الشمعدان اليهودي في "مارينا دلتا" مصر: هل يخفي التصميم رسالة سياسية؟

المثير للجدل أن الصور أظهرت تشابهاً كبيراً مع تصميم الشمعدان السباعي (المينوراه)، المعروف كرمز ديني وتراثي لليهود، ما طرح تساؤلات عن القائمين على المشروع، والشركة المالكة، وتكهنات حول التطبيع عبر وساطة خليجية، نظراً للاستثمارات الخليجية المتزايدة في الساحل الشمالي المصري. امتد الجدل المثار إلى الإعلام العربي والدولي، إذ وُصف المشروع بأنه "مستوطنة صهيونية في قلب الدلتا"، مع مطالبات بتحقيق رسمي، للإجابة على تساؤل: هل الشبه مصادفة معمارية أم جزء من مخطط متعمَّد؟
2025-09-18

رباب عزام

صحافية من مصر


شارك
الشمعدان وفق خرائط غوغل

في الأسبوع الأخير من شهر آب/ أغسطس المنصرم، ساد جدل على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، عقب تسريب صور بالأقمار الصناعية لمنتجع سياحي، يحمل اسم "مارينا دلتا لاجونز" (Marina Delta Lagunes) في محافظة كفر الشيخ، الواقعة شمال العاصمة القاهرة. المثير للجدل أن الصور أظهرت تشابهاً كبيراً مع تصميم الشمعدان السباعي (المينوراه)، المعروف كرمز ديني وتراثي لليهود، ما طرح تساؤلات عن القائمين على المشروع، والشركة المالكة، وتكهنات حول التطبيع عبر وساطة خليجية، نظراً للاستثمارات الخليجية المتزايدة في الساحل الشمالي المصري.

امتد الجدل المثار إلى الإعلام العربي والدولي، إذ وُصف المشروع بأنه "مستوطنة صهيونية في قلب الدلتا"، مع مطالبات بتحقيق رسمي، للإجابة على تساؤل: هل الشبه مصادفة معمارية أم جزء من مخطط متعمَّد؟

فما حقيقة الأمر؟

خلفية المشروع: رؤية وطنية أم نفوذ خارجي؟

المنتجع السياحي على ساحل البحر المتوسط بالقرب من مدينة المنصورة الجديدة ومصيف بلطيم، يقع ضمن حيّز مشروع الدلتا الجديدة (مساحته كمشروع تنموي تبلغ حوالي 2.2 مليون فدان)، ويهدف إلى استصلاح حوالي مليون فدان، وتعزيز السياحة والزراعة، تحت إشراف جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة". وقد افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسي في العام 2022، ويضم ثلاثة مشاريع، تتمثل في: مشروع الدلتا، ومشروع مستقبل مصر، ومشروع جنة مصر.

في سياق الجدل المشتعل، يبرز دور الشركات المطوِّرة للمشروع، إذ يشكك البعض في خلفياتها بحثاً عن روابط دولية. لكن وبحسب المعلومات المتاحة، فإن المطوّر الرئيسي لتلك المارينا، هي الشركة المصرية "دلتا كابيتال للتطوير العمراني"، التي تأسست في العام 2015، بمجلس إدارة من مستثمرين مصريين بالكامل. وتمتلك حالياً - حسب موقعها الرسمي - أربعة مشاريع: (مارينا دلتا- مارينا دلتا لاجونز- بلو بيتش- وإيسلا)، تتوسط أربع محافظات في دلتا مصر، هي: دمياط، والمنصورة بمحافظة الدقهلية، وكفر الشيخ، وطنطا بمحافظة الغربية، والإسكندرية. وتبتعد عن القاهرة بحوالي 208 كيلو متراً).

تعكس تلك التكهنات مخاوف أوسع من "تغلغل صهيوني" غير مباشِر، مدفوعة بالسياق السياسي الراهن بالغ الحساسية، بما في ذلك التعاونات الاقتصادية المصرية-الإسرائيلية، في مجالات الغاز والزراعة. هذه المخاوف تتفاقم مع تزايد الشكوك حول دور أبوظبي كوسيط محتمل وغير مباشر للنفوذ الإسرائيلي في مصر، خاصة بعد اتفاقية التطبيع في العام 2020. على سبيل المثال، يثير رجل الأعمال الإماراتي محمد العبّار، رئيس شركة "إعمار العقارية"، الجدل بسبب استثماراته الضخمة في مصر، مثل مشروع "مراسي البحر الأحمر"، القريب من مناطق المواجهة مع كيان الاحتلال.

