فرات شهال الركابي*
يحاول البعض إقناعنا بأنه من "المبالغة" رفض الأوضاع الراهنة، وأنه ينبغي علينا "تحمّل" الوضع والعثور على أرضية مشتركة لتحقيق تفاهم ودي، وإلا فإننا سنُتهم ــ مرة أخرى ــ بأننا إرهابيون، مليؤون بالكراهية. هذا لم يعد مقبولاً. نحن لا نريد ذلك. إنه رفض قاطع، من دون تفاوض ومن دون تنازلات.
فيما يلي قائمة غير شاملة لما شهدناه وسمعناه خلال الـ 118 يوماً الماضية، من إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة:
- جَدٌّ يَحمل جُثةَ حَفيدَتِه بِحَنانٍ مُعلِنًا، بابتسامةِ حُزنٍ لا تُوصَف: "هيَ رُوحُ رُوحي".
- طِفلةٌ تُحَدِّقُ في جُثةٍ مُغطاةٍ بِمِلاءةٍ وتُكَرِّرُ، مَشلولةً بِالخَوف: "هَذِهِ أُمِّي، أَعلَمُ أَنَّها أُمِّي! أَتَعَرَّفُ إليها مِن شَعرِها".
- أَبٌ يَصِلُ إلى مُستَشفى، حامِلًا بَقايا طِفلِهِ، في كِيسٍ بلاسْتيكِيّ.
- "ألما"، 13 عاماً، عَالِقةٌ تَحتَ الأَنقاض، تَقولُ لِلمُسعِفين: "هُناكَ إِخوَتي، أَخواتِي، أَبِي وأُمِّي مَعي. انقِذوهم أَولًا، ثُمَّ انقذوني في الأَخير. أَو اخرجُوني مِن هُنا، لِأَتمَكَّنَ مِن مُساعَدَتِكم".
- عَريضةٌ وَقَّعَ عَلَيها 100 طَبيبٍ إِسرائيليٍّ، تُطالِبُ بِتَدميرِ جَميعِ مُستَشفَياتِ غَزَّة.
- أطباءُ في غَزَّة، مُحاصَرونَ بِالمَوت، يُرَدِّدونَ: "لَن نُخلِيَ هَذا المُستَشفى، لَم نَختر أن نصير أطباءَ لِإِنقاذِ حَياتِنا".
- دُمِّرَت جَميعُ مُستَشفَياتِ غَزَّة.
- أُمٌّ تُمسكُ بِيَدِ طِفلِها. يَدِهِ فَقَط من دونَ جَسد.
- طِفلٌ عُمرُهُ عامانِ، يُعتَقَلُ مِن قِبَلِ الجَيشِ الإِسرائيلي.
- أُناسٌ يَجمَعونَ مِياهَ الأَمطارِ، لِيَشرَبوا.
____________
إلى غزة وأهلها
____________
- أُمَّهاتٌ يَكتُبنَ أَسماءَ عَلَى أذرُعِ وأَرجُلِ أَبنائِهِنَّ وبَناتِهِنَّ، لِيَتَعَرَّفوا إلى جُثَثِهِم.
- أَصدِقاؤُنا عَلَى وَسائلِ التَّواصُلِ الاجتِماعِيِّ، يُحاوِلونَ بِكُلِّ الوَسائلِ التوضيحَ لِلعالمِ ما يعنيه 30.000 وَفاة. يَصنعون "إِنفوجرافيك"، رُسوماتٍ، مُقارَناتٍ، لِمُحاوَلَةِ إِقناعِ العالَمِ بِخُطورَةِ الوَضع.
- أُمٌّ، في طَريقِها إِلى نُزوحٍ جَديد، تَحمِلُ حَقيبةً وجُثةَ اِبنِها: "لَن أَترُكَهُ هُنا".
- صَحَافِيّونَ يَتَلَقّونَ خَبَرَ مَقتلِ أَقارِبِهِم عَلَى الهَواءِ مُباشَرةً.
- أَبٌ يَحتَضِنُ جُثَّةَ طِفلِهِ البالِغِ مِن العُمرِ شَهرينِ، يَهُزُّهُ بِلُطفٍ، ويَقولُ: "مَن سَيَشرَبُ الحَليبَ الَّذي أَخيراً اِستَطَعتُ أَن أَجِدَهُ لَك؟"
- عُيونٌ مُتَسِعَةٌ. عُيونٌ لا تُصَدِّق.
