إعداد وتحرير: صباح جلّول
كل الذكريات والحنين لمدينة غزة ومعسكر جباليا وشوارع شمالي القطاع، يُطلقها أهالي غزّة أشبه بالرثاء، أشبه بالبكاء.. هنا تكتمل ملامح الإبادة – إبادة البشر وإبادة مدينتهم بحيث لا يبقى منها ما يدلّ عليها (urbicide). إنه عنفٌ أبعد من قدرة معظمنا على تخيّله، واعتداءٌ على الذاكرة وعلى ما يصنع من الغزّي غزّياً، بحيث يُقتل من مات مرّة، ويُقتل الأحياء مرّتين..
دُفع الناس دفعاً بعد سنة كاملة من الصمود الأسطوري في بيوتهم في الشمال، على القصف والجوع والاجتياح، بعد عامٍ من العناد والصبر منقطعي النظير، ليطفئ جيش الإبادة آخر بؤر الحياة العزيزة. هناك، بين دمارٍ ودمار، أجساد تلتمّ وتتفرق، تبتدعُ مأوى ورغيفاً بشقّ الأنفس لتقول: "نحن هنا، أحياء، في الشمال، حين نريد، لا حيث يريدوننا". والآن، بعد عام شقيّ، تفْرغ تلك البؤر الثمينة من الحياة في الشمال جاعِلة من هذا النزوح الأقسى منذ بداية الإبادة اللعينة.
هذا شمال غزة، لمن أراد تخيّل أكثر الأماكن رعباً وحزناً ومواتاً وقسوة على وجه هذا الكوكب المختلّ.. حتّى أن الضجيج خفت هذه المرة.. حتى أنّ كلمة "إبادة" صارت لكثرة ما استُعمِلت معتادةُ، لا تثير في النفوس الخوف والاستهجان السابقين.. ماذا يمكن أن ننشر بعدْ عن إبادةٍ كاملة؟ ما يمكن أن ننشر بعد عامٍ من الإشباع العاطفي القميء بصور الأوصال المقطّعة والقلوب المفجوعة والبيوتِ المندثرة؟
شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه، هنا، صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف فارس، الذي لم يغادر شمال القطاع منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية.
عيون شهداء غزّة.. نافذةٌ على جمالها
12-11-2023
مدرسة إعلاميّي غزّة: وترٌ وحيدٌ.. يُقاوِم
26-10-2023
كتب يوسف فارس مع هذه الصور التي التقطت على بساطتها ما يصدم: ملامح تمرّدٍ وسط العنف الدميم، وإعلان حياة طالعٍ من قلبِ الموت العميم... "تعيد الحروب وزن قيمة الأشياء. للأماكن روحٌ نشعرها حين نغادرها مكرهين، نشتاق لأنسها الذي لا تكتمل الأوقات إلا به، في الصور أدناه جباليا ومحافظة شمال القطاع التي نأنس ونشتاق وننتمي ونحب. هذا وطن أكبر من الحجارة والخراب، هذه بلاد أعلى من أنف الموت الكالح، كعبها الكوكب.. في كل يومٍ نشعر أكثر كيف يكون المخيم قلب الخريطة".
*الصور من صفحة الصحافي يوسف فارس – غزّة