التعليم في اليمن خزان بارود للمستقبل

في كل تحوّل سياسي، يتم هدم ما سبق وفقدان خاصية التراكم، وأحياناً يتم الهدم دون بناء جديد. التعليم ساحة صراع مستمر حتى في أوقات السلم، ويتأثر مباشرة بالتغيّر السياسي.
صف في مدرسة شبه مهدمة في اليمن

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

تصعب مقاربة ملف التعليم في بلد مضطرب كاليمن دون الغوص في التحولات السياسية التي طالته. ففي كل تحول سياسي يتم هدم ما سبق وفقدان خاصية التراكم، وأحياناً يتم الهدم دون بناء جديد. التعليم ساحة صراع مستمر حتى في أوقات السلم، ويتأثر مباشرة بالتغيّر السياسي.

في عهد الاحتلال العثماني لليمن (انتهى 1918)، كانت هناك كلية للبنات في قلب صنعاء، وهي خطوة متقدمة في ذلك المحيط الإقليمي يومها، إلا أن انتكاسة أصابت التعليم في ظل حكم الأئمة (1918-1962)، حيث اقتصر التعليم - باستثناءات ضئيلة - على ما يعرف بالمعلامة، وهي مبنى غالباً يكون ضمن أحد المساجد ويدرس فيه أحد رجال الدين الطلاب القراءة والقرآن مقابل مقررات مادية على أسر الطلاب أسبوعياً، وبدون منهج رسمي ولا إشراف حكومي. وعندما حاول أحد رواد التنوير في اليمن (أحمد عبدالوهاب الوريث)، وضع منهج حديث يتضمن مقرراً دينيا بسوَر محددة من القرآن، تم اتهامه باختصار القرآن وإنهاء مقترحه قبل ولادته. جرى تأسيس بضعة مدارس في تعز والحُديدة وصنعاء فقط، وأما جنوباً فاقتصرت المدارس على عدن وحضرموت، مع حرمان السكان المتحدرين من خارجهما من الالتحاق بها في العهد البريطاني، ليضطر سكان الشمال بعدن الى تأسيس التعليم الأهلي عبر "مدرسة بلقيس" لتعليم أبنائهم.

مطلع ستينيات القرن الماضي، بعد ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962، عرف اليمن التعليم الحديث عبر التدخل المصري المباشر، من المبنى حتى المنهج والمعلم، ليؤسس لبنة التعليم الحديث الذي تأثر بالانسحاب المصري من اليمن (1967)، لتتدخل السعودية في ملف التعليم بشكل مباشر، وينقسم التعليم النظامي إلى تعليم عام ومعاهد علمية تأسست في 1974، مطلع عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، بدعم سعودي وإشراف مباشر من الإخوان المسلمين في اليمن. وتحول ملف التعليم عند توحيد شطري اليمن (ايار/ مايو 1990) إلى نقطة خلاف جوهرية بين الحزبين الحاكمين/شركاء الوحدة (المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني)، عند إصدار قانون التعليم المتضمن توحيد التعليم العام، أي إلغاء نظام المعاهد العلمية الذي نفذه صالح في 2001 لأسباب سياسية تتعلق بخلافاته مع حزب الإصلاح المستفيد الأبرز من هذه المؤسسة.

في يمن الجمهورية والاستقلال كانت يد الكويت تلوح في كثير من المدارس اليمنية، وفي الجامعة الحكومية الوحيدة بصنعاء (1970)، وقامت بتمويل استقدام المعلمين العرب إلى اليمن في ظل قصور حاد في أعداد المعلمين اليمنيين، ليمثل عام 1990 فارقاً في مسار التعليم في اليمن على أكثر من مستوى، إذ تمّ توحيد الشطرين بنظامين تعليميين مختلفين في الشمال والجنوب. كان الجنوب أكثر تميزاً ونجاحاً في تعميم التعليم وصنف كتجربة رائدة في محو الأمية من قبل اليونسكو، وكان الشمال يعتمد على المدرِّسين العرب المعارين بتمويل كويتي غالباً، وخسر هذا الامتياز نتيجة موقف صنعاء من تدخل صدام حسين في الكويت، ليلجأ إلى تلفيق معلمين محليين دون تأهيل كافٍ لتغطية العجز. وكانت بداية انكسار الثقة بالتعليم العام، نتيجة تراجع مستوى المخرجات.

