تنتظر النساء في المغرب بأمل كبير ما ستسفر عنه التّعديلات المطروحة حول مدونة الأسرة... وبخشية من خيبة أملٍ لهن معها تجربة طويلة. وإذا كان التغيير في أيّ مجتمعٍ يتطلب وقتاً، فإن تغيير القوانين المتعلقة بالمرأة والأسرة، يستغرق دهراً! والدليل على ذلك أن مدونة الأسرة الحالية راكمت جدلاً، وسنوات من المطالبة ببعض الحقوق، قبل التوصل إلى تسوية بشأنها.
مع العلم أن معظم التّعديلات المطروحة الآن، كانت مقترحة سابقاً، لكن لم يتم إقرارها. لهذا، تشبه مدوّنة الأسرة في المغرب طفلة تكبر بالتّدريج، يُنتظر أن تبلغ سن الرشد بفارغ الصّبر، لا سيما وأنها قد بلغت العشرين من عمرها، منذ صياغتها عام 2004، بعد مواجهة بين التيارين المحافظ والحداثي. فجاءت لتقف في الوسط بينهما، لا في الوسط بين المرأة والرجل في مكانة كل منهما داخل الأسرة.
لماذا الآن؟
الآن، مع مشروع تعديل قانون الأسرة، هناك فرصة أخرى لإنصاف المرأة داخل الأسرة، خاصة مع تغيّر وضعها الاقتصادي، عمّا كان عليه منذ عشرين سنة. ويُنتظر أن تشمل التعديلات مواضيع الميراث وزواج القاصرات والولاية القانونية على الأطفال. وهي قضايا لم يتم الحسم فيها سابقاً، بل أُحيطت باستثناءات وُضعت لإرضاء الجهة المحافظة، فتركت الواقع على ما هو عليه.
هناك موضوعان حساسان باقيان، هما تعدد الزوجات وزواج القاصرات، حيث صارت الاستثناءات قاعدة عامة، وهي لم تخفّف من نسب زواج القاصرات، ولم توقف حالات تعدد الزوجات. لهذا فإن أهم ما يُنتظر من المشروع الجديد هو سد الثغرات.
الميراث
أُثير موضوع الميراث منذ سنوات، لكن المقاومة القوية من الفئة المحافظة في النخبة السياسية والدينية، أجّلت الحسم في موضوع قديم جديد، تمت إثارته مرّات وتم قبْره مرات أخرى، لصلابة الرأي الرافض، ووهن الرأي الدّاعم. هو المناصفة في الميراث بين الرجال والنساء، وجعل البنات المستفيدات الوحيدات من ميراث الأبوين في حال عدم وجود ابن ذكر.
لهذا ترى كثيراتٌ أنه إذا لم يتم إقرار المناصفة في الميراث، ستكون التعديلات مجرد ذر للغبار في العيون. لأن معظم الأسر المغربية تعيش بين متوسط خط الفقر وتحته، وليس لديها ما تورّثه سوى البيت. وأكبر مصائب الأرامل واليتامى البنات، هو الطرد من البيت لبيعه واقتسام ثمنه مع أقارب، هم إخوة الأب والزوج، وأعمامه وأولادهم، فيما يُسمى "بالتعصيب". وهو شمْل الميراث لأطراف عائلية أوسع في حال عدم وجود أبناء ذكور للمتوفى.
وتصر أخريات على المساواة مع إخوتهن الذكور في الإرث، لحاجتهن إليه بسبب تدهور أوضاعهن المادية، وتحملهنّ مسؤولية إعالة أسرهن.
السُّلاليات في المغرب: هذه الأرض لنا
20-06-2022
المشاكل المطروحة حول مدونة الأسرة تعود إلى أسباب اقتصادية راهنة. بينما النّص الديني المَرجِع للإرث، جاء في زمن آخر لا يشبه واقعنا الآن على الأقل، حينها كان شكل الدورة الاقتصادية مختلفاً، لأن غالبية الرجال فيه هم من يصرف على البيوت. الآن، مليون ونصف المليون امرأة تُعِلنَ أسرهن بشكل حصري، أي ما نسبته 17 في المئة من الأسر في المغرب، حسب إحصائيات عام 2022. ومعظمهن مطلقات أو أرامل، يعمل بعضهن في مهن جيدة، فيما يضطر بعضٌ آخر إلى العمل في مهن نصفها هامشي، بعد فقدان المعيل.
قلة من الآباء فقط من يكتب البيت باسم البنات، تفادياً لهذا الوضع، لأن القانون يمنع الوصية لمن له حق الإرث، إلا برضا الورثة الآخرين. وكثير من الآباء يظنون أن إعطاء البنات أكثر مما يمنحه الفقهاء لهن، هو مسٌّ بأساسيات الدين.
الطلاق والحضانة للمرأة المتزوجة والولاية على الأطفال
من أهم المواضيع المطروحة على المشروع الجديد للمدوّنة، حضانة الأم بعد الزواج الثاني، التي تسقط إذا كان الطفل فوق عمر سبع سنوات بحسب المدونة الحالية. وكم امرأة امتنعت عن الزواج حتى لا تفقد أطفالها. في السياق نفسه، يُطرح أيضاً موضوع الولاية على الأطفال، خاصة في حال الطلاق، فالولاية حسب المادة 236، للأب حصراً، "بحكم الشرع".
حتى بعد الإقرار النهائي لحضانة الأم للأطفال بعد الطلاق، تبقى الولاية القانونية للأب. فلا يمكن إصدار بعض الوثائق القانونية إلا بوجوده، ولا السفر مع الأبناء المحْضنين خارج البلاد من دون موافقته، هو الذي قد يماطل أو يتغيب عن الظهور والموافقة على سفر الأبناء.
الإرث هو موضوع مادي صرف. وعدم منح المرأة حقوقاً كاملة تمثِّل أعباءً على الزوج في حال الطلاق، هي في صالحه أيضاً. وتحميل الزوجات تحت السّن القانوني أعباء عمل لا يُؤدى أجرٌ عنه، كخادمات في بيوت أسر الأزواج ولهم في أحوال الكبر في العمر والمرض، هي مسألة مادية. وكذلك استغلالهن في العمل المجاني في الحقول، بل وتشغيلهن في البيوت كخادمات معيلات للأزواج.
لأهمية دور النص الديني في قانون الأسرة، سيصعب تحقيق إنجازات تراعي حاجة المرأة الماسة إلى الحماية، في مجتمع مادي يستعمل النص الديني والعادات والتقاليد للتملص من الالتزامات المادية، حيث يصبح لبقاء المرأة تحت رحمة الأسرة (الرجل) قيمة نفعية تمثّل مصدراً مالياً لا يمكن التفريط فيه.
انتبه المغاربة مؤخراً لهذه النقطة، بعد الجدل الذي أثارته الممثلة جميلة الهوني الزوجة السابقة لأمين الناجي، أحد أشهر الممثلين المغاربة، إذ صرحت أن سفر ابنها أُعيق بسبب امتناع والده عن الترخيص له بذلك، مع أنه أهمل تحمل واجباته تجاهه، ومع العلم أن الناجي أنكر الأمر.
زواج القاصرات والتعدد
يُمثل زواج القاصرات حالاً خاصة، لأنه الموضوع الأكثر إلحاحاً من ناحية العدد المتضرر من القانون الحالي. وعلى الرغم من أن مناصري استثناءات زواج القاصرات يجادلون بوجود مثيلات لها في قوانين مجتمعات متقدمة أوروبية، لكن هناك فرقاً كبيراً بين الحالَين. فالاستثناءات في هذه القوانين لا تعني سوى مجموعة من القاصرين الذين يرتبطون ببعضهم، بما أن القوانين تمنع علاقات القاصرين بالبالغين.
لكن استثناءات زواج القاصرات في المغرب تعني الفتيات فقط، ولا تفرض عمراً على الأزواج، فهم قد يكونون في السبعين بلا أدنى حرج.
وبلغ عدد القاصرات اللاتي تزوجن عام 2022 ما يفوق 13600 فتاة، بينما وصل عددهن عام 2023 إلى حوالي 8450 فتاة دون الثامنة عشرة، وبعضهن تحت الخامسة عشرة. هؤلاء الفتيات غالباً ما يجدن أنفسهن في أوضاع صعبة. فغالبية حالات الطلاق في صفوف النساء المطرودات من بيت الزوجية، واللائي يحاولن الانتحار هن قاصرات، حسب "فدرالية رابطة حقوق النساء". لذا تطالب الناشطات بالمنع التام لهذا الزواج، لغلق الباب أمام الاستثناءات.
معظم الأسر المغربية تعيش بين متوسط خط الفقر وتحته، وليس لديها ما تورِّثه سوى البيت. وأكبر مصائب الأرامل واليتامى البنات، هو الطرد من البيت لبيعه واقتسام ثمنه مع أقارب، هم إخوة الأب والزوج، وأعمامه وأولادهم، فيما يُسمى "بالتعصيب". وهو شمْل الميراث لأطراف عائلية أوسع في حال عدم وجود أبناء ذكور للمتوفى.
النّص الديني المَرجِع للإرث، جاء في زمن آخر لا يشبه واقعنا الآن. حينها كان شكل الدورة الاقتصادية مختلفاً، لأن غالبية الرجال فيه هم من يصرف على البيوت. الآن، مليون ونصف المليون امرأة تُعِلنَ أسرهن بشكل حصري، أي ما نسبته 17 في المئة من الأسر في المغرب، حسب إحصائيات عام 2022.
في موضوع التعدد، وعلى الرغم من وجود كلمة "منع"، فهي جبّة واسعة تغلف تشريعه. فحسب مدونة الأسرة: "يُمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يُمنع في حال وجود شرط من الزوجة بعدم الزواج عليها"، و"إذا لم تكن لطالِبِه الموارد الكافية لإعالة أسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة". وهي موانع فضفاضة تتم مراوغتها بسهولة، إذ كيف يمكن إثبات العدل أو نيته؟ وحكم بهذا الشكل يمكن أن يرد في نص ديني يحتاج إلى تفسير ويقبل الاجتهاد، أما القانون فهو مباشر ومجرد وغير قابل للتفسير المفتوح.الفرق الوحيد بين الوضع الحالي وبين ما كان يتم العمل به سابقاً، هو أن عقد زواج التعدد يستدعي تقديم طلب إلى المحكمة، لمنح الزوج إِذْناً بالتعدد في حال "عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد"، وهو البند الوحيد الذي يشير إليه مصطلح المنع. أي وضع شرط عدم التعدد في عقد الزواج..
لكن من هي المرأة التي ستضع في عقد زواجها شرط عدم الزواج عليها؟ هل ستفكر في هذا الاحتمال في وضع اجتماعي يغيب فيه الوعي القانوني، وتغلب عليه العاطفة وقانون النية؟ الحل الآخر أمام الزوجة الأولى هو طلب الطلاق، وخسارة الأسرة التي لم تكن تنوي التخلّي عنها.
إثبات النسب للأطفال خارج بيت الزوجية
هذا موضوع شائك وملح، أمام واقع يتحدى المجتمع والقانون معاً. إذ على الرغم من أن بنوّة الأمومة تُعَدّ شرعية "أي سليمة من الشكوك وغير قابلة للتنصل" في حال الزواج والشبهة والاغتصاب، حسب المادة 248، إلا أنه لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة إلى الأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية.
بمعنى أن الابن غير الشرعي للأم، يحصل على كافة حقوقه القانونية، أما الأب فلا واجب عليه خارج إطار الزواج، حتى لو ثبتت أبوته بفحص الحمض النووي DNA، كما اجتهدت بذلك منذ سنوات محكمة الأسرة في طنجة في قضية مشهورة.
لكن الحكم أُسقط من طرف محكمة الاستئناف، لأن القانون ينص على ذلك حرفياً، على الرغم من أن القاضي محمد الزردة، صاحب الحكم الثوري، استند إلى المواد التي تنص على أن البنوة يمكن إثباتها بـ"الأسباب الشرعية"، ويبدو أن المحاكم تعتمد "الشرعية" المقصود بها الأدلة الدينية، لا الأدلة المادية.
حتى بعد الإقرار النهائي لحضانة الأم للأطفال بعد الطلاق، تبقى الولاية القانونية للأب. فلا يمكن إصدار بعض الوثائق القانونية إلا بوجوده، ولا السفر مع الأبناء المحْضَنين خارج البلاد من دون موافقته، هو الذي قد يماطل أو يتغيب عن الظهور والموافقة على سفر الأبناء.
الفرق الوحيد بين الوضع الحالي وبين ما كان يتم العمل به سابقاً، هو أن عقد زواج التعدد يستدعي تقديم طلب إلى المحكمة، لمنح الزوج إِذْناً بالتعدد في حال "عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد"، وهو البند الوحيد الذي يشير إليه مصطلح المنع. أي وضع شرط عدم التعدد في عقد الزواج..
هذا التغاضي المتعمد للقانون، يرفض حل مشكل كبير على أرض الواقع، بدعوى عدم شرعنة العلاقات خارج الزواج، ويؤثر على وضعية عدد مهول من الأطفال الذين يولدون سنوياً من علاقات خارج الزواج، تذهب النساء والأطفال ضحايا لها. في حال تضم ثلاثة أطراف، يتم إعفاء الطرف الأقوى والجوهري من المسؤولية، لتبقى الأطراف الأضعف تحت رحمة الظروف والشارع.
وداعاً عائشة الشنا... لن نُطفئ الشعلة!
06-10-2022
يقف القانون مع المجتمع الذي لا يرحمهم، وفي الوقت نفسه يعاني النتائج. فحرمان هؤلاء الأطفال من حياة طبيعية، يدفعهم إلى الشوارع والأزقة المعتمة للإجرام، فيشكلون خطراً على المجتمع الذي تجاهل وجودهم... مع العلم أن وجود حلٍ لهذه المشكلة لن يزيد من حدّتها ، بل على العكس من ذلك. لأن تحميل الآباء المسؤولية سيؤدي إلى الضغط على الآباء المستقبليّين، للحرص على تفادي الأسباب المؤدية إلى حمل غير مرغوب فيه.
أبرز ما يعيق تحقيق المطالب
أبرز عوائق المشروع الحالي، هو عرضه في أول سلسلة استشارات على الرابطة المحمدية للعلماء، وهي الهيئة الدينية الاستشارية الرسمية الأولى، عوضاً عن الاستماع إلى مطالبات الأطراف المدنية، والخبراء القانونيين والاجتماعيين، بل والاقتصاديين الذين صاروا أكثر أهمية.
وتحمل الرسالة التي وجهها الملك إلى الحكومة طالباً فيها إعادة النظر في المدونة، إشارات قطعية إلى المرجع الديني، "فإنني لن أُحلّ ما حرم الله، ولن أحرّم ما أحلّ الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية". وهو خطاب لا يجد مكاناً له في مشاريع قوانين تخص قضايا أخرى.
الابن غير الشرعي للأم، يحصل على كافة حقوقه القانونية، أما الأب فلا واجب عليه خارج إطار الزواج، حتى لو ثبتت أبوته بفحص الحمض النووي DNA، كما اجتهدت بذلك منذ سنوات محكمة الأسرة في طنجة في قضية مشهورة
ولأهمية دور النص الديني في قانون الأسرة، سيصعب تحقيق إنجازات تراعي حاجة المرأة الماسة إلى حماية، في مجتمع مادي يستعمل النص الديني والعادات والتقاليد للتملص من الالتزامات المادية، حيث يصبح لبقاء المرأة تحت رحمة الأسرة (الرجل) قيمة نفعية تمثل مصدراً مالياً لا يمكن التفريط فيه.
فالإرث الذي يميل إلى صالح الرجل، هو موضوع مادي صرف. وعدم منح المرأة حقوقاً كاملة تمثل أعباء على الزوج في حال الطلاق، هي في صالحه أيضاً. وتحميل الزوجات تحت السّن القانوني أعباء عمل لا يُؤدى أجرٌ عنه، كخادمات في بيوت أسر الأزواج ولهم في أحوال الكبر في العمر والمرض، هي مسألة مادية. ويمكن أن يمتد استغلالهن في العمل المجاني إلى الحقول، وإلى تشغيلهن في البيوت كخادمات معيلات لهم.
التقطير والترقيع
يتوقع كالعادة أن يتم تقطير الحقوق في التعديلات الجديدة، نظراً للمقاومة التي تواجه المناصفة في قضية الميراث، التي نتوقّع الامتناع عنها، وتعويضها بمنع "التعصيب"، وهو منع تحويل الإرث إلى الأعمام ومن يليهم، في حال البنات اللواتي لا إخوة لهن، وهو حل جزئي لحالٍ محددة.
المغربيات.. يحميهنّ القانون ويظلمهنّ الواقع
02-01-2022
سيتم حل مشكلة الولاية، ومنح الأم المُطلّقة الولاية على أولادها، بالنظر إلى أنها صارت مسألة شكلية لا بد منها. بينما سيجد المنع الاستثنائي لزواج القاصرات والتعدد المشروط مقاومة، نظراً "لضرورة "لاستثناءات" في حالات محددة تحتاج المراعاة. بينما يتم غض النظر عن المشاكل العامة الناتجة عن رخصة يسيرة الشروط. ولكن سيتم تحجيم الاستثناءات إلى أقل قدر منها، مما لن يغير الوضع في الواقع إلّا بشكل طفيف.
كالعادة ستحقق المدونة الجديدة خطوات، ولكنها ستخذل المرأة في خطوات أخرى لتنتظر عقوداً حتى تصل إليها. ففي هذا المجال، يبقى القانون جباناً أمام المجتمع على حساب المرأة، والأجيال الجديدة.