عملت الشركة في مجال التطوير العقاري والاستثمار بمفردها، حتى العام 2019، حينما أُعلن عن تعاونها مع الشركة المصرية للمشروعات الترفيهية والسياحية (إيسيتا)، التابعة لمجموعة الأهلي صبور للتطوير العقاري (يمتلك رئيسها 60 في المئة من أسهمها، فيما يمتلك البنك الأهلي المصري الحكومي نسبة 40 في المئة من المجموعة، التي تعمل في السوق المصري المحلي منذ العام 1994)، لإدارة مشروع "مارينا دلتا"، بهدف إعادة تأهيل الساحل الأوسطي في دلتا مصر، ليصبح مقارباً للساحل الشمالي. وقتئذٍ نوّه حسين صبور - رئيس مجلس الإدارة - إلى أن إقليم الدلتا يستحوذ على حوالي 33 في المئة من حجم الاستثمارات في كامل مصر، ما يُظهِر أن اهتماماً خاصاً أثير باتجاه دلتا النيل في مصر، خاصة منطقة الدلتا الجديدة، التي تُعد امتداداً للإقليم القديم[1]، وأن رؤوس الأموال ستتجه بشكل حثيث في المرحلة المقبلة إلى الاستثمار فيها.

ولم تكن تلك الشراكة الوحيدة بين الشركة المالكة لـ "مارينا دلتا"، إذ أعلنت في تموز/ يوليو من العام الجاري، عن تعاونها مع شركة "ناشيونز أوف سكاي"، وهي شركة مصرية حديثة أُسست العام الماضي. جاء التعاون لإطلاق مشروع "إيسلا" في مدينة المنصورة الجديدة، التي سُمّيت كعاصمة للساحل الشرقي (تعتمد على شراكات تجارية مع شركات مصرية أخرى من مثل: بالم هيلز، وماونتن فيو. بناءً على المعلومات المتاحة، لا تربطها علاقة مباشرة بجهات حكومية خليجية، ولا توجد أدلة على تمويل خارجي)، ما يدل على توسع "دلتا كابيتال" في شراكات حتى اللحظة مع شركات مصرية محلية فقط.

يدحض ذلك ما أثير حول ملكية المشروع لشركة أجنبية أو عن وجود شريك خليجي، وذلك بحسب ما توصلنا إليه من معلومات حتى اللحظة.

تواصلنا هاتفياً وكتابياً مع خدمة العملاء الخاصة بالشركة المذكورة، في محاولة منّا للحصول على رقم للتواصل مع العلاقات العامة أو أحد مسؤولي الشركة، لكنهم رفضوا منحنا وسيلة للتواصل، واكتفوا بتقديم طلب داخلي للتواصل معنا من قبلهم خلال يومين من الاتصال، منوهين إلى أنه ربما تفضِّل الشركة ألا تتعاون مع الصحافيين. لكننا لم نتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

"بي آي جي" الإسرائيلية ودور الإمارات في التطبيع

الخرائط وفق غوغل

في خضم الجدل المتصاعد حول التصميم، برزت شائعات تربط المشروع بشركة "بي آي جي شوبينج سينترز" الإسرائيلية، ما يضيف طبقة أخرى من الشكوك في سياق الحرب الإبادية الدائرة على غزة. الربط بالمشروع المصري يستند إلى صفقات الاستحواذ، إذ اشترت "بي أي جي" مركز تسوق في الولايات المتحدة في العام 2016. تقارير أخرى، تشير إلى استحواذات أخرى في الولايات المتحدة، لكنها جميعاً خارج السياق المصري، وليس لها علاقة مع الشركة المصرية المذكورة، ما يجعل الربط مجرد تكهن غير مدعوم بالأدلة.

