جان بول ماهو*
Jean Paul Mahoux
لا. ليس الاحتباس الحراريّ هو ما قتل عشرة آلاف شخص في ليبيا، دون الحديث عن المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الذين لم يتمّ إحصاؤهم: النفط هو القاتل.
من المؤكد أن كمية الأمطار التي هطلت خلال 24 ساعة تعادل أمطار عام كامل، وعلى أرض شديدة الجفاف وغير قادرة على امتصاص هذا القدر من المياه. ومن المؤكد أنّ إعصار البحر الأبيض المتوسط (Medicane Daniel) هو وحش وُلِد من ظاهرة الاحتباس الحراري. ولقد أوضحت وسائل الإعلام الآليات الاستوائية جيداً: بحر دافئ + جبهة باردة = إعصار/ أمطار غزيرة + أرض جافة = فيضانات.
لكن الليبيين يعرفون أن المشكلة تكمن في مكان آخر: تنبأ بها عام 2022 تقريرٌ كتبته إدارة ليبيّة شبحيّة: "يجب علينا بشكل عاجل صيانة وتقوية سدَّي درنة، وهناك حاجة إلى سدّ ثالث، وعلينا توظيف اشخاص للسيطرة على بوابات الفيضان، وعلينا إيقاف التوسّع الحضري المجنون والمتوحّش على طول النهر".
ولم تُتَّخذ أيّ خطوة. هل قُرئَ التقرير حتى؟
لا دولاراً واحداً لتخطيط المدن، ولا سنتاً لإدارة المياه. في هذه "الدولة الفاشلة"، أي ليبيا، توجد بنية تحتيّة صيانتها جيّدة، وبنية تحتية تُبذَل لها استثمارات ضخمة، وبنية تحتيّة تستحوذ على كلّ اهتمام القادة، وهي آبار النفط وخطوط الأنابيب.
أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا موجود في ليبيا: 42 مليار برميل، ما يعادل 3 بالمئة من الإحتياطي العالمي، ويبلغ الإنتاج الحاليّ 1.2 مليون برميل يومياً أو 14 مليار دولار سنوياً. ويختزن حوض سرت بمفرده 80 بالمئة من الاحتياطيات.
ليبيا ما بين هلال غائم وثروات لم تبصر النور
31-03-2017
فن الحرب: تفكيك أوصال ليبيا
12-02-2014
ومَن يتحكّم بهذه الثروة المدهشة؟ حكومتان تتنافسان على السلطة منذ 10 سنوات: حكومة طرابلس (التي تسيطر على الغرب) المعترف بها من الأمم المتحدة وتدعمها دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي صديقة للإخوان المسلمين، هي تركيا، التي تمتلك قاعدة بحرية في "مصراتة" وتحلم بدحرجة ليبيا إلى مدارها العسكري والتجاري، وحكومة بنغازي-درنة (التي تسيطر على الشرق)، بقيادة الماريشال حفتر، مدعوماً من حلفاء آخرين في الغرب مناهضين للإخوان، وجيش مصر، والإمارات العربية المتحدة، وأيضاً روسيا وسوريا.
يتمّ إنتاج معظم الذهب الأسود في الشرق، لكن البنك المركزي في طرابلس الغرب يقوم بتوزيع الأموال. يتصادم جميع هؤلاء الصغار، ويهدّدون بقطع صمّامات الأنابيب، لكنهم في نهاية المطاف يتّفقون على تقاسم الأرباح. وعلى رأس الهرم يوجد شركاؤهم: "شركة النفط الوطنية الليبية"، والشركات متعددة الجنسيات "ريبسول" (مقرها في إسبانيا)، و"توتال" (فرنسا)، و"OMV" (النمسا)، و"ستات أويل" (النرويج)، و"إيني" (إيطاليا) وهي أوّل مشغّل للغاز وتسيطر على 80 بالمئة من إنتاج الغاز الطبيعي الليبي وستستثمر 8 مليارات دولارٍ في البحار لأحواض جديدة.
أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا موجود في ليبيا: 42 مليار برميل، ما يعادل 3 بالمئة من الإحتياطي العالمي، ويبلغ الإنتاج الحاليّ 1.2 مليون برميل يومياً أو 14 مليار دولار سنوياً. ويختزن حوض سِرت بمفرده 80 في المئة من الاحتياطيات.
وهناك مجموعة "فاغنر" التي تسيطر على حقلين صغيرين لاستخراج الغاز الليبي في الصحراء، ومجموعة "شلومبرغير"، وهي شركة خدمات ومعدات نفطية متعددة الجنسيات مقرّها في الألزاس الفرنسية ولكنها تنتمي إلى صناديق مؤشرات "وول ستريت". ومنذ هذا العام، انضمّت شركة النفط الروسية "روسنفت"، ثاني أكبر شركة روسية بعد "غازبروم"، ومقرها الرئيسي في الكرملين، ولكن رأسمالها يضم شركة "بريتيش بتروليوم" و"قطر إنفستميت" وشركتين أنجلوسكسونيتين لا يمكن استثناؤهما "بلاك روك" و"HSBC".
في الخلاصة: لا تقتل الطاقة الأحفورية الناس فقط من خلال التسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي وتسبّبها تالياً في اضطرابات جحيميّة للمناخ. إن الطاقة الأحفورية تقتل الناس بشكل مباشر بسبب تركيز كلّ اهتمام عليها وكلّ وسائل القادة الفاسدين والرأسماليين الجشعين الذين لم يعودوا يستثمرون فرنكاً واحداً في تأهيل الأراضي وحماية السكان. وبينما يجعلنا هؤلاء نعتقد أنهم يناضلون من أجل الديمقراطية إلا أنهم يتعايشون مثل اللصوص، وبينما تتدفق أنابيب الذهب الأسود إلى خزانات الرأسمالية، تنفجر السدود. يموت الناس. إنها مجرد البداية... إلّا إذا أوقفناهم.
ترجمة "السفير العربي" للنص الاصلي بالفرنسية، نقلاً عن فيسبوك
*كاتب وباحث من بلجيكا