كانت المعاهد العلمية تعليماً موازياً للتعليم العام حتى 2001، ومثلت خطاً أحمر لحماة العقيدة الذين يؤمنون بأن التعليم الديني يد السماء، ولا يؤدون تحية العلم في طابور الصباح وإنما شعار التنظيم "الله غايتنا والرسول قدوتنا... والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، وهذا خلق جيلاً مشروخاً بين المدرسة والمعهد الذي يؤمن بأن كل يمني يساري أو قومي هو خصم لوحدة الأمة الإسلامية التي تقوم عليها فكرة المعاهد ضمنياً، باعتبارها تعليماً دينياً مكثفاً.

مؤشرات رقمية

بشكل عام، يبلغ عدد مدارس الجمهورية اليمنية حالياً قرابة 16 ألف مدرسة، أغلبها يفتقر إلى التجهيزات اللازمة، وهي عبارة عن غرف دراسية بسبورات خشبية أو أسمنتية قديمة، وأحيانا كثيرة بدون أبواب أو نوافذ، ناهيك عن الافتقار للمكتبات والمعامل والمختبرات. ويصل عدد الطلاب في الفصول الثانوية أحياناً إلى أكثر من 80 طالباً، ما يجعل عملية التحصيل العلمي منهكة ومتدنية للغاية.

في السياق ذاته تجاوز عدد الجامعات الحكومية اليمنية ال 18 جامعة، كثير منها تأسس خلال الحرب، وبعضها في مناطق نائية وبعيدة وبدون تجهيزات، وقد أنشئت لأهداف سياسية بحتة وليس بناء على الحاجة. وهناك أيضاً 44 جامعة أهلية في البلاد، لكن التخصصات النوعية قليلة وغير مستوفية المعايير اللازمة، حيث لم تدخل جامعة يمنية واحدة ضمن التصنيف العالمي راهناً. وتمَ إغلاق بعض الأقسام في جامعات صنعاء وذمار لتراجع مستويات الالتحاق بعد التغييرات التي مسّت الحقل الأكاديمي وضيقت من صلاحيات هيئة التدريس والأستاذ الجامعي عموماً. وشهدت سنوات الحرب تجريفاً غير مسبوق في الحقل الأكاديمي الذي فقد بعض أبرز عقوله بالهجرة إلى الخارج، مع مخاطر الحرب وتوقف الصرف المنتظم لمرتباتهم منذ أواخر 2016.

في يمن الجمهورية والاستقلال، كانت يد الكويت تلوح في كثير من المدارس اليمنية، وفي الجامعة الحكومية الوحيدة بصنعاء (1970). فهي قامت بتمويل استقدام المعلمين العرب إلى اليمن في ظل قصور حاد في أعداد المعلمين اليمنيين. وقد مثّل عام 1990 فارقاً في مسار التعليم في اليمن على أكثر من مستوى، إذ تمّ توحيد الشطرين بنظامين تعليميين مختلفين في الشمال والجنوب.

كان الجنوب أكثر تميزاً ونجاحاً في تعميم التعليم وصُنِّف كتجربة رائدة في محو الأمية من قبل اليونسكو، بينما كان الشمال يعتمد على المدرِّسين العرب المعارين بتمويل كويتي غالباً، وخسر هذا الامتياز نتيجة موقف صنعاء من تدخل صدام حسين في الكويت، ليلجأ إلى تلفيق معلمين محليين دون تأهيل كافٍ لتغطية العجز. وكانت بداية انكسار الثقة بالتعليم العام، نتيجة تراجع مستوى المخرجات. 

