع.

لكنَ علينا أن نُذكّر بأن هناك مكاسب تحققت بالفعل في السنوات الأخيرة، يجب أن نعزوها لجملة من الأسباب أهمها انفتاحات نسبية في المجال العام وتأصيل العمل على بناء حركة نسوية قاعدية، بالإضافة إلى اتساع إطار النقاش سياسي الطابع حول القضايا المتعلقة بالنساء.

وعلى سبيل المثال، ينبغي الإقرار بتحقيق نجاحات مهمة في مواجهة العنف الجنسي ضد المرأة. وقبل عامين أو أكثر، كنا نناقش تعاظم الدور الذي تلعبه مجموعات نسوية شابة ومجموعات داخل الأحزاب السياسية تقوم بالدفع باتجاه الاهتمام بقضايا النساء والدفاع عنها، مما جعل العمل على فتح النقاش وادراج سياسات أكثر حساسية تجاه هذه القضايا أكبر مما سبق. كما أننا نستحضر هنا نسقاً مُتتالياً من المبادرات المعنية بقضايا التحرش والاعتداءات الجنسية وانتقالها من محافظة إلى أخرى. وظهرت على السطح مجموعات لم تكن معروفة في السابق وقامت بتشكيل غرف عمليات مثلاً، للتعامل مع حوادث التحرش الجنسي خلال التجمعات السياسية، والتي ظهر دورها جليا منذ 2011 .

وعلى الرغم من أننا نرى أن قضية العنف ضد المرأة هي قضية مجتمعية بالأساس، وأن صدور القوانين والإصلاح التشريعي وحده غير كافي دون تغيير مجتمعي، إلا أن صدور أحكام في قضايا العنف والتحرش الجنسي وتغيير التشريعات المرتبطة بالعنف ضد المرأة واقرار بعض السياسات يساعد على وصم ذلك الفعل وينزع القبول المجتمعي عنه. ومن هذه الأحكام المهمة، الحكم الصادر بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2014 في "قضية 8 يونيو" (محاكمة المتهمين بالاعتداءات الجنسية في ميدان التحرير بالتزامن مع احتفالات تولي عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية). وشكلت الأحكام الصادرة في القضية مكسباً نوعياً.

على الرغم من أننا نرى أن قضية العنف ضد المرأة هي قضية مجتمعية بالأساس، وأن صدور القوانين والإصلاح التشريعي وحده غير كافٍ دون تغيير مجتمعي، إلا أن صدور أحكام في قضايا العنف والتحرش الجنسي وتغيير التشريعات المرتبطة بالعنف ضد المرأة يساعد على وصم ذلك الفعل وينزع القبول المجتمعي عنه.

وبين الحين والآخر يعود السؤال حول مدى شعبية واتساع قاعدة الحركة النسوية في مصر، ليضع مسائل مهمة في النقاش. وفي الحقيقة، فإن ظهور حركة قاعدية واسعة في السياق الحالي في مصر أمر مُستبعد. إلا أن ذلك لا يوفر مُبرراً لجلد الحركة النسوية من دون النظر للظروف المحيطة بها.

الحركة النسوية ليست حركة نخبوية، إلا أن غياب قواعد مجتمعية واسعة النطاق داعمة لها خاصة مع انغلاق المجال العام، يشابه ويتطابق إلى حد كبير مع عدم وجود حركة عمالية واسعة في مصر مثلاً، أو حركة مجتمعية واسعة تُناهض التعذيب، أو تدافع عن مطلب الحد الأدنى للأجور أو عن المطالبة بمجالٍ عام مفتوح والعمل من أجله. ومن الضروري جداً أن نُذكر بأن اتساع الدعم المجتمعي للحركة النسوية يتطلب "مجالاً آمناً" لتحرك النساء وهو، وإن توفر لبرهة من الوقت في أعقاب "ثورة 25 يناير"، إلا أنه لم يعد كذلك حالياً.

كما أن هناك طبعاً علاقة جدلية بين نمو وبناء الحركة النسوية ونمو وبناء منظمات المجتمع المدني، على الرغم من أن الشرط ذاك مرتبط بالجهد الإداري المطلوب في أعمال مثل كتابة التقارير للمانحين، وتقارير الاجتماعات والفعاليات الدولية، وحضور هذه الفعاليات، وهو ما يستنزف، وقد استنزف بالفعل مجموعات صغيرة في الأصل، من المهتمات بالعمل النسوي. عبء اضافي إذاً: تشكيل مجموعات وحركات قاعدية من جانب والعمل المؤسسي من جانب آخر.

الحركة النسوية ليست نخبوية، إلا أن غياب قواعد مجتمعية واسعة النطاق دعمة لها، يشابه ويتطابق إلى حد كبير مع عدم وجود حركة عمالية واسعة في مصر مثلاً، أو حركة مجتمعية واسعة تُناهض التعذيب، أو تدافع عن مطلب الحد الأدنى للأجور أو عن مجالٍ عام مفتوح والعمل من أجله.

ليس وضعنا حالياً هو الأفضل، وبعضنا مشغول في الواقع في مواجهة قيود وعراقيل، بعضها في غاية الفداحة على المستوى الشخصي، مثل المنع من السفر وتجميد الأموال والحسابات، وإغلاق المنظمات. لكن الحركة النسوية في مصر، والتي تشرفتُ بأن أكون جزءاً من مناضلاتها، حققت الكثير من النجاحات في السنوات الماضية. ليس أول هذه النجاحات وضع قضية العنف الجنسي على أجندة الدولة والمجتمع، واتساع إطار النقاش حول التحرش ليمتد حتى الى داخل البيوت المصرية، وإحالة أساتذة جامعات للتحقيق بسبب تحرشهم بطالبات. وليس آخر هذه النجاحات استجابة المواد الخاصة بالنساء في الدستور (الحالي) وان كان بشكل نسبي لمتطلبات وجود النساء في المجال السياسي، وهو ما قد يُشكل أرضية يمكن الانطلاق منها مرة أخرى للحصول على حقوق أخرى سواء في جيلنا أو في عهد الأجيال اللاحقة.

ولنا أن نرى نجاحات الحركة النسوية المصرية في أقلام وكتابات اليافعات عن قضايا النساء في الوسائط المختلفة وتحديداً على الإنترنت. إلا أن ما يضعنه من أفكار ورؤى يبقى في غاية الأهمية، ويُمهد لبيئة تستفيد منها أجيال لاحقة وتنقلها لمستويات أبعد.

ونفخر بأن نرى ناشطات ارتبطن بالشأن العام مع الثورة مثلاً، وقد أصبحنَ الآن حاضنات لقضايا النساء ولخطاب نسوي.

اقرأ/ي أيضا

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...