"السكن" الفلسطيني.. سياق من الهدم والتهجير والإحلال الاستعماري

تفيد معطيات مركز أبحاث الأراضي بأن الاحتلال الإسرائيلي دمر منذ النكبة عام 1948 أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية. وقدر عدد المنازل التي هدمها منذ ذلك الحين بنحو 170 ألف مسكن فلسطيني. وفي النكبة نفسها هُجر نحو مليون فلسطيني من المناطق المحتلة عام 1948 أصبحوا الآن سبعة ملايين في أنحاء العالم.
الجيش الاسرائيلي يشرف على هدم بيوت فلسطينية

هذا المحتوى هو مساهمة في ملف مشترك أنجز في إطار نشاط شبكة "إعلام مستقل من العالم العربي".

حظِي فيلم " المكان" للمخرج الفلسطيني الشاب عمر رمّال بملايين المشاهدات عندما نشره على منصات التواصل الاجتماعي خلال الهجمة الأخيرة على حي الشيخ جراح والقدس وما تلاها من عدوان على قطاع غزة ( أيار/مايو 2021). تتجلى حياة الفلسطيني وتفاصيله وذكرياته جميعها، كما يُظهر الفيلم، وهو من دقيقة ونصف، في بيته. لذلك يتحول البيت بمساحته الشخصية، المطبخ وغرفة النوم والمعيشة والحديقة، إلى ساحة صراع مع المحتل.

فبينما يعيش الفلسطيني تفاصيله اليومية ويبني أحلامه، تقوم في خلفية حياته سياسات اقتلاع مرئية وغير مرئية من الاحتلال ومستوطنيه، للسيطرة على هذا البيت/الحياة، وطرده منه ومنها، بما يحمل هذا من تهديد على حياته، وأمنه، واقتلاع من تاريخه، وسرقة ذكرياته وطمسها، في سعي لتغيير هوية المكان.

يروي الفيلم بشكل هادئ معنى البيت على لسان الأم، مطبخها الذي تعد فيه " أكلات بحُب لأبنائها"، والابن "غرفة المعيشة التي يلهو بها مع أصحابه"، وللابنة "بيت الألعاب" الذي أهداه لها والديها، وللأب "حديقته وفيها ظل الشجرة التي ورثها عن أبيه".. لكنه ينتهي بتكريس المعنى الإحلالي للاستعمار في فلسطين. عندما يُحمل صاحب البيت من مجموعة مستوطنين، سرقوا محتوياته شيئاً فشيئاً، ثم قاموا بإلقاء صاحبه خارجه، واحتلوا مكانه.

هكذا يصبح البيت هو الحيز المغلق على حياة عائلة صغيرة، وهو أيضا الوطن المستهدف بشعبه كاملاً. وفيه تمارس إسرائيل أنماط مختلفة من العقاب الفردي والجماعي، وعبر سياساتها التي تستهدف بيوت الفلسطينيين، تتم عمليات الترحيل وتهويد الأمكنة والأحياء والمدن، وكذلك عمليات العقاب على أي فعل نضالي فلسطيني.

هدم الاحتلال 6114 منزلا فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس خلال السنوات من 2009 إلى 2019. ولا يشمل هذا نحو 19 ألف منزل دمرها الاحتلال خلال حروبه الثلاثة (2009 و2012 و2014 ) على غزة. وبالطبع لا يشمل تدمير عشرات العمارات السكنية والمنازل في الحرب الأخيرة (مايو/أيار 2021) على غزة.

تقول الفلسطينية وفاء عبد الرحمن "هُجّر أبي – الحاج أبو حسين - إلى قطاع غزة من بلدته الصغيرة "دمرة" ( قرب بيت حانون شمالاً)، صبيا كان بعمر الخامسة عشرة، سكن مخيم اللاجئين في جباليا، ثم انتقل مستقلاً عن عائلته إلى مخيم خانيونس جنوبا. وحين تزوج انتقل للعيش في مدينة دير البلح وسط القطاع، مستأجراً بيتاً ورافضاً بشدة امتلاك منزل رغم قدرته المالية... كان أمله الكبير بالعودة إلى " دمرة" يتملكه، لم يخفت يوماً حتى بعد هزيمة 1967.

