1948 جديدة.. هل نخرج من تحت المبضع الصهيوني؟

نحن اليوم كلبنانيين، على كل علاتنا ومشاكلنا وتناقضاتنا، وعلى الرغم من شعورنا بأننا أفراد مهمّشون في وطننا، قد نكون بأمس الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى خلق جبهة داخلية تَحُول دون تحقق المشروع الصهيوني، كي نحافظ على الوطن.
2024-10-10

عماد الدين رائف

كاتب وصحافي من لبنان


شارك
مدينة صور، لبنان.

صياغة وتحرير عماد الدين رائف*

تأتي رغبة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باختبار اسم جديد للعدوان الصهيوني، وهو "حرب القيامة"، في سياق إلباس الجريمة المستمرة منذ سنة كاملة، والتي استعرت بشكل خطير في الأسابيع الماضية بحق أهل الجنوب اللبناني، لباساً توراتياً. ذلك لا يخوّل المجرم الصهيوني المدجج بأحدث الأسلحة، وبأهم التقنيات، وبتفويض غربي، من فعل ما يريد بأهل جنوب لبنان، من تشريد وتهجير وقتل فحسب، بل باستباحة الأرض – كما بات يتردد على ألسنة الصهاينة عبر الشاشات جهاراً – وإلحاق منطقة جنوب الليطاني باسرائيل أيضاً.

فهل نحن على عتبة 1948 جديدة؟ وأن النكبة هذه المرة ستكون بحق "جبل عامل" وأهله.

مقالات ذات صلة

تتلاحق البيانات التي يطلقها المتحدث باسم الاحتلال الصهيوني، والتي تتضمن تحذيرات إلى أهالي البلدات والقرى الجنوبية لمغادرتها والتوجه إلى شمال "نهر الأوّلي"، بالإضافة إلى تحذيرات من أن أي سيارة تتحرك جنوباً تغدو هدفاً للصهاينة. ويأتي ذلك ضمن حملة ممنهجة لتفريغ القرى من أهلها والتمهيد لعدم السماح لهم بالعودة إليها.

بالتوازي، تتنامى أصوات داخل المجتمع الصهيوني حول تصوّر مرحلة ما بعد القضاء على المقاومة، وهي مرحلة توسيع حدود اسرائيل إلى "نهر الليطاني" وإنشاء مستوطنات ومستعمرات على الأراضي اللبنانية. تُظهر النقاشات المحتدِمة في برامج "التوك شو"، التي تبثها القناة التاسعة الإسرائيلية على سبيل المثال، عدم المبالاة نهائياً بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وإذا ما تفحصنا الواقع بهدوء، نجد أن القرار 1701، الذي يبدو أن الحكومة اللبنانية باتت تطالب بتطبيقه كله وبدون قيد أو شرط، بل كل القرارات الدولية الأخرى، باتت خلف "إسرائيل" التي تَخطتها وكأنها لا تعنيها، وبات من البديهي لديها أن تحتل جنوب لبنان، ليس بهدف إنشاء منطقة عازلة بعمق بضعة كيلومترات كما افترض البعض، بل بهدف توسيع حدود اسرائيل كي يستوعب أكثر من مليون مستوطِن صهيوني. وإذ يغصّ الكيان بنحو سبعة ملايين مستوطن اليوم، ومع ذلك تصل إلى متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم – لاسيما في دول الاتحاد السوفياتي السابق وشرق أوروبا – إعلانات (بمعدل سبع مرات للشخص الواحد في اليوم)، عن إمكانية الحصول على جواز سفر إسرائيلي حتى لو لم يكن لدى المتقدم بالطلب أصول يهودية! يحدث ذلك فيما لا تبالي اسرائيل بأي حق من حقوق سكان الجنوب اللبناني، ولا بالمعاهدات الدولية، بل بمنطق القوة وحده. وقد علت أصوات أخرى تطالب بمنطق التعويض، فحصول الصهاينة على أرض الجنوب اللبناني هو مجرد تعويض لكيانهم عن الخسائر التي لحقت به!

تتنامى أصوات داخل المجتمع الصهيوني حول تصوّر مرحلة ما بعد القضاء على المقاومة، وهي مرحلة توسيع حدود اسرائيل إلى "نهر الليطاني" وإنشاء مستوطنات ومستعمرات على الأراضي اللبنانية. فهل نحن على عتبة 1948 جديدة؟ وأن النكبة هذه المرة ستكون بحق "جبل عامل" وأهله.