كان التعليم يشهد تطوراً نوعياً تراكمياً قبل توحيد الشطرين (1990). وبعدها شهد التعليم نهضة حقيقية في الجانب الكمي، وتدهوراً مريعاً على المستوى النوعي. فمعدل الالتحاق بالتعليم ما قبل الابتدائي لم يتجاوز 2 في المئة من الأطفال (1)، في بلد 40 في المئة من سكانه تحت سن 14 عاماً (2). وكان 13 في المئة فقط من البالغين اليمنيين لديهم إلمام علمي، وهم يتعلمون في مدارس 53 في المئة منها ليست فيها مرافق صحية ولا مياه، وبنسبة تكافؤ بين الجنسين تبلغ 69 فتاه مقابل كل 100 ولد، حيث تنفق الحكومة على طالب الثانوية العامة سنوياً 471 دولار أمريكي (3).

وتمتلك اليمن واحدة من أعلى معدلات العالم في ازدحام الفصول الدراسية نتيجة ارتفاع عدد التلاميذ لكل معلم، حيث تجاوزت عام 2012 رقم 30 طالباً لكل معلم (4). وعام 2021 كان هناك أكثر من ثمانية ملايين طفل يمني يحتاجون إلى دعم طارئ للتعليم، ونسبة 85 في المئة منهم فقراء (5). ونتيجة استمرار الحرب وتوجيه المساعدات الدولية التي تشكل رافداً مهماً لقطاع التعليم إلى مجال الإغاثة، تراجع نصيب التعليم بشكل حاد من هذه المساعدات، ليهبط خلال عام واحد من 794 مليون دولار في العام 2018 إلى 115 مليون دولار عام 2019 (6). وفي العام نفسه، وصل عدد المدارس التي تمتلك مرافق صحية يمكن الوصول إليها في اليمن إلى مدرسة واحدة من كل عشر مدارس (7)، أي أنه تراجع خمس مرات عن التقديرات السابقة للحرب. ونتيجة لكل هذا التهالك في بنية التعليم في اليمن، يبلغ معدل إجادة القراءة والكتابة في الصفوف الثلاثة الأولى فقط 8 في المئة من التلاميذ، مقابل 88 في المئة لنظرائهم في لبنان (8).

أما الآثار المباشرة للحرب فقد أدت إلى تضرر قرابة أربعة ملايين ونصف مليون طالب، بسبب انقطاع الرواتب عن معلميهم منذ 2016، حيث يشكل المعلمون في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيون) قرابة 70 في المئة من إجمالي عدد المعلمين في اليمن، وكثير منهم تركوا عملهم في التعليم بحثاً عن مصادر عيش أخرى (9).

هذه الأرقام والمؤشرات تحتاج لمزيد من التدقيق، فالتقرير العربي حول الفقر المتعدد الأبعاد (10) يقول إن 47 في المئة من سكان اليمن يقعون تحت سن الـ18 عاماً، ولو أسقطنا هذه النسبة على تقديرات السكان اليوم والبالغة 30 مليون نسمة، سيتجاوز عدد السكان تحت 18 عاماً الـ14 مليون طفل، وإذا خصمنا منه قرابة 12 في المئة هم دون الخامسة من العمر، سيكون عدد السكان في سن التمدرس 12 مليون و320 ألفاً، ومنهم خارج المدرسة فعليا ثلاثة ملايين و720 ألفاً، وليس فقط مليوني طفل كما تشير تقارير اليونيسيف، وهذا ثقب أسود لأطفال اليمن لا يراه أحد.

