نقابة الصحافيين المصرية: الرواية

نقيب الصحافيين – المعارض السياسي السابق المعروف - يعلن انه ضد "مدرسة الإدانة"، ثم حين يتفاوض يكتفي بالاعتراف بالصحافيين "النقابيين" فقط، بل ويغفل بعضهم، ويرتضي بإحالتهم جميعاً لقائمة الجنائيين! وقد أعلن البيان الختامي لانتخابات النقابة أن النقيب/ الرئيس هو المشرف على لجان التسويات والحريات والتحقيق والتأديب والتشريعات!
2019-07-03

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك

لم تكن نقابة الصحافيين بعيدة عن السياسة في مصر في أي وقت من الاوقات، ولا يمكن لها أن تكون، بصفتها إطاراً نقابياً للنضال من أجل الحقوق، بصفتها دفاعاَ عن مهنة رأي هي صوت الحرية، مكانا وكياناً طالما كانت رمزاً للحس الشعبي ضد محاولات السلطة كتمه، سواء عبر اتاحة سُلّمها للجميع أو باستضافة مؤتمرات سياسية وحقوقية عدة.

هكذا أرست انتخابات نقابة الصحافيين قانونها منذ زمن طويل، فكانت دائماً معارك "حق وحس وحرية" إلى جانب ما يشمله العمل النقابي من قيام على مصالح الأعضاء الخدمية. وخلال سنوات تسعة، شهدت بها مصر أجلّ أحداثها في القرن الجديد، وهي "ثورة 25 يناير"، كانت نقابة الصحافيين انعكاساً لكل فصولها تألقا وتهالكاً.

بالجولة الأخيرة، مع انعقاد انتخابات التجديد النصفي في آذار/ مارس الماضي، كانت المشاهد مرتبكة مربكة، تعطي رسائل متضاربة، وعلى مدار ثلاثة شهور لم تنفك شفرتها بينما الإشارات جميعها تقول إن الصورة شبه معتمة. هناك من يراها خطوات قاسية لا بد منها باتجاه النور، ويرى الآخرون أنها الإجهاز الأخير على ما تبقى من هذا النور.

فوق الرقعة

لم تأتِ بداية المشهد قبل 3 شهور ولكن قبل 3 سنوات تحديداً، حين أهينت "كرامة الصحافيين" باقتحام قوات الأمن لمبني النقابة للقبض على صحافييّن معتصمين داخلها. كان للمشهد زخم واسع عند انطلاقه، غضبة صحافية احتلت شارع عبد الخالق ثروت الشهير، مطالِبة باعتذار رئيس الجمهورية. تضامن مع نقيب ونقابيين كانوا على شفا خطوة من السجن.. وانتهى المشهد بشرذمة وتشظي بين اتجاهين يتبادلان اتهامات التهويل والتفريط، يصفها الأول بمعركة مشرفة والآخر بأزمة عاصفة. ودون حلول حازمة بهتت الصورة فجأة وانفض الشباب الذين كانوا وقودها دون أن يحصلوا على إجابات واضحة.

حدث الانقسام أو اتضحت حدية الاختيارات: "لسنا واحداً". هناك من ارتضاها واعتبرها منطق الأشياء، وعليه تمت انتخابات العام 2017 بين قطبي المشهد: نقيب المواجهة يحيي قلاش والمرشح عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة أكبر مؤسسة صحافية شبه حكومية (الأهرام)، وقوائم غير معلنة من الجانبين، انتهت بفوز الاسم المفضل لدى الدولة بفارق زهيد، وسط مشاهد تستدعي جميعها التأويل.. ويبقى احترام قرار الجمعية العمومية أمر متفق عليه من الجميع. دخلوا الى قاعة المجلس منقسمين، فكان موسم نقابي باهت لكنه كان مستمراً، حتى أدركهم جميعا نهار آذار/ مارس 2019.