التعويل اليوم على بضعة مئات من الشبان المسلحين الذين يصمدون على الحدود اللبنانية الجنوبية في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، ويَحولون دون الاختراق البري في "كفركلا" و"مارون الراس" و"العديسة"... لكن الخوف كل الخوف أن يبقى التعويل على هؤلاء الشبان المستعدين أن يستبسلوا في الدفاع حتى الرمق الأخير، وأن يقاتلوا "من النقطة صفر"، وأن يستشهدوا في وجه أعتى الجيوش. المعنويات عالية في هذه اللحظات، على الرغم من تلقي جسم المقاومة ضربات قوية من العدو المتفوق جوياً وتكنولوجياً، وكذلك على الرغم من تلقي بيئة المقاومة ضربات قاسية في البشر والعمران، مع تزايد أعداد الشهداء المدنيين والجرحى وتدمير أماكن سكناهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية واستهدافات محدودة في جبل لبنان.

نعم، التعويل على هؤلاء الشبان المقاومين المدافعين عن الأرض، لكن هذا لا يكفي! فنحن اليوم لسنا في عدوان شبيه بما حصل سنة 2006، والنتائج بطبيعة الحال ستكون مختلفة. إن رسم صورة في أذهان النازحين من الجنوب اللبناني إلى المناطق الأكثر أمناً، أي مناطق لا تنسجم سياسياً مع حزب الله، وأن يحلموا بيوم العودة كما حصل في 14 آب/أغسطس قبل ثمانية عشر عاماً بعد فترة قصيرة.. له تأثير مدمِّر على هؤلاء النازحين، فالمعركة كما يريدها العدو طويلة وقاسية، وإذا ما أنصتنا إلى ما يقوله الصهاينة داخلياً عبر محطات التلفزة والإذاعة فرغبتهم اليوم باتت شبه محصورة ب"أرض من دون أهلها".

إذاً الخطر على جبل عامل، لكن ليس عليه وحده، بل على الكيان اللبناني برمته.

على الرغم من أن الكيان الصهيوني يغص بنحو سبعة ملايين مستوطن اليوم، تصل إلى متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم – لاسيما في دول الاتحاد السوفياتي السابق وشرق أوروبا – إعلانات (بمعدل سبع مرات للشخص الواحد في اليوم)، عن إمكانية الحصول على جواز سفر إسرائيلي حتى لو لم يكن لدى المتقدم بالطلب أصول يهودية!

لا ينفع أن يعوِّل البعض على أن اسرائيل ستقضي على المقاومة، وأنه سيبقى بمأمن، وأن يقطف الثمار عبر العلاقات مع الدول العربية المنضوية في المحور الصهيوني. ولا ينفع أن يعول أحد على أن النازحين الشيعة سيُرحّلون طوعاً أو قسراً إلى العراق...

ربما يتجاهل النظام اللبناني الذي يغرق أربابه في الإفساد والفساد، المشكلة. ربما يظن أمراء الحرب الأهلية أن هذه الحرب ستنتهي في القريب العاجل، وأنهم سيعودون إلى ديدنهم في الصفقات والمحاصصة والاستزلام وتزوير إرادة الناس وقهرهم، وأن البلد سيعود إلى ما كان عليه، فيسرح زعرانهم في الشوراع، ويتمتع أزلامهم بما يجنونه من الصفقات، وينعم أولادهم في المنتجعات الأوروبية ،ويبقون هم في أبراجهم فوق جثة الوطن الذي تقاسموه. يعرفون حق المعرفة أنهم خلال العقدين الماضيين سلبوا المواطن اللبناني حتى حسّ التضامن مع نفسه... لكن السفينة ستغرق بالجميع ويتحتم على هؤلاء الساسة اليوم قبل غيرهم إنقاذها لأنها ستغرق بالجميع. لا ينفع أن يعوِّل البعض على أن اسرائيل ستقضي على المقاومة، وأنه سيبقى بمأمن، وأن يقطف الثمار عبر العلاقات مع الدول العربية المنضوية في المحور الصهيوني. ولا ينفع أن يعول أحد على أن النازحين الشيعة سيُرحّلون طوعاً أو قسراً إلى العراق، الذي بات يستقطب اللبنانيين بدون جواز سفر! إن شعور طائفة كاملة بأنها منكوبة اليوم، وهي تنتشر في نزوح يعمّ خريطة الوطن الصغير، ومع استمرار الحرب – مهما طالت - حتى تنفيذ العدو مآربه وأهدافه، بغض النظر عمّن سيملك البيت الأبيض الأميركي في الانتخابات المنتظرة، يمكن أن يودي بالكيان اللبناني نفسه.

