إعداد وتحرير: صباح جلّول
يُوصِل والِدٌ أميركيٌ فخور ابنته إلى الجامعة، حيث يقابلها أصدقاؤها بسيارة "بيك-أب" مليئة بمسلحي "داعش". "لا تقلق، بابا، إنها مجرد داعش"! هذا هو باختصار مضمون مقطع الفيديو الساخر الذي أعاد الصهاينة نبشه من حلقة قديمة من برنامج "ساترداي نايت لايف" الأميركي "الفكاهي" الأشهر في الولايات المتحدة. أعيد نشرُ المقطع في محاولة خبيثة للقول إن ما تشهده ساحات عددٍ من الجامعات الأميركية اليوم، وأبرزها جامعة كولومبيا في نيويورك، نجاحٌ لِـ" داعش" في التسلل إلى مساحات الطلاب الأميركيين، مكررين محاولاتهم اليائسة تظهيرَ أية مقاومة ضد همجية الاحتلال الإسرائيلي على أنها حركات إرهابية "داعشية". "خافوا أيها الأميركيون، لقد غسلوا دماغ أولادكم!"... 34 ألفاً قُتلوا في غزّة – والعدد الحقيقي يجاوز ال40 ألفاً، فيهم آلافٌ ممن لم تتمكن الأجهزة الرسمية من إحصائهم بسبب تدمير المستشفيات والمؤسسات كافة – لكن الصهاينة مستمرون في تمثيل دور الضحية، بل وإقناع الآخرين بضرورة الانضمام إليهم في تلبّس هذا الدور إزاء... طلاب جامعاتٍ سلميين!
فلسطين إذ تعرّي "المكارثية" السائدة من جديد
18-01-2024
"نحن طلّاب ناشطون في جامعة كولومبيا، ندعو لسحب الاستثمارات في الإبادة"، يقول بيان طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث نُصب أكبر مخيم احتجاجي داعم لفلسطين ومناهض للإبادة. يتابع البيان، "نحن مجموعة متنوعة تجمعها قيم الحبّ والعدالة، نطالب أن تُسمَع أصواتنا أمام المذبحة الجماعية للفلسطينيين في غزة. ترعبنا كل يوم مشاهدة أطفال ينتحبون أمام أجساد أهلهم المقتولين ومشاهدة عائلاتٍ لا تملك طعاماً لتأكله وأطباء لا يملكون بنجاً للعمليات الجراحية. إن جامعتنا متواطئة في هذا العنف ونحن نحتجّ لهذا السبب... نرفض قطعياً أي شكلٍ من أشكال الكراهية أو التمييز، ونقف متيقّظين أمام محاولاتٍ ]خارجية[ من غير الطلاب للتشويش على التضامن الذي يصوغه الطلاب – فلسطينيون وعرب ومسلمون ويهود وسود ومناصرون لفلسطين من الزملاء والرفاق الذين يمثّلون التنوع الواسع لبلدنا".
منذ يوم الأربعاء 17 نيسان / أبريل 2024، لم يبرح الطلاب مخيّمهم في الحرم الجامعي، في خطوة استلهموها من مخيمات الطلاب المناضلين ضد حرب فييتنام في ستينات القرن الماضي.
بوضوحٍ يسمّي الطلاب استعمال أموال أقساطهم الجامعية ومنحهم الدراسية في الاستثمار في شركات إسرائيلية أو داعمة لإسرائيل "استثماراً في الإبادة" يشعرون بأن واجبهم إيقافه بأي ثمن، ما جعل مخيّمهم مصدر إزعاجٍ هائل لإدارة الجامعة والمستثمرين واللوبيات الصهيونية، حتى أرسلت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت "مينوش" شفيق، ذات الأصول المصرية، المتملّقة للوبي الصهيوني، شرطة نيويورك لفض المخيم، فانتهى الأمر بتزايد عدد المتواجدين فيه واعتقال الشرطة لنحو 108 أشخاص منهم طلاب وأعضاء من هيئة التدريس، نزلوا لمحاولة حماية الطلاب من الشرطة فتمّ اعتقالهم بدورهم، ومنهم الكاتب والروائي العراقي سنان أنطون، والذي أطلق سراحه لاحقاً وآخرين تمهيداً لمحاكمتهم.
لم تكتفِ شفيق بذلك، بل أوقفت جميع الصفوف الحضورية وطلبت من الجميع متابعة محاضراتهم عن بُعد لاحتواء الحضور الطلابي في الحرم الجامعي وكسب الوقت لتقرير خطوتها التالية. وفي الأثناء، يفاوض الطلاب من أجل استمرار مخيمهم وسط تهديدات خطيرة من قبيل استدعاء "الحرس الوطني الأميركي" لفضّ الاعتصام بالقوة – وهو ما حصل من قبل بشكلٍ كارثيّ عندما أُرسِل الحرس الوطني لفض مظاهرة طلابية ضد حرب فييتنام في جامعة "كِنت" بولاية أهايو فأطلق النار عليهم مرتكباً مجزرة راح ضحيتها أربعة طلاب عام 1970.
جامعات أخرى مرموقة على امتداد الولايات المتحدة التحقت بجامعة كولومبيا في الاحتجاج الطلابي من خلال مخيمات تدعو لوقف إطلاق النار وسحب الدعم والاستثمار، أي تحميل مؤسساتهم الأكاديمية مسؤولياتها أمام ما يحدث، منها جامعة "إيمرسون" وجامعة "نيويورك" و"تافتس" و"معهد ماستشوستس للتكنولوجيا"، والأخير يُعتَبَر المعهد الأهم للتكنولوجيا في العالم، وتطالب مجموعات طلابية فيه بوقف تعاونه البحثي مع الجيش الإسرائيلي فوراً.
كذلك في مصر، نظم عدد من طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة بدورهم احتجاجاً ضدّ شراكة الجامعة مع شركاتAXL (التي تستثمر في شركة Elbit Systems المصنِّعة لعدد من الأسلحة الإسرائيلية المحرمة دولياً) وHP (التي توفر قاعدة بيانات وأنظمة مراقبة للشرطة والوزارات الإسرائيلية)، رافعين سؤال "فلوسنا رايحة فين؟" ومطالبين بالالتزام الكامل بالمقاطعة وسحب الاستثمارات.
***
تشكّل جميع هذه التحركات الاحتجاجية محطات مهمة بأبعاد متعددة، أبرزها كونها موجّهة لجهاتٍ مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن دعم مؤسسات الاحتلال وجيشه، وبالتالي فتحقيق مطالب الطلاب بقطع هذه العلاقات خطوة حقيقية داعمة لصمود غزة ومقاومتها، كما أنها احتجاجاتٌ مُقارِعة لمحاولات إطفاء مجرّد ذِكر غزّة بعد نحو سبع شهور طويلة ومستمرة من الإبادة الوحشية – وهو ما تتوقعه وتريده دولة الاحتلال الإسرائيلي الماضية في خططها المنفلتة قتلاً وتدميراً. ولهذا بالذات، وفيما تتوجّه أنظار الإعلام إليهم، يذكّر الطلاب المحتجون باستمرار أنّ الحدث الجلل في مكانٍ آخر: "أبقوا عيونكم على غزّة. لا تتوقّفوا عن التكلم عن غزّة"...