لم يستسلم الحاج أبو حسين لفكرة امتلاك بيت في بداية الثمانينات، أي بعد أكثر من ثلاثين عامًا من النكبة، ولم يسلّم للحظة أنه لن يعود لبيت أبيه، إلا بعد ازدياد عائلته واضطراره لتأمين سكن دائم لها.

من اثار العدوان الاسرئيلي على غزة

منذ عام 1948 بدأت علاقة الفلسطيني بالسكن تختلف، فالهجرة التي خلفتها النكبة آنذاك قلبت موازين معتقداته، والبيت الذي ورثه عن أجداده كما يحدث لكل الناس في العالم، أُجبر على مغادرته قسراً، تاركاً متعلقاته وذكرياته وتاريخ عائلته. لم يحمل معه إلا مفتاح البيت، وفي المفتاح اختزل نكبته، وأيضاً أمله بالعودة القريبة التي لم تتحقق منذ 73 عاما. بل تتجدد لأجيال فلسطينية جديدة كل حين.

____________
من دفاتر السفير العربي
النكبة 1948 بعيون اليوم
____________

عام النكبة كان علامة فارقة في إعادة صياغة فكرة "السكن" وعلاقة الفلسطيني بالـ"مسكن"، ولذا يبدو مصطلح "السكن" غريباً بعض الشيء في السياق الفلسطيني حيث استبدل بمصطلح "البيت"، وهذا الأخير صار رمزاً لوطن ولحقّ الإنسان في العودة إليه. وكلما تقدمت السنوات دون حل عادل لقضية اللاجئين، يزداد التمسك بـ"البيت" الذي تحول إلى حالة "نوستالجيا" تتوارثها الأجيال.

"البيت الفلسطيني" قبل النكبة

تميز المجتمع الفلسطيني بمعظمه، كمجتمع فلاحي، رغم سكن نسبة كبيرة منه في المدن المركزية. وفي المجتمع الفلاحي كان البيت مسطح واحد تحيطه أراض مزروعة بالأشجار والنباتات الموسمية.

وفي المدينة، ميّز الحجر "القُدسي" بيوت العائلات المترفة، والحجر العادي للعائلات متوسطة الدخل، في مجتمع اعتمد على التجارة والصناعات الصغيرة وما يقدمه البحر للمدن الساحلية.

في النقاش حول معنى "البيت" عند الفلسطيني، تستذكر وفاء عبد الرحمن، نص: "البيوت تموت إذا غاب سكانها" من قصيدة " لماذا تركت الحصان وحيداً؟" للشاعر الفلسطيني محمود درويش. وهي التي لم تزر مسقط رأس والدها في " دمرة"، لكنها تتوارث عنه الشعور الحزين ببيتها الذي مات في غيابهم.

في هذا النقاش أيضا، تستعيد الفلسطينية عزيزة نوفل ذكرياتها عندما قام الاحتلال عام 2005 بتفجير منزلها قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعد أن اعتقلوا زوجها، وتركت وحيدة مع أطفالها بلا مأوى. قالت: "شعرت أنني إنسانة معلقة بالهواء.. لا مكان لي".

في هذه البلاد، أي فلسطين، تُستخدم البيوت كعقاب في هدمها من أجل ترحيلهم، أو ترحيلهم ثم هدمها، أو لعقابهم على فعل مقاوم، أو في حملات تصفية جماعية كالحروب على غزة، أو ضمن سياسات تهويد واسعة للمكان كما يحدث في القدس والأغوار، شرقي الضفة الغربية، أو كوسيلة لتهديد الأسرى في السجون الإسرائيلية أثناء التحقيق، " فإما هدم المنزل وتشريد العائلة أو تقديم اعتراف".

500 قرية.. 170 ألف مسكن

تفيد معطيات مركز أبحاث الأراضي بأن الاحتلال الإسرائيلي دمر منذ النكبة عام 1948 أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية. وقدر عدد المنازل التي هدمها منذ ذلك الحين بنحو 170 ألف مسكن فلسطيني. وفي النكبة نفسها هُجر نحو مليون فلسطيني من المناطق المحتلة عام 1948 أصبحوا الآن سبعة ملايين في أنحاء العالم.

