إعداد وتحرير: صباح جلّول
تستمرّ المقتلة في غزّة. عشرات المجازر، قصفٌ عنيف متواصل في الليل، وشهداء بلا أجساد، تُجمَع أشلاؤهم من بين الردم في مدارس الإيواء والمناطق التي يسمّونها "آمنة". يقولون أن عدد الشهداء المُحصى جاوز الآن 36.500، وتقول التقديرات أنه تجاوز 45 ألفاً، أخفى الدمار والتشظي أجساد آلاف منهم. ويكمل العالم دورته. يومٌ آخر، شهداء جدد... هو الجنون الكامل المستفحل في غزة.
____________
ملف خاص
إلى غزة وأهلها
____________
وهو الجنون المستفحل نفسه الذي يتمظهر بأشكاله المختلفة في سائر فلسطين. في الضفة الغربية، حيث قام الاحتلال الإسرائيلي بحملة اقتحامات واعتداءات واعتقالات واغتال أيضاً المئات، وفي جنين حيث اقتحم المخيم من جديد، وفي القدس تارة على يد الجيش وأخرى على يد الشرطة، ومرّات عديدة على يد المستوطنين كباراً وصغاراً أيضاً. هؤلاء الذين تتحرّك جماعات منهم في هذه الأيام في قطعان عصاباتية مسعورة في أزقة القدس القديمة، هاتفين شعاراتهم المفضّلة "الموت للعرب"، "فلتحترق قريتكم"، محتفِلين في الخامس من حزيران/ يونيو بما يسمونه "يوم توحيد القدس" – سرقتها واحتلالها - بمسيرة أعلامٍ إسرائيلية تتقصّد استفزاز وترهيب السكان الفلسطينيين عبر المرور في أحيائهم بأعلام الاحتلال والشتائم والشعارات الإرهابية، وكلّه بموافقة ومرافقة رسمية من قوات الاحتلال والشرطة الإسرائيلية.
تزداد الأوضاع في القدس المحتلة تدحرجاً نحو ما قد يستحيلُ انفجاراً، إذ اقتحم 1184 مستوطناً باحات المسجد الأقصى إمعاناً في الاستفزاز، بعد دعوة "منظّمات الهيكل" لـ"أكبر اقتحام للأقصى" مع مسيرة الأعلام. تقصّدت عصابات من الشبان الصهاينة، متحمسةً لمحو الأقصى وبناء الهيكل، التخريب والعدوان بكلّ أشكاله خلال هذه المسيرات، فانطلقت بعدوان سافل "أخفّه" التبوّل على أبواب ومداخل محلات الفلسطينيين في البلدة وأقصاه اقتحام الأقصى والاعتداءات الجسدية العنيفة، كما حصل مع مراسل قناة "الجزيرة مباشر"، سيف القواسمي، الذي وجد نفسه وحيداً أعزل محاصَراً، لا تقيه سترة الصحافة الكحلية وكاميرته صيحات السباب والوعيد ثمّ لكمات العصابة الصهيونية، ودائماً تحت أعين الشرطة الإسرائيلية.
عيون شهداء غزّة.. نافذةٌ على جمالها
12-11-2023
مدرسة إعلاميّي غزّة: وترٌ وحيدٌ.. يُقاوِم
26-10-2023
ليسَ أدلّ من تلك الصورة: صحافي شاب، فلسطيني في حي فلسطيني، يدير جسمه مدافعاً مذهولاً، فيما يحاول صبْية مغسولو العقول منذ نعومة الأظفار، شده من الخلف وركله من الجنب وضربه من الأمام. من يأخذ دقيقة فقط للنظر في وجوه كلّ أولئك الذين في الصورة، في وجوه الصبية بشكلٍ خاص، والشبان المندفعين إلى العدوان والغيّ بحماسة رهيبة، لا بدّ سيُصاب بالرعبِ من الدّركِ الذي يمكن لنفسٍ بشرية أن تصل إليه، وبالدّوار والغثيان من ابتساماتٍ تعلو وجوهاً لا سبب لابتسامها سوى حقدٌ منفلت. يحدثُ هذا في القدس، ويحدث في غزّة أكثر منه بكثير، بما لا يُقاس، ولم تزل ابتساماتٌ صفراء تعلو وجوه جنودٍ اسرائيليين أتوا من كلّ مكانٍ إلّا من هنا...
شارك سيف القواسمي صور الاعتداء عليه على صفحته على انستغرام وعلّق مواسياً نفسه: "لا أرى في القدسِ إلّا أنت". واساه آخرون بـ"كم كنتَ وحدَكَ يا ابن أمّي". لكنّ الواقع تجاوز كلّ شِعر واستعارة ومجاز، وصارت الرمزيات والصور المأيقنة تنفجر في الوجه انفجاراً، تطلب أن تُرى كما هي. ما الرمز في صورة مخلّدة لنعش الصحافية المغدورة شيرين أبو عاقلة تحمله الأكفّ، يضربها الجنود فيكاد النعش يقع، ثمّ يرتفع على الأكفّ؟ تلك الصورة وجه الصهيونية المقيت ووجه مؤسساتها/"دولتها". ثمّ هناك هذه الصورة، وجه الصهيونية المقيت ووجه مستوطنيها – "شعبها" الطالب حريقاً وموتاً. في وسط الصورة هنا وهناك، وفي غزّة، جسدٌ فلسطيني يُطلَب سحقه فيُسحَق عند أول فرصة. هذا وجه الصهيونية المقيت.