أدوية مفقودة وأسعار مرتفعة: معاناة مضاعفَة للمرضى في مصر

ألقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة بظلالها على قطاع الدواء الذي شهد تأثراً مباشراً نتيجة اضطراب سعر الصرف، وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. أسهم ذلك بشكل رئيسي في تعثر الاستيراد في ظل اعتماد 95 في المئة من الصناعة الدوائية في مصر على الاستيراد من الخارج.
2024-03-10

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
مصانع ادوية جديدة في مصر لمن؟

يواجه سوق الدواء المصري نقصاً حاداً في أصناف الأدوية، لا سيما المستورد منها. وهي أزمة ليست جديدة على البلد، لكنها بدأت منذ فترة واستمرت في التفاقم لتصل إلى حد خطير، يهدد الأمن الصحي ويُزيد من آلام المرضى، بإجبارهم على خوض رحلة كفاح من أجل الحصول على الدواء.

تطال نواقص الأدوية مئات الأصناف المعالجة لعدد كبير من الأمراض المزمنة، بنسبة تصل إلى 40 في المئة، من بينها أدوية لا يوجد لها بدائل. وفي حال توافرها، تباع بأسعار مرتفعة، قد تصل نسبة الزيادة في أسعارها إلى 200 في المئة. بينما غابت بعض الأدوية المستوردة عن الصيدليات بشكل كامل، واختفت معها بدائلها المحلية.

بالنسبة للحكومة، لم يعد هناك مفر من المواجهة والاعتراف بأن هناك قضية حرجة. أقر رئيس الوزراء بالنقص الحالي في الأدوية خلال اجتماع عقد في 4 شباط/ فبراير 2024 لمعالجة هذه الأزمة، وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات لتعزيز الاحتياطات وتحقيق رعاية صحية مستدامة. فيما ناقشت لجنة الصحة في مجلس النواب عدداً من طلبات الإحاطة المقدمة من الأعضاء بهدف معالجة الأزمة، مطالبين فيها الحكومة بسرعة التحرك.

ألقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة بظلالها على قطاع الدواء الذي شهد تأثراً مباشراً نتيجة اضطراب سعر الصرف، وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. أسهم ذلك بشكل رئيسي في تعثر الاستيراد في ظل اعتماد 95 في المئة من الصناعة الدوائية في مصر على الاستيراد من الخارج، وفقاً لتقديرات "المركز المصري للحق في الدواء".

سوق موازية

على غرار العملة الأجنبية، وكما هي الحال بالنسبة لسلع كثيرة يندر وجودها في المعارض الرسمية، دفع نقص الأدوية المرضى إلى البحث عنها في قنوات غير رسمية. إذ يضطر المريض إلى شراء الدواء من السوق "السوداء" بسعر أعلى من السعر المدوّن على العبوة بحوالي 10 أضعاف، وهي أسعار مرتفعة للغاية تفوق قدرته.

رئيس لجنة الصحة والسكان في مجلس الشيوخ يُرجع سبب ظهور السوق السوداء إلى تخزين الأدوية، ثم إعادة عرضها بأسعار مضاعَفة من قبل بعض التجار وشركات التوزيع. بينما يفسر بعض الصيادلة ذلك بإشارتهم إلى أن الشركات كانت تقوم بتسليم الدواء في السابق بنسبة خصم 25 في المئة، وأصبحت تسلمه الآن بنسبة لا تتعدى واحداً في المئة أو بدون خصم أحياناً. وبالتالي، فإنه في حال بيعه بالسعر الذي حددته هيئة الدواء، لن يحقق أرباحاً، ومن ثم يلجأ البعض إلى تخزينه وتوفيره لمن يدفع السعر الأعلى.

يشكو "توفيق" من الاختفاء المفاجئ لدواء "بيتاكور 80" من الصيدليات، وهو أحد العقاقير المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، كما يستخدم في حالات عدم انتظام ضربات القلب، ويقول إن الطريقة الوحيدة للحصول على هذا الدواء أصبحت فقط من خلال السوق السوداء عبر وسطاء. في الوقت ذاته، تعددت الاستغاثات على مواقع التواصل الاجتماعي بين باحثين عن أماكن لبيع الدواء ذاك أو أدوية أخرى كأدوية الغدة الدرقية التى صارت تُعرض للبيع على صفحات "فيسبوك" بمبلغ 600 جنيه في حين أن السعر الحقيقي للدواء هو 50 جنيهاً. وكانت جمعية " الإسكندرية للغدة الدرقية" قد أعلنت في عام 2016 عن أن نسبة الإصابة بأمراض الغدة الدرقية في تزايد مستمر، وأن نسبتها وصلت إلى حوالي 10 في المئة من سكان مصر.

