قيل فيه – على لسان يهود، بل وإسرائيليين مناهضين لإسرائيل والصهيونية - أنه Pogrom. أصل التعبير الذي أصبح عالمياً ويُكتب بكل اللغات، من الروسيّة. وهو مرتبط بالمذابح المنظّمة التي جرت في روسيا وبولونيا ضد اليهود، خصوصاً في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وذهب ضحيتها عشرات الآلاف في كل مرة، وكان القتل وحرق المنازل والمتاجر يتم بيد المدنيين الهائجين وبرعاية وحماية الجيش القيصري أو السلطات.
فلسطين المتجددة أبداً!
13-05-2021
يقتصر استخدام المفردة على الإحالة الواضحة إلى تلك الوقائع التاريخية، بتخصيصها لليهود، لِما عانوه في تلك البقاع. بينما يُفضِّل من يُنعَتون بأقصى اليمين الإسرائيلي تبني تعبير "نكبة ثانية"، كتهديد مبتذَل يساوي الـ "بوغروم"، باعتبار حاجة إسرائيل لها، حيث فشلتْ فرضية الاحتواء التدريجي والسعي للحفاظ على حالة من الجمود السياسي منذ اتفاقيات أوسلو، لكي يجري في ظلها الضبط والتشذيب وأيضاً إغراء من يمكن إغراؤه من الفلسطينيين بمناصب وتسهيلات. بل وفي فترة من الفترات، جرى التلويح بمشاريع اقتصادية تخص مناطق الفلسطينيين. كل هذا يعتمد على آليات "الإدارة الذاتية" الفلسطينية التي تقوم على استخدام موسّع للتنسيق الأمني مع إسرائيل وللقمع المباشر الدموي والعنيف على يد الشرطة الفلسطينية وعسسها، وعلى إشاعة الخوف والفساد معاً، بحيث تنعدم البدائل، ويختفي الأفق.
وقد ساعد على إرساء هذه الحالة في فلسطين ما كان يجري في المنطقة العربية ذاتها من عسف – إن لم نذكر غزو العراق واحتلاله وتدميره - وهو عسف انتهى إلى قمع مرعب لانتفاضات 2011، وانحدار العديد من البلدان التي عرفت تلك الانتفاضات إلى حالة لا تقل رعباً من التفكك والتحلل، ومعهما سيادة البؤس بكل معانيه في تلك المجتمعات، من جوع ومرض وانهيار التعليم وانهيار كل المؤسسات التي كانت تدير بكفاءة دنيا تلك البلدان وكان يطلق عليها جزافاً تعبير "الدولة". فصار البؤس الفلسطيني على يد إسرائيل – بما فيه القتل بالغارات - يقارن بتلك، ولا يبدو استثنائياً! وساعد عليه وهو من طينته "تحرر" الدول الغربية كلها من أطر التزاماتها – مهما كانت بالأصل شكلية – حيال مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب، وفلسفاتها (على الرغم مما كان فيها من تعالٍ عنصري واستعماري)، بحيث تمكنت من المزيد من دعم إسرائيل وتبرير سياساتها فيما كانت هذه الأخيرة توغل في الدم الفلسطيني وفي تسريع إقامة المستوطنات "غير الشرعية "، كما في سائر إجراءاتها العنصرية التي لم يعد يحدّها أي اعتبار. وإن كانت "اتفاقات أبراهام" بقيت محدودة، فهي - في وضعية التهالك القائمة - حجر إضافي يُثقل الحمل.
وضعٌ بمجمله مدهش في تسارعه نحو الهاوية! وهو يترافق مع العجز عن التفكير وعن تلمس حتى خصائص الواقع القائم، ناهيك عن مخارج منه. صحيح أن مونديال كرة القدم منذ بضعة أشهر كان مناسبة لإظهار تمسّك الناس بفلسطين، ورفضهم للتطبيع مع إسرائيل، وهو موقف ثمين للغاية، حتى لو بدا اليوم مقتصراً على المعنويات والقيم المتبناة، وقد حضر بشدة أكبر من المألوف والمتوقع، وربما كردة فعل على المشهد العام المقابل.. المنحط.
إسرائيل المتفلتة بتلك الرعونة تعيش هي الأخرى مأزقاً، وإن كان في ممارساتها تلك انتهازاً لـ"اللحظة" الإقليمية والعالمية، ولكنها في الوقت عينه تعبير عن "الاستحالة" التي تقف هي نفسها أمامها: لم ينفع الاحتواء ولم ينفع التخويف وما زالت أعداد الفلسطينيين تتعاظم وما زال يخرج بين حين وآخر مقاوم أو مقاومون، يعلمون تماماً أن بيوت أهاليهم ستدمر، وقد يقتل إخوتهم خلال المداهمات، لكنهم على الرغم من ذلك يخرجون... مبقين الصراع حياً على هذا المستوى، ومعلنين أن كل واحد وواحدة منهم سيظل "خطراً" على "الجمهور" اليهودي بكل فئاته، وهو جمهور لا يطيق ذلك حتى لو كانت إصاباته لا تُقارَن بعدد الضحايا الفلسطينيين. فخلال الشهرين الفائتين لوحدهما قُتل أكثر من 60 فلسطينياً على يد الجيش والمستوطنين. كما سطع فشل إسرائيل في ترويض الشباب الفلسطيني من أبناء أراضي 1948، الذين انتفضوا في تلك البقاع، في أيار / مايو 2021، على الرغم من حيازتهم للجنسية الإسرائيلية ولفرص تعليم وعمل... وهم مهدَّدون اليوم بالطرد من الجنسية ومن الأرض، في عودة إلى فرضية ضرورة ممارسة "الولاء لإسرائيل" وإلا فهم أعداء!
هكذا تبدو أحداث بلدة "حوارة" جنوب نابلس، والتي جرت منذ أيام وانتهت بحرائق للبيوت والمحلات والسيارات، وبشهيد وبضعة جرحى – بعد التهديد العلني بأن "مجزرة" ستقع – تبدو استحضاراً لما لم يتحول أبداً إلى ذكرى شبحية، أي لمجازر دير ياسين والطنطورة (1948) وبعدهما كفر قاسم (1956)، وسواهم بالطبع. لم يقع كامل ما كان يُهدَّد به، ولكن الإعلان عن النية تحقق...
وهكذا تبدو إسرائيل متخففة من عبء المساءلة، فهي تنتمي إلى سياق ما جرى في سوريا مثلاً من قتل وتدمير وتهجير على يد السلطة وحلفائها الروس والإيرانيين، ومع ما يجري في أوكرانيا اليوم.