هل يمكن في القرن الحادي والعشرين أن تكون هناك دولة تمتد على رقعة شاسعة ما بين الساحل والصحراء وتطفو على حقول نفط من الدرجة الأولى، وألاّ توجد فيها شبكة مواصلات تربط أطرافها المترامية، مترو، قطار، أو محطات ووكالات باصات عامة.
تملك ليبيا استثمارات خارجية بعائدات تكتسح حسابات دول كثيرة في العالم. ولكن وخلال حكم القذافي لأربعة عقود، لم يحظ المواطن بخدمات توازي هذه الثروة. في العام 2011 ــ عام الثورات العربية التي قُتلت في مهدها ــ اكتشف الليبيون أن ثروتهم المنهوبة كان يُكدَّس بثمنها السلاح بأنواعه. مقابل ذلك أهُملت البنية التحتية لليبيا إهمالاً تاماً.
تاكسى أين أنت؟
التاكسي ذو اللونين الأبيض والأسود، وهو الوسيلة الوحيدة للتنقل، كانت الشوارع المتعطشة للأسلفت تضج به وتجده في كل الأوقات. فقد كان كثير من سائقي التاكسي في ليبيا من الأمن الداخلي، يختفون تحت أسماء مستعارة، ومهمتهم كتابة التقارير. كانت هذه المعلومة تُتداول قبل الثورة على سبيل الحرص على عدم التمادي في الشكاوى، أو ذكر اسم محدد أو حادثة طالما أنت في حضرة التاكسي! وبعد الثورة ظهرت وثائق ومستندات تحمل اسماء عُثر عليها في مبنى مديرية أمن بنغازي أبان اندلاع الثورة. بعد عام 2011 بدأ التاكسي في الاختفاء تدريجيا لتصبح "سيارة تأشير" بديلاً عنه. هكذا تُسمّى بين سكان المدينة، وهي سيارة خاصة يملكها مواطن ويجوب بها الشوارع الرئيسية والأماكن التى تعج بالناس محاولاً التقاط مواطن آخر أرهقته الحرب بين طوابير المخابز والمستشفى والمصارف التي تعاني من نقص السيولة النقدية، أو في البحث عن أوراق يثبت بها قضية يتابعها، كحلمه في الحصول على بديل سكن في حال كان من فئة النازحين في الحرب، أو كان يقف في الطوابير بانتظار دوره للحصول على حقنة تطعيم لطفله المولود، او طوابير اصدار جواز سفر فى زمن منُع الليبي من دخول نصف دول العالم إلا بتأشيرة وإجراءات قانونية صارمة.. تأشير ضوء السيارة للمواطن تعني الموافقة على اصطحابه والأسعار تبدأ من دينارين وما فوق. وأكثر المتضررين من غياب شبكة مواصلات محترمة تليق بآدمية البشر وتساعدهم لتخطي مشاكلهم هم كبار السن والنساء. وقد تمكنت بعض النساء اللواتي ترفضن التنقل عبر التاكسي او سيارة التأشير، من تخطي العقبات وشراء سيارات خاصة بهن، أسوة بالرجال، فالقانون في ليبيا أنصف المرأة ومنحها الحق في قيادة السيارة!
حكومات تتعاقب على ليبيا ولصوص لا حدّ لهم، ولا وجود لوزير مستيقظ الضمير يضع ملف المواصلات نصب عينيه باحثا عن حل لأوضاع المواطن البائس.