لليبيا طبيعةٌ خلابة ما بين البحر والجبال! ساحل يمتدّ على 1770 كيلومتراً، بمناخ متوسطي معتدل وتناغم في التضاريس، وعلى ذلك بالتنوع الذي تمتاز به كل مدينة من مدنها. ويزيدها الغطاء النباتي الطبيعي على طول الساحل الليبي ثراءً، وهو موزّع ما بين الإقليم الشرقي والغربي. وبالمقابل ففي الإقليم الجنوبي امتداد للصحراء حتى جبال أكاكوس في أقصى الجنوب ولكل من هذه الأقاليم نباتات مستوطِنة لها حكايات واستعمالات منذ قديم التاريخ، وهي متداوَلة في الذاكرة الشعبية.
الشماري والبطوم..
منطقة الجبل الأخضر الواقعة شرق ليبيا من المناطق الغنيّة بالنباتات العطرية والطبية التي لها استخدامات علاجية عدّة في الطب الشعبي، واستفاد الكثيرون في السنوات الأخيرة بتحويل هذه الثروة الطبيعية إلى مشاريع تجارية بما يعرف بالعطارة. وتُباع تلك النباتات مجفّفة بعدَ أن يتمّ نزعها من التربة في أوجِ ظهورها، وخاصة تلك الأنواع التي تُجمع في وقت الإزهار أو التي تُجمع بذورها، بينما يعتمد تكاثرها على البذور، مما يعرضها إلى الانقراض في ظلّ فرص قليلة جداً إن لم تكن معدومة للتجديد الطبيعي لتلك الأنواع المستهدَفة.
ومن ذا الذي لا يرغب بتذوّق الشماري والبطوم؟ نباتاتٌ جميلة الشكل وثمار لذيذة الطعم.. عسل الشماري ويسمي "عسل الحنّون" أغلى سعراً من برميل النفط في ليبيا الذى يتقاتل عليه لصوص الوطن! فقد وصل سعر برميل النفط إلى 50 دولاراً بينما عسل الشماري سعره 70 دولاراً! فوائد طبية لا تعد ولا تحصى، استدلّ في وصفها عشاقه وحملت صفاته حكايات الجدات. الشماري، النبتة المستوطنة في تلك المساحات تستهلك بشراهة، وتجرفها الأيدي بعشوائية في حين أنه يمكنها أن تكون ناتجاً وطنياً إضافياً للدخل القومي.
النباتات تنقرض
لو تصفّحنا التاريخ وتمعّنا في الرسومات التى تعاقبت عليها الحضارات القديمة التي مرّت بتلك المناطق، لوجدنا صوراً لنبات السلفيوم على العملة المعدنية وطوابع البريد ـ وقد ثبت تاريخياً أنّه كان يصدر من الإقليم الشرقي (برقة) إلى روما واليونان، وذكره العالم ابن سينا بأنه ثروة تعادل الذهب لأهميته واستعمالاته الغنية. اليوم لا يوجد له أثر على الرقعة النباتية في ليبيا. انقرض تماماً! وهذا ما يثبت أن النباتات الطبيعية معرضة للانقراض. وزيادة على جرف الغطاء النباتي واستبداله بكوم إسمنت، تعاني بعض القرى القريبة من سفوح الجبل من الفقر والبطالة، في ظلّ انعدام ثقافة استثمار الثروة المحيطة بتلك المناطق، وغياب القروض التي تدعم مشروعات صغيرة يمكن أن تتسنى للكثيرين، كإقامة مشروع لتجفيف الفواكه أو لحفظ الألبان ومشتقّاتها وهي الوفيرة في تلك المنطقة (اللّبن والزبدة الوطنية والعسل الطبيعي والنباتات العطرية..). بينما يضطرّ سكان تلك المناطق لبناء محلات أو بيوت صغيرة لغرض استعمالها للإيجار أو لحلّ أزمة السكن المستقل لمن يرغبون بالزواج، بسبب افتقار تلك المناطق لأي مشروعات سكنية استثمارية وخدمية. وفي الجبل الأخضر بدأت المساحات الخضراء بالتضاؤل، فهي براح يتهافت عليه صناع الفحم الذي يستوجب قطع مساحات كبيرة من الأشجار، وهذه كارثة مخلّفة لآثار بيئية خطيرة.
حلول؟
إن لمْ يصل مستوى الوعي إلى أبعد من الحرب فلن يجد من يأتي بعدنا أي غطاء نباتي طبيعي مستوطِن. فهل ثمة صافرة نداء ترتفع الى دولة يتناحر فيها الساسة على الكراسي وحكومات تتعاقب بلا فائدة تُذكر، لدعم المحميات الطبيعية؟ وإلى منظّمات المجتمع المدني للالتفات إلى الشجرة ودورها في استمرار الحياة.. فلا تجعلوها تغادرنا كما غادرنا الآخرون.