مقالات ذات صلة

وبحسب وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، فقد هدم الاحتلال 6114 منزلا فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس خلال السنوات من 2009 إلى 2019. ولا يشمل هذا نحو 19 ألف منزل دمرها الاحتلال خلال حروبه الثلاثة (2009 و2012 و2014 ) على غزة. وبالطبع لا يشمل تدمير عشرات العمارات السكنية والمنازل في الحرب الأخيرة (مايو/أيار 2021) على غزة.

وبالتوازي مع هدم منازل الفلسطينيين وطردهم، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة وحدها، بحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية، أربع مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

المخيم كمأوى مؤقت

على خلفية النكبة، ظهرت في فلسطين تجمعات سكانية سمّيت بالمخيمات، لأنها أقيمت بالخيام بدايةً واستقبلت عشرات آلاف اللاجئين من المناطق المحتلة عام 1948، والذين هربوا إلى الأجزاء التي لم تحتلها إسرائيل في حينه كالضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس..

في هذه المناطق أقيم مع تقدم السنوات، 27 مخيماً للاجئين تحولت من الخيام إلى الوحدات السكنية الصغيرة. وصار اللاجئين يضيفون إليها ما سمح به الحيز المكاني الضيق، حتى باتت أكثر المناطق الفلسطينية ازدحاماً.

خيام الفلسطينيين المهجرين التي ستتحول إلى مخيمات

هذا المكان لا يتيح لسكانه ترف اختيار النوافذ واطلالاتها أو إقامة سور أو شرفات، إنها في معظم الأحيان وحدات سكنية متراصة تسقط فيها خصوصية الإنسان وتفاصيل حياته.

وتسجل إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وجود نحو مليون و300 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون بمخيمات ومناطق الضفة الغربية والقدس، بينما يعيش نحو مليوني لاجئ في مخيمات ومناطق قطاع غزة.

وحتى اليوم، أي بعد سبعة عقود على النكبة، لا يملك أي من هؤلاء الفلسطينيين وثيقة ملكية لغرفة في هذه المخيمات، لأنها لا تزال مسجلة بملكية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ربما لذلك سمى اللاجئون أحيائهم وشوارع مخيماتهم بأسماء قراهم التي هجروا منها " كحارة الدوايمة" في مخيم الجلزون شمال رام الله، وعلى غرارها الكثير.

الهدم كعقاب مضاعف

وتستخدم إسرائيل سياسة هدم المنازل كإجراء عقابي يستهدف عائلات منفذي عمليات المقاومة سواء استشهدوا أو وقعوا في الأسر الإسرائيلي. رغم أن ذلك يدخل في إطار "العقوبات الجماعية" المحرمة في القانون الدولي، إذ لا يعاقب الإنسان بالقتل أو الأسر فقط، ولكن أيضا تعاقب عائلته بهدم بيتها وتاريخها وذكرياتها، إلى جانب فقدان ابنها.

منذ خريف عام 2015، حيث تصاعدت الهجمات الفلسطينية الفردية على أهداف إسرائيلية، صعّد الاحتلال من هدم منازل منفذي العمليات كإجراء عقابي ضد عائلاتهم. وسجلت المصادر الإسرائيلية هدم أكثر من 60 منزلا على هذه الخلفية خلال أعوام 2016 و2017 و2018.

بيوت الأغوار

على صفحة أخبار الأمم المتحدة باللغة العربية، وثّق مندوبو المنظمة الميدانيين صورة لحذاء امرأة، يبدو جديداً ولم تستخدمه صاحبته بعد. بدا الحذاء شاهدا على بقايا ناس في البقعة المسماة " حمصة" في سهل البقيعة حيث هجّر الاحتلال ست عائلات منها 24 طفلا، بعد أن هدم مساكنهم. وهذه كانت جزءا من حرب تشنها إسرائيل على الأغوار في العقد الأخير خاصة.

ويفيد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هدمت أو صادرت 474 مبنى فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة، منذ بداية العام الجاري.