التعليم ساحة صراع مستمر

منذ مطلع الألفية بدأت "عدوى الاستراتيجيات" في اليمن كعنوان مرحلة أراد صالح بها إثبات بصمة التحديث في البلد نظرياً، وكان نصيب التعليم منها خمس استراتيجيات لم تحقق أي منها أهدافها: استراتيجية التعليم الأساسي، التعليم الثانوي، التعليم العالي، التعليم الفني، محو الأمية. وعملياً، أصبحت هذه الاستراتيجيات مجرد إرث أدبي بعد وضع دستور وقوانين البلد في حالة تجميد قد تطول، وبعد فشل هذه الاستراتيجيات في تحقيق أهدافها في الواقع.

يبلغ عدد مدارس الجمهورية اليمنية حالياً قرابة 16 ألف مدرسة، أغلبها يفتقر إلى التجهيزات اللازمة، وهي عبارة عن غرف دراسية بسبورات خشبية أو أسمنتية قديمة، وأحيانا كثيرة بدون أبواب أو نوافذ، ناهيك عن الافتقار للمكتبات والمعامل والمختبرات. ويصل عدد الطلاب في الفصول الثانوية أحياناً إلى أكثر من 80 طالباً، ما يجعل عملية التحصيل العلمي منهكة ومتدنية للغاية.

تجاوز عدد الجامعات الحكومية اليمنية ال 18 جامعة، كثير منها تأسس خلال الحرب، وبعضها في مناطق نائية وبعيدة وبدون تجهيزات، وقد أنشئت لأهداف سياسية بحتة وليس بناء على الحاجة. وهناك أيضاً 44 جامعة أهلية في البلاد، لكن التخصصات النوعية قليلة وغير مستوفية المعايير اللازمة، 

خلال العقود الستة منذ تأسيس الجمهورية في اليمن كانت سياسة التعليم ترتكز على الطلب الاجتماعي وليس متطلبات سوق العمل، مما خلق ضغطاً كبيراً على المؤسسات التعليمية لاستيعاب طالبي التعليم، كانت فوق طاقتها المحدودة، وخاصة في التعليم العالي للباحثين عن مكانة اجتماعية مرموقة، بعد أن أصبح التعليم إحدى محددات المركز الاجتماعي. وهذا تحديداً كان إحدى مفردات اليسار في سرديته عن "المكانة الاجتماعية العابرة للطبقات". ووفقاً لذلك وللتنافس على تنشئة أيديولوجية، كانت أبرز الحركات، الإسلامية منها واليسارية والقومية، تتنازع حقل التعليم. ومنذ 1967، بعد انسحاب مصر من اليمن التي كان منهجها ومعلموها هم من بذروا البذرة الأولى للتعليم الحديث، تزايد نشاط حزبَي البعث والإخوان المسلمين في سلك التعليم شمالاً، وسيطرت الجبهة القومية المتفرعة عن حركة القوميين العرب جنوباً صبيحة الاستقلال.

تعليم الهويات القاتلة

كان الصراع الهوياتي في سلك التعليم محدِّداً رئيسياً لحقل التعليم، وامتداداً لصراع القوى السياسية، حتى على مستوى نقابات التعليم العام الثلاث التي غاب عنها التنافس في إطار نقابة جامعة لتتفكك إلى ثلاث نقابات ممثلة لأكبر ثلاثة أحزاب في اليمن (المؤتمر، الإصلاح، والاشتراكي)، قبل ان تختفي عملياً، ويصبح مصير التعليم كلياً في يد المسيطرين على الأرض من سلطات بلا مسؤوليات، وأصبح العمل النقابي في الواقع شبه محظور، أو محظورا عملياً دون إعلان حظره رسمياً.

عام 2021 كان هناك أكثر من ثمانية ملايين طفل يمني يحتاجون إلى دعم طارئ للتعليم، ونسبة 85 في المئة منهم فقراء. ونتيجة استمرار الحرب وتوجيه المساعدات الدولية التي تشكل رافداً مهماً لقطاع التعليم إلى مجال الإغاثة، تراجع نصيب التعليم بشكل حاد من هذه المساعدات، ليهبط من 794 مليون دولار في العام 2018 إلى 115 مليون دولار عام 2019

في 2023، وتحت مظلة الجمهورية اليمنية، لا يُرفع السلام الوطني في مدارس حضرموت جنوب اليمن، ويكتفي الطابور بإذاعة مدرسية موجزة للقرآن والأحاديث النبوية وبعض الحكم من التراث العربي. لكن في مدارس لحج وعدن الأقرب لمناطق نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، يُرفع سلام وطني جنوبي مبتكَر صُمِّم لتحفيز النزعة المناطقية لدى تلاميذ المدارس ضد الجمهورية اليمنية الموحدة، وهو ما عبر عنه أكاديمي حضرمي بأنه "خلْق جيل بلا هوية" في حضرموت، لكنه جيل بهوية مضادة في عدن ولحج.

بالمقابل، طغت صرخة جماعة أنصار الله (الحوثيين) بصنعاء، المعروفة بـ "الشعار" على السلام الوطني في طابور الصباح في مناطق سيطرة الجماعة، وصدر تعميم رسمي بعد هجوم إسرائيل الأخير على غزة بتعميم الصرخة في طابور الصباح مدرسياً، استغلالاً للعاطفة الشعبية تجاه فلسطين، لتصبح بوصلة تفكيك وطني بذريعة توحيد قومي/إسلامي.

 في 2011، عندما خرج الشباب اليمني إلى الساحات ضد نظام صالح، كان الشعار الأول لهم "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس"، وكان مربع الاعتصام الرئيسي في جولة جامعة صنعاء، كرمزية لمنارة التعليم والتنوير الأبرز في اليمن. وبعد خمسة عقود من تأسيسها كجامعة رائدة، أصبح النقاش الأبرز اليوم في الجامعة حول مرتبات الأكاديميين واختلاط الذكور بالإناث، حيث تم الفصل بين الجنسين في قاعات الجامعة ابتداء من العام 2023، وهو العام نفسه الذي صدر فيه التقرير العالمي لتصنيف الجامعات حول العالم، واليمن أصبحت خارج التصنيف كلياً، مع العلم أن اليمن فشل في سد الفجوة بين الجنسين تعليمياً حتى بعد تأسيس "قطاع تعليم الفتاة" لهذا الغرض في 2006 لا يزال هناك قرابة 7 فتيات مقابل عشرة في التعليم الثانوي.

تراجَع التعليم في اليمن خلال الحرب لدرجة إعادة الجدل حول أساسيات النظام التعليمي، ليس المنهج ومؤهلات المعلم أو الأستاذ الجامعي، بل طبيعة ما يتم تعليمه في صفوف المدارس وقاعات الجامعات، لدرجة إغلاق أقسام دراسية كاملة في جامعتي صنعاء وذمار العام الراهن لتراجع الإقبال عليها.

كان الصراع الهوياتي في سلك التعليم محدِّداً رئيسياً لحقله وامتداداً لصراع القوى السياسية، حتى على مستوى نقابات التعليم العام الثلاث التي غاب عنها التنافس في إطار نقابة جامعة لتتفكك إلى ثلاث نقابات ممثلة لأكبر ثلاثة أحزاب في اليمن (المؤتمر، الإصلاح، والاشتراكي)، قبل ان تختفي عملياً.

في 2023، لا يُرفع السلام الوطني في مدارس حضرموت ويكتفى بإذاعة مدرسية موجزة للقرآن. لكن في مدارس لحج وعدن الأقرب لمناطق نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، يُرفع سلام وطني جنوبي مبتكَر صُمِّم لتحفيز النزعة المناطقية ضد الجمهورية اليمنية الموحدة... وهو ما عبر عنه أكاديمي حضرمي بأنه "خلْق جيل بلا هوية" في حضرموت، وجيل بهوية مضادة في عدن ولحج. 