- "بِيسان"، الَّتي كانَت تَروي القِصَص، تَحَوَّلَت إِلى مُراسِلةٍ حَربيَّة، تَبدأُ مَقاطِعَ الفِيديو الخاصَّةِ بِها مُنذُ 118 يَوماً بِعبارةِ "مَرحباً، أَنا "بِيسان"، وأَنا لا أزال عَلَى قَيدِ الحَياة".
- صَرَخاتٌ: "أَينَ رَأسُه؟ أَينَ رَأسُه؟ أَينَ رَأسُه؟"
- جُنديٌّ إِسرائيليّ يُهدي قَصفَ حَيٍّ سَكنِيٍّ إلى ابنتهِ ذاتِ العَامينِ، "بِمُناسَبةِ عِيدِ مِيلادِها"، يُصَوِّرُ نَفسَه، ويَنشُرُ الفِيديو عَلَى حِساباتِهِ في وَسائلِ التَّواصُلِ الاجتِماعِيّ.
- مُستَشفى، بَعدَ نَفادِ الكَهرَباء، يُضطَرُّ إِلى إِطفاءِ جَميعِ الأَجهِزَةِ، بِما في ذَلِك حاضِناتُ الأَطفالِ حَديثِي الوِلادَة.
- طَبيبٌ مُجبرٌ عَلَى بَترِ ساقِ اِبنَتِهِ من دونَ تَخدِيرٍ. اِبنَتُهُ تَموتُ مِن الأَلَمِ بَينَ يَدَيه.
- صِوَرُ رِجالٍ عُراة، مَعصوبِي الأَعينِ، مَحشورينَ في السَّاحات، في وَسطِ الشَّوارِع.
- كِلابٌ تَأكُلُ بَقايا جُثَثٍ، لَم يَتَمَكَّنوا مِن اِستِخراجِها مِن تَحتِ الأَنقاض.
- أَرجُل وأَذرُعٌ تَبرُزُ مِن الرُّكام.
- جُنودٌ إِسرائيليُّونَ، يَرقُصونَ عَلَى "تيك توك". ويُصَوِّرونَ أَنفُسَهُم، وَهُم يُفتِّشونَ الشُّقَقَ المُدَمَّرَةَ لِأَشخاصٍ قَتَلُوهُم.
- الجُثَثُ المُكتَشَفةُ تَحتَ الأَنقاضِ، لِصَبِيٍّ يَحتَضِنُ بِجَسدِهِ جَسدَ شَقيقِهِ الأَصغَرِ لِحِمايَتِه.
- أَطفالٌ يَعقِدونَ مُؤتَمَراً صَحَافِيّاً، لِيَطلُبوا مِن العالَمِ التَّوَقُّفَ عَن قَتلِهِم.
- مُستَشارٌ لِـ"نِتنياهو"، يُصرِّحُ: "لا، لَم نَقتُل أَطفالاً. لا نَعرِفُ كَيفَ ماتَ هَؤُلاءِ الأَطفال".
- أَسِيرٌ فِلسطِينِيٌّ مُحرَّرٌ، بَعدَ أَن قَضَى أَحَدَ عَشَرَ عاماً في العَزلِ الانفِرادِيِّ غَيرَ قادِرٍ عَلَى التَّعرُّفِ إلى والدَتِه.
- أَطباءٌ يَعقِدونَ مُؤتَمَراً صَحَافِيًّا، وَسَطَ جُثَثِ المَرضى والمُصابِينَ، الَّذينَ تَمَّ قَصفُهُم في مُستَشفاهُم.
الوضع في غَزَّة، يَتَفاقَم بِشَكلٍ مَأساويٍّ مَع كُلِّ يَومٍ يَمُرُّ. نَحن، الهمج، لَم نَعد نُريدُ النِّقاش ولا سماعكم، أَو الاِستِماع إليكُم. توقفوا عَن مُخاطَبَتِنا بِأَيِّ شَيء. سَنَقرِّرُ ما نُريدُ فِعلَه، ولِيَكُن ما يَكُون.
هذا النص نشر بالفرنسية في "السفير العربي" بتاريخ 3 شباط/ فبراير 2024. وقد ترجمته مؤخراً "نقد"، الفصلية الجزائرية المرموقة، لنشره في ملفها عن غزة.
*كاتبة ومصممة وسينمائية من لبنان
-ترجمة : سناء ياسمين حريرش