وأوضح المكتب، في تقرير حديث له، أن "سلطات الاحتلال هدمت ما لا يقل عن 474 مبنىً من المباني التي يملكها الفلسطينيون، بما فيها 150 مبنىً موّلها المانحون، أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها، ما أدى إلى تهجير 656 فلسطينيا، من بينهم نحو 359 طفلًا، في مختلف أنحاء الضفة الغربية".

وحسب المنظمة الأممية، يمثل هذا زيادة قدرها 32% في عدد المباني المستهدفة، وزيادة تقارب 145% في استهداف المباني المموّلة من المانحين (معظمها مدارس ومراكز ثقافية)، وارتفاعاً يربو على 70 % في عدد السكان المهجرين، بالمقارنة مع الفترة المقابلة من العام 2020.

وقالت "أوتشا": إن "تدمير الممتلكات على نطاق واسع، يشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، وقد يرقى إلى جريمة حرب".

"بيتي القدس"

وتوثق هيئة مقاومة الاستيطان الفلسطينية، هدم الاحتلال نحو ألفي منزل في مدينة القدس وحدها منذ عام 2009 وحتى 2019، بحجة "البناء دون ترخيص من الاحتلال". وشهد حي وادي الحمص جنوب القدس المحتلة في تموز/يوليو 2019 أكبر عملية هدم طالت أكثر من 70 منزلاً دفعة واحدة، بحجة البناء بدون ترخيص، لكن السبب الحقيقي هو تأمين شارع تستخدمه دوريات الاحتلال العسكرية.

وبالإضافة إلى الحيلولة دون أي امتداد عمراني فلسطيني عن طريق مصادرة الأراضي وتشييد المستوطنات، لم تسمح إسرائيل للفلسطينيين سوى بالبناء والعيش على 13% من مساحة شرقي القدس المحتلة، مع تقييد كبير على منح تراخيص البناء.

هكذا تحول البيت في القدس إلى ساحة معركة وجودية "إما الفلسطيني أو محتله الإسرائيلي"، أو كما عبر عنه المستوطن الذي يحتل جزءا من بيت عائلة الكرد في حي الشيخ جراح:"إن لم أسرقه أنا، فسيسرقه غيري". لقد حوّلت إسرائيل حياة الفلسطينيين وميراثهم عن أجدادهم، ووجودهم الذي يعطي هوية للمكان، ليصبح نهبا "للسارقين".

لذلك، تستميت عائلة الكرد و28 عائلة في كرم الجاعوني بحي الشيخ جراح، ومئات العائلات في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، في الدفاع عن وجودها المهدد بالطرد في أية لحظة. وتشير المصادر الحقوقية إلى أن عدد المنازل المهددة بالهدم في القدس قد يصل إلى 20 ألفا، يسكنها ما لا يقل عن 140 ألف مقدسي.

وبمناسبة اليوم العالمي للموئل (المأوى) الذي يصادف الخامس من أكتوبر/ تشرين أول سنوياً، اعتبر "مركز حماية الحق في الأرض والسكن"، عقوبة "هدم المنازل ذاتيا"، من أقسى الجرائم التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسر المقدسية خاصة. حيث يُجبر صاحب المنزل على هدم منزله بيده كي لا يتكبد الاحتلال تكاليف هدمه من آليات بلدية الاحتلال الإسرائيلي.

وتظهر بيانات المركز، أنه وفي عام 2020، حيث أجبِر الناس على الالتزام في بيوتهم بسبب ظروف وباء كورونا، قام الاحتلال خلال الأشهر التسعة الأولى منه، بهدم 450 مسكناً ومنشأة في الضفة الغربية والقدس. ودفع ما لا يقل عن 80 مقدسياً إلى هدم مساكنهم بأيديهم.

وأجبرت سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تحاصر البناء الفلسطيني، لا سيما في القدس، على البناء بلا ترخيص أو الهرب لمحافظات الضفة الغربية، حتى بلغت حاجة المقدسيين وحدهم لحوالي 25 ألف وحدة سكنية لتغطية زيادتهم الطبيعية.