حرب غزة، التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2023، دخلت مرحلتها الأعنف (إن صح التعبير!)، مع استمرار دفع آلاف الفلسطينيين نحو الحدود المصرية عبر معبر رفح، وهجوم تل أبيب على كلٍ من مقر قادة حماس في الدوحة بقطر، وسفينة قافلة الصمود المتجهة إلى شواطئ غزة في ميناء سيدي بوسعيد في تونس، ما يجهض جهود الوساطة المصرية/ القطرية/ الأمريكية.

في ظل الأجواء الطاغية، يتجدد التساؤل حول ما إذا كان تصميم "مارينا دلتا لاغونز" يحمل رسالة سياسية أو رمزاً دينيّاً. وحتى كتابة هذا النص، لم تصدر أية تحديثات رسمية من الشركة المالكة للمشروع عن تغيير التصميم. الجدل لا يزال قائماً منذ آب/أغسطس الماضي، لكن الشركة لا تجيب على التساؤلات الصحافية. ومع ذلك، السياق السياسي الحالي يجعل بقاء التصميم كما هو مخاطرة كبيرة. الغضب الشعبي الناتج عن رفض للتطبيع طالب بتوضيح الحقيقة، ويتفاقم الآن مع الضربة في قطر والتحديات الدبلوماسية. 

وعلى ذلك، تعكس تلك التكهنات مخاوف أوسع من "تغلغل صهيوني" غير مباشِر، مدفوعة بالسياق السياسي الراهن بالغ الحساسية، بما في ذلك التعاونات الاقتصادية المصرية-الإسرائيلية، في مجالات الغاز والزراعة. هذه المخاوف تتفاقم مع تزايد الشكوك حول دور أبوظبي كوسيط محتمل وغير مباشر للنفوذ الإسرائيلي في مصر، خاصة بعد اتفاقية التطبيع في العام 2020. على سبيل المثال، يثير رجل الأعمال الإماراتي محمد العبّار، رئيس شركة "إعمار العقارية"، الجدل بسبب استثماراته الضخمة في مصر، مثل مشروع "مراسي البحر الأحمر"، القريب من مناطق المواجهة مع كيان الاحتلال، أو حديثه عن سعيه للاستحواذ على وسط العاصمة القاهرة لتطويرها، ومحو هويتها الحالية، لتتشابه و"داون تاون دبي". المصريون لم يعودوا يثقون في المستثمِر الإماراتي، خاصة بعد تداول أنباء عن تبرعه السخي لفقراء الاحتلال (فقراء إسرائيل!) في العام 2021.

ويُنظر إلى هذه الاستثمارات كبوابة محتملة لتأثير إسرائيلي غير مباشِر في الاقتصاد المصري، خاصة في ظل التوترات الأمنية حول سيناء، ما يعزز الرواية الشعبية حول "مؤامرة صهيونية" مرتبطة بتصميم المنتجع. في هذا السياق، يعزز التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي الشكوك في احتمالية أن تكون أبوظبي قناة لتسويق منتجات واستثمارات للاحتلال في مصر، تحت غطاء "صُنع في الإمارات"، أو كونها جزءاً من مخطط أوسع للهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية بغطاء إماراتي، ما يربط الجدل حول تصميم "مارينا دلتا" بمخاوف أعمق من التطبيع وتأثيره على السيادة/الهوية الوطنية.

شَبه لافت من السماء وحرب مستعرة

مع تصاعد الحرب على غزة، يتصاعد الجدل حول تصميم المنتجع. فعقب تسريب الصور الجوية، ثارت موجة من الغضب الشعبي في مصر، ووُصِف التصميم بأنه نفوذٌ خارجيٌّ في ظل عمليات البيع والشراكات المستمرة مع مؤسسات من الخليج العربي، وخاصة الإمارات، التي أعلنت بوضوح عن تطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 2020. اليوم، وفي ظل تصاعد التوترات بين القاهرة وتل أبيب، يصبح هذا الجدل أكثر حساسية. خاصة بعد الضربة الإسرائيلية داخل العاصمة القطرية الدوحة منذ أيام، التي استهدفت قادة حماس، وأدت إلى تحدٍّ مباشر من الخارجية المصرية لتل أبيب.