الرجل القادم

جاء النهار بينما لا زال هناك، من بعيد، يقف رجلاً. أطلق تحذيراً قبل ثلاث سنوات قال فيه: "أنا خياركم الأصوب وإلا ابتلعكم النفق المظلم". انه ضياء رشوان، النقيب الحالي، الحاصل على التفويض، المعارض السابق لدولة مبارك وأحد بناة "دولة 30 يونيو" كما يُحب أن يطلق على نفسه، "دولتنا" كما يحب أن يطلق عليها، رجل "لمّ الشمل" كما اختار شعار حملته الأخيرة، شمل لا يجمع بين الصحافيين فقط بل، وحسب وصفه، بينهم وبين الدولة نفسها بعد أن تفرقت بهم السبل إثر نزق البعض ممن، بمواجهتهم لتجاوز المؤسسة الأمنية بالدولة قد اضاعوا (حسب تصريحاته) ما للصحافيين من "هيبة". وهو آت لأنه الوحيد القادر على استعادتها، وكيف لا وهو يصف نفسه بـ"المُستدعى"، صاحب نظرية هناك دائما فرصة لـ"التوافق" بعيد النظر عن عنوان "القضية".

على معركة المقاعد في مجلس النقابة، كانت الصورة أكثر انكشافاً. حصد رؤساء التحرير والأقسام بالصحف الحكومية 6 مقاعد باكتساح، بنسبة 6 فائزين، جميعهم يرفعون شعار "لا للسياسة بالنقابات".

على كل حال، نجح رشوان وسط حشد هو الأكبر بتاريخ الجمعية العمومية للصحافيين المصريين (4800 ناخب) حصل منها على2810، بينما منافسه من مؤيدي "الدولة"/ السلطة ذاتها حصل على 1545، وأبطل 235 صحافياً صوتهم باعتبارهم الرافضين للاختيار بين من اعتبروهم صورتين من الخندق نفسه، خندق الموالاة للسلطة المعادية للحريات، وعليه خاضوا معركة قبيل فتح باب التصويت، أعلنوا فيها رفضهم جمع النقيب بين صفته المنتخَبة وأي وظيفة حكومية (يشغل رشوان منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للحكومة المصرية). وانتهى الأمر بإقرار مطلبهم على أن يتم تطبيقه من الانتخابات القادمة 2021.

وعلى معركة المقاعد، كانت الصورة أكثر انكشافاً. حصد رؤساء التحرير والأقسام بالصحف الحكومية 6 مقاعد باكتساح، بنسبة 6 فائزين، جميعهم يرفعون شعار "لا للسياسة بالنقابات" في مواجه "تيار الاستقلال" الذي حصد 5 أصوات. التيار الأول يعلن انه "لا تنازلات"، ويسعى الطرف الآخر تحت رعاية رشوان لـ"التوافقات".

تحت الطاولة

صفق الجميع للنتيجة وانصرف بانتظار عقد أولى اجتماعات المجلس بهدف تشكيل ما يسمى "هيئة المكتب" المنوط به إدارة المسائل الرئيسية الخاصة بمصالح الأعضاء، فإذا بها تتحول إلى ما هو أقرب لـ"المحاصصة": الفريق "اللا مسيس" كما يحب أن يطلق عن نفسه، يرى أنه التعبير الحقيقي عن توجه الناخبين أياً كانت دوافعهم، ولذا فلا بد لهم من شغل كافة المناصب، والفريق الآخر ينتفض رفضاً لفكرة المغالبة والاستحواذ، يرى بنفسه صمام أمان ويطالب النقيب بالتدخل لحسم المسألة عبر التصويت بين 12 صوتاَ هو المكمل لهم.

لم يرغب الرجل الذي طرحه نفسه للتوافق أن يبدأ أولى قراراته بالتصويت، وأن يعش ـ حسب وصفه ـ "بنصف مجلس"، فاستغرق الأمر اجتماعات عاصفة حتى الساعات الأولى للصباح، وكأنه مجلس حرب، حتى أفاضوا بـ"التشكيل" الذي بالطبع قد تختلف حوله الرؤى، لكن تبقى هناك ملامح رئيسية لا يمكن تجاهلها.

