قبل شهر واحد، أعلنت "شركة المتحدة للخدمات الإعلامية" عن إطلاق قطاع إخباري يضم عدة قنوات بالتزامن مع انطلاق قمة المناخ في مصر المنتظرة في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل. وعلى الرغم من التأكيد في أكثر من حدث على ما اعتبرته السلطات "ريادة الإعلام المصري"، إلا أن حادث حريق كنيسة أبو سيفين بمنطقة امبابة بمحافظة الجيزة، جاء ليثير الجدل حول تلك الريادة باعتبار التغطية الإعلامية للأحداث المحلية الهامة.
في صباح يوم الأحد 14 آب/ اغسطس، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن حريق هائل بالكنيسة اندلع في تمام الساعة الثامنة صباحاً، وعلى الرغم من بدء التغطية على عدة قنوات عربية ودولية، لم تبدأ التغطية المصرية على القناة الإخبارية الأبرز "اكسترا نيوز" إلا عقب الحادث بأربع ساعات كاملة، بعد تقديم رئاسة الجمهورية التعازي لأسر الضحايا.
انتظار التعليمات
التغطية المتأخرة لفتت أنظار العديد من المتابعين المهتمين بالإعلام، كان من بينهم د. علي حسن أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس، فكتب عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "لو سألت مصرياً، هل شاهدت حريق كنيسة أبي سيفين في قناة مصرية لنظر لك بدهشة، كأنك تسخر منه. جل من سألتهم وهم صفوات مصرية متنوعة، أجاب أنه لم ير قناة مصرية تنقل الحدث فاضطر إلى تثبيت الريموت إما على قناة "الجزيرة" وإما على "سكاي نيوز". لم يجب أحد على سؤالي عن تغطية القنوات المصرية الحادث في حينه.
الصحافة المصرية تقاوم الاحتضار
24-05-2018
وتساءل "كيف حققت الجزيرة وسكاي نيوز - وهي قنوات غير مصرية - سبقاً في بث حادث وقع على أرض مصر؟ بينما قنواتنا تبث برامج الطبيخ. أن تسبقنا قنوات غير مصرية تقدم بثاً حياً وتغطية شاملة، وإعلامنا ينتظر التعليمات، فذلك فشل ما بعده فشل تكرر في حوادث مشابهة من قبل. لم يفكر العباقرة من قيادات الإعلام المصري في تشكيل فريق طوارئ أو فريق أزمات بكل قناة أو حتى في قطاع الأخبار (البائتة) ليتحرك فور وقوع الحدث؟ تكلفته ملاليم، لو تعلمون أو تفهمون، تكبيل الإعلام المصري وتقييد حركته وإسناد إدارته لغير أسطوات المهنة قتل عمد للإعلام المصري؟ ما جرى لا يليق بإعلام كان رائداً".
في الفترة من 2012 وحتى 2022، تعرض نحو 51 موقعاً إخبارياً للحجب بحسب موقع "المنصة" المصري المحجوب أيضاً.
عقب حزيران/ يونيو 2013 تأسست شركة إعلام المصريين على يد رجل الأعمال المقرب من السلطة أحمد أبو هشيمة، وطبقاً لموقع media ownership moniter، فإن الشركة مملوكة لشركة "ايجل كابيتال" التابعة للمخابرات المصرية.
وفي العام نفسه، اندمجت شركة إعلام المصريين مع شركة Dmedia، لتشكل أكبر كيان إعلامي يمتلك أغلب القنوات المصرية، وكذلك الصحف، بينما تعاني المواقع المستقلة من الحجب. ففي الفترة من 2012 وحتى 2022، تعرض نحو 51 موقعاً إخبارياً للحجب بحسب موقع "المنصة" المصري المحجوب أيضاً.
ويرى الكاتب الصحفي خالد البلشي، رئيس تحرير موقع درب الإخباري المحجوب منذ اليوم الأول لتأسيسه، أن دولاب عمل الإعلام المصري يدار بطريقة مركزية جداً، ومملوكة لجهات تسيطر على الإعلام ولا تعمل بالإعلام. ذلك هو أصل المشكلة، موضحاً (1) أن جهاز العمل الداخلي للإعلام يتحول من جهاز فعال يأخذ زمام المبادرة من خلال أطقم العمل الميدانية ورؤساء الأقسام، إلى جهاز خامل ينتظر التعليمات الفوقية كي يتحرك.