وبشكل عام، هناك مشكلات جوهرية في نظام التعليم اليمني، إضافة إلى ما سبق وبسببه، وأبرزها تدني مستوى التحصيل العلمي والكثافة المرتفعة في المدارس، وغياب المرافق الصحية وضعف المنهج المقرر، ناهيك عن أزمة توفيرالكتب كل عام وشرائها لمن استطاع من السوق السوداء، مع التسرب الذي زاد نتيجة الحرب، وتدني تأهيل المعلم وتواضع مستحقاته المادية، قبل توقفها تقريباً في مناطق الحوثيين، حيث يستلم كل معلم تقريباً راتب شهرين كل عام مقسم على أربع دفعات، وغياب التجهيزات الحديثة والمعامل في المدارس، وضعف القرائية بفعل ما يشبه الغياب الكلي للتعليم قبل المدرسي في التعليم الحكومي واقتصاره على التعليم الأهلي، ما يزيد فجوة التعليم بين الفقراء والأغنياء.

ساهمت البنية التحتية (المادية والأكاديمية) الهشة للتعليم العام والجامعي، وتقلص مساحة التعليم الفني والتقني التي تشكل 3 في المئة من نسبة التعليم بعد الثانوي، في تخريج جيل شبه أمي وشبه متعلم، ولا يتسق مع متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي، ودفعت كثيرا من المراهقين والأطفال والشباب إلى جبهات القتال في الصراع الجاري في اليمن، نتيجة الضخ الأيديولوجي أو الحاجة المادية. وكل التغييرات التي تجري في التعليم تتجه نحو العقيدة الدينية والوطنية للصغار، لدرجة يمكن معها القول إن وظيفة النظام التعليمي حالياً في اليمن هي صناعة المتفجرات البشرية للمستقبل، إما ببارود الجهل أو ببارود الكراهية المناطقية والطائفية. 

اقرأ أيضا: "التعليم قضية"

______________________

*النص الخامس من دفتر "انهيار التعليم العام في منطقتنا يرهن المستقبل" بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ.

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

1- التقرير العالمي لرصد التعليم "الجهات الفاعلة غير الحكومية في التعليم: من الذي يختار؟ من الذي يخسر؟"، اليونسكو 2021/ 2022.
2- عندما يتعرقل التعليم، تأثير النزاع على تعليم الأطفال في اليمن، منظمة اليونيسيف 2021.
3- التقرير العالمي لرصد التعليم "التعليم من أجل الناس والكوكب بناء مستقبل مستدام للجميع"، اليونسكو، 2016.
4- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع "التعليم للجميع 2000 – 2015 الإنجازات والتحديات"، اليونسكو، 2015.
5- عندما يتعرقل التعليم، تأثير النزاع على تعليم الأطفال في اليمن، منظمة اليونيسيف 2021.
6- التقرير العالمي لرصد التعليم "الجهات الفاعلة غير الحكومية في التعليم: من الذي يختار؟ من الذي يخسر؟"، اليونسكو 2021/ 2022.
7- التقرير العالمي لرصد التعليم "التعليم الشامل للجميع: الجميع بلا استثناء"، اليونسكو، 2020.
8- التقرير العالمي لرصد التعليم "التعليم من أجل الناس والكوكب بناء مستقبل مستدام للجميع"، اليونسكو، 2016.
9- خارج المدرسة، أطفال اليمن ودروب الضياع، اليونيسيف، 2018، yem-if-not-in-school-2018-ar.pdf.pdf (unicef.org)
10- https://www.unicef.org/mena/media/891/file/MENA-PovertyReport-Ar.pdf.pdf 

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

اليمن: ارتداد الدولة والمجتمع

مؤشرات ومظاهر انهيار الدول التي تحدث عنها ابن خلدون قبل قرون طويلة، يمكن تتبعها بوضوح تام في اليمن، من التعصب والنكوص إلى القبيلة، وصعود الغثاء وهبوط ما يمكن الاعتماد عليه.