"نكدية".. الحيلة المخيفة لتكميم أفواه النساء

طرق "القصف" عديدة، لكن يبقى أسهلها وأشدها تأثيراً هو "الحقن تحت الجلد" الذي يسري بين العقول والأرواح ليخلق "صورةً نمطية"، أو بالأحرى "مقولةً ديكتاتورية" يستعملها النظام الأبوي بكافة شخوصه (زوج ـ أب ـ أم ـ أخ ـ رب عمل ـ أبناء) من أجل تكميم صوت النساء. وكلما فكّرت إحداهنَّ في الاختراق، واجهها سيف الاختلاق، فتصبح "نِكديّة".
نور بهجت - سوريا

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

- هي دي عيشتي يا "ذات"، وده اللي عندي، وإلا انتي عايزة نكد والسلام؟
- أنا حياتي معاك هي اللى نكد.. نكد يا "عبده" نكد!

هكذا هو الرد الدائم، المعتاد والدارج، الذي يعتمده أغلب الرجال باعتباره خلاصة الفهم والبلاغة، وتعتبره أغلب النساء ضرباً عاتياً من السماجة. وقد جاء هذه المرة على لسان "عبد المجيد" زوج "ذات" في الرواية التي حملت اسمها، وكتبها الروائي المصري "صنع الله إبراهيم"، ثم تحولت لواحد من أهم مسلسلات الدراما العربية في السنوات الأخيرة [1]. كان هذا المشهد هو "الذروة" واكتمال الحبكة، وذلك لسببين، الأول هو أن القائمين على العمل منحوا "البطلة" حق الانفجار، والثاني هو كونهم ارتقوا بـ "زوجها" عن رد الفعل الشائع لدى فئة غير قليلة أبداً من الرجال على اختلاف مشاربهم، وهو "العنف"، سواء اللفظي أو البدني.

في مقابل "ذات" التي صرخت، تناقل القرّاء قديماً قصة حزينة، مجهولٌ كاتبها، اسمها "بلا رأس"، تحكي عن امرأة لها عدد من الأذرع والسيقان، تقوم بعشرات المهام بينما غاب رأسها. هكذا يفضلونها ـ أغلبهم ـ بلا كلمة أو صوت، حتى ولو كان لها أجمل وجه. وقد يسعفها أحدهم فيثبّت فوق عنقها باقة من الزهر، ولكن على شرط أن يبقى له حق قصف هذا الرأس إذا نما في غفلةٍ منه ـ إثر بعض الارتواء ـ وفكّر في التحدي غير المرغوب فيه وتوجيه النقد.

طرق القصف عديدة، لكن يبقى أسهلها فعلاً، وأشدها تأثيراً هو "الحقن تحت الجلد" الذي يسري بين العقول والأرواح ليخلق "صورةً نمطية" أو بالأحرى "مقولةً ديكتاتورية" يستعملها النظام الأبوي بكافة شخوصه (زوج ـ أب ـ أم ـ أخ ـ رب عمل ـ أبناء) من أجل تكميم صوت النساء. وكلما فكّرت إحداهنَّ في الاختراق، واجهها سيف الاختلاق، فتصبح "نِكديّة".

الإحصاء والتدليل

في دراسة إحصائية أعدّها "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" في العام 2018 بعنوان "الصورة الذهنية للمرأة المصرية"، واستهدفت عينةً قوامها 3000 شخص (1500 ذكر، و1500 أنثى) أعمارهم بين 18 وحتى أكثر من 55 عاماً، يسكنون في المدن والأرياف، باعتبارها عينةً ممثلة للمجتمع المصري، تمت محاولة رسم هذه الصورة من خلال قياس النظرة المجتمعية لبعضٍ من السمات الإيجابية والسلبية المرتبطة بالمرأة، وكذلك التساؤل حول عدد من الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

في الأرقام المباشرة أولاً، وبعدها الدلائل:

77 في المئة من الإناث، و66 في المئة من الذكور يرون أن المرأة تتحكم فيها العاطفة، 37 في المئة من الإناث، و58 في المئة من الذكور أن المرأة تحتاج دوماً أن يكون هناك رجلٌ مسؤول عنها، 17 في المئة من الإناث، و37 في المئة من الذكور أن المرأة ليس لها قدرةٌ على اتخاذ القرار، 56 في المئة من الإناث، و38 في المئة من الذكور أن المرأة لا تستطيع مواجهة المواقف الصعبة.

لا تبيّن مجموعة الصفات التي تتعلق بقوة شخصية المرأة والقدرة على استقلالها، أنها "نكدية" ولا تطاق! بل يقرُّ الرجال بحاجتها لهم، وتقرّ النساء بذلك بحسب الأرقام، وهو ما يبطل فكرة "النكدية".

 ولكن الأهم في هذا الإحصاء الأول من الدراسة، ما يظهره من تقارب في رأي النساء بحاجتهنَّ للرجال في "القيادة" (بل تفوّق النسب لدى النساء المستطلعات على ما يقوله الرجال، في مجالين من أربعة مجالات!) مما قد يؤشر إلى أن النساء يستبطنّ صورةً عن أنفسهنَّ تشير إلى أنهنَّ ضعيفات بشكل ما، يحتجن للرجل ليكون مسؤولاً عنهنَّ، أو أنهن على الأقل أضعف من الرجال في مجال القدرة على اتخاذ القرارات. وهو ما يعني أن المنظومة الأبوية والذكورية تضم النساء أيضاً، وهي ليست أبداً حكراً على الرجال، بدليل الدور الذي غالباً ما تلعبه الأمهات مثلاً في الكثير من الممارسات القمعية، وفي تبني القيم الذكورية. وهذا ليس مستغرباً، ولولا ذلك لكانت تحققت المساواة المنشودة في الصفة الإنسانية: النساء ما زلن لم ينجزن تحررهنَّ الذهني والقيمي، طالما هنَّ يدافعن عن قيم وممارسات شائعة في المجتمع، وهي قيم وممارسات بطريركية وذكورية بامتياز، وتجعلهن في مرتبة أدنى.

تستيقظ في الصباح الباكر، تعد الفطار وتحضّر الأولاد وتنزل بهم لتتركهم عند والدتها وهي في طريقها للعمل، فتستقل بدلاً من الأتوبيس اثنين. تتخذ طريق العودة نفسه، تحمل أولادها، ومعهم توبيخ والدتها "بطّلي شكوى ودلع بنات". لا وقت لديها لتفكر. تعود لتلهث مع شرائح البصل والغسيل والمذاكرة، وتوفير بعض الجنيهات من عملها لشراء ماكينة خياطة للمساعدة في زيادة الدخل. 

تخلد للنوم منهكةً، بينما هناك زوج ذهب إلى عمله، وعاد في الرابعة عصراً، ليتمدد ويقرأ الجريدة، ويذهب إلى القهوة، ثم يعود ليطالبها ليلاً بأن تقدّم له "حقه الشرعي" ولا تحرمه بحجة التعب. تفعل ذلك في أغلب الوقت على مضض، ودون أن تتمكن يوماً من نسيان تلك اللحظة البشعة التي بترت روحها مع مشرط "الداية" حين أخضعتها والدتها للختان.

 أما فيما يتعلق باكتساب طباع سلبية على رأسها "النكد"، فجاءت النسب وفق ما يلي:

يرى 49 في المئة من الإناث، و69 في المئة من الذكور أن المرأة "رغّاية" (ثرثارة)، 23 في المئة من الإناث، و37 في المئة من الذكور أن المرأة تتحدث عادةً في أمور تافهة غير هامة، كما يرى 22 في المئة من الإناث، و45 في المئة من الذكور أن المرأة "نكدية"، 16 في المئة من الإناث، و22 في المئة من الذكور أنها "متسلطة"، ، 47 في المئة من الإناث و41 في المئة من الذكور أنها "عنيدة"، 48 في المئة من الإناث، و41 في المئة من الذكور أنها "غيورة"، 11 في المئة من الإناث، و18 في المئة من الذكور أنها "مهملة" في تربية أولادها.

النسب العالية التي تخص قناعات النساء بصفاتهنَّ في هذا الإحصاء الثاني تشير هي الأخرى إلى استبطانهنَّ لدونيتهنَّ، أو لما يشاع من صفات سلبية عنهنَّ، كأن ترى 49 في المئة منهنَّ (النصف!) أن النساء "رغّايات"، وهي صفة تتجاوز سلباً الثرثرة. وأما سائر النسب فمتقاربةٌ بين الإناث والذكور، مما لا يشير إلى انشطار في الوعي بين الفئتين.

ولكن، ما الذي يجعل المرأة غيورةً ونكدية في رأيهن ورأيهم؟! يقول الإحصاء:

يرجع 56 في المئة من الإناث، و28 في المئة من الذكور ذلك إلى "الإحباط"، 55 في المئة من الإناث، و64 في المئة من الذكور إلى "عدم الرضاء عن حالها"، 31 في المئة من الإناث، و34 في المئة من الذكور إلى "عدم التوافق الزوجي"، 30 في المئة من الإناث، و32 في المئة من الذكور إلى "عدم إشباع حاجتها"، 20 في المئة من الإناث، و25 في المئة من الذكور إلى "عدم الاقتناع بالزواج"، 59 في المئة من الإناث، و29 في المئة من الذكور إلى "إهمال الزوج لها"، 37 في المئة من الإناث، و22 في المئة من الذكور إلى "الملل"، 41 في المئة من الإناث، و20 في المئة من الذكور إلى "سوء المعاملة".

في المقابل، ماذا قالت العينة نفسها، حين تم توجيه الأسئلة حول السمات والطباع الإيجابية للمرأة المصرية؟

ترى 69 في المئة من الإناث، و63 في المئة من الذكور أن المرأة تتحمل المسؤولية، و 54 في المئة من الإناث، و46 في المئة من الذكور أنها "حنونة"، و53 في المئة من الإناث، و42 في المئة من الذكور أنها "معطاءة"، 50 في المئة من الإناث، و40 في المئة من الذكور أنها "مكافحة"، 44 في المئة من الإناث، و40 في المئة من الذكور أنها "وفية"، و42 في المئة من الإناث، و33 في المئة من الذكور أنها "مدبرة"، و47 في المئة من الإناث، و36 في المئة من الذكور أنها "مضحية".

تكشف هذه الأرقام زيف فكرة "النكدية". فكيف تكون المرأة نكديةً، وهي في الوقت نفسه "مكافحة" و"معطاءة" و"غير متسلطة"؟

تستبطنّ النساء صورةً عن أنفسهنَّ تشير إلى أنهنَّ ضعيفات، يحتجن للرجل ليكون مسؤولاً عنهنَّ، أو أنهن على الأقل أضعف من الرجال في القدرة على اتخاذ القرارات. وهو ما يعني أن المنظومة الأبوية والذكورية تضم النساء أيضاً، وهي ليست أبداً حكراً على الرجال، بدليل الدور الذي غالباً ما تلعبه الأمهات مثلاً في الكثير من الممارسات القمعية، وفي تبني القيم الذكورية.

كيف يمكن قراءة هذا الزخم من الأرقام؟ ذهب الباحثون في النتائج المستخلصة لاستخدام تعبير "سياق التناقضات". فوفق ما أظهره الاستبيان، فإن ما لا يقل عن 45 في المئة من كتلة هذا المجتمع، يرى "المرأة" نكديةً وتافهة ورغّاية وغيورة، وفي الوقت نفسه، مسؤولة وحنونة ومعطاءة ومكافحة.

ليس هذا فقط، بل يمكن قراءة المزيد من الدلالات التفصيلية. فعلى سبيل المثال، كانت الصفة السلبية الأقل حضوراً في أذهان الرجال هي "المتسلِطة". لا يرون فيها رغبةً في التسلط، لكنهم في الوقت نفسه يرون ميلاً لـ"النكد"، والسبب الرئيسي له في نظرهم "عدم الرضا بالحال"، بما يعطي انطباعاً عن عدم تقدير الظروف العامة، وما يكابده الرجل من ضغوطات خارجية. إلا أنه وفي الوقت نفسه، يعود أغلبهم ليصوّت لصالحها باعتبارها مضحيةً ومدبرة ومكافحة. أفلا يعطي هذا احتمالاً آخر حول أسباب "عدم الرضا" كما أسموه؟ هل يتعلق الأمر بباقي الأسباب التي صوتت لصالحها المرأة وعلى رأسها "الإحباط" و"إهمال الزوج لها"؟.

ومن ثم يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً، والذي يتطلب الإجابة، هو البحث عن أسباب الإحباط، وما كانت تنتظره المرأة داخل المجتمع، ولم تجده؟!

وفق نشرة "زواج وطلاق" الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2020، نرى أن عدد الزيجات قد تجاوز الـ 900 ألف، أما عدد حالات الطلاق فيزيد عن 225 ألف حالة، أي أن النسب والتناسب تشير إلى ما يعادل حوالي 25 في المئة بينهما.

في تعليق عام، قالت "نادية حليم" المشرفة العامة على هذه الدراسة التي استمر العمل عليها لمدة عام داخل أكبر مؤسسة بحثية رسمية: "أظهرت الدراسة مدى احتياج المرأة إلى "نموذج" يسعى المجتمع بكل مؤسساته لإقراره، فكل ما تم رصده يشير إلى تداعيات بقاء المرأة المصرية في موقع "التابع"، ولا بد من استقلالها لإيجاد حلول حقيقية لمشكلات عديدة، كالزيادة السكانية، والزواج المبكر، والحرمان من حقوق رئيسية، مما يساعد على المدى البعيد - ودون انفصال عن السياق العام للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المجتمع ككل - في خلق صورة ذهنية أكثر إنصافاً وعدالة، وأكثر تجاوباً مع التغيرات".

محاكم وتوثيق

لا يعترف كثيرون بما سبق، ويرون في التفسيرات الأكاديمية انحيازات مسبقة، لكن ماذا تنبئ به أرقام الزواج والطلاق في مصر؟

وفق نشرة "زواج وطلاق" الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2020، نرى أن عدد الزيجات قد تجاوز الـ 900 ألف، أما عدد حالات الطلاق فيزيد عن 225 ألف حالة، أي أن النسب والتناسب تشير إلى ما يعادل حوالي 25 في المئة بينهما.

متوسط العمر الزمني للمرأة عند الزواج 20-25 عاماً، وعند الطلاق 30-35 عاماً. أما وسيلة الطلاق الأولى بلا منازع فهي "الخلع" ـ كما ذكر التقرير ـ فالتجأت 104 آلاف سيدة (بما يعادل 88 في المئة من حالات الطلاق)، للتنازل عن كافة حقوقهنَّ، وخلع أزوجهنَّ عبر المحكمة لإنهاء الزواج. 564 سيدةً فقط من استطعن إثبات العنف الزوجي، بينما لم يزد عدد من تطلقن بسبب مرض الزوج عن 11 حالةً، أو بسبب سجنه عن 4 حالات، ويبلغ المتوسط الزمني الأعلى لعدد سنوات الزواج عند الطلاق بين 5 ـ 10 سنوات.

قالت دراسات متعددة لمؤسسات رسمية وغير رسمية، إن الأسباب الاقتصادية أمرٌ رئيسي. فقد وجدت دراسة للمجلس القومي للمرأة على عينة قوامها 2343 سيدةً، حصلن على حكم بات ونهائي بالخلع، أن الأسباب المادية رئيسيةٌ، وهي تتعلق إما بعدم تحمل الزوج للمسؤولية، أو بمحاولته ابتزاز المرأة والحصول على راتبها. وهي النتيجة نفسها التي توصلت إليها دار الإفتاء المصرية في بحثٍ استند إلى الاتصالات والاستفسارات التي يتلقونها قبل وقوع الطلاق.

يتفق هذا التفسير مع ما رصدته الأرقام حول العلاقة بين معدل أرقام الطلاق، والمستوي التعليمي والاجتماعي للسيدات، فيشير الإحصاء السنوي في المركز الأول إلى من لا يستطعن القراءة والكتابة، (في عام واحد تزوجت 299 ألف سيدة من هذه الفئة، وفي العام نفسه تطلقت 72 ألف سيدة)، وفي المركز الثاني تأتي حاملات الشهادات المتوسطة (ففي عامٍ واحد تزوجت 239 ألف سيدة من هذه الفئة، وتطلقت 55 ألف سيدة).

يعني تدني مستوى التعليم الفقر، ما يؤكد أن الطلاق ليس سببه زيادة الوعي والاستقلالية لدى السيدات، فلا يرضين بالظلم، ولكن بأن الأوضاع جائرة ولا تحتمل إلى الحد الذي يحمل النساء على اللجوء إلى الطلاق.

وفي اتجاه آخر، رصد التقرير إقبال 133 ألف رجل على الزواج من مطلقات، بما يعادل تقريباً ضعف عدد السيدات ممن وافقن على الزواج من مطلقين، وهو 72 ألف سيدة. ولعل الإحصائية تقول إن النساء يفضلن تجنب تجارب ثانية بائسة على تكرار زواجهنَّ! بينما عودة الرجل إلى الزواج لا توحي بأنه يعتقد أن المرأة نكدية بطبعها وضاغطة على من "يبذل قصارى جهده"، دون أن تدعمه هي وأنها "لا ترضى بحالها"؟ وهل المرأة التي تخلع الرجل تسعى للخلاص من "نكد حياتها" التي لا تجد فيها حدّاً أدنى من الإنصاف والعدالة، فتنجو بنفسها وأولادها، وتبدأ في تحمل المسئولية دون ضغوطات (السلطوية الذكورية) بعدما فقدت الحلم الرومانسي لحياة قائمة على "المودة والندية".

ذات القصة

بالنسبة لـ"ذات"، فهي لم تعد تهتم، منذ تلك اللحظة التي انفجرت فيها، أن تبحث عن إجابات أو أن تقدمها لأي طرف، لم تعد تهتم بأن يتهمها زوجها أو أمها بتلك الصفة أو غيرها، أصبح شغلها الشاغل، حين يستكين غضبها، أن يتغير هذا الواقع الذي دفعها لأن تصرخ بعد عشر سنوات من الزواج.

وجدت دراسة للمجلس القومي للمرأة، على عينة قوامها 2343 سيدةً، حصلن على حكم بات ونهائي بالخلع، أن الأسباب المادية رئيسيةٌ، وهي تتعلق إما بعدم تحمل الزوج للمسؤولية، أو بمحاولته ابتزاز المرأة والحصول على راتبها. وهي النتيجة نفسها التي توصلت إليها دار الإفتاء المصرية في بحثٍ استند إلى الاتصالات والاستفسارات التي يتلقونها قبل وقوع الطلاق.

بدأت الرحلة باختيارها أول زوج تقدم خوفاً -رغم صغر سنها- من العنوسة. رضخت لطلبه بترك الجامعة بحجة النخوة والغيرة على الرغم من معرفتها بحقيقة غيرته من شهادتها المنتظرة التي لا يحمل مثلها. وعدها بما أصبح حلمها الوحيد، "البيت السعيد"، لكنها وجدت نفسها وبعد أقل من خمسة أعوام، تستيقظ في الصباح الباكر تلهث من أجل إعداد الفطار وتحضير الأولاد والنزول بهم لتتركهم عند والدتها وهي في طريقها للعمل، فتستقل بدلاً من الأتوبيس اثنين. تتخذ طريق العودة نفسه، تحمل على كتفها أولادها، ومعهم توبيخ والدتها "بطّلي شكوى ودلع بنات". لا وقت لديها لتفكر، فهي تعود لتلهث أكثر مع شرائح البصل والثوم والغسيل والمذاكرة، ومن بعدها توفير بعض الجنيهات من عملها لشراء ماكينة خياطة للمساعدة في زيادة الدخل. وبعد كل ذلك تخلد للنوم منهكةً، بينما هناك زوج ذهب إلى عمله، وعاد في الرابعة عصراً، ليتمدد ويقرأ الجريدة، ويذهب إلى القهوة، ثم يعود ليطالبها ليلاً بأن تقدم له "حقه الشرعي" ولا تحرمه بحجة التعب. تفعل ذلك في أغلب الوقت على مضض، ودون أن تتمكن يوماً من نسيان تلك اللحظة البشعة التي بترت روحها مع مشرط "الداية" حين أخضعتها والدتها للختان.

تنظر إليه وتتذكر كل ما مرّ، تتذكر كل مُر، كيف لم يشاركها أيّاً من تلك المهام؟ وكيف تخلى عن كل وعوده باستكمال التعليم والترقي بالعمل وتوفير بعض الراحة لها بكسب مزيد من المال؟ تنظر إلى الجدران حولها، وقد تهالكت مثلها، تختزن وتختزن حتى تأتي حادثةٌ عارضة تبدو في عين "زوجها" العائد لتوه من العمل، تافهةً، لكنها تعينها أخيراً على ما احتاجته كثيراً، وهو أن "تنفجر" دون أن تبالي بتوابع الأمر. لم يكن "عبد المجيد" رجلاً مكافحاً ساعياً كملايين غيره من الرجال ممن يعانون تحت وطأة الظروف الاقتصادية في هذا البلد، لكنه أيضاً لم يكن رجلاً جباراً قاسياً، لم تنل معه ما تناله ملايين غيرها من وابل قسوة المشاعر والسخرية والإهانة والخيانة والنكران.

وفي كل الأحوال، بقي هو وهم أبناء ثقافة لا تلتفت لهذا السيل من الحقوق التي تُحرم منها النساء بسبب "النوع" ويستعاض عنها، إذا ما فكرت بالاعتراض، بإلصاق إحدى تلك الوصمات الأبدية بها، فتصبح من كانت في يوم زواجه منها ملكةً متوجة، "ست نكدية". 

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

  1- كتبت سيناريو المسلسل والحوار الكاتبة "مريم ناعوم"

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...