أبرز الأدوية المتداولة في السوق السوداء هي الأدوية المستوردة عالية الثمن، ومنها المستخدمة في علاج الأورام، قد تصل أسعار بعض حقن الأورام إلى 20 ألف جنيه مصري. ومع وجود صعوبة في إيجاد الدواء داخل مصر، يلجأ البعض إلى شراء صنف الدواء المطلوب من دول الخليج، بالتنسيق مع بعض المسافرين القادمين إلى مصر مقابل دفع عمولة.

ما هو أصعب، أن كل ذلك يمهد الطريق أمام بيع الأدوية المغشوشة داخل هذه السوق، كونها مجهولة المصدر، ولا تخضع لأية رقابة من قبل وزارة الصحة أو أية جهة رسمية، فمن الممكن أن تكون بلا فاعلية أو فاسدة نظراً لعدم اتباع الإجراءات السليمة في التخزين.

ناشدت هيئة الدواء المواطنين بضرورة شراء الأدوية من الصيدليات المرخصة، وحذّرت من تداول عقاقير مغشوشة، حددت أسماءها في بيان قالت فيه إنها ضبطتها بعد أن تبين لها أنها مقلّدة، كما طالبت الصيدليات بالتأكد من أن عبوات دواء "اوزمبك" لعلاج النوع الثاني من السكري تابعة فعلاً للشركة المصنِّعة. ويؤكد مدير "المركز المصري للحق في الدواء" أن نسبة الدواء المغشوش في الأسواق وصلت إلى أكثر من 10 في المئة، وأن الأمور متجهة إلى الأسوأ إذا استمر هذا النهج.

تراجع التصنيع المحلي

تغطي صناعة الدواء المحلية حوالي 80 في المئة من احتياجات السوق، بينما 20 في المئة من الأدوية مستوردة من الخارج. لكن مشكلات الاستيراد لا تنعكس فقط على ما يتم استيراده من أدوية، بل تصل إلى الإنتاج المحلي الذي تأثر هو الآخر بتداعيات أزمة الدولار، لأن الأدوية المحلية تعتمد بشكل أساسي في صناعتها على خامات دوائية مستوردة.

يبلغ عدد مصانع الأدوية المسجلة رسمياً في مصر 191 مصنعاً، وتهيمن الشركات الخاصة سواء كانت محلية أو أجنبية على السوق، بينما تشكل شركات القطاع العام نسبة 6 في المئة منها فقط.

صارت أدوية الغدة الدرقية تُعرض للبيع على صفحات "فيسبوك" بمبلغ 600 جنيه في حين أن السعر الحقيقي للدواء هو 50 جنيهاً. وكانت جمعية " الإسكندرية للغدة الدرقية" قد أعلنت في عام 2016 عن أن نسبة الإصابة بأمراض الغدة الدرقية في تزايد مستمر، وأنها وصلت إلى حوالي 10 في المئة من سكان مصر.

مهد هذا الوضع الطريق أمام بيع الأدوية المغشوشة المُباعة على فيسبوك، كونها مجهولة المصدر، ولا تخضع لأية رقابة من قبل وزارة الصحة أو أية جهة رسمية، فمن الممكن أن تكون بلا فاعلية أو فاسدة نظراً لعدم اتباع الإجراءات السليمة في التخزين.

رغم شح البدائل المحلية وتصاعد شكاوى المواطنين من عدم توافرها، أصدر وزير الصحة والسكان في 5 شباط/ فبراير 2024 قراراً يلزم الأطباء العاملين في كافة الجهات والهيئات التابعة للوزارة، بوصف الأدوية الضرورية للمرضى مع مراعاة إعطاء الأولوية للأدوية المحلية وألّا يتم وصف الأصناف المستوردة إلا في حال عدم وجود بدائل محلية لها.

على مدار السنوات الأخيرة، ضغطت الشركات أكثر من مرة على الحكومة لرفع أسعار الدواء، وكان الرد الحكومي يستجيب. ترى الشركات أن التسعيرة الجبرية التي تفرضها هيئة الدواء، رغم نسب الزيادة، لا تتناسب مع الارتفاع المستمر لتكلفة الإنتاج. دفع ذلك الشركات إلى التركيز على صناعة مستحضرات تحقق لها هوامش ربحية مناسبة، كما جددت مطالبتها بإعادة النظر في الأسعار مرة أخرى.

وفقاً لتصريحات رئيس شعبة الأدوية في الغرفة التجارية[1] 1، فإن ما لا يقل عن 100 شركة تستعد لتقديم طلبات إلى لجنة التسعير في هيئة الدواء المصرية، مستهدفةً تحريك أسعار 1500 صنف، بمتوسط زيادة تصل إلى 25 في المئة، على مدار عام 2024.

من الملفت أنه على الرغم مما تشهده السوق من وضع مزرٍ وتراجع واردات الدواء بواقع 500 مليون دولار، إلّا أنه في المقابل ارتفعت قيمة الصادرات المصرية من الأدوية لتتجاوز المليار و600 مليون دولار لأول مرة في التاريخ، وقد كشفت عن هذه الأرقام مساعِدة رئيس هيئة الدواء خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ في 10 كانون الثاني/ يناير 2024.

