وعد ووعيد وزفة حجيج... ملامح "الأضحى" في مصر ليست جديدة

لا زال المصريون كغيرهم على وجه الأرض، يبحثون "وسط كل خرابٍ عما ليس خراباً"، يبحثون وسط كل كرَب عن التمترس وراء نهج البهجة، والتمرس في إبداع كل ما يجلب الفرحة للحياة... لكنّ الصورة ليست واحدة بلا شك، في ظل اتساع مرعب للفارق بين الطبقات اقتصادياً، وفي ظل تشظي أفكار اجتماعية تحصد تداعياتها "المرأة" قبل الجميع وفي كل حال.
2022-07-10

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
صلاة العيد في إحدى ساحات القاهرة

لا زال العيد في مصر كما هو، على الرغم من كل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، لا زال هو زفّات الذهاب والعودة للحجاج، ساحات الصلاة الصباحية، فرحة الأطفال وملابس وألعاب والعيدية النقدية، الزيارات والاجتماعات الأسرية حول طبق اللحم وطهو الأضحية.

لا زالت زفّات الذهاب والعودة للحجاج هي الأكثر تأثيراً وقدرة على إطلاق مناخ من الروحانيات، وبها يختلط اللون الأبيض لملابس الحج مع الأزرق والأخضر والأحمر التي بها ترتسم الطائرة والكعبة على جدران الحاج والحاجة ضمن مراسم الاستقبال.

لا زالت التكبيرات وترديد الملايين لها سراً وعلناً وفي المكبرات قبيل كل صلاة على مدار الأيام العشرة وحتى الوصول ليوم عرفات، فتصبح مصر كلها مشهد متلفز واسع ينقل توافد الحجاج صعوداً وهبوطاً ثم الاحتفاء بنهاية اليوم بالإفطار للغالبية مع صلاة المغرب ومن بعدها تنطلق أجواء الاحتفال من تعليق الزينة وإذاعة الأغاني القديمة والحديثة، وتهيئة الساحات لاستقبال المصلين في الساعات الأولى من الصباح الباكر.

في البين بين

لا زال به الكثير من البساطة والبهجة، وكذلك مشاهد موجعة بها شيء واضح من الهمجية حين يتم ذبح الأضحيات بشكل عشوائي في شوارع الأحياء الشعبية في القاهرة والمحافظات فتنتشر الدماء في كل مكان.

لا زالت الألعاب النارية وخطورتها العاتية التي تنتهي كل عام بإصابة عدد من الأطفال أو من الفتيات التي يتم استخدامها ضدهنّ كنوع من التحرش.

لا زال المصريون كغيرهم على وجه الأرض، يبحثون وسط كل خرابٍ عما ليس خراباً، كما يقول شعارنا هنا في "السفير العربي"، يبحثون وسط كل كرَب عن التمترس وراء نهج البهجة، والتمرس في إبداع كل ما يجلب الفرحة للحياة... لكنّ الصورة ليست واحدة بلا شك، في ظل اتساع مرعب للفارق بين الطبقات اقتصادياً، وفي ظل تشظي أفكار اجتماعية تحصد تداعياتها "المرأة" قبل الجميع وفي كل حال، وفي ظل غطاء سياسي غائم ملبد يسعى حثيثاً لأن يخلق مبررات لما يعاني منه المصريون من ضغط اقتصادي لعله الأسوأ في السنوات المئة الماضية، يمضي قدماً في مساره و"الأولويات" التي حددها للتنمية تحت مسمى "مصر الجديدة"، ويروج لها بشكلٍ فائق ليل نهار عبر الملصقات في الشارع التي تحمل صورة رئيس الجمهورية في كل مكان والشعارات المثبتة في القنوات الإعلامية، وكفواصل إعلانية وصولاً إلى إطلاق أولى اجتماعات مجلس أمناء ما أطلقت عليه السلطات "الحوار الوطني" ولا زالت المعارضة تتعامل في تردد بين القبول والرفض ولافتتها الأصيلة "وماذا عن البيوت الحزينة؟" أملاً في أن يشهد هذا العيد ما لم يشهده سابقه من تنفيذ وعد بخروج السجناء السياسيين.

يأتي العيد بألوانه على ملابس الأطفال وعلى تصفيف شعر الفتيات وفي الألعاب التي لا زال بعضها جميلاً كالمراجيح والموالد في الأحياء الشعبية والقرى... وبعضها بغيض في ظل سطوة الألعاب النارية. "العيد الكبير". هكذا هي التسمية المفضلة لدى المصريين، وكيف لا وهو عيد تحضر فيه ـ على الرغم من أي منغصات ـ روائح وروحانيات فريضة الحج، روائح وبهجة قدر اللحم والمرق، وفرحة الأطفال.

لا زالت التكبيرات وترديد الملايين لها سراً وعلناً وفي المكبرات قبيل كل صلاة على مدار الأيام العشرة وحتى الوصول ليوم عرفات، لتصبح مصر كلها مشهد متلفز واسع ينقل توافد الحجاج صعوداً وهبوطاً، ثم الاحتفاء بنهاية اليوم بالإفطار للغالبية مع صلاة المغرب ومن بعدها تنطلق أجواء الاحتفال من تعليق الزينة وإذاعة الأغاني القديمة والحديثة، وتهيئة الساحات لاستقبال المصلين في الساعات الأولى من الصباح الباكر. 

لا زالت كثير من الوعود التي لم تتحقق بل وتحول أغلبها لوعيد يستهدف الامتناع عن النقد وضرورة تحمل مزيد من الضريبة المجتمعية لإصلاح اقتصادي يستهدف إنعاش موازنة الدولة وتصاعد معدلات النمو الرقمية دون مراعاة لأبعاد العدالة الاجتماعية التي هي المطلب الرئيسي الذي حلمت به الملايين في "عيد يناير" بميدان التحرير، وتمنوا عندها أن يروا -بالفعل - مصر جديدة، ولا يمكن إرغام عقلهم الجمعي الآن على ترديدها دون لمس حقيقي لأثرها مهما بلغ مستوى الدعاية والترويج.

لا زال الأطفال في كل مكان يلهون، لا زال عدد السكان هو نعمة مصر ونقمتها وفق زاوية الرؤية والانحياز، لا زال العيد في مصر لا يقتصر على فئة أو طائفة في ظل أداء اجتماعي مترسخ يتمكن من تحويل العادات والأعياد الدينية لمراسم احتفالات اجتماعية تتميز بها مصر ـ ولا تنفرد ـ لكن تبقى علامة خالصة على خصوصية هويتها التي بها تجتمع عشرات الثقافات والروافد الحضارية.

هذه إذاً دعوة للانحياز لمحبة الحياة وتأمّل كل أشكال الفرح... على الرغم من كل شيء!

ساحات العيد

سارعتْ وزارة الأوقاف خلال الأيام الماضية للتأكيد مراراً وتكراراً على فتح المساجد الرئيسية لصلاة العيد، وفتح المساحات المخصصة داخل المساجد للسيدات، وتهيئة الساحات الرسمية وإتاحة الساحات الشعبية. يأتي ذلك بلا شك كرد فعل على القرار الذي تم وصفه من أغلب المواطنين في مصر بـ "الاستفزازي" الذي أطلقه وزير الأوقاف قبيل عيد الفطر الماضي بتحديد أماكن محددة لصلاة العيد وبسقف زمني قصير جداً وإلغاء كافة الساحات الشعبية، مبرراً ذلك بأنها إجراءات احترازية في مواجهة فيروس كورونا.

كان القرار استفزازي إلى حد كافٍ ليستنفر كل الإمكانات الشعبية في مصر للمواجهة بدءاً من سلاح السخرية على صفحات التواصل الاجتماعي إلى التوسع في الإعداد للساحات الشعبية دون خوفٍ من أي بطش أمني أو من العدوى خاصةً لكونها أماكن مفتوحة، وفي ظل حالة عامة لم تعد تعرف أياً من أشكال الفرض أو الاحتراز.

فجاء المشهد بشكل عام لافتاً ودالاً وكأنه أعلى درجات الاحتجاج والاحتفاء، وتوافدت إلى تلك الساحات في صباح ذلك العيد أضعاف الأعداد التقليدية التي كانت تحضر على مدار السنوات الأخيرة الماضية، مما دعا الرجل إلى التراجع سريعاً قبيل ساعات من صلاة العيد نفسها وتقديم توضيحِ ما وإعطاء موظفيه بالمحافظات تعليمات نتج عنها تعليق البالونات والزينات على مداخل المساجد الرسمية في مصر لأول مرة، وهو المشهد المتكرر وبشكل موسع خلال صلاة عيد الأضحى.

فقد كانت "الساحة الشعبية للصلاة" - وستبقى - علامة مميزة للأعياد الدينية الإسلامية في مصر التي يحضر فيها الطابع الشعبي بشكلٍ قادر على هضم أي صبغة يقف وراءها تيار سياسي أو مؤسسة رسمية أياً كانت، وأياً كان غرضها من المشاركة في تهيئة تلك الساحات. فالغلبة هناك تكون بالفعل للفرحة ولأهالي الأحياء الشعبية. وهناك رجال يشرفون على العملية العامة، وهناك شباب يتفانون في الإعداد ورسم الخطوط ووضع السجاجيد، وهناك سيدات يتبرعن بتوزيع الحلوى، وفتيات مبتهجات يكون هذا اليوم من الأيام القليلة التي يتواجدن فيها بشكل مكثف وملفت وفي أجواء عامة شبه آمنة. ثم يبقى الأطفال هم الفاعل الأول والمستفيد الأول أيضاً، فما أن تنتهي التكبيرات والسلامات والتهنئة بين المصلين تنطلق صفاراتهم وبالوناتهم والأغاني والرقص الطفولي في كل مكان... فيحضر "العيد".

اللحمة .. تكافل وفرحة وأشياء أخرى

في القرى والأحياء الشعبية تطوف سيارات تدعو الأهالي للتبرع بجلود الأضاحي للجمعيات الخيرية من أجل بيعها أو تصنيعها والاستفادة من العائد في توفير خدمات اجتماعية، وفي المساجد تعلو المكبرات تعلن عن بدء تلقي "حصص اللحم" المتبرَع به استعداداً لتوزيعه على الأكثر احتياجاً، بينما نشطت خلال السنوات الطويلة الماضية - حتى تحولت إلى عادة - ما يُعرف بـ "سهم الأضحية"، وهي أن يستبدل الكثيرون عادة ذبح الأضحية أو شراء اللحم وتوزيعه بدفع مبلغ محدد لمؤسسات كبرى تقوم هي بهذه العملية وإيصالها للأكثر احتياجاً في القرى والنجوع البعيدة.

وهناك عادات شعبية ما زالت شائعة تتعلق أيضاً بالأطفال وتنظيمهم زفة شعبية في ليلة العيد وصباحه للغناء للأضحية "الخروف" واستدعاء الجزّار، وهناك مشاهد شديدة البؤس والعنف من الذبح في الطريق العام وبشكل متوالٍ بما يجعل بعض الشوارع أشبه بحمامات الدم الكئيبة المقْبضة التي تضفي حينها على تلك البهجة ملامح همجية.

سارعتْ وزارة الأوقاف خلال الأيام الماضية للتأكيد على فتح المساجد لصلاة العيد، وفتح المساحات المخصصة داخل المساجد للسيدات، وتهيئة الساحات الرسمية وإتاحة الساحات الشعبية. يأتي ذلك كرد فعل على القرار الذي تم وصفه بـ"الاستفزازي" الذي أطلقه وزير الأوقاف قبيل عيد الفطر الماضي بحصر أماكن صلاة العيد وإلغاء كافة الساحات الشعبية، مبرراً ذلك بأنها إجراءات احترازية في مواجهة فيروس كورونا.

كان القرار استفزازي إلى حد كافٍ ليستنفر كل الإمكانات الشعبية في مصر للمواجهة بدءاً من سلاح السخرية على صفحات التواصل الاجتماعي إلى التوسع في الإعداد للساحات الشعبية دون خوفٍ من أي بطش أمني أو من العدوى خاصةً لكونها أماكن مفتوحة، وفي ظل حالة عامة لم تعد تعرف أياً من أشكال الفرض أو الاحتراز. 

وبين هذا وذاك يأتي غلاء الأسعار ليضع بصمته ويقول قوله. فقد ارتفع سعر كيلو اللحم في مصر لما يقارب ال200 جنيه بينما الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 2400 جنيه، وكانت السوابق واضحة سواء في شهر رمضان الماضي أو عيد الفطر والتراجع الملحوظ لحركة البيع والشراء في الأسواق.

بهجة العيد .. ملابس الأطفال والعيدية

ومن جديد تُلقي الأزمة الاقتصادية الطاحنة بظلالها ولكنها هذه المرة تطال الملمح الأكثر حضوراً وهو "فرحة الأطفال"، سواء بملابس العيد أو بتحصيل "العيدية" من الكبار، وهو ما تراجع بكل تأكيد ولكنه لم يندثر، وقد يعود ذلك إلى عدم قبول الأطفال بأعذار الكبار في هذا الأمر، فالعيد عيدٌ ولا ينفع معه أي إعلانات عن خطط اقتصادية سواء جاءت في شكل وعود أو وعيد.

تنشط في القاهرة والمحافظات أسواق الملابس المستوردة "فرز ثاني" أي التي تحمل عيوباً ما أو المستعملة وجميعها بأسعار في متناول اليد مقارنة بالمحال الكبرى التي تتفاوت في مستوياتها بما يسمح لبعض فئات الطبقة الوسطى من ارتيادها.

لا زالت كثير من الوعود لم تتحقق بل وتحول أغلبها لوعيد يستهدف الامتناع عن النقد وضرورة تحمل مزيد من الضريبة المجتمعية لإصلاح اقتصادي يستهدف إنعاش موازنة الدولة وتصاعد معدلات النمو الرقمية دون مراعاة لأبعاد العدالة الاجتماعية التي هي المطلب الرئيسي الذي حلمت به الملايين في "عيد يناير" بميدان التحرير.

يأتي العيد بألوانه على ملابس الأطفال وعلى تصفيف شعر الفتيات وفي الألعاب التي لا زال بعضها جميلاً كالمراجيح والموالد في الأحياء الشعبية والقرى... وبعضها بغيض في ظل سطوة الألعاب النارية.

**

"العيد الكبير". هكذا هي التسمية المفضلة لدى المصريين، وكيف لا وهو عيد تحضر فيه -على الرغم من أي منغصات- روائح وروحانيات فريضة الحج، روائح وبهجة قدر اللحم والمرق، وفرحة الأطفال. 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...