نجح رشوان وسط حشد هو الأكبر بتاريخ الجمعية العمومية للصحافيين المصريين (4800 ناخب) حصل على أصوات 2810 منهم، بينما منافسه من مؤيدي "الدولة"/ السلطة ذاتها حصل على 1545 صوتاً، وأبطل 235 صحافياً أصواتهم باعتبارهم رافضين للاختيار بين من اعتبروهما صورتين من الخندق نفسه.

جاء الملمح الأول ليشير إلى زيادة عدد وكلاء النقابة دون زيادة المهام، بأشد لحظات تردي المهنة، مما يعطي انطباعاً انه توزيع غنيمة متنازع عليها وليس تقسيم أدوار متفق عليها. تأكد ذلك بعد النظر إلى اتجاهات التوزيع، فالجمعية العمومية حققت بالفعل باختياراتها توافقاً بديهياً ومنطقياً، حيث انتخبت عدداً من نقابيي الخدمات وعدداً من نقابيي الحقوق، بما يحقق مكاسب متعددة. لكن المجلس الذي يرفع "لم الشمل" لم يلتزم ولم يدرك هذ التوافق. فعدا "لجنة الحريات" ذهبت لجان هامة كالتحقيق والتسويات لنقابيين أبعد ما يكونوا عن ملائمتهم للدور المنتظر، فلا يستقيم أن يكون رئيس تحرير هو رئيس لجنة التحقيق المنوط بها مساءلة رؤساء التحرير عن ممارساتهم المتعسفة ضد زملائهم انحيازاً للملاك سواء كانوا رجال سلطة أو أعمال، فما بالك إن كان هذا الرئيس هو على رأس جريدة تمتلكها الدولة (تسمى جرائد قومية) وهو من وصف زملائه سجناء الرأي بالمتورطين بـ"قضايا جنائية".. ولا يمكن تحقيق توازن في ذلك بمنح "لجنة التأديب" لنقابي محسوب على المجموعة المعارضة المدافعة عن الحريات، فلا تأديب دون إحالة من جهة التحقيق ومن ثم فلا شيء على الإطلاق.

الفلسفة نفسها تنطبق على منح أمانة لجنة "التسويات" المسئولة عن النظر بقضايا الفصل التعسفي ـ التي تحولت لظاهرة جماعية في ظل تردي أحوال المهنة في مصر ـ إلى نقابي حديث اختارته الجمعية العمومية لدوره في تسهيل خدمات هامة في مجال خصومات السلع التموينية ولم يطرح في برنامجه أي بند يتعلق بالحقوق والدفاع عنها، بينما بعض من طرحوا ذلك تمّ تسكينهم في لجنة "الاسكان" دون أي شبكة علاقات لديهم تسمح لهم بتحقيق هذه الخدمات الهامة وتفعيلها. وإذا كان هذا هو الحال في لجان التحقيق والتسويات، فمن الطبيعي أن يسري على الأخطر، ألا وهو "التشريعات"، التي حصل عليها قطب رئيسي بجبهة المنحازين للدولة، وهذه لا توفر جهداً في إصدار القوانين المقيدة للحريات ناهيك عن ممارساتها في المجال. أما عن "لجنة الحريات" نفسها التي طالما كانت تاج نقابة الصحافيين فعلى الرغم من تكليف نقابي رئيسي في تيار الاستقلال بها، فهناك استفهامات تلوح سريعاً حول ما يمكن تحصيله في ظل نقيب يعلن انه ضد "مدرسة الإدانة"، ثم حين يتفاوض ـ وهو المطلب غير المختلف عليه ـ يكتفي بالاعتراف بالصحافيين النقابيين فقط، بل ويغفل بعضهم ويرتضي بإحالتهم جميعاً لقائمة الجنائيين.

لا يستقيم أن يكون رئيس تحرير هو رئيس "لجنة التحقيق" المنوط بها مساءلة رؤساء التحرير عن ممارساتهم المتعسفة ضد زملائهم انحيازاً للملاّك، سواء كانوا رجال سلطة أو أعمال.

مُنحت أمانة لجنة "التسويات" المسئولة عن النظر بقضايا الفصل التعسفي إلى نقابي حديث اختير لدوره في تسهيل خدمات هامة في مجال خصومات السلع التموينية، ولم يطرح في برنامجه أي بند يتعلق بالحقوق.

ملمح آخر يمكن التوقف عنده دون إصدار حكم، فهو أن يكون العضو الوحيد المعترض المنسحب من هذا التشكيل هو النقابي غير المحسوب على أي من التيارين، وكأنه فات حسبانه بين أي من "التربيطات"، وفي بيان لاحق قال: "رفضت سياسات الإملاء والإقصاء"، وبعد عدة أيام صدر عن نقابي آخر بياناً أوضح فيه أنه على الرغم من عدم انسحابه، لكن يريد أن يسجل اعتراضه على ما جرى، واشار إلى رفض النقيب وعدد من أعضاء الفريقين التصويت على مبدأ اتخاذ القرارات بالتصويت داخل مجلس نقابي منتخب.

أما الملمح الأخير الشامل الشارح، فهو ما جاء في عناوين البيان الختامي، فتم الاعلان أن النقيب/ الرئيس هو المشرف على لجان التسويات والحريات والتحقيق والتأديب والتشريعات، وهكذا اختمر التوافق في أجل صوره فتلخص في رجل واحد.

على الطريق

هكذا جاءت الملامح الأولى للإعلان المنتظر، ملامح قد تقول إن محاولة تطبيق شعار "لمّ الشمل" عنوة كان من الطبيعي أن يؤدي الى كل هذه التشوهات والى تمركز السلطة. ويطرح سؤال حول ما إذا كانت الأزمة في الأشخاص أم هي في النهج المتبع والذي بدأ بالحديث عن "التوفيق" وانتهى بنتائج اقرب لـ"التلفيق".. ألم يكن هذا متوقعاً في ظل لحظة احتدام عظمى يعاني فيها الطرف المدافع عن حقوق تنتهكها السلطة من ضعف شديد بينما التيار المؤيد لها يلتزم بموقفه ولا يطرح مبادرات، ولا يسعى لتنازلات، فيبدو أكثر تمسكاً بموقفه بل واعتداداً بذاته.

جاء الاختبار الأول شديد الصعوبة والحديّة بإلقاء أجهزة الأمن القبض على الكاتبين الصحافيين المصنفين ضمن القيادات الشابة لثورة يناير، "هشام فؤاد" و"حسام مؤنس"، وهي الأزمة الآخذة فصولها في التوتر وسط تباين في وجهات النظر داخل تيار الاستقلال النقابي نفسه حول مدى جدية وصحة المواقف والخطوات الصادرة عن النقابة، ليس للدفاع فقط عن أعضائها ممن تمّ اقتحام منازلهم فجراً وتهشيم أبوابها، ولكن دفاعاً عن "الحرية" نفسها في قضية قال عنها النظام "إحباط خطة الأمل"، ووجه خلالها اتهامات معتادة بنشر أخبار كاذبة وتبني أفكار هدامة تتلاقى مع أفكار جماعة إرهابية.

هذا وكانت الجمعية العمومية للصحافيين المصريين قد أصدرت في آذار/ مارس الماضي 19 قراراً وتوصية، منها ما يتعلق بإحالة رؤساء التحرير للتأديب في حالات الفصل التعسفي وإعلاء قيم "الحرية"، الدفاع عن الصحافيين المحبوسين بقضايا الرأي، مواجهة حجب الصحف، الوقوف أمام ممارسات التطبيع مع إسرائيل، إنشاء صندوق طوارئ لدعم الصحافيين الذين يعانون من حالات حرجة في السجن والمرض والفصل.

ولا زال في خانة الوقت لدى ممثليها المنتخبين ما يزيد عن عام ونصف لتأكيد صحة القراءات المشككة بهم او إثبات أنهم نافعون ويساهمون في تقدم "المهنة" التي تعاني من خطر داهم في مصر، وقد صنفت في ذيل سجل مؤشر حرية الصحافة لعام 2019 وفق البيان السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود".. فجاءت في المرتبة 163 بين 175 دولة.

مقالات ذات صلة

مقالات من مصر

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...