تواصلنا هاتفياً وكتابياً مع خدمة العملاء الخاصة بالشركة المذكورة، في محاولة منّا للحصول على رقم للتواصل مع العلاقات العامة أو أحد مسؤولي الشركة، لكنهم رفضوا منحنا وسيلة للتواصل، واكتفوا بتقديم طلب داخلي للتواصل معنا من قبلهم خلال يومين من الاتصال، منوهين إلى أنه ربما تفضِّل الشركة ألا تتعاون مع الصحافيين. لكننا لم نتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

هل سيتحول الجدل إلى حملة لتعديل التصميم؟ الإجابة ربما تكمن في الشفافية والأجوبة التي ستُقدمها الجهات المعنية، والشركة المنفذة. 

حرب غزة، التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2023، دخلت مرحلتها الأعنف (إن صح التعبير!)، مع استمرار دفع آلاف الفلسطينيين نحو الحدود المصرية عبر معبر رفح، وهجوم تل أبيب على كلٍ من مقر قادة حماس في الدوحة بقطر، وسفينة قافلة الصمود المتجهة إلى شواطئ غزة في ميناء سيدي بوسعيد في تونس، ما يجهض جهود الوساطة المصرية/ القطرية/ الأمريكية.

اعتبرت مصر الهجوم الاسرائيلي على الدوحة "انتهاكاً للقانون الدولي وتهديداً مباشراً للأمن العربي". في الوقت نفسه، كشفت تقارير صحافية عن تحذيرات مصرية، من تكرار محاولات الاحتلال لاغتيال قادة حماس في القاهرة، ملوحة بأنه سوف يكون لذلك عواقب وخيمة.

في ظل هذه الأجواء، يتجدد التساؤل حول ما إذا كان تصميم "مارينا دلتا لاغونز" يحمل رسالة سياسية أو رمزاً دينيّاً. وحتى كتابة هذا النص، لم تصدر أية تحديثات رسمية من الشركة المالكة للمشروع عن تغيير التصميم. الجدل لا يزال قائماً منذ آب/أغسطس الماضي، لكن الشركة لا تجيب على التساؤلات الصحافية. ومع ذلك، السياق السياسي الحالي يجعل بقاء التصميم كما هو مخاطرة كبيرة. الغضب الشعبي الناتج عن رفض للتطبيع طالب بتوضيح الحقيقة، ويتفاقم الآن مع الضربة في قطر والتحديات الدبلوماسية.

من وجهة نظر هندسية - وبحسب خبراء الهندسة والعمارة الذين حادثناهم - فإنهم يصفون التصميم بأنه نمط متدَاول عالمياً في سياق المنتجعات السياحية، ويُسمّى بالتصميم الشعاعي، ويعتمد على ترتيب العناصر حول نقطة مركزية واحدة، حيث تنطلق الممرات، والمباني، أو الفراغات بشكل شعاعي أو دائري من هذا المركز، ما يخلق توازناً بصرياً ووظيفياً.

ومع تصاعد الجدل بين المؤيدين والمعارضين لهذا التصميم، تبقى أزمة "مارينا دلتا" درساً في كيفية تأثير السياق السياسي على تفسير التصاميم المعمارية. بينما يدافع المهندسون عن التصميم الشعاعي كأداة وظيفية عالمية، يرى آخرون فيه إشارة مقلقة. ويبقى السؤال المطروح: هل سيتحول الجدل إلى حملة لتعديل التصميم؟ الإجابة ربما تكمن في الشفافية، التي ستُقدمها الجهات المعنية، والشركة المنفذة.

______________________

  1. بحسب الموقع الرسمي للهيئة العامة للتخطيط العمراني، فإن إقليم الدلتا هو الإقليم الرابع من أقاليم مصر السبعة، ويضم محافظات: الغربية، والمنوفية، والدقهلية، وكفر الشيخ، ودمياط، بمساحة إجمالية تمثل حوالي 1.2 في المئة من مجمل مساحة مصر الكلية. ويقطن في الإقليم ما نسبته حوالي 21.7 في المئة من مجمل سكان الجمهورية، وفق المسح السكاني للعام 2017.

مقالات من مصر

المصريون والسعي المكلوم إلى غزة

منى سليم 2025-08-14

شهد انصياع مصر الكامل للقرارات الاسرائيلية، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع في 2007، محاولات ناجحة لكسره، أولها خرق الغزيين للسلك الشائك عام 2008، وثانيها قرار الرئيس مبارك نفسه، بفتح...

للكاتب نفسه