نحن أمام فقدان للمبادرة، وأجواء لا تنتج إلا المسموح به، لأننا أمام إعلام الصوت الواحد وإعلام موجه، وأصبحنا لا نعرف حدود المسموح به، وكذلك غياب المنافسة. فحينما كان الإعلام مملوكاً لأكثر من جهة كان يحدث تنافس فيما بين الجهات الإعلامية، لا أن يستبق رئيس الجمهورية تحركات الإعلام بإرسال العزاء للكنيسة معلناً متابعة للحدث .
في آب/ أغسطس من العام 2019، وقع تفجير إرهابي أمام المعهد القومي للأورام بالقاهرة راح ضحيته 22 قتيلاً وخلف عشرات الجرحى، وهو الحادث الذي تذكّره الكاتب الصحافي محمد سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحافيين، واصفاً ما حدث في التغطية الإعلامية لذلك الحادث بأنها شبيهة لما حدث خلال تغطية حريق كنيسة أبي سيفين، وقال إنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها حالة من الارتباك بالمشهد الإعلامي.
وأضاف أن حادث الانفجار أمام معهد الأورام لم يكن حريقاً كما حدث في الكنيسة، وإنما حادث إرهابي، وبمجرد وقوعه تاه الإعلام المصري وهو يبحث من أين يبدأ، وكيف يبدأ، وإلى أي مصدر يتجه؟
وأوضح أن السبب هو أن الإعلام خلال الـ 7سنوات الماضية أصبح يعمل بتعليمات مباشرة، وحينما ينتظر الإعلام التعليمات ويتحول إلى الممارسة في حدود ما كُلّف به، وإذا لم تأتِ التعليمات يرتبك.
ونفى عبد الحفيظ المسؤولية عن العاملين بالحقل الإعلامي، وقال إن الزملاء العاملين في المؤسسات الإعلامية وعلى وجه الخصوص الفضائيات، بينهم أساتذة ومهنيين من طراز رفيع، وعمل بعضهم في مؤسسات عربية ودولية، وحققوا نجاحاً كبيراً، لكنهم حالياً مقيدون لأنهم لا يستطيعون اتخاذ قرار بالحركة، إلا حينما يأتيهم ضوء أخضر من صناع القرار المسؤولين عن الآلة الإعلامية.
وشدد على أن المناخ الموجود بالإعلام يحتاج لأن نجلس كجماعة صحافية وإعلامية وسلطة، ونتفق جميعاً على أن هذا المناخ يجب تغييره، لأنه أضر بالإعلام المصري ودفع المتلقي المصري للبحث في منصات بديلة عما يرضي شغفه، من معلومة وتحليل رأي. فما نريده أولاً هو أن نسترد المتلقي المصري، وبعد ذلك نستعيد ثقة الجمهور العربي في الإعلام المصري، ولكي نصل إلى تلك الخطوات لابد من بداية، وهي أن ترفع السلطة قبضتها عن الإعلام.
خلال السبع سنوات الماضية أصبح الإعلام يعمل بتعليمات مباشرة. وحينما ينتظر الإعلام التعليمات يتحول إلى الممارسة في حدود ما كُلّف به، وإذا لم تأتِ التعليمات يرتبك.
ويقول عمرو بدر عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق، أن الإعلام منذ سنوات أصبح قائماً ومعتمداً كلياً على البيان الرسمي، لكن الإعلام بمعناه التقليدي الذي نعرفه، أصبح غائباً وتحول إلى إعلام الرواية الواحدة، مضيفاً أن الإعلام كله، بغض النظر عن نمط الملكية، من المفترض أن يكون مستقلاً. نحن نشير هنا إلى الإعلام غير الخاضع لجهات، ولا تفرض عليه قرارات، وقيمته وأهميته في هذه اللحظة صارخة جداً.
1- التصريحات خاصة ب"السفير العربي"