الوقت ليس لصالح لبنان، إذ لا يملك هذا البلد رفاهية الانتظار مع أطنان الصواريخ الأميركية التي تهوي على الأحياء السكنية في الجنوب والضاحية والبقاع.

مقالات ذات صلة

ما العمل؟ المشكلة لا تكمن في ما لدى الفرقاء اللبنانيين من مآخذ على "حزب الله" الذي "جر البلد إلى حروب"، ولا في "ارتهان الحزب لإيران" وأمواله الآتية منها، ولا في رغبات "السيادييين" في صناعة شخصيات شيعية بديلة على وجه السرعة تحل محل الحالية... فإذا تحولت رغبات المجتمع الصهيوني الذي يعلو صراخه عبر الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي اليوم إلى سياسة تتبناها حكومة نتنياهو، وبات الجنوب اللبناني تحت مبضع الصهاينة، فهل سيكون بالإمكان أن تتكتل القوى الحريصة على الوطن وتشكّل جبهة سياسية تقف في وجه المشروع الصهيوني وتسعى لإفشاله؟

يشير الواقع إلى تشرذم كبير في توجهات القوى التي يفترض أن تكون تغييرية، وهي تتبنى وجهات نظر تكاد تكون متناقضة، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى احتكار "حزب الله" مقاومة الاحتلال، وإقصاء القوى اليسارية التي كانت منضوية في "الحركة الوطنية" وفي "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"، وفي كل التصرفات غير السليمة بحق المقاوِمين السابقين على مدى العقود الثلاثة الماضية، وكذلك بغض النظر عمّا دفعه إلى فتح "جبهة مساندة"...

ربما يتجاهل النظام اللبناني، الذي يغرق أربابه في الإفساد والفساد، المشكلة. ربما يظن أمراء الحرب الأهلية أن هذه الحرب ستنتهي في القريب العاجل، وأنهم سيعودون إلى الصفقات والمحاصصة والاستزلام وتزوير إرادة الناس وقهرهم، وأن البلد سيعود إلى ما كان عليه، فيسرح زعرانهم في الشوراع، ويتمتع أزلامهم بما يجنونه من الصفقات، وينعم أولادهم في المنتجعات الأوروبية، ويبقون هم في أبراجهم فوق جثة الوطن الذي تقاسموه.

نحن اليوم كلبنانيين، على كل علاتنا ومشاكلنا وتناقضاتنا، وعلى الرغم من شعورنا بأننا أفراد مهمّشون في وطننا، قد نكون بأمس الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى خلق جبهة داخلية تَحُول دون تحقق المشروع الصهيوني، كي نحافظ على الوطن. قد يبدأ كل ذلك باجتماع يسعى إلى ضم جميع ممثلي الأطياف اللبنانية أو معظهم، تلك التي تستقطب معظم الشعب اللبناني بهدف إفشال مشروع احتلال لبنان، وقد تبدأ النشاطات، أضعف الإيمان، بتنظيم الاعتصامات والتظاهرات - التي يبدو انها باتت جزءاً من الماضي - أمام ممثليات الدول الداعمة للاحتلال وأمام ممثليات المنظمات الدولية، وذلك أدنى ما يمكن أن يقوم به اللبنانيين تعبيراً عن وجودهم المشترك وحقهم بأرضهم. ولعل النقطة الأهم هي مساعدة المواطنين اللبنانيين الذين لم ينزحوا بعد على الصمود في أماكنهم بشتى أنواع المساندة الممكنة، وإعادة فتح الطرق التي يقطعها القصف، ورفض مطلق لسياسة التهجير وعدم العودة التي يحاول الاحتلال فرضها. كذلك مع تنامي فرضية الغزو البري الالتفافي على الجنوب اللبناني عبر الأراضي السورية وما يُحكى عنه صهيونياً عن ضرورة وصول القوات الغازية إلى طريق دمشق الدولية أو حتى إلى العاصمة بيروت، يُفترض أن توجد هذه الجبهة الداخلية لتنظيم الدعم من المناطق الخلفية...

لعلها مجرد أفكار، أما ما نحتاج إليه فهو مبادرات داعية إلى التماسك، سواء تحت قبة البرلمان اللبناني أو خارجه، تكون بعيدة عن الاصطفافات الحالية، بغض النظر عمّن يحمل هذه المبادرات ويدعو إليها. فبعد غرق السفينة، لن يجدي الرثاء أحداً.

______________________

*نص جماعي بقلم عدد من أبناء الجالية اللبنانية في الاتحاد الروسي

مقالات من لبنان

لبنان: من هو الوطني اليوم؟

الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

للكاتب نفسه