بفعل هذه السياسة، قامت في محيط القدس بلدات وأحياء لم توجد تاريخياً، مثل كفر عقب وشعفاط، التي لجأ إليها عشرات الآلاف من المقدسيين في حالة إحاطة موجعة بمدينتهم، يقيمون في أحياء متراصة وشقق صغيرة باهظة الثمن، ويدفعون عنها الضرائب الباهظة، كي يظلوا قرب عائلات وأقاربهم وأعمالهم... هكذا يصبح البيت مأوى في الجوار.

تستميت عائلة الكرد و28 عائلة في كرم الجاعوني بحي الشيخ جراح، ومئات العائلات في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، في الدفاع عن وجودها المهدد بالطرد في أية لحظة. وتشير المصادر الحقوقية إلى أن عدد المنازل المهددة بالهدم في القدس قد يصل إلى 20 ألفا، يسكنها ما لا يقل عن 140 ألف مقدسي.

ولبيوت القدس القديمة خاصة رونقاً مختلفاً، إذ عبرت عن الحالة الاجتماعية والثقافية المزدهرة لعائلات المدينة قبيل نكبة فلسطين التي التهمت الجزء الغربي منها، ثم أكملت على نصفها الشرقي بعد حرب 1967.

هذا ما حدا بالمؤرخ والناقد الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد للكتابة قائلاً: "الأرض كلّها فندق وبيتي القدس". رغم أنه عاد إلى مسقط رأسه في القدس بداية التسعينيات، بعد نحو 40 عاماً من الغياب، ليجد بيت عائلته بحي الطالبية غربي القدس وقد احتله الغرباء. حتى أنهم لم يسمحوا له بالدخول لتفقده.

تتفق مأساة إدوارد سعيد الواقف أمام بيته ممنوعاً عنه، مع قصيدة سالم جبران وفيها حوار بين اللاجئ وبيته، متخيلاً نفسه عائداً إلى صفد:

"غريب أنا يا صفد

وأنتِ غريبة

تقول البيوت هلا!

ويأمرني ساكنوها: ابتعد".

في مبادرات حديثة تتحدى فقدان الذاكرة، ينشط فلسطينيون كطارق البكري، وجهاد أبو ريا وغيرهم، في الوصول إلى بيوت العائلات الفلسطينية المهجرة في القدس ويافا وحيفا وغيرها، ليعيدوا تذكير من تبقى من أصحاب هذه المنازل وأحفادهم الموزعين في الشتات، بجذور أجدادهم وربطهم بها، رغم أن معظمها مسكونة بالمستوطنين.

ولا يغادر "البيت المسروق"، الكثير من الأدبيات الفلسطينية، إنه المكان الأغلى من الإبن حتى، كما صوّره الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني في روايته "عائد إلى حيفا".

عندما عاد سعيد وزوجته صفية إلى حيفا، وتمكنا، لأول مرّة منذ تهجيرهما، من الوصول إلى منزلهما الذي احتله الغرباء، راحا يتفقدان طلائه ومقتنياته وريش الطاووس التي بقيت هناك في مزهرية منذ عشرين سنة. بينما طُردوا هم وفصلوا عن ابنهم "خلدون"، الذي أصبح كالتركة، ورثه المستوطنون مع البيت، وربّي على أنه منهم قبل أن يجنّد في جيش الاحتلال ضد وطنه وأبيه وأمه وشقيقه. 

هذا النص هو مساهمة "جمعية فلسطينيات" في ملف "السكن في العالم العربي: بين الحق والضغوطات" الذي يندرج ضمن نشاطات شبكة "إعلام مستقل من العالم العربي".

_____________
شبكة "إعلام مستقل من العالم العربي" هي إطار تعاون إقليمي تشارك فيه "السفير العربي"، "مدى مصر"، "ماشا الله نيوز"، "نواة"، "حبر"، "باب المد" و"أوريان XXI".

مقالات من فلسطين

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

وليد دقة الذي عاش ومات حرّاً

2024-04-11

عاش وليد دقّة غصباً عن القيد، غصباً عن السجان، غصباً عن الزنزانة، غصباً عن دولة الاحتلال بأكملها، غصباً عن العالم المختلّ بأسره، غصباً عن المرض أيضاً، غصباً عن العمر المنهوب...