التأمين الصحي.. بلا "أنسولين"

أثار النقص في أنواع من "الأنسولين" المستورد في صيدليات التأمين الصحي قلقاً كبيراً لدى مرضى السكري المستفيدين من المنظومة، وخاصة مصابي "النوع الأول" الذين يعتمدون على الدواء للبقاء على قيد الحياة.

الهيئة العامة للتأمين الصحي تقول إن سبب العجز هو تأخير التوريد من قبل هيئة الشراء الموحد. النواقص شملت أيضاً شرائط اختبار جهاز قياس نسبة السكر في الدم من النوع "أكوا تشك" الذي سلمته الهيئة إلى الطلبة المصابين.

"مريم" طالبة في المرحلة الثانوية مصابة بالنوع الأول من السكري، تصطحبها والدتها إلى إحدى مستشفيات الهيئة بمحافظة كفرالشيخ مطلع كل شهر، من أجل الكشف والحصول على جرعة العلاج الشهرية المخصصة لها. تقول والدة "مريم" إن ابنتها اضطرت إلى تغيير نوع "الأنسولين" أكثر من مرة، بعد أن أبلغها الطبيب بعدم توافر حقن أنسولين "ترسيبا" طويل المفعول في صيدليات المستشفى، مما أدى إلى تعرضها لاضطرابات في مستويات سكر الدم، كما أبلغت بتوقف صرف صيدليات الهيئة لأقراص فيتامين "ميلجا" التي كانت تُصرف ضمن قائمة الدواء الشهري.

تأثر الإنتاج المحلي من الدواء، الذي يوفِّر 80 في المئة من احتياجات السوق، بتداعيات أزمة الدولار، لأن الأدوية المحلية تعتمد بشكل أساسي في صناعتها على خامات دوائية مستوردة. ويبلغ عدد مصانع الأدوية المسجلة رسمياً في مصر 191 مصنعاً، وتهيمن الشركات الخاصة المحلية أو الأجنبية على السوق، بينما تشكل شركات القطاع العام نسبة 6 في المئة منها فقط.

تشير تقارير عام 2023 إلى أن مصر ضمن قائمة أكثر 10 دول حول العالم في تعداد مرضى السكري بمعدل 20.90 في المئة من إجمالي عدد السكان[2]. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن هناك ما يقارب 40 في المئة من البالغين في مصر مصابون بارتفاع ضغط الدم.

وفي الواقع لا تشمل مظلّة التأمين الصحي كل الفئات من المصابين بأمراض مزمنة. فهي تضم فقط موظفي الحكومة والعاملين في الهيئات العامة وطلبة المدارس وأصحاب المعاشات. بخلاف ذلك ليس أمام المرضى غير القادرين على تحمل نفقات الأدوية الحيوية مرتفعة السعر سوى التقدم بطلب للعلاج على نفقة الدولة. لكن الأنسولين الذي تمنحه وزارة الصحة للمواطنين بموجب هذا القرار يكون من النوع المتجانس "مكستارد" منخفض الفعالية، وغير المتناسب مع حالات النوع الأول من السكري.

انطلاقاً من عجز النظام الصحي عن تغطية كل فئات المجتمع، جاء إصدار قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018، على أن يهدف النظام الجديد إلى تغطية جميع المواطنين من الولادة حتى الوفاة داخل المحافظات المطبق فيها النظام. ويطبق القانون على 6 مراحل، حددت الحكومة فترة إتمامها على مدار 15 عاماً بداية من عام 2018 وحتى 2032.

يتعثر التطبيق حتى الآن على الرغم من مرور ست سنوات على بداية الانطلاق، والمشروع يبقى في مرحلته الأولى التي تضم محافظات (بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، جنوب سيناء، الأقصر، أسوان)، في مخالفة للجدول الزمني المقرر لانتهاء التطبيق، إضافة إلى عدم تطبيق المنظومة في كل الأماكن والوحدات الصحية التابعة للمرحلة الأولى. شكاوى المواطنين من الخدمة في نسختها الجديدة لا تختلف كثيراً عن ذي قبل، ومنها الزحام الشديد الذي تشهده مراكز تلقي الخدمة في ظل محدودية الأماكن المخصصة لذلك، ومن جانب آخر وجود صعوبة في توفير العلاج الشهري لأصحاب الأمراض المزمنة بشكل منتظم.

______________________

  1. تصريحات منشورة على موقع صحيفة "الشروق" المصرية، في 4 شباط/ فبراير 2024. https://bit.ly/49hAjSY
  2. - تقرير منظمة "وايس فوتر" المتخصصة في البيانات والإحصائيات العلمية. https://bit.ly/3uGVyyx

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه