الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم، التي يحتل فيها المغرب مرتبة متدنيّة، وأخيراً الإنجازات الفردية والجماعية التي يحققها بعض الطلبة في أولمبياد الرياضيات مثلاً، أو في ولوج المدارس الفرنسية العليا.
2023-12-19

عائشة بلحاج

صحافية وباحثة في حقوق الإنسان، من المغرب


شارك
| en
مدرسة ابتدائية مختلطة في المغرب

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

لا أحد! تُلخِّص هذه العبارة نتائج مباراة الدّخول إلى ماجستير الدراسات الدولية في جامعة محمّد الأول في فاس خلال الموسم الدراسي الحالي، لتُعبِّر في الآن نفسه عن حال التعليم في المغرب. وهي ليست المرّة الوحيدة التي برزت فيها هذه الجملة القاتلة في لائحة النّتائج، بل اعتادت كليّاتٌ عديدة على تصدير هذه العبارة في جدول نتائج امتحانات قبول الطلبة، في مستوى الماجستير بشكل خاص.

هناك أسباب أخرى محتملة لهذه النتيجة، لكن هذا لا ينفي أنّ مستوى المتقدمين إلى هذه الامتحانات أضعف من المعتاد. خاصة في التخصّصات غير العلمية التي يتوجه إليها عادة متوسّطو المستوى، والضّعيفون، لتحمل هذه المواد سمعة لا تليق بها، فقط لأنها لا تضع شروط قبول أمام الطلبة الأضعف. بين أرقام صادمة في التّرتيب الدولي، وأرقام أخرى تدعو إلى الفخر بعدد من الأطفال والفتيان الذين قدّموا أداء فردياً رفيع المستوى، تكشف المعطيات الرسمية والدولية عن صورة مهزوزة للتعليم في المغرب...

صور متناقضة

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم، التي يحتل فيها المغرب مرتبة متدنيّة، وأخيراً الإنجازات الفردية والجماعية التي يحققها بعض الطلبة في أولمبياد الرياضيات مثلاً، أو في ولوج المدارس الفرنسية العليا، التي يمرّ الطلبة فيها من الأقسام التّحضيرية القاسية التكوين والشّديدة المنافسة، ليقْدِموا على امتحانات القبول في منافسة مع طلبة فرنسا وباقي الدول ذات النظام التعليمي الفرنكفوني.

في العام 2021، احتل المغرب المرتبة التاسعة عربياً في التعليم حتى شهادة البكالوريا، والـ101 عالمياً من أصل 140 دولة تضمّنها "مؤشر دافوس" لجودة التعليم[1]. وعلى الرغم من تصدّر دول الخليج الغنية لقائمة جودة التعليم على المستوى العربي، فإن دولاً أخرى غير نفطية حقّقت درجات أفضل من المغرب، وبفارق كبير، مع أن اقتصادها أضعف من اقتصاده، مثل لبنان وتونس والأردن.

الحد الأدنى من التعليم

تبلغ نسبة التلاميذ المغاربة في المستوى الرابع ابتدائي، الذين يتقنون الحدّ الأدنى من المعارف، 41 في المئة فقط، من أصل عدد تلاميذ المستوى الابتدائي البالغ 3 ملايين و800 ألف طفلٍ وطفلة. كما خلصت "الدراسة الدولية للتّحصيل الدراسي في القراءة (International Results in Reading) التي أُجريت عام 2021، ليحتلّ المغرب في الدراسة الشهيرة المعروفة اختصاراً باسم (PIRLS) المرتبة ما قبل الأخيرة، من أصل 57 دولة.

مع ذلك تقول هذه الدراسة التي تُنجَز كل خمس سنوات، إن المغرب أحرز تقدُّماً مقارنة مع النسخة السابقة، على الرغم من أنه "جاء بعد مصر والأردن في الاختبارات التي أُجريَت لدى عيّنة تمثيلية بلغت 7000 تلميذاً، بحيث انتقلت نسبة التلامذة الذين يتحكّمون في الكفايات الدُّنيا من 36 في المئة سنة 2016، إلى 41 في المئة سنة 2021. وأكدت نتائج الدراسة على استمرار تفوق الإناث على نظرائهنّ الذكور، بفارق 34 نقطة[2].

ويبلغ عدد التلاميذ في البلاد قرابة عشرة ملايين، يرتاد ثمانية ملايين و800 ألف تلميذ منهم التعليم الرسمي، فيما يستقبل التعليم الخاص مليون ومئتي ألف تلميذ حسب أرقام موسم 2022/2023. ويعيش ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف تلميذ منهم في القرى.

يتوزع العدد الإجمالي لتلاميذ التعليم العمومي حسب المراحل التعليمية، بين 3 ملايين و850 ألف تلميذٍ في المستوى الابتدائي، ومليون و800 ألف في المستوى الإعدادي، ومليون و50 ألف في المستوى الثانوي. وينقسم نظام التعليم في المغرب على قسمين، يضمّ كل منهما ثلاث مراحل.

مقالات ذات صلة

يشمل القسم الأول التعليم الأساسي في ثلاث مراحل: الابتدائية وتتكون من ست سنوات. الإعدادية وتتكون من ثلاث سنوات، الثانوية وتتكون من ثلاث سنوات. وفي التعليم العالي تطبّق معظم الجامعات المغربية النموذج الفرنسي للتعليم الجامعي وهو كالتالي: الإجازة (البكالوريوس) ثلاث سنوات، سنتان للماستر (الماجستير)، وبين ثلاث سنوات على الأقل وست على الأكثر لمرحلة الدكتوراه.

خلصت "الدراسة الدولية للتّحصيل الدراسي في القراءة (International Results in Reading) التي أُجريت عام 2021، ليحتلّ المغرب في الدراسة الشهيرة المعروفة اختصاراً باسم (PIRLS) المرتبة ما قبل الأخيرة، من أصل 57 دولة.

في التعليم العالي أيضاً نجد المدارس العليا (les écoles supérieures) التي تُسمّى "مدارس الاستقطاب المحدود"، لأنها تعتمد على معدلات عالية وامتحانات قبول. وتضم اختصاصات الهندسة والطب والتجارة والإدارة وغيرها. كما تتطلب الدراسة في معظمها خمس سنوات على الأقل. من جهة أخرى وفي مستوى أقل، نجد معاهد التكوين المهني ذات الطابع التقني، التي تتطلب سنتين من الدراسة بعد البكالوريا، ويتخرج طلبتها بمسمى "تقني متخصص". وحسب القانون، فالتعليم إلزامي إلى حدود 15 سنة، عند الشهادة الإعدادية، لكن الواقع يخذل الفتيان والفتيات في المغرب، ولا يتم احترام هذا القانون.

التعليم بالمؤنث

في مؤشرات المقارنة بين الفتيات والفتيان في التعليم، يفاجئنا ميل الكفة لصالح الفتيات في النتائج، التي تعرف تفوقاً كبيراً لهنّ، تواكبه زيادة عددهن في التعليم العالي. وهذا على الرغم من أن هناك تعثراً في فرصهن التعليمية في مراحل الطفولة، إذ تشير أرقام 2023 إلى أن عددهن يقل بحوالي مئتي ألف، في المستويين الابتدائي والإعدادي، فيما يساوي عددهن عدد الفتيان في المرحلة الثانوية.

فمن أصل إجمالي عدد تلاميذ المستوى الابتدائي البالغ 3 ملايين و800 ألف تلميذ وتلميذة، يبلغ عدد الفتيات بينهم مليون و800 ألف فتاة. وفي المستوى الإعدادي، بلغ مجمل عدد التلاميذ (إناثاً وذكوراً) مليوناً و800 ألفاً، منهم مليون فتى. وبالمستوى الثانوي مليوناً و50 ألفاً، نصفهم فتيات[3].

لكن الجامعات هي أكثر من يُبرز الفوارق، حيث فاقت نسبة الفتيات 54 في المئة من أصل العدد الإجمالي للطلبة الذي يتجاوز المليون طالب بقليل، حسب إحصائيات عام 2023. وبلغت نسبهن 53 في المئة بالجامعات العادية، من أصل عدد إجمالي الطلبة فيها. فيما تفوّقن بشكل واضح في الجامعات ذات الاستقطاب المحدود، العالية المستوى، حيث يحضرن بنسبة تفوق 62 في المئة. ويعود الفضل في ذلك، إلى حضورهن المكثف في لائحة المتفوقين في نتائج البكالوريا، بنسبة بين سبعين وثمانين في المئة على مستوى البلاد.

كما تسجِّل نسب الناجحين بشكل عام في البكالوريا تفوقاً للفتيات، إذ بلغ عدد الناجحات عام 2023، 142  ألفاً من أصل 245 ألف تلميذ في التعليم العمومي والخصوصي مقابل 103 ألف فتى. وصار من الطبيعي أن تضمّ لائحة الطلبة المقبولين في تخصّصات الماجستير أسماء طالبات فقط، مع حضور اسم وحيد للجنس الآخر. وكذلك في الامتحانات المهنية.

ويمكن الربط بين الوضع الاجتماعي للأسر وزيادة نسب الفتيات، بحيث تبلغ نسبة الفتيات في التعليم الخصوصي الذي استقبل مليوناً ومئتي ألف تلميذ في 2022/2023، النصف. حيث ترسل الأسر متوسطة الدخل الأولاد والبنات بشكل متساوٍ إلى المدارس. وهذا على عكس التفاوت الحاصل في البوادي، فمن جهة هناك تقدم كبير في نسب دخول الفتيات المدارس، حيث بلغت نسبة الفتيات 48 في المئة من العدد الإجمالي البالغ 3 ملايين و500 ألف تلميذٍ في العام الدراسي الجاري، فيما كانت أضعف بكثير منذ عقدين. لكن من جهة أخرى، يحدث الخلل في مراحل مسارهن الدراسي. حيث تقل نسب الفتيات مع تقدم مستويات التعليم لأسباب مختلفة، مثل الزواج المبكر، أو صعوبة التنقل إلى مدارس بعيدة في قرى لا تحتوي على إعداديات أو ثانويات.

المصدر: تقرير وزارة التعليم عن حصيلة عامي 2022 و2023.

تأخّر وهدر

في إحصائيات مهمة عن وضعية التعليم، تُشير حصيلة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بالأرقام بخصوص الموسم الدراسي 2023/2022، إلى تحسّن في وتيرة تعميم التعليم الأولي، ما قبل الابتدائي، الذي كان يشكل العقبة الأولى في التعليم العمومي بسبب تأخر الأطفال في دخول المدارس، حيث يجدون أنفسهم أمام مقررات تفترض إجادتهم القراءة والكتابة في التعليم الأولي (بين ثلاث وست سنوات). مع العلم أن الأطفال يدخلون المدرسة الابتدائية في عمر ست سنوات. لكن هذا التحسن لم يُظهر، لحد الآن، نتائج على المستوى العام للتلميذ المغربي.

يبلغ عدد التلاميذ في البلاد قرابة العشرة ملايين، يرتاد ثمانية ملايين و800 ألف تلميذ منهم التعليم الرسمي، فيما يستقبل التعليم الخاص مليون ومئتي ألف تلميذ حسب أرقام موسم 2022/2023. ويعيش ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف تلميذ منهم في القرى. والتعليم إلزامي إلى حدود 15 سنة، عند الشهادة الإعدادية، لكن الواقع يخذل الفتيان والفتيات في المغرب، ولا يتم احترام هذا القانون.

الجامعات هي أكثر من يُبرز الفوارق بين الجنسين، حيث فاقت نسبة الفتيات 54 في المئة من أصل العدد الإجمالي للطلبة الذي يتجاوز المليون طالب بقليل، حسب إحصائيات عام 2023. وبلغت نسبهن 53 في المئة بالجامعات العادية، من أصل عدد إجمالي الطلبة فيها. فيما تفوّقن بشكل واضح في الجامعات ذات الاستقطاب المحدود، العالية المستوى، حيث يحضرن بنسبة تفوق 62 في المئة 

في المؤشرات الرسمية حول نسبة الهدر المدرسي، نجد كذلك تناقضاً غير مبرر، بين أرقام تذهب إلى استقرار الهدر أو "التسريب" في صفوف التلاميذ على الصعيد الوطني، وأرقام تشير إلى ارتفاع نسبة التسريب لتبلغ 5.3 في المئة في البلاد، وترتفع في العالم القروي إلى 5.9 في المئة بين التلاميذ. ينقطع عن الدراسة ما يفوق 300 ألف تلميذ سنوياً، في كل المستويات. وتصل نسبة انقطاع الفتيان الى 6 في المئة بينما تبلغ 4 في المئة عند الفتيات. مع الإشارة الى أن نسبة كبيرة من المنقطعين غالباً ما يتم طردهم بقرار من المدرسة بسبب الرسوب المتكرر، وهو ما يفسر ارتفاع نسب الهدر عند الفتيان مقارنة مع الفتيات.

من الهوة الاجتماعية إلى الهوة التعليمية

تزداد الهوة التعليمية تعمقاً داخل الوضع العام في المجتمع بين الجهة العظمى من المتمدرسين في القطاع العام، وبين نسبة تمثّل حوالي 13 في المئة من مجموع التلاميذ على الصعيد الوطني، تلجأ إلى المدارس الخاصة، بمختلف مستوياتها، من الضعيف إلى الممتاز. ويُقْدِم عدد متزايد من الأسر المتوسطة الدخل على إلحاق أبنائها بالتعليم الخصوصي، لتجاوز ضعف التعليم العمومي، ما يحمّلها عبئاً إضافياً، لكنه كان في صالح ازدياد عدد هذه المدارس، لتبلغ خلال الدخول المدرسي 2023 حوالي 7 آلاف مؤسسة.

وتؤكد الجهات الرّسمية على أن مؤسسات التعليم الخصوصي تخضع لتوزيع تُرابي يتيح تأطيرها مثل مؤسسات التعليم العمومي[4]. لكن الحقيقة أن مستوى هذه المدارس متباين جداً، مع حرصها على الرّبح المادي الوفير. كما أن وضعية عمل مُدرّسي التعليم الخصوصي أسوأ من زملائهم في التعليم العمومي. فهم يخضعون للحد الأدنى من الأجور، حسب ما هو منصوص عليه في مدونة الشغل، باعتبارهم "أجراء". ومع العلم أن القانون يحدد ما يقارب 250 دولاراً كحد أدنى للأجور، لكن كثيراً من هذه المدارس تضع إعلانات البحث عن مدرسين مع راتب 170 دولاراً، وهو مبلغ بالكاد يكفي لإيجار شقة.

ولا تتجاوز الشروط الواجب توافرها في الأساتذة الذين يدرِّسون في كثير من هذه المؤسسات، شهادة البكالوريا بالنسبة للمدرسين في التعليم الابتدائي، والإجازة بالنسبة لأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي. من دون الإشارة إلى أي تكوين في مجال التربية والتعليم. أي أن حرص جل المدارس الخاصة على الربح يأتي على حساب التعليم المقدم للأطفال... إلا في حالة مدارس يمكن اعتبارها الأكثر كلفة وجودة، حيث ترتفع شروط التدريس فيها، وتجمع بين التكوين في المجال والخبرة فيه.

في المؤشرات الرسمية حول نسبة الهدر المدرسي، نجد كذلك تناقضاً غير مبرر، بين أرقام تذهب إلى استقرار الهدر أو "التسريب" في صفوف التلاميذ على الصعيد الوطني، وأرقام تشير إلى ارتفاع نسبة التسريب لتبلغ 5.3 في المئة في البلاد، وترتفع في العالم القروي إلى 5.9 في المئة بين التلاميذ. ينقطع عن الدراسة ما يفوق 300 ألف تلميذ سنوياً

تمثل الدروس الإضافية الثّقب الأسود في النظام التعليمي. فجل ما تفعله هو استنزاف جيوب الوالدين. وتكرّس مستوى المدارس ومنهجيتها نفسها، أي "كثرة العدد وقلة الفائدة" في مراكز "الدعم المدرسي" كما تزعم، حيث يصبح الهاجس المادي للأساتذة الهدف الوحيد منها. فمعظمهم يعمل في المدارس الرسمية التي تقدِّم وجبة ضعيفة من المعرفة، ولكنهم يبيعون أملاً زائفاً للوالدين، فالمؤسسات المحتضِنة لهذه الدروس أسوأ من المدارس، لغياب بنية شبه منظمة لها. ومع ذلك يزداد عدد المتردّدين عليها، حيث تصل أسعار بعضها إلى مستويات باهظة في الدروس الفردية التي يزداد اللجوء إليها في فترة التحضير للامتحانات.

يتقاضى بعض الأساتذة 60 دولاراً أو أكثر لحصة واحدة، ولا تتجاوز الحصة الفردية ساعتين من الزمان. أما الجماعية فقد تبلغ 20 دولاراً، لحصة يرتادها ثلاثون تلميذاً. بمعنى أن الأستاذ يخرج من الحصة بـ 600 دولار، من دون أن يعني ذلك أنه لا توجد حصص أسبوعية لا يتجاوز سعرها الشهري 10 دولارات، لكن مع نسبة مردودية هي الأضعف تقريباً، بما يخص الخدمات التي تقدمها هذه المعاهد.

مدارس خاصة بمصالح خاصة

تؤكّد تقارير مجلس المنافسة العائدة إلى العام 2020، وهي جهة حكومية، على اختلالات الخدمة التعليمية في التعليم الخاص. فقد فُتح هذا الأخير فــي وجـه كل مسـتثمِر يرغـب فــي الحصول علـى رخصـة، مع حريـة تحديد المقرّرات، وفقــا للمحيط الذي تتوجه إليه هذه المدارس مــن جهــة، ولجــودة الخدمات من جهة أخرى. أدى ذلك إلى ازدياد عدد المدارس الخصوصية مقارنـة بنظيراتهـا العموميـة، خـلال السـنوات العشـر الأخيرة، إذ تضاعف عددها، منتقلاً مـن حوالي 3000 مؤسسـة، برسـم الموسم الدراسـي 2010-2011 إلــى حوالي 7000 مؤسســة خلال الموسمين السابقين. بينما لم تتجاوز نسـبة تطـور عـدد مؤسسـات القطـاع العـام البالـغة 11250 مؤسسـة نسبة 16 فــي المئة. ولا تضم لائحة المدراس الخاصة هنا، المراكز الخاصة للدعم وتدريس اللغات.

مع العلم أن الربح لم يكن الحافز الأول للمدارس الخاصة الأهلية عند نشأتها الأولى في البلاد. فقد كان لها دور كبير في الحركة الوطنية التي أنشأتها لمواجهة المدارس الفرنسية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وسُمّيت منذ ذلك الوقت وإلى عهد قريب بـ "المدارس الحرة". وهذه تتميز عن مدارس البعثات الأجنبية التي أسستها هذه الأخيرة لتدريس أبناء الجاليات الأجنبية، وبعض الأسر المغربية الغنية. كما تتمبز عن المدارس الدينية، مثل تلك الخاصة باليهود المغاربة، الذين يرغبون في منح أبنائهم تعليماً قائماً على التعاليم اليهودية، وكانت تمول من الاتحاد العالمي الإسرائيلي، الذي استغلّها من أجل إحصاء عددهم.

مقالات ذات صلة

بعد الاستقلال أُسست المدارس الخاصة من طرف مستثمرين مغاربة، من أجل توفير فرص أخرى للذين لم تتوافر فيهم شروط الاستفادة من التعليم العمومي، مثل العمر بشكل أساسي، وليس من أجل الربح، فذلك هدف لاحق ظهر جلياً بعد تراجع التعليم العمومي، وبحث الأسر عن بدائل. فشــهدت المدارس الخاصة وتيـرة تطـور لعدد الأطفال المستفيدين، مشـابهة لتزايـد عددهـا، بزيـادة بلغـت 74.50 فــي المئة منذ عام 2010، بينما لم تتجاوز نسبة ارتفاع عــدد المتمدرسين فـــي مؤسسات القطــاع العام 9 فــي المئة خلال الفترة ذاتها. وبلــغ عدد هيئة التدريس العاملــة فـــي هــذه المؤسسات، برســم الموسم الدراســي 2019-2020، 55 ألف مدرّس[5].

لكن مردودية هذه المدارس الآن تصطدم بمجموعة مـن أوجـه النقـص، نظراً للتباين الذي يطبعها على مستوى الأسعار والخدمات. وتوضـح الإحصائيات سـيادة المؤسسات الصغيرة ومتوسـطة الحجم، وتلــك التــي تنحصر خدماتهـا التعليمية علـى برامـج مرحلة التعليـم الابتدائي، علاوة علـى التمركـز العالي لهذا التعليـم جغرافياً فـي جهات الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وفاس-مكناس، أي المدن الكبرى التي تعرف اهتماماً كبيراً من الأسر بمستوى التعليم المرتفع. وبالنظر إلى كلفة التعليم الخصوصي، تحرص كثير من الأسر على إلحاق أبنائها بالمدارس العمومية، في فترة الإعدادية. لأن أسعار المدارس الخاصة ترتفع بشكل كبير ابتداء من المرحلة الإعدادية من جهة، ولأنهم مقتنعون أن الأبناء قد تلقوا تعليماً جيدا في الابتدائي، بحيث لن يجدوا صعوبات في المراحل التالية.

فُتح التعليم الخاص فــي وجـه كل مسـتثمِر يرغـب فــي الحصول علـى رخصـة، مع حريـة تحديد المقرّرات، وفقــا للمحيط الذي تتوجه إليه هذه المدارس مــن جهــة، ولجــودة الخدمات من جهة أخرى. أدى ذلك إلى تضاعف عدد المدارس الخصوصية مقارنـة بنظيراتهـا العموميـة، خـلال السـنوات العشـر الأخيرة، منتقلاً مـن حوالي 3000 مؤسسـة، في 2010-2011 إلــى حوالي 7000 مؤسســة حالياً.

يؤكد مجلس المنافسة على أن اســتناد المدارس الخاصة علــى أهــداف ربحيــة، يجعــل الطلــب رهينــاً بالقــدرة الشــرائية للأسر، والولـوج إلـى خدماتـه شـبه محصـور بالأطفال المنتمين إلـى الطبقـة المتوسطة وما فوق. ويترتـب عـلى ذلـك ضعـف تغطيـة المناطق التـي تسـجل أعلـى مسـتويات مـن الفقـر. فتبرز الازدواجية بـين "تعليـم عمومـي مجانـي مكْلـف لميزانية الدولـة" وغير فعال، و"تعليـم خصوصـي يسـعى إلـى الربـح وتأميـن عائـدات لرؤوس الأموال" ونسبة فعاليته متذبذبة.

التعليم العالي لا يخلق عملاً

تُقاس جودة أي تعليم بفرص العمل التي يتيحها لكل طالب. لهذا يمكن معرفة الكثير عن مستوى التعليم الجامعي، حين نعرف أن نسبة البطالة بين خريجي الجامعات عام 2023، تبلغ 20 في المئة لدى الرجال، و18 في المئة لدى النساء، حسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، وهي جهة رسمية متخصصة في الإحصاءات. والأمر أسوأ عند المتوقفين عن الدراسة في مستويات أقل. ولم تنجح المراجعات التي تمت على مستوى التخصصات الدراسية في التعليم العالي، في إتاحة فرص عمل أكبر. وبالرجوع إلى نسبة العمل بالنظر إلى التعليم المحصّل عليه، تفاجئنا الأرقام بأنها تقل مع مرور السنين كما في الجدول التالي، ولكل المستويات التعليمية:

المصدر: تقرير المندوبية السامية للتخطيط عم 2022 بعنوان: المرأة في أرقام[6]

مع ذلك لم يفقد كثير من الشباب الأمل في الجامعات، وما زالت تكتظ بهم، هي التي لا توفّر ما يكفي من المقاعد لهم. إذ بلغ هذه السنة 2023 عدد المؤسسات الجامعية، بكل أشكالها، 432 مؤسسة، مع استقبالها لمليون و170 ألف طالب وطالبة، منهم مليون و60 ألف في التعليم الجامعي العمومي، و34 ألف في مدارس تكوين الأطر العمومية مثل المدارس العليا للمهندسين (les écoles supérieures) ومعاهد الأستاذة، والأكاديميات العسكرية. أي أن التعليم العالي الخصوصي يستقبل 75 ألف طالب فقط.

نسبة البطالة بين خريجي الجامعات عام 2023، تبلغ 20 في المئة لدى الرجال، و18 في المئة لدى النساء، حسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، وهي جهة رسمية متخصصة في الإحصاءات. والأمر أسوأ عند المتوقفين عن الدراسة في مستويات أقل.

هناك مجموعة من المؤشّرات الأخرى المعبّرة عن مستوى الخدمة التعليمية التي تقدّمها هذه الجامعات، وعن عدم توازن الطاقم التعليمي بين الفئات، نساء/رجال، شباب/شيوخ. فعدد الأساتذة الذين تجاوزوا الستين، يبلغ 3500 أستاذٍ، مع العلم أن عدد الحاصلين على الدكتوراه بلغ رقماً غير مسبوق، مع فرصٍ تعدُّ على أصابع اليد الواحدة في التوظيف في التعليم العالي. وأنه من أصل مجموع الأساتذة وهو 15800 استاذ، لا يتجاوز عدد النساء ال 4700. أما على مستوى الجامعات الخاصة، فيبلغ عدد الأساتذة 7200 منهم 2700 نساء[7]. على مستوى الجودة، تعبّر أرقام وزارة التعليم عن نفسها، إذ نجد أن ميزانية قطاع التعليم والبحث العلمي والابتكار لا تتجاوز 7 في المئة من الميزانية العامة للدولة.

وضعية المُدرس في التعليم العمومي

أثارت مصادقة الحكومة على مشروع المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم، احتجاج ورفض هؤلاء لمقتضياته، هم الذين يعيشون وضعية عمل صعبة حسب قولهم، ولم يقدّم النظام الجديد ما يحسّن وضعهم.

يمكن أن نطلق على المدرِّس وصف "المظلوم الظالم"، فهو يجد نفسه في ظروف عمل صعبة، لكن نسبة مهمة منهم لا تملك المقوّمات المطلوبة في المدرّس. فضعف مستوى التعليم، يُصدّر متخرجين ضعيفي المستوى، لا تنجح مراكز التدريب في تعويض ما ينقصهم، لكونها بدورها تجد نفسها أمام تراكم ضعف المستوى، وصعوبة التعويض، وكونها هي نفسها تعاني من الرداءة في التخطيط. مع عامل آخر في سلسلة ظروف العمل غير المُرْضية لموظفي قطاع التعليم العمومي والخاص معاً، هو نظام التعاقد الذي يمنح المدرسين وضعية متعاقد قد يُفسخ عقده، على عكس الموظف الرسمي غير المهدد بالتسريح والمتمتع بعدد من الامتيازات.

هي أرقام ومؤشرات توضح بعض المظاهر، لكن تفاصيلها تقدم لنا صورة مؤسفة لما يُعول عليه في تقدم أي مجتمع، وهو التعليم. وهذه المؤشرات توضح أسباب تعثر عدد من القطاعات، فكيف يُعطي من يَخرجُ من نظام تعليمي معطوب، ما هو مطلوب منه في مجاله؟ هي مسؤولية الحكومة بشكل أساسي، فالإرادة السياسية هي مركز أي تغيير في بنية أيّ منظومة اجتماعية. ولاحقاً تأتي باقي العوامل، كالعوائق الاجتماعية لفئة كبيرة، والمصالح الاقتصادية لفئة قليلة. لكن من أين تأتي هذه الإرادة في الوضع الحالي؟ وكيف يتحقق إصلاح التعليم في بنية تستفيد من رداءته؟

اقرأ أيضا: "التعليم قضية"

______________________

*النص السابع من دفتر "انهيار التعليم العام في منطقتنا يرهن المستقبل" بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ.

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

1-  https://www3.weforum.org/docs/WEF_GGGR_2023.pdf
2- تلاميذ المغرب يتذيلون الترتيب في نتائج دراسة دولية لتقييم مستوى القراءة، هسبريس
https://www.hespress.com/%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B0-

3- من تقرير وزارة التعليم عن حصيلة القطاع برسم الموسم الدراسي 2022/2023، الصادر بتاريخ: 4/5/ 2023:
https://www.men.gov.ma/Ar/Documents/Bilan%20MENPS%2022-23 %20AR%20-%20VF.pdf

 4- https://snrtnews.com/article/53240
 5- التقرير السنوي 2021، صادر عن مجلس المنافسة:
https://conseil-concurrence.ma/cc/ar/wp-content/uploads//2022/10/Rapport
6- تقرير: المرأة في أرقام، صادر عن المندوبية السامية للتخطيط عام 2022: https://www.hcp.ma/region-agadir/docs/docs/La%20femme%20marocaine%20en%20chiffres%2C%202022.pdf
7- تقرير التعليم العالي في أرقام، صادر عن وزارة التعليم عن حصيلة عامي 2022 و2023: https://cutt.ly/